المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية العرب بين التوسل والتسول



MandN
30-04-2002, 10:18 AM
عبد الباري عطوان:

فجر الدكتور عاطف عبيد رئيس وزراء مصر قنبلة سياسية من العيار الثقيل عندما اعلن في حديث ادلي به لصحيفة الاتحاد الاماراتية استعداد بلاده لخوض حرب ضد الدولة العبرية، شريطة ان يضع العرب تحت تصرفها مئة مليار دولار عدا ونقدا لتغطية نفقات هذه الحرب.
هذا الاعلان الصريح الواضح حمل في طياته اكثر من مفاجأة، مثلما أثار العديد من علامات الاستفهام، لانه صدر عن ثاني اهم مسؤول مصري، وبعد ايام معدودة من تصريحات للرئيس حسني مبارك قال فيها ان جيش مصر ليس جيشا من المرتزقة، وواجباته محصورة في الدفاع عن بلاده فقط.
الدكتور عبيد باقدامه علي هذه السابقة الخطيرة، اخطأ اخلاقيا واصاب سياسيا، اخطأ عندما ربط مبدأ الدفاع عن الامن القومي الوطني والعربي بالمال، وهو ربط يسيء الي مصر وتاريخها الوطني والحضاري، ومواقفها الرائدة في الدفاع عن قضايا الحق والعدل في المنطقة والعالم، واصاب عندما اوضح مكامن الخلل في النظام العربي العام، والقي بالكرة في ملعب الاخرين دون مواربة.
فمصر كانت عفيفة دائما في تعاملها مع مسائل الحرب، والدفاع عن كرامة الامة وحقوقها، وجيشها تحمل دائما المسؤولية الاكبر في التصدي لكل الغزاة في حقبات التاريخ المختلفة، ولم نسمع او نقرأ يوما ان مصر حاربت من اجل المال، او طلبت ثمنا لحروبها ضد اسرائيل او الهكسوس او التتار او المغول او الصليبيين.
وتكفي الاشارة الي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي رفض في قمة الخرطوم وهو الخارج لتوه من هزيمة حزيران (يونيو)، ان يأخذ فلسا واحدا من المملكة العربية السعودية وغيرها غير المئة مليون دولار التي كانت تعود الي الخزينة المصرية من رسوم قناة السويس، اي المصدر الوحيد للعملة الصعبة في ذلك الوقت.
ونجد لزاما علينا، ومن منطلق الموضوعية الصرفة، ان نتفق مع الدكتور عبيد والرئيس مبارك من قبله في ان الحرب ليست نزهة، وتتطلب امكانيات مالية هائلة لتغطية تبعاتها، والدمار الاقتصادي والبشري الذي يمكن ان يترتب عليها، ولكن مطالبة مصر بمبلغ مئة مليار دولار لا تعكس نوايا حقيقية في خوض الحرب، وانما جاءت من اجل التعجيز، وايجاد الاعذار والمبررات لعدم الاقدام علي اي خطوة عملية في مواجهة المجازر الاسرائيلية في حق شعب اعزل.
فقد كنا وما زلنا نتوقع ان تدعو مصر الي قمة عربية، علي غرار قمة الخرطوم الشهيرة، وان تضع العرب امام مسؤولياتهم، وان تضع نقطة واحدة علي جدول الاعمال وهي وضع استراتيجية بديلة لـ سلام الشجعان مدعومة بصندوق مالي لتمويل الخيارات الاخري، وعلي رأسها خيار الحرب، وتعويض اي قطع متوقع للمساعدات المالية الامريكية بسبب التوجه الجديد. ولكن الحكومة المصرية لن تدعو الي مثل هذا المؤتمر، لانها لا تريد ان تقود هذه الامة نحو الكرامة واستعادة الحقوق، ووضع حد للعربدة الاسرائيلية.
نحن ندرك ان الزمن تغير وان العرب تغيروا ايضا، فالقواعد الامريكية تنتشر مثل البثور المتقيحة في اكثر من دولة عربية خليجية، والمملكة العربية السعودية غير مستعدة لفتح ترسانتها من طائرات ودبابات ورادارات التي اشترتها بعشرات المليارات من الدولارات امام اي مجهود حربي عربي، حتي لا تغضب واشنطن، كما ان الاردن الذي رفض وصول ذخائر للانتفاضة لا يمكن ان يسمح بفتح جبهته في اي حرب قادمة، اما الحكومة السورية فتتجنب الاقدام علي اي خطوة من شأنها ان تؤدي الي سقوط قذيفة واحدة علي دمشق، ناهيك عن فتح جبهة الجولان.
الدول العربية لا تريد ان تحارب لان مصر لا تريد ان تحارب، ولكن خيار الحرب يمكن ان يكون بالتدرج، اي ان تبدأ مصر باتخاذ قرارات سيادية لا تتعارض مع معاهدات السلام مثل اغلاق السفارة الاسرائيلية في القاهرة ومنع هبوط الطائرات الاسرائيلية في المطارات المصرية، واغلاق انابيب النفط المصري التي تتدفق الي مصافي تل ابيب وحيفا.
السيد صفوت الشريف وزير الاعلام المصري قطع الشك باليقين، عندما ادلي بحديث الي التلفزيون المصري قال فيه ان الرئيس مبارك حسم موضوع محاولات توريط مصر وجرها الي الحرب، مشيراً الي ان مصر لا تتورط فهي واعية وحافظة تماماً لمقدراتها وتعرف كيف تحافظ علي سيادتها.
ولا نعرف من يقصد السيد الشريف عندما يتحدث عن جهات تريد توريط مصر في الحرب، فهل هو يقصد ابناء الشعب المصري الشرفاء وهم الاغلبية الساحقة الذين تظاهروا متسائلين عن الدور المصري واسباب تقاعسه عن اداء واجبه في نصرة الاشقاء، ام الجماهير العربية التي تطالب مصر بقطع علاقاتها مع الدولة العبرية باعتبارها الرائدة والقائدة وقلب العروبة الحي.
ولا بد ان السيد الشريف، وهو اطول وزراء الاعلام العرب عمرا في منصبه، يدرك ان الحروب اقدار، وجميع الحكومات تقاتل دفاعا عن امنها ومصالحها. كما ان ليست جميع الحروب تتم بين قوي متكافئة، والشعوب الحية هي التي تدافع عن نفسها بشهامة حتي لو كان الخصم اكثر منها قوة وعتاداً.
الزعماء العرب يملكون اسباب القوة، ولكنهم يفتقدون الشجاعة والقدرة علي اتخاذ القرار، فنصفهم يتوسلون تدخل الولايات المتحدة لوقف العدوان الاسرائيلي علي الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ونصفهم الآخر بقيادة مصر تتوسل المليارات كشرط للتفكير بحرب اسرائيل، وبين النصفين تستمر عمليات الاذلال والمهانة التي يتعرض لها العرب.