المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية دم مخيم جنين



MandN
01-05-2002, 10:44 AM
رشاد أبوشاور:

مخيم جنين عنوان لعظمة شعب، وقدرته علي التحمل، والصبر، والإبداع في المعركة تحت أسوأ الشروط والظروف...
جرّافات العدو تهدّم بيوته، وكأنما ستقتلع كل أثر له، وما ينقص جنرالات العدو الصهيوني فقط أن يحرثوا أرض المخيم ويرشوها بالملح حتي لا ينبت الفلسطينيون في تلك الأرض من جديد...
أليس هذا ما فعلته جيوش روما بعد أن اجتاحت قرطاج الكنعانية؟
الفرق أن قائد الجيوش الرومانية (شيبيون) وقف ينتحب بصوت عال، وهو يري ما يحدث. وعندما استفسر منه المؤرخ الروماني الذي رافق الجيوش الرومانية عن سر بكائه، أجابه (شيبيون) بحكمة تنقص الجنرالات الصهاينة:
ـ أخشي من ذلك اليوم الذي تزحف فيه جيوش، وتنتصر علي روما وتفعل فيها نفس الشيء!
كان تلك الحكمة صادرة عن قائد عسكري روماني، سليل حضارة، برغم ما شابها من عدوانية عسكرية، إلاّ أنها لم تكن تفتقر إلي الخبرة، والحكمة. فمن أين لجنرالات الصهاينة الملمومين من بقاع العالم والذين لا يجمعهم سوي الحقد التوراتي، وكراهية العرب، والرغبة في القتل تعويضاً عن عقد النقص، والخوف الدائم الذي يستوطن نفوسهم لأنهم يعرفون بأنهم يسرقون وطناً لشعب عريق، ويصارعون أمةً لا بدّ ستنهض وتعاقبهم.
لم نكن ننتظر من بيوت مخيم جنين المتواضعة، ومن تلك القبضة من الشباب والفتيات، والأهل المقاومين، ببنادقهم المتواضعة وذخائرهم القليلة، والعبوات التي صنّعوها محلياً، أن تهزم جيش العدو، بدباباته، وطائراته، وصواريخه.
بل لنكن صرحاء، فحتي نحن الفلسطينيين داخل الوطن، وفي المنافي أدهشتنا هذه البطولة، وهذا الصمود، وتعلمنا من هذا المخيم الشاهد والشهيد، ومن أرضه، وبيوته المحترقة، فاضت روح البطولة علي أمة بأسرها، فصار المخيم، مخيم جنين ملهماً، وبشارة بنصر مؤزر قادم.
مخيم جنين قال بالدم ن واللحم الحي، إن شعباً يتسلح بالإيمان بحقه، ويؤثر الكرامة علي حياة الهوان الخنوع، قادر علي الانتصار.
مخيم جنين انتصر، رغم الدمار، وعدد الشهداء، والجرحي النازفين، لأن روحه دخلت في صدور، وعقول، ونفوس ملايين العرب من المحيط وحتي الخليج، ولذا رأينا الشباب يزحفون في شوارع المدن العربية، وقد حدّدوا عدوهم: أمريكا والكيان الصهيوني.
مخيم جنين معركة من معركة كبري فاصلة، العدو بهجومه المحشود له أراد أن يجعله عبرة لغيره، ولكنه كان عبرة غير تلك التي أضمرها العدو وأعدّ لها.. عبرة للبطولة، والاستبسال، وكان أن أذلّ جيش العدو، وجنرالاته، بحيث اضطر رئيس الأركان (موفاز) أن يعزل قائد جيشه الميداني ويتقدم هو بنفسه لمواجهة مخيم الشهادة والبطولة المعجزة...
يعرف العدو الآن، وهو يحصي خسائره، وفي مقدمتها انكسار هيبة جيشه، وهبوط معنوياته ـ وهذا ما تعترف به صحافته، وكثير من المحللين العسكريين ـ أن مخيم جنين هو المقدمة الحقيقية لمرحلة بدأت وستنتهي حتماً بالنصر المؤزر للشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، وأن هذه الهجمة الوحشية التي ينفّذها الجيش الصهيوني ستنكسر، لأنه وبعد أن أخرجه اتفاق (أوسلو) من المدن الفلسطينية الرئيسة، وأدخل الفلسطينيين في معازل، وسجون، لن يكون أمامه من خيار سوي الهرب تحت ضربات المقاومة التي ستتأجج في الأيام القادمة، أو الهلاك في المدن، والمخيمات، والقري تحت ضربات المقاومين البواسل. وما عملية (حيفا) الاستشهادية التي أذهلت العدو سوي البداية، والدليل علي ما نقول، لأنها أثبتت علي فشل عملية (الجدار الحامي) فهي وقعت في حين كانت قوات جيش العدو تحكم الطوق علي كل الطرق، والممرات، وتستنفر وقوّاتها براً وجواً.
إذا كان مخيم جنين قد حددّ العدو من الصديق، وأنهي أكاذيب الخطاب الرسمي القائل بأن أمريكا وسيط نزيه، فإنه ـ بما يمثّله من تضحيات، وروح استشهاد ـ قد فضح العجز العربي الرسمي، وهذا ما يدفع جماهير الأمة اليوم، من إدانة نظم (سايكس ـ بيكو) التي هي سبب ضعف الأمة وهوانها.
مخيم جنين سقطت بيوته ودفنت سلام (أوسلو)، وعرّت سلام (كامب ديفيد) وسلام (وادي عربة)، وفضحت وحشية النظم الرسمية التي تقمع الجماهير، وتطلق عليها قذائف الغاز، والرصاص المطاطي، الذي تزود به قوّات أمنها ـ قوّات القمع ـ من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثمّ نعود للتأكيد علي أنه لم يكن مطلوباً من مخيم جنين أن ينتصر علي أقوي جيش في الشرق الأوسط ن الجيش المسلّح بكل ما في الترسانة الأمريكية، ومعجزته هي في كــــل هذا الصمود، وما ألحقه من خسائر في صفوف جيش العدو، وفي روح الاستشهاد العظيمة التي ميّزته قيادةً ومقاتلين، جماهير عزلاء ومجاهدين ومناضلين.
لقد أعاد مخيم جنين الثقة في جماهير الأمة، وبقدر ما ملأ نفسها بالمرارة من تقاعس وتواطؤ نظم (سايكس ـ بيكو) فإنه ملأ نفوس ملايين العرب بالفخر، والغضب، والعودة لاحتضان فلسطين كقضية قومية أولي مقدسة.
لقد أراد العدو الصهيوني أن يمرّر علي الأمة سلامه الخاص، أي سلام سيطرته، وهيمنته علي فلسطين تماماً، والنفاذ للتحكم اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً بالأمة العربية، ولكنه فوجئ، وصدم وهو يكتشف أن سلامه مع الحكّام العرب ليس نفس السلام مع الشعب الفلسطيني والجماهير العربية.
نعم، سلامنا نحن ملايين العرب ليس سلام كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة.
وهذا ما كتبه الدم الفلسطيني في مدننا، وقرانا، ومخيماتنا، ولا سيّما في مخيم جنين.. وهو ما كتبه دم شبابنا وشاباتنا في شوارع المنامة بالبحرين، والإسكندرية بمصر، ومخيم البقعة والجامعة الأردنية وشوارع عمّان بالأردن. وما أطلقته حناجر الملايين في الرباط عاصمة المغرب، وفي شوارع كل دول الخليج، وتحديداً في مدينة (الدمّام)، والجامعات السعودية.. وفي كل المدن والعواصم العربية، والقري البعيدة التي لا تراها عيون الكاميرات.
دم مخيم جنين لم، ولن يذهب هدراً، فهذا المجد اللائق به، يعطي ثماره بأقصي سرعة..
دم مخيم جنين الشهيد والشاهد، دم شعبنا في كل موقع، سيكون له ثمن كبير ومجيد: حرية فلسطين، وعلو راية شعبنا، ونهوض أمتنا.
www.alquds.co.uk (http://www.alquds.co.uk/alquds/articles/data/2002/05/05-01/g20.htm)