المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية نشرة الإصلاح العدد 312 بتاريخ 29 أبريل 2002 (ممنوع من النشر)



waleed700
03-05-2002, 03:09 PM
بيان المثقفين
تأمل ودراسة

نشرة الإصلاح العدد 312 بتاريخ 29 أبريل 2002
نشر يوم أمس بيان وقع عليه مئة وخمسون من العلماء وأساتذة الجامعات والمثقفين والكتاب على شكل رد على بيان لمثقفين أمريكان صدر بعد 11 سبتمبر. ووقع على بيان أمس شريحة واسعة من التيارات من الرجال والنساء. وتحدث الخطاب عن عدة محاور تناولت قضية الحوار والأرهاب والحقوق وغيرها. و الحركة ليست في مقام التقويم لجهد يصدر عن أمثال هذه الأسماء الكبيرة من أمثال المشايخ عبدالله بن جبرين وسلمان وسفر وعبد الوهاب الطريري وعبد العزيز القاسم وغيرهم، لكن الحركة لديها رسالة ومسؤولية أمام جمهورها تفرض عليها التعامل مع هذا الخطاب بلغة التقويم.

نقاط تستحق الإشادة
قبل أن نعطي وجهة نظرنا في الخطاب وسياقه نود أن نثني على قضايا معينة تستحق الإشادة بغض النظر عن المحتوى.

أولا: مجرد ظهور خطاب جماعي من هذا القبيل يتناول قضية عالمية ويرد على بيان صادر من جهات تمثل منظومة فكرية أخرى هو دليل على اهتمام وإيجابية وقدرة على الإنتاج الفكري بغض النظر عن التحفظات التي سنثيرها.

ثانيا: يمثل النجاح في جمع هذا العدد الكبير استعادة لقابلية العمل الجماعي التي كانت ظاهرة في المشروع الإصلاحي بعد أزمة الخليج قبل أن تقرر الدولة قمع هذا المشروع. ومع أن محتوى هذا الخطاب ليس فيه مواجهة للنظام، بل ربما حظي المحتوى بمباركة من النظام، ألا أن النظام مع ذلك لا يرحب بالخطابات أو البيانات الجماعية حتى لو رضي عن محتواها، خاصة إذا نشرت. وكون البيان تناول قضية ثقافية وحضارية ليس فيها طابع مواجهة ألا أن هذه الممارسة والثقافة لا يمكن أن توقف.

ثالثا: تعتبر قائمة الموقعين على هذا البيان نموذجا جيدا لجمع الكلمة لكل من يؤمن بالثوابت الدينية ويحترم قيم الإسلام. وبقدر ما نحذر من تجنب من عرف عنه انحراف فكري وعقدي أو تجنيد النفس للطغاة والظلمة فإننا نشجع في المقابل على احتواء من يجتمع معنا في مظلة ثوابت الإسلام ويرفض أن يكون أداة بيد الظلمة ومبررا لانحرافهم. ولعل وجود أسم الشيخ بن جبرين والشيخ سفر والشيخ سلمان جنبا إلى جنب مع محمد سعيد طيب ومنصور الحازمي يجسّد هذه المعاني.

رابعا: وقع على البيان عدد كبير من الشخصيات النسائية المعروفة في المجال الأكاديمي والثقافي والصحفي. وهذه كذلك نقلة نوعية جيدة في مجال العمل الإصلاحي في المملكة. ونحن بحاجة ماسة لإيجاد الفرصة الصحيّة والسليمة لتفعيل دور المرأة ليس في ميدان مشاركتهن في بيان جماعي كهذا فحسب بل في برنامج شامل لدور أكثر إيجابية في المساهمة في التغيير.

أسس تقويم البيان
يستدعي الحكم على البيان استعراض بعض الحقائق والملاحظات في سياق إصدار البيان وظروفه. من هذه الحقائق والملاحظات:

- كان البيان الذي أصدره الأكاديميون الأمريكان والذي أشير إليه في صدر بيان أمس بيانا مليئا بالفوقية والشعور بالمرجعية للعالم كله رغم محاولة كتابه المحافظة على موضوعية مزعومة. واحتوى البيان الأمريكي على نقطتين هامتين تجسدان هذه الفوقية هي سمو المشروع الأمريكي من جهة وخطورة الإسلام السياسي من جهة أخرى. ولذلك كانت رسالة البيان الأمريكي هي تجريد المسلمين من منظومة الفكر السياسي الإسلامي واستبدالها بالفكر العلماني.

- لم تتم صياغة البيان الأمريكي على طريقة التجرد والإنصاف والرأي الأكاديمي الحر العادل والمتوازن رغم أنه صدر عن أكاديميين، وذلك لأنه أعد في فترة ذروة المشاعر الأمريكية الغاضبة بعد أحداث سبتمبر. ولهذا السبب تحول البيان إلى مجرد تنظير أكاديمي لنفس ما يطرح في وسائل الإعلام الأمريكي مع شيء من التلطيف الفكري والتأريخي والنقاش الحضاري. ولذلك فقد غلبت مدرسة فوكوياما وهنتنعتون -الموقعين على البيان- والمتبنية للهيمنة الغربية على لغة المفكرين الأمريكان العارفين بالمشروع الإسلامي.

- تمثل الولايات المتحدة بلدا معقدا بمؤسسات مختلفة المسؤولية ومختلفة الطبعية متداخلة تداخلا متشابكا ومعقدا. أمام هذا التشابك يختزل دور المفكرين والأكاديميين وحتى المختصين في العلوم الإنسانية منهم في التوجيه المصلحي لهذه الدراسات. وأمام الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية لأمريكا في العالم يجد الباحثون أنفهسم في ميدان الخادم للفكر الاستراتيجي فقط لإبقاء هذه الهيمنة وليس في ميدان تعلم العلم لذاته وفهمه بعمقه الحقيقي. وهذا من أسباب صعوبة إدراك الأمريكان للتحدي الإسلامي على طبيعته الحقيقية ويجعل الجهل بالعالم الذي هو طابع الشارع الأمريكي موجودا حتى في المؤسسات الأكاديمية.

- لا يمكن تجاهل دور مراكز البحوث والدراسات في صناعة القرار في أمريكا لكن هذا يصعب أن ينطبق على حالة الظاهرة الإسلامية وذلك لتشابكها مع التحدي الصهيوني المسيطر على السياسة والمال والإعلام في أمريكا. وتعاظمت المشكلة أكبر بعد 11 سبتمبر حين دخل في هذه القضية تحدي شخصية أمريكا وظهر الإسلام نفسه وكأنه هو القطب الآخر الذي يواجه أمريكا. الذي حصل بعد ذلك هو أن أصبحت المراكز الاكاديمية هي التي تسترضي الإعلام والشارع يتحويل حالة الغضب هذه إلى تنظير وفلسفة بدلا من العودة للتحيل المنطقي المتجرد.

- صدر بيان المثقفين أمس من بلد (المملكة) يعج بالظلم والفوضى الثقافية والفكرية وقلة قنوات التعبير والحوار والإتصال. وهذه المسألة هامة لتقويم البيان لأنها قطعا تؤثر في صيغته وطبيعته وتوقيته. ترى هل كان البيان سيخرج بنفس الصورة ونفس التوقيت لو كان الموقعون يستطيعون أن يجتمعوا في منتديات حرة تهيئ لكتابة مثل هذالبيان؟

تقويم البيان- الفكرة
كما ذكرنا أعلاه فإن الفكرة بحد ذاتها لا إشكال فيها بل إنها فكرة حضارية راقية لو أخذت مجردة دون النظر في المحتوى والتوقيت والقضايا الأخرى. ويفترض من مشايخنا ومفكرينا أن يتصدوا للحديث والتعليق على أي قضية ذات اهتمام محلي أو عالمي، لأن هذا هو دورهم الحضاري حتى يصبحوا حقيقة روادا وقيادات للناس.

تقويم البيان-التوقيت
كان يصلح لفكرة هذا البيان بسياقه الوارد أن يناسب لو صدر قبل احداث سبتبمبر أو حتى بعد صدور وثيقة الأكاديميين الأمريكان مباشرة. أما أن يصدر الآن بعد ما يعتقد الأمريكان أنه نهاية الحملة على أفغانستان وبعد الاحتفال بالنصر المزعوم وبعد مباركة أمريكا للمذابح في فلسطين فهذا أمر غير مناسب أبدا. بهذا التوقيت سيكون البيان دفاعا متكلفا عن النفس واسفافا في الاعتذار أمام دولة تطبق وبحماس توجيه الأكاديميين والمفكرين الذين نصحوا بإزاحة الإسلام من الميدان السياسي.

تقويم البيان-السياق العام
في حين كان البيان الأمريكي فوقيا مهاجما للفكر الإسلامي السياسي فقد كان بيان المثقفين اعتذاريا استرضائيا مبنيا على تحسين صورة الذات بدلا من إظهار قبح الخصم. صحيح أن تحسين صورة الذات مطلب في الأصل لكن في مثل حالة مخاطبة الأمريكان هناك ذخيرة ضخمة من المادة التي تصلح لتعريف الآخر بتهافت مشروعه في مواجهة اتهامه للفكر الإسلامي بالتهافت. نعم لم يخل بيان المثقفين من ذلك وتكلم في مواطن كثيرة عنه لكن السياق العام كان سياق اعتذار وتجميل للذات ودفاع متكلف جدا.

تقويم البيان- الأسلوب
أسلوب البيان مناسب للخطاب الغربي، ونعتقد أن من يترجمه لن يجد صعوبة في وضعه بلغة مفهومة للأمريكان، بل يكاد البيان يكون مترجما من أصل باللغة الانجليزية. والأسلوب والعرض قضية حساسة ومهمة خاصة في هذا الزمن الذي صار فيه الشكل أهم من المضمون.

تقويم البيان- المنهجية
أما المنهجية ففيها نظر كونها عرض مبتور لأفكار هي في الغالب جانب من عدة جوانب لم تذكر فيه الجوانب الأخرى أو مجرد وصف لتصور جزئي لقضية كلية. والحديث عن الحوار والعلاقة مع الآخر في الإسلام ومفهوم الدين والدولة وواجب المسلم تجاه العالم قضايا حساسة جدا لم يعد من الممكن إخفاء التصور العام فيها. وفي هذا السياق هناك ملاحظتان جوهريتان على البيان.

أولا: سيقرا هذا البيان مقابل أدبيات الحركات الجهادية التي انتشرت بشكل كبير في العالم الإسلامي وخارج العالم الإسلامي ولم تعد خافية عن مراكز الدراسات. وبسبب كون الحركات الجهادية هي المواجهة للغرب أصبحت بيانات وأدبيات ودراسات هذه الحركة هي التي تحظى بالدراسة والترجمة. مثلا يقف في مقابل تنظير هذا البيان بتحريم استهداف الأمن المدني كتاب التبيان وكتاب حقيقة الحروب الصليبية التي صدرت بعد 11 سبتمبر وأصّلت لها وترجمت حسب علمنا فور صدورها ووزعت على كل مراكز الدراسات الغربية. وأمام مفهوم الحوار واحترام الطرف الآخر تقف أدبيات الحركة الجهادية التي تتحدث عن حتمية المواجهة وتستدل بآيات القتال الكثيرة التي تدعو لأن يكون الدين لله ويهيمن على العالم كله.

ثانيا: انتشرت عند الأكاديميين الغربيين ظاهرة دراسة الإسلام بالتفصيل وخاصة النصوص التي تعتبر بلغتهم داعية للعنف ولذلك يصعب انتقاء بعض الأدلة التي تخاطب جوانب الرحمة واللطف وتجاهل النصوص الآخرى. لم يعد ممكنا الآن إخفاء المنظومة الشاملة للفكر الإسلامي فيما يخص هذه القضايا الحساسة. مثلا في مقابل قوله تعالى "لا إكراه في الدين" لا يمكن إنكار حد الردة، وفي مقابل الدعوة للحوار لا يمكن إنكار الآيات التي تأمر بجهاد الطلب، وفي مقابل تكريم بني آدم لا يمكن إنكار أن تصنيف الناس في الإسلام هو على أساس ديني.

حقيقة العلاقة مع الغرب
يصعب على البعض أن يفهم أن العالم الغربي يعيش حالة من الثقة بالنفس والشعور بالمرجعية الفكرية والثقافية الطاغية التي لا تصدر –بالمناسبة- عن كبرياء ورغبة في التحكم، بل هي طبيعية بسبب اعتقاد النضج الحضاري عندهم. لقد تمكنت أمريكا عسكريا وتمكنت اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا. ومن خلال المؤسسات العالمية أرادت أن تقنن هيمنتها، فمن خلال الأمم المتحدة فرضت الوجود العسكري والسياسي ومن خلال منظمة التجارة فرضت الوجود الاقتصادي والآن تريد بالقوة أن تفرض القيم الفكرية. لكن الإسلام في المقابل ليس مشروعا فكريا عارضا، بل هو رسالة ربانية تعتبر فيها الفوقية والشعور بالعزة مسألة بنيوية أساسية "وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". والإسلام كذلك ليس وعاء فارغا يعبأ بأي اقتراح بل هو منظومة هائلة من النصوص الثرية المتماسكة المتناسقة التي تتحدث عن كل شيء. ومع هذه الطبيعة الندّية للمشروعين الإسلامي والغربي سواء من جهة النزعة الطبيعية للهيمنة أو من جهة ثراء وقوة الطرح والمحتوى تصبح المواجهة هي الأساس بالضرورة. ومهما حاول المفكرون تلطيف الأجواء وتحسين لغة الخطاب فلا مفر من المواجهة فهذه طبيعة الأشياء. ومن المعلوم أن الإسلام قد جاء من مصدر رباني فليس من الوارد أن يتنازل عن فوقيته ولا عن ثراء محتواه ولذلك فلن يكون هناك مجال لتجنب المواجهة إلا بتنازل الطرف الآخر.

نموذج لحتمية المواجهة
لو وضعنا ما حصل في 11 سبتمبر في إطاره البسيط وأزلنا كل التداخلات العاطفية والسياسية لخرجنا باستنتاج مباشر وسهل أن معادلة العلاقة بين الإسلام والغرب هي معادلة مواجهة. ترى كيف استطاع بضع عشر شابا يافعا أن يصنعوا هذا الحدث الضخم؟ لو كان الأمر مجرد خطف طائرة أو تهديم عمارة لتمكن الغرب من امتصاص الحادث وانتهت المسألة بجناية يعاقب فاعلها. لكن الحقيقة أن الحدث تحول فعلا وبالقياس التاريخي لمواجهة شاملة، لماذا؟ لأن كل مكونات المواجهة موجودة ومهمة الحدث هي بعثها أو إيقادها. والآن يعترف الجميع مفكرون وفلاسفة وسياسيون وعلماء اجتماع وتاريخ أن عالم ما بعد 11 سبتمبر يختلف تماما عن عالم ما قبل 11 سبتمبر، لماذا؟ لأن الجميع اقتنع أن هناك استقطاب عالمي كبير في أحد طرفيه الغرب تقوده أمريكا وفي الآخر الإسلام بلا قيادة ولكن برمزية بن لادن. والحقيقة أن المسألة تحولت إلى تفاعل تصاعدي فروح المواجهة عند المسلمين وعند الغرب لم تخفت بل زادت، وهي تُغذى الآن بأقوى وقود ممكن من خلال أحداث فلسطين. المهم في هذا الكلام أن الجماعات الإسلامية التي وصفها البيان بأنها "تمتلك قدرا ذاتيا من الإعتدال" ثبت أنها لم تتمكن من التحكم بمسار الأحداث، وفي المقابل تمكنت حركة محدودة القدرة ومحاصرة من تحويل مسار التأريخ، لماذا؟ لأنها أصابت مكان التوازن الهش الذي منع تداعيات المواجهة بشكل مصطنع. الحركات الإسلامية المعتدلة والحكومات الحريصة على عدم مواجهة أمريكا إذن ثبت أنها أقل قدرة في منع هذه المواجة من هذه الجماعة الصغيرة.

رجاء في العدل
في نهاية هذا التعليق على البيان نرجو من كل من قرأ تقويم الحركة أن يكون عادلا معنا ويحرص على قراءة جميع ما كتبنا.




حول مقتل القائد خطّاب

تفضل الحركة أن لا تعلق على خبر وفاة القائد خطّاب لأن الأخبار لا تزال متضاربة حول وفاته. ومعلوم أن الظروف التي يحارب فيها خطّاب وزملائه وسطوة أجهزة المخابرات وتعقد وسائل التموية تجعل الفصل بين الحقيقة والتضليل صعبا. لكننا بمناسبة هذا الاهتمام الكبير بالقائد خطّاب بعد خبر وفاته نجد الفرصة مناسبة جدا لأن نشير إلى مجموعة حقائق تستفاد من التعرف على حكايته.

أولا: خرج خطّاب من أرض الحرمين باختياره وإرادته لا مطرودا ولا مطاردا ولا منقطعة به السبل. كان خطّاب في وضع مريح شخصيا وعائليا واقتصاديا ودراسيا قبل أن يخرج، ولم يكن هناك أي مبرر يدعوه لأن يقطع حياته المريحة إلا القناعة بالقضية. وقبل خطّاب كان الشيخ بن لادن قد جعل الملايين التي تحت يده في خدمة الجهاد. ثم عشرات بل مئات بل ألوف من الشباب الذين التحقوا بالجهاد في أفغانستان، وقد كانوا قبل أن يلتحقوا في حال من الترف وسعة العيش والاستقرار ولم يكن يدعوهم للمشاركة في الجهاد إلا أسباب دينية. وفي موازاة هذه النماذج التي خرجت للجهاد كان هناك مئات من المشايخ والمثقفين وأساتذة الجامعات والمفكرين الذين بادروا بكتابة المعاريض والخطابات وجازفوا بمواجهة النظام الحاكم في أنشطة مختلفة. ولم يكن هؤلاء مدفوعين بفقر أو معاناة أو ظلم شخصي بل إن جلهم في وضع اقتصادي واجتماعي ممتاز وإنما حركهم قناعتهم بالواجب تجاه الأمة وضرورة التضحية من أجل أداء هذا الواجب. إذن فنحن لدينا نموذجان يثبتان أن هناك من يضحي بالمكتسبات المادية من أجل المبادئ، نموذج الذين ذهبوا للجهاد ونموذج الذين شاركوا في المشروع الإصلاحي في الداخل. هذان النموذجان دليل على أن ما يزعم من أن بلادنا ليس فيها إلا شعب خانع زعم غير صحيح بل إن الأمة مليئة بهذه النماذج ونرجوا أن يبين أثرها على مستوى تغيير شامل في القريب بإذن الله.

ثانيا: لم يكن خطّاب يحارب في أرض بلا سلطة بل إنه كان يواجه دولة من أشد الدول سطوة ولديها قوة وسلاح هو الثاني في العالم. ولدى هذه السلطة التي يحاربها من انعدام القيم وغياب الاخلاقيات الحربية ما يسمح لها أن تمسح مدنا كاملة من أجل أن تقضي على شخص واحد. ثم إن خطّاب لم يكن منطلقا من قاعدة في بلد تحميه مثلما كان المجاهدون يحاربون الروس في الثمانينات بل إنه يجاهد الروس من داخل أرضهم وفي بيئة يتآمر الجميع فيها ضده وضد المجاهدين الشيشان. كيف -والحال هذه- يصمد خطّاب والمجاهدون معه بل ينجحوا في أن يستمروا في حرب استنزاف تدوخ الجيش الأحمر كل هذه السنين؟ هذا النموذج عند خطّاب أصبح ماثلا للعيان الآن في أفغانستان حيث تعجز القوات الأمريكية، رغم تعاون العالم كله معها بما في ذلك السعودية والباكستان، في استئصال طالبان والمجاهدين العرب وتصبح معركتها في أفغانستان ورطة لا تزال تتستر عليها.

ثالثا: خطّاب شخص من أرض الحرمين صار له كل هذا الشأن في بلاد القوقاز وتحدثت عنه كل وسائل الإعلام الروسية واعتبرته روسيا الخصم والمطلوب رقم واحد. والشيخ بن لادن شخص من أرض الحرمين يكون له شأن أعظم ويدوخ الروس أولا ثم يدوخ الأمريكان ويبقى خصما عنيدا والعدو رقم واحد بلا شك ولا منازع لأقوى قوة على وجه الأرض. هذان إذن حالتان لشخصين من بلاد الحرمين يصبح كل منهما خصما حقيقيا لإحدى الدولتين العظميين بمصداقية تثبتها نفس سلطات الدولتين. لا ينكر أحد أن القضية تحولت إلى ظاهرة تشد الانتباه لدرجة التأثير في الأجيال، ولدرجة فرض مبدأ التربية بالنموذج بعد أن عانى العرب والمسلمون من النماذج التي تتسابق في التبعية للقوى العالمية. لقد أصبح نموذج خطّاب وبن لادن يفرض نفسه بالضرورة على أذهان وعقول اليافعين الذين ينظرون لهم كقدوات تستحق أن تقلد في هذا الزمن الذي عششت فيه الخيانة والانبطاح. وإذا كان هناك مجال لتقريب الفكرة فإن ظاهرة جيفارا تركت أثرا لا يزال باقيا في عقلية شباب أمريكا اللاتينية لحد الآن وربما لا يختلف الكثيرون أن ظاهرة بن لادن وخطّاب أعظم وأوسع حضاريا ورساليا من ظاهرة جيفارا.


زيارة الأمير عبد الله
هل بقي شيء

علقنا في ملحق النشرة السابقة عن زيارة الأمير عبد الله وأشرنا إلى الملفات التي ستناقش وأن كل الأمور محسومة، وحضور الأمير عبد الله هو حضور بروتوكولي وتعرف شخصي على جورج بوش الابن. ولا نزال نعتبر فهم حقيقة العلاقة بين آل سعود وأمريكا كافيا لإدراك ما يتم في الزيارة حتى دون مصادر خاصة. وفعلا صحت توقعاتنا بخصوص ما سيحصل للملف الفلسطيني والملف العراقي وملف النفط وملف العلاقات الاقتصادية.

بخصوص الملف الفلسطيني أكد الأمير عبد الله كل ما تعهد به سابقا ثم حول النقاش إلى اختزال القضية كلها في "كيف يتم إطلاق سراح عرفات؟". لم يعد هناك احتلال ولا جرائم ولا مقدسات، بل إن المشكلة هي شيئ واحد وهو كيف يخرج عرفات من السجن؟ ويلاحظ أن الآلة الإعلامية السعودية متسميتة من أجل أن تحقن شيئا من البطولة والمبدئية في حركات واجتهادات الأمير عبد الله في الفزعة لعرفات.

أما بالنسبة للملف العراقي فلا يزال الأمير عبد الله يرفض أي ضرب للعراق خوفا من أن يزول النظام العراقي ومن ثم يزول الحصار وما يترتب على ذلك من تدفق النفط العراقي وانهيار أسعار النفط. ويبدو أن الأمريكان مسرورين بهذه الأداة الجديدة لتخويف آل سعود وتعريضهم لمزيد من الابتزاز. ويقال أن الأمريكان يعرضون على آل سعود أنهم مستعدون إما لإلغاء فكرة ضرب العراق أو لضمان عدم تدفق النفط العراقي إن أزيل النظام العراقي مقابل مزيد من التنازلات التي يقدمها آل سعود على مستوى التحكم الأمريكي بالسياسة السعودية الداخلية ومزيد من التنازلات في قضية فلسطين.

أما بالنسبة لملف النفط كملف مستقل فقد حصلت أمريكا على أكبر ضمانات ممكنة من آل سعود كانت صيغتها عجيبة تدل على حرص آل سعود على ربط تدفق النفط لأمريكا بهم وبوجودهم حيث كانت العبارة هي "مادمنا في الحكم فاطمئنوا على حكاية النفط اطمئنانا تاما ولن تتغير السياسة مطلقا وستكون مصلحة أمريكا في المقدمة".

وفي ملف "الإرهاب" لم يكن هناك خلاف بين الطرفين في أي جزئية سوى كم سيسمح آل سعود للأمريكان للتعرف على أوضاع المحسوبين على بن لادن داخل المملكة. واستمر الالتزام السعودي لدعم الخطة الأمريكية بكل تفاصيلها في العالم العربي والإسلامي ماديا ومعنويا.

ويلاحظ في كل هذه الملفات أن هناك طرفا يطلب وطرفا ينفذ بدون مقابل. لم نسمع عن مطالب سعودية من الأمريكان حصلت المملكة عليها مقابل تنازلاتها الجبارة وتعهداتها الاستراتيجية سوى كسب رضا أمريكا بعد غضبها عليها بسبب أحداث سبتمبر.

وعند التعليق على زيارة الأمير عبد الله لا يسعنا أن نتجاوز ما قيل عن عبارات حاول البعض أن يحقن فيها معنى تهديد وهي في الحقيقة نصيحة صادقة ومخلصة من النظام السعودي لأمريكا بتغيير سياستها. ولذلك فقد شرح عادل الجبير هذه العبارة اليوم حين قال إن الذين قرأوا العبارة كتهديد نسوا أننا قلنا أن المصالح المهددة ليست مصالح أمريكا بل أمريكا وحلفائها الذين هم آل سعود. ونحن نشرح مقصود عادل الجبير في أن هذه العبارة التي فهم منها التهديد لا تختلف كثيرا عن عبارة باراك للشعب اليهودي إنه إن لم يتفاهم مع عرفات سيضطر للتفاهم مع أحمد ياسين وبن لادن، فهل كان يهدد الشعب اليهودي؟