MandN
06-05-2002, 03:37 PM
عبد الباري عطوان:
ربما يكتشف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فيما هو مقبل من ايام ان أسعد ايام حياته كانت اثناء الحصار الاسرائيلي، الذي استمر شهرا، وحال دون خروجه من باب مكتبه في مدينة رام الله. فمتاعبه الحقيقية بدأت بعد رفع الحصار عنه من خلال صفقة مريبة، وعبر وسطاء ما زالت نزاهتهم واهدافهم الحقيقية موضع العديد من علامات الاستفهام.
فعندما كان الرئيس الفلسطيني اسيرا في مكتبه، او جزء منه، كانت المقاومة متأججة، والشارع العربي يزخر بالمظاهرات، والحكومة الاسرائيلية موضع انتقاد الكثيرين في الشرق والغرب، وفوق كل هذا وذاك كانت لجنة تقصي الحقائق في جنين علي وشك الانطلاق لبدء مهامها وسط ترقب عالمي غير مسبوق.
المظاهرات خفت في الشارع العربي او انتهت، والانتفاضة تراجعت بفعل الضربات الارهابية الاسرائيلية، والوحدة الوطنية الفلسطينية تلقت طعنة قاسية بعد وضع منفذي عملية اغتيال رحبعام زئيفي تحت تصرف سجانين دوليين، اما لجنة التحقيق في مجازر جنين فقد جري حلها، وكاد العالم ان ينسي ما حدث في مخيم الصمود المذكور من جرائم حرب.
الرئيس عرفات قد يكون خرج فعلا من المعتقل، ولكنه خروج لم يكن بالصورة المتوقعة، ومقابل تنازلات كبيرة، ابرزها بقاء كنيسة القيامة تحت الحصار، واستمرار الفيتو الامريكي علي قيادته للشعب الفلسطيني.
الان تتعالي اصوات عديدة تطالب باجراء اصلاحات سياسية عاجلة تضع في اعتبارها تطورات الاسابيع الاخيرة، وتتلاءم مع مؤشرات المستقبل، وتتعاطي مع الطروحات السلمية الرائجة حاليا في الولايات المتحدة وغيرها، وابرزها عقد مؤتمر او اجتماع دولي جديد لبحث ايجاد تسوية للقضية الفلسطينية.
ثلاث جهات رئيسية تطالب بهذه الاصلاحات بالحاح، ولكن لاهداف ونوايا مختلفة، اولها الولايات المتحدة الامريكية، وثانيها عناصر انتهازية فلسطينية، وثالثها جماعات فلسطينية وطنية:
الولايات المتحدة تريد التخلص من القيادة الفلسطينية الحالية، والاتيان بقيادة جديدة علي غرار ما حدث في افغانستان، لان الشعب الفلسطيني يستحق قيادة افضل، مثلما قال الرئيس جورج بوش، ولان القيادة الحالية، اي الرئيس عرفات، ليست القيادة السليمة لاقامة دولة فلسطينية.
العناصر الانتهازية الفلسطينية التي تطالب بالاصلاح تنقسم الي فئتين:
الاولي تتحرك بدعم امريكي ـ اسرائيلي لتقويض سلطة الرئيس الفلسطيني عمليا، اي تحويله الي ديكور او واجهة يتخفون خلفها لتعزيز سلطاتهم، والامساك بزمام الامور، ثم التخلص منها عندما تحين الفرصة.
اما الفئة الثانية فتتكون من بعض موظفي السلطة الذين يتمتعون بحاسة شم سياسية قوية، وباتوا يدركون انهم علي ابواب مرحلة جديدة، ويريدون ان يجدوا لانفسهم موضع قدم فيها، ولذلك ترتفع اصواتهم، اكثر من غيرهم، مطالبة بالاصلاح، فاذا خرج الرئيس الفلسطيني من الازمة الحالية قويا، يحسب لهم حساب في وزارته الجديدة، واذا لم يخرج، وفاز الطرف الآخر، الامريكي ـ الاسرائيلي، فان مكانهم في مؤسساته الجديدة سيكون مضمونا.
العناصر الوطنية وهي الاكثر الحاحا في تطهير الصف الفلسطيني من كل الشوائب التي طفت علي السطح في الايام العصيبة الماضية، والمطالبة باجراء اصلاحات حقيقية، بعد اجراء انتخابات عامة، وحل مجلس العجزة، المسمي بالمجلس التشريعي، وبناء مؤسسات امنية حقيقية علي اساس وطني وتنقيتها من كل رموز الاحتلال، وتعزيزها بالعناصر الوطنية الشريفة، او من تبقي منها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة من الكفاءات، وابناء الارض وملحها، وليس من رواد الاناقة والرفاهية والاثراء غير المشروع علي حساب شعب جائع، تخصص في انتاج الشهداء، وباتت الجنائز اسلوب حياة يومي في معظم ايامه.
المصيبة الكبري تكمن في ان الرئيس عرفات لا يريد التغيير، ويتجنب الاصلاح الحقيقي، ويلجأ دائما الي الاصلاحات الشكلية المحدودة، وحجته في ذلك انه لا يغير أحصنته اثناء المعركة، ويغيب عن باله ان هؤلاء ليسوا احصنة، وان كانوا، او بعضهم كذلك، فقد هرموا وتعبوا، ونخر الفساد شرايينهم، وبات اصلاحهم متعذرا ان لم يكن مستحيلا.
الرئيس عرفات، ببساطة شديدة، يخشي التغيير، ويخاف من تبعاته، ويغلف ذلك بغلاف الوفاء لمن شاركوه المسيرة، ولكنه لا يعلم ان هذا النهج افقده الكثير من شعبيته ومكانته وزعامته للشعب الفلسطيني. وربما يسمع مثل هذا الكلام الصريح والواضح للمرة الاولي.
فالاصرار علي الوجوه نفسها جعل الفساد هو الطابع المميز للسلطة الوطنية الفلسطينية، وجعل ذمتها المالية دائما تحت الشبهات، واخيرا جعل مصداقيتها السياسية موضع تساؤل.
ولابد ان الرئيس الفلسطيني يذكر تحقيقات الفساد التي اجرتها السلطة، والمجلس التشريعي الذي يضم الاغلبية من حزبها، وكيف انها سمت الاشخاص المعنيين، وطالبت بالتغيير، فبقي الاشخاص انفسهم وتعززت قوتهم، وجاء التغيير الوزاري مخيبا للآمال، لانه لم يحدث، بل اضاف وزراء جددا، بحيث اصبح عدد وزراء الحكومة الفلسطينية اكثر من عدد وزراء الحكومة الامريكية!
المأزق الذي يعيشه الشعب الفلسطيني مثلث الاضلاع، فأمريكا لا تريد عرفات رئيسا، تنفيذا للتوصيات الاسرائيلية، وتتذرع بعذر الاصلاح. والشعب الفلسطيني لن يقبل بأي رئيس تفرضه امريكا واسرائيل. اما الضلع الثالث في المثلث، فهو ان الرئيس عرفات لن يجري الاصلاحات المطلوبة.
اي شخص يطالب بالاصلاح ويصر عليه وينتقد عرفات الآن سيتهم علي انه يخدم المشروع الامريكي ـ الاسرائيلي، ولهذا المطلوب السكوت علي كل عاهات السلطة، والنتائج السلبية المنعكسة علي الشعب الفلسطيني وقضيته من جرائها.
مفاوضات الافراج عن الرئيس الفلسطيني نجحت بالافراج عنه، بسبب التنازلات التي جري تقديمها، ولان الطرف الرئيسي فيها كان عمري شارون نجل رئيس الوزراء الاسرائيلي، اما مفاوضات كنيسة المهد فوصلت الي طريق مسدود لان الفريق المفاوض بشأن فك اسرها هم من الشرفاء والوطنيين الذين يرفضون التنازل عن الوطن وكرامته، وعندما ادركوا ان هناك قنوات اخري بدأت التفاوض من خلف ظهورهم ابت عليهم كرامتهم الوطنية والشخصية الاستمرار، فقرروا الاستقالة.
مأساتنا كبيرة ومعقدة، قيادة لا تريد التغيير، ومحكومة حاليا ببعض الانتهازيين الطامعين، وحكومة اسرائيلية تتصرف وكأنها فوق القانون، وحكم ذاتي انهار، ولم تبق منه غير بعض اقنعته القمعية، التي ما زالت تواصل عمليات الاعتقال للشرفاء والمقاومين.
فعلا الشعب الفلسطيني يستحق اوضاعا افضل، ولكن ليس وفق المقاييس الامريكية والاسرائيلية، وهنا يكمن التحدي الحقيقي للوصول الي هذا الهدف.
ربما يكتشف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فيما هو مقبل من ايام ان أسعد ايام حياته كانت اثناء الحصار الاسرائيلي، الذي استمر شهرا، وحال دون خروجه من باب مكتبه في مدينة رام الله. فمتاعبه الحقيقية بدأت بعد رفع الحصار عنه من خلال صفقة مريبة، وعبر وسطاء ما زالت نزاهتهم واهدافهم الحقيقية موضع العديد من علامات الاستفهام.
فعندما كان الرئيس الفلسطيني اسيرا في مكتبه، او جزء منه، كانت المقاومة متأججة، والشارع العربي يزخر بالمظاهرات، والحكومة الاسرائيلية موضع انتقاد الكثيرين في الشرق والغرب، وفوق كل هذا وذاك كانت لجنة تقصي الحقائق في جنين علي وشك الانطلاق لبدء مهامها وسط ترقب عالمي غير مسبوق.
المظاهرات خفت في الشارع العربي او انتهت، والانتفاضة تراجعت بفعل الضربات الارهابية الاسرائيلية، والوحدة الوطنية الفلسطينية تلقت طعنة قاسية بعد وضع منفذي عملية اغتيال رحبعام زئيفي تحت تصرف سجانين دوليين، اما لجنة التحقيق في مجازر جنين فقد جري حلها، وكاد العالم ان ينسي ما حدث في مخيم الصمود المذكور من جرائم حرب.
الرئيس عرفات قد يكون خرج فعلا من المعتقل، ولكنه خروج لم يكن بالصورة المتوقعة، ومقابل تنازلات كبيرة، ابرزها بقاء كنيسة القيامة تحت الحصار، واستمرار الفيتو الامريكي علي قيادته للشعب الفلسطيني.
الان تتعالي اصوات عديدة تطالب باجراء اصلاحات سياسية عاجلة تضع في اعتبارها تطورات الاسابيع الاخيرة، وتتلاءم مع مؤشرات المستقبل، وتتعاطي مع الطروحات السلمية الرائجة حاليا في الولايات المتحدة وغيرها، وابرزها عقد مؤتمر او اجتماع دولي جديد لبحث ايجاد تسوية للقضية الفلسطينية.
ثلاث جهات رئيسية تطالب بهذه الاصلاحات بالحاح، ولكن لاهداف ونوايا مختلفة، اولها الولايات المتحدة الامريكية، وثانيها عناصر انتهازية فلسطينية، وثالثها جماعات فلسطينية وطنية:
الولايات المتحدة تريد التخلص من القيادة الفلسطينية الحالية، والاتيان بقيادة جديدة علي غرار ما حدث في افغانستان، لان الشعب الفلسطيني يستحق قيادة افضل، مثلما قال الرئيس جورج بوش، ولان القيادة الحالية، اي الرئيس عرفات، ليست القيادة السليمة لاقامة دولة فلسطينية.
العناصر الانتهازية الفلسطينية التي تطالب بالاصلاح تنقسم الي فئتين:
الاولي تتحرك بدعم امريكي ـ اسرائيلي لتقويض سلطة الرئيس الفلسطيني عمليا، اي تحويله الي ديكور او واجهة يتخفون خلفها لتعزيز سلطاتهم، والامساك بزمام الامور، ثم التخلص منها عندما تحين الفرصة.
اما الفئة الثانية فتتكون من بعض موظفي السلطة الذين يتمتعون بحاسة شم سياسية قوية، وباتوا يدركون انهم علي ابواب مرحلة جديدة، ويريدون ان يجدوا لانفسهم موضع قدم فيها، ولذلك ترتفع اصواتهم، اكثر من غيرهم، مطالبة بالاصلاح، فاذا خرج الرئيس الفلسطيني من الازمة الحالية قويا، يحسب لهم حساب في وزارته الجديدة، واذا لم يخرج، وفاز الطرف الآخر، الامريكي ـ الاسرائيلي، فان مكانهم في مؤسساته الجديدة سيكون مضمونا.
العناصر الوطنية وهي الاكثر الحاحا في تطهير الصف الفلسطيني من كل الشوائب التي طفت علي السطح في الايام العصيبة الماضية، والمطالبة باجراء اصلاحات حقيقية، بعد اجراء انتخابات عامة، وحل مجلس العجزة، المسمي بالمجلس التشريعي، وبناء مؤسسات امنية حقيقية علي اساس وطني وتنقيتها من كل رموز الاحتلال، وتعزيزها بالعناصر الوطنية الشريفة، او من تبقي منها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة من الكفاءات، وابناء الارض وملحها، وليس من رواد الاناقة والرفاهية والاثراء غير المشروع علي حساب شعب جائع، تخصص في انتاج الشهداء، وباتت الجنائز اسلوب حياة يومي في معظم ايامه.
المصيبة الكبري تكمن في ان الرئيس عرفات لا يريد التغيير، ويتجنب الاصلاح الحقيقي، ويلجأ دائما الي الاصلاحات الشكلية المحدودة، وحجته في ذلك انه لا يغير أحصنته اثناء المعركة، ويغيب عن باله ان هؤلاء ليسوا احصنة، وان كانوا، او بعضهم كذلك، فقد هرموا وتعبوا، ونخر الفساد شرايينهم، وبات اصلاحهم متعذرا ان لم يكن مستحيلا.
الرئيس عرفات، ببساطة شديدة، يخشي التغيير، ويخاف من تبعاته، ويغلف ذلك بغلاف الوفاء لمن شاركوه المسيرة، ولكنه لا يعلم ان هذا النهج افقده الكثير من شعبيته ومكانته وزعامته للشعب الفلسطيني. وربما يسمع مثل هذا الكلام الصريح والواضح للمرة الاولي.
فالاصرار علي الوجوه نفسها جعل الفساد هو الطابع المميز للسلطة الوطنية الفلسطينية، وجعل ذمتها المالية دائما تحت الشبهات، واخيرا جعل مصداقيتها السياسية موضع تساؤل.
ولابد ان الرئيس الفلسطيني يذكر تحقيقات الفساد التي اجرتها السلطة، والمجلس التشريعي الذي يضم الاغلبية من حزبها، وكيف انها سمت الاشخاص المعنيين، وطالبت بالتغيير، فبقي الاشخاص انفسهم وتعززت قوتهم، وجاء التغيير الوزاري مخيبا للآمال، لانه لم يحدث، بل اضاف وزراء جددا، بحيث اصبح عدد وزراء الحكومة الفلسطينية اكثر من عدد وزراء الحكومة الامريكية!
المأزق الذي يعيشه الشعب الفلسطيني مثلث الاضلاع، فأمريكا لا تريد عرفات رئيسا، تنفيذا للتوصيات الاسرائيلية، وتتذرع بعذر الاصلاح. والشعب الفلسطيني لن يقبل بأي رئيس تفرضه امريكا واسرائيل. اما الضلع الثالث في المثلث، فهو ان الرئيس عرفات لن يجري الاصلاحات المطلوبة.
اي شخص يطالب بالاصلاح ويصر عليه وينتقد عرفات الآن سيتهم علي انه يخدم المشروع الامريكي ـ الاسرائيلي، ولهذا المطلوب السكوت علي كل عاهات السلطة، والنتائج السلبية المنعكسة علي الشعب الفلسطيني وقضيته من جرائها.
مفاوضات الافراج عن الرئيس الفلسطيني نجحت بالافراج عنه، بسبب التنازلات التي جري تقديمها، ولان الطرف الرئيسي فيها كان عمري شارون نجل رئيس الوزراء الاسرائيلي، اما مفاوضات كنيسة المهد فوصلت الي طريق مسدود لان الفريق المفاوض بشأن فك اسرها هم من الشرفاء والوطنيين الذين يرفضون التنازل عن الوطن وكرامته، وعندما ادركوا ان هناك قنوات اخري بدأت التفاوض من خلف ظهورهم ابت عليهم كرامتهم الوطنية والشخصية الاستمرار، فقرروا الاستقالة.
مأساتنا كبيرة ومعقدة، قيادة لا تريد التغيير، ومحكومة حاليا ببعض الانتهازيين الطامعين، وحكومة اسرائيلية تتصرف وكأنها فوق القانون، وحكم ذاتي انهار، ولم تبق منه غير بعض اقنعته القمعية، التي ما زالت تواصل عمليات الاعتقال للشرفاء والمقاومين.
فعلا الشعب الفلسطيني يستحق اوضاعا افضل، ولكن ليس وفق المقاييس الامريكية والاسرائيلية، وهنا يكمن التحدي الحقيقي للوصول الي هذا الهدف.