المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية رسالة من مكة: عن أي شيء ندافع ؟؟ ( سفر الحوالي)



حنان القيس
15-05-2002, 05:21 AM
رسالة من مكة: عن أي شيء ندافع ؟؟
16صفر 1423
فضيلة الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
رد على خطاب المثقفين الأمريكيين الستين المعنون: " رسالة من أمريكا : على أي شيء نقاتل"
الصفحة الأولى



--------------------------------------------------------------------------------

ليس هناك ما هو أسوأ من انتهاك القيم الأخلاقية - كالحرية والسلام - إلا أن تكون النخبة التي يفترض أن تكون حامية لهذه القيم أداة طوعية للاستبداد والعنف . وليس أسوأ من الساسة الذين يزجون بشعوبهم في سعير العداوات والحروب ، إلا المثقفين الذين يبـررون لهم ما يفعلون . وإذا كان هذا في بلد حر ديمقراطي فإنه يمثل انتكاسة في عالم القيم ، تفوق كارثة في حجم تدميـر مبنى ، أو قتل بضعة آلاف في عالم المادة .

ولو أن ستين مفكرًا سوفيتياً اجتمعوا - أيام ستالين - على تأييد نهجه الاستبدادي لكان وصمة عار ، لكن ذلك على أي حال يظل أقل سوءاً من اجتماع ستين مفكراً من العالم الحر على مثل ذلك .

لقد تزامن إعلان الرئيس الأمريكي عن بداية المرحلة الثانية فيما يسمى الحرب على الإرهاب ، مع صدور خطاب ستين من المثقفين الأمريكيين يبـرر هذه الحرب . كما تزامن إعلانه عن" محور الشر " بإعلان الستين عن تحديد الفئة الشريرة التي تشكل خطرًا على العالم كله بزعمهم . وجاء تعليلهم لأحداث 11 أيلول بأنها حرب على الحرية مطابقاً لما افتـتح به الرئيس حديثه عن الأزمة ، وجاء الخطاب على صيغة البيانات الثورية :

((باسم المبادئ الأخلاقية الإنسانية العامة ، وبوعي كامل لقيود ومتطلبات الحرب العادلة نؤيد قرار حكومتنا ومجتمعنا باستخدام حد السلاح . . .

نرفع صوتا واحداً للقول إن انتصار أمتنا وحلفائها في هذه الحرب حاسم . إننا نقاتل للدفاع عن أنفسنا، ولأننا نؤمن ، أيضاً ، أننا نقاتل من أجل حماية تلك المبادئ العامة المتعلقة بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والتي تشكل الأمل الأفضل للنوع الإنساني ))

لو أن العالم صدّق هؤلاء في دعوى تمثيلهم للأمة الأمريكية فسوف تكون خيبة أمل كبرى في أمة تعتبـر في طليعة شعوب العالم الحرة ، لكن الشيء الذي يفتح ثغرة الأمل ، ويبشر ببقاء الفطرة الإنسانية على خير، أن يكون هؤلاء الستون لا يمثلون الأمة التي تحدثوا عنها ، بل هم – في الأغلب - ينتمون إلى تيار معروف ترفضه الأكثرية من المفكرين والشعب ، بل ربما بعض مسؤولي الإدارة السياسية نفسها .

ومع ذلك فإن هؤلاء الستين لم يستبدوا بالحديث عن أمتهم فحسب ، بل فوّضوا أنفسَهم للحديث عن أتباع الديانات العالمية الكبرى ((المسلمين ، النصارى ، اليهود، الهندوس)) وعوضاً عن التحذير من التطرف والعنف في كل حضارة ودين وبيان أن العنف يولد العنف المضاد ، ادعوا أن الخطر الوحيد على اتباع هذه الأديان جميعاً بل على العالم كله هو الحركة الإسلامية – بكل فصائلها – واصفين تنظيم القاعدة بأنه "رأس حربة" لها ، ولم يكتفوا بالتعميم والتضليل بل جاءوا بالإفك الصريح فقالوا :

((وهي تجهر علناًًًُ برغبتها في استخدام القتل العمد لتنفيذ أهدافها ))

(( إن هذه الحركة تمتلك اليوم ليس الرغبة المعلنة فحسب بل القدرة والخبـرة بما في ذلك احتمال الوصول والرغبة في استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والرؤوس النووية للانتقام عبر تدمير ضخم ومروع لأهدافها ))

وتجاوزوا اتهام الحركة الإسلامية إلى اتهام الحكومات الإسلامية بأنها (( تتسامح )) أو أكثر من ذلك ((تدعم)) هذه الحركات في بعض الأحيان !!

لاشك أن كل عادل وخيـر في أمريكا والعالم - حتى الذين تجاوز تنظيم القاعدة عندهم درجة الاتهام إلى الإدانة - لا يقرون هذا الاتهام الجائر لدعوة عالمية متعددة التشكل والمواقع والوسائل تهدف بجملتها إلى إعادة أمتها والعالم إلى نور الإسلام وعدله ، الإسلام ذلك الدين الذي أنشأ أول وأعظم حضارة إنسانية في التاريخ البشري ، حضارة شملت من المحيط الهادي شرقاً إلى الأطلسي غرباً ، تحقق فيها من الكرامة الإنسانية والحرية الدينية ما سطع نوره على الغرب المظلم حينئذ ، فاتجه في عنف ثوري ليتشبث بشعارات كانت في الحضارة الإسلامية حقوقاً عامة –كالماء والهواء - لكل بني الإنسان .

هذا ما اعتقدناه من أول وهلة وبعد شهرين من صدور الخطاب الستيني صدق ظننا فأصدر (128) مفكراً أمريكياً خطاباً مناقضاً صرحوا فيه باتهام الحرب على الإرهاب ومؤيديها بالعنصرية .

وصدقوا !!

ومن هنا ينبغي فهم خطابنا هذا على أنه إيضاح لما جهله أو تجاهله هؤلاء المثقفون الستون ، وتذكير لما غاب عنهم وليس موجهاً أساساً لرد الافتراء عن الدعوة الإسلامية المعاصرة ولا نقد القيم الأمريكية ، فهذا يحتاج إلى عرض مفصل وطويل ، إنه كتب بناءً على أملٍ في المراجعة واستدراك الخطأ في الموضوع الأصل وهو تأييد الحملة المسماة " الحرب على الإرهاب" باسم القيم الأخلاقية الكونية كما يدعون ، تلك الحملة التي تستهدف العالم الإسلامي من حيث هو إسلامي وبدون مواربة .

وقد شجعنا على هذا الأمل ما ورد في الخطاب من لمحات حقٍّ توجب علينا أخلاقنا أن نفترض حسن النية في كاتبها.

إن النـزعة العنصرية لدى هؤلاء الستين – وهي أمر مؤسف للغاية – تجاوزت جحد منـزلة القيم الإسلامية لتـتنكر للقيم الغربية نفسها :

(( ما من أمة صنعت هويتها، أو كتبت دستورها ، وسائر وثائقها المؤسِّسة ، كما فهْمَهَا الأساسي لنفسها ، بهذه الدرجة من المباشرة والإفصاح بالاستناد إلى القيم الإنسانية الكونية ))

حين أسس "جون سميث" مستعمرة فرجينيا سنة 1607 قال ((لم تتفق الأرض والسماء على إعداد بقعة يسكنها الإنسان أفضل من هذه البقعة )) وهكذا مرت أربعة قرون على هذه النظرة الاستعلائية دون تعديل.

وكأن الناس - في الغرب على الأقل - لا يعلمون أن هذه الأمة تشكلت من خلال ثورة على أكثر الديمقراطيات الغربية رسوخاً ، وانتحلت شعارات مؤسسي فكر الثورة الفرنسية ، لكي تؤسس أكثر المجتمعات دموية وعنصرية في التاريخ الإنساني .

ليس من اللازم أن تكون الإمبراطورية الأمريكية المعاصرة هي ما أراد المؤسسون الأوائل تأسيسه ، كما ليس من العدل أن يقال إن الشعب الأمريكي يؤيد المؤسسة الإمبراطورية العسكرية في واشنطن عن قناعة وإيمان ، بل إنه ضحية تضليل هائل . لكنه على أي حال مسؤول – كأي شعب حر- عما يعتقد ويفعل .

ومن هنا يجب عليه أن يحاكم تصرفات تلك المؤسسة إلى الأخلاق والقيم ، لا أن يصدق الذين يُلبِسونها ثوباً زائفاً من الأخلاق والقيم معتمدين في إسكات ضميره على إثارة نزعة التميّز و الاستعلاء ، وإلا فسوف يبتعد عن القيم الكونية مخدوعاً بأنه أول من أسسها وأصدق من يمثلها ، في حين يتجه الشعور العام لدى الشعوب التي تعلّم منها الأمريكان القيم إلى عكس ذلك تماماً ، فالخطر الذي يقلق الغيورون على الحرية في بريطانيا - أو غيرها حالياً - هو أن تتخلى عن بعض قيمها الديمقراطية مقتفية النهج الأمريكي في التضييق على الحريات .

هذا الانتكاس يُظهر أن الغطرسة الأمريكية - التي اعترف بها الستون سياسياً - قد ألقت بظلها على عالم المنطق أيضاً . وحين يكون منطق القوي هو الذي يفرض نفسه وليس أمام الآخرين إلا الإذعان فتلك هي المأساة !!

منذ قرابة قرنين ادعى هيجل أن نهاية الجدلية التاريخية تحققت في ظل الإمبراطور العظيم لدولة "بروسيا ". وسرق ماركس الفكرة ليعلن أن تلك النهاية إنما تتحقق بقيام دولة "البروليتاريا" . وعندما أقام "لينين" هذه الدولة جعل تلك العقيدة حجر الزاوية في الفكر الثوري الذي اجتاح نصف هذا الكوكب.

وقبل نهاية القرن انتهز البروفسور "فوكوياما"-الذي تظهر بصماته واضحة على الخطاب الستيني - سقوط إمبراطورية "البروليتاريا" ليجعل دولة النهاية - لا بروسيا ولا روسيا - بل أمريكا . وهنا - يا للعجب – يلتقي مع الأصوليين من نوع "المولودين من جديد" الذين ينتمي إليهم الرئيس "ريجان"(1) صاحب شعار "إمبراطورية الشر" الذي أصبح اليوم "محور الشر" !!

وهؤلاء يؤمنون بالألفية السعيدة التي اعتقدوا أنها ستبدأ عام ألفين أو نحوه . وجاء هذا الإتفاق بمنـزلة الدليل المدهش لصحة ما ذكره نقاد هيجل من الفلاسفة الألمان وغيرهم . أنه إنما أخذ فكرة نهاية التاريخ من المسيحية !!

هذه الدورة الفكرية في افتعال الأسس الفلسفية للتعالي على الآخر ، تكشف عن نزعة مركزية حادة ، لا تضع للآخر وقيمه حساباً ، لكنها تستر ذلك بدعوة الآخر إلى الإيمان بالقيم التي تتوهم أنها واضعتها والسابقة إليها .

بيد أن ثمة سؤالاً آخر عن موقع البروفيسور "صمويل هانتنجتون" صاحب نظرية صراع الحضارات -الذي له بصماته الواضحة أيضا في الخطاب - ويمثل الوجه الآخر لأزمة المثقفين الأمريكيين ، الذين يبتهجون بتحقق نبوءاتهم ولو كان ذلك لحساب تدمير شعوب عدة في العالم .

والجواب ببساطة هو أن الألفية السعيدة التي يؤمن بها اليمين الأصولي في أمريكا إنما تتحقق من خلال الدم الذي يرتفع إلى مستوى ألجمة الخيل على مسافة "200" ميل في ملحمة "هرمجدون"(2) ، تلك التي يعتقد الأصوليون أنها ستكون حاسمة في انتصار الخير الغربي المسيحي على الشر الشرقي الإسلامي والتي سيجتمع فيها 400 مليون مقاتل كما يجزم " جيري فالويل " الأصولي المشهور (3) .

ومن هنا نفهم كيف التقى – على أرض الحرب الحالية الشاملة على الإسلام - كل من "فوكوياما وهانتنجتون" و "صمويل فريدمان" ومعهم مجموعة كبيرة من المعروفين بالتوجه اليميني في أمريكا .