المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم أن وقعت في المصيدة . . !!



Zuluf
19-05-2002, 08:26 AM
يوم أن وقعت في المصيدة . . !!
أكتب قصتي بدموعي التي صارت أنهاراً من دم، بعدما غرق قلبي من الحزن والبكاء والندم، ولكن هل يجدي الندم نفعاً؟ وهل تخضر الأوراق بعد اصفرارها وذبولها، وهل تعود الأيام واللحظات بعد رحيلها. أما قصتي فهي ليست من نسج الخيال ولا أحاديث جدات ترويها لأطفالها ليناموا عليها، ولا هي مشهد من فيلم تنتهي أحداثه بعد نهايته ولا يبقى منه إلا الأثر، قصتي مأساة رهيبة أحالت حياتي إلى أشباح وكوابيس مخيفة تحيط بي أينما اتجهت، فما هي مأساتي وقصتي؟ .
أرويها فقد لعل من تسمعها تأخذ منها عبرة وعظة أو لعل تلك الشاردة عن طريق الصواب تستيقض قبل فوات الأوان، أرويها لتلك الفتاة التي أينعت أوراقها وازهرّ شبابها، وتفتحت أيامها وهي في ريعان الصبا، قد أنستها الغفلة سياج التقوى فسبحت في بحيرة الرغبة لا تدري ماذا سيحل بها.
تأملي قصتي باختصار. .
لما بلغت عامي الثامن عشر أحسست أني أستقبل الحياة بكل حرية لا قيود ولا مراقبة، وسياج الثقة من الأهل قد دفعني لاكتشاف المجهول، تعرفت على مجموعة من الصديقات في أول سنة في الكلية، وبما أني أزعم أني متطورة (ومودرن) فقد وافقت على أن أتخذ ما يسمى [ بوي فرند ] أي صديق، فاختارت صديقتي أخَ صديقها، ودون تردد وافقت، وتم التعارف دون تقدير للعواقب، فقد ضرب الشيطان علي سياج الحرية والثقة بالنفس، وأن هذا الأمر طبيعي، فاندفعت إليه بكل عفوية وبراءة طفولية، وبعدها بدأ مسلسل اللقاءات والزيارات والمكالمات، فكنت أذهب إليه بسيارتي وأخذه ونذهب إلى حيث نريد، كل ذلك وأمي لا تعلم شيئاً، فقد كنت أكذب عليها، وليتني أخبرتها، ولكن ما أصعب الندم.
أحسست أني متعلقة به جداً ولا أقوى على فراقه، وفجأة نزل علي خبر كالصاعقة، فلم أصدق أول الأمر، ولكن دائماً نحن هكذا، لا نصدق الأخبار المهمة إلا بعد هدوء النفس، نعم إنه الرحيل الحتمي فقد توفي صديقي متأثراً بمرض تليف الكبد، واكتشفت أنه كان بسبب المخدرات، لأنه كان مدمناً ولم أكن أعلم، وخيّم الحزن عليّ، وضاقت نفسي ولكن هل يفيد الحزن؟ وبينما أنا أتجرع مرارة الحزن وإذا بالذي غيّر مجرى حياتي، وقلب كياني وأطار صوابي وبعثر أوراقي، فأفقت من صدمتي وأنا كالمجنونة وراح لساني يلعنه دون إرادة مني، فقد همست صديقة لي تعرفه قائلة: إنه كان مصاباً بمرض خطير جداً قبل وفاته مع مرض تليف الكبد، قالت: إنه كان مصاباً بالإيدز، نعم كان مصاباً بالإيدز . . فتلعثمت عن الكلام وتوقف قلبي عن الخفقان ويبس اللسان وانشل تفكيري، فأيقنت بالرحيل . . أغلقت على نفسي باب غرفتي، أضربت عن الطعام، ولكن هل أقول فات الأوان؟ . . رحمتك يا ربي . . تراقصت تلك الليالي وتلك اللقاءات أمام عيني . . فمزقت كفي وأصابعي من الندم، ولكن يا لندمي لو وزع على فتيات العالم لكفاهن، فأحاطت بي الحيرة ماذا أفعل؟.
المستشفى . . التحليل . . ولكن ماذا أقول لأمي، وأبي المريض بالقلب، تفهمت أمي بعدما بكت طويلاً وأشفقت عليّ أن أموت من الحزن بين يديها، اتجهنا للمستشفى، وأخذوا مني عينة من الدم.
الموعد بعد أسبوع لمعرفة نتيجة التحليل، فصار هذا الأسبوع كأنه الزمان كله عليّ، صار أطول من القرن، لم أذق فيه طعماً للنوم، أو مذاقاً للأكل . . كلما اقترب الموعد زاد خوفي وهلعي ووجلي وترقبي، سقطت من الإعياء والإجهاد.
بخطاً متثاقلة دخلت أنا وأمي المستشفى بعد أن شحب لوني وابيضت شفتاي واحمرت عيناي من البكاء وطول السهر، جلست في غرفة الانتظار، المكان مزدحم بالنساء، فتيات في مثل سني يضحكن وهن في منتهى الأناقة، هذه معها طفلها الأول، والأخرى قد تعينت حديثاً هنا، والأخرى مع أمها يظهر أنها حديثة عهد بعرس، القاسم المشترك بين الحضور هو الفرح أما أنا لو يعلمن ما على قلبي من الحزن والوجل وأنا انتظر نتيجة التحليل، وهل سأكون مع الأموات وأن في عداد الأحياء أم أكون قد نجوت من الغرق، وأتشبث بالحياة من جديد وأحيط نفسي بسياج العفاف والتقوى، ولكن ما أصعب أن ينتظر الإنسان الموت في أي لحظة ولا يدري من أين يأتيه، ما أبشع الخوف من شيء لا تراه ولا تحسه.
خرجت الممرضة: تنظر في الوجوه، كأنها تبحث عني، تسارعت ضربات قلبي، تردد نفسي، يبس ريقي، ما لها هكذا، نادت أمي، قامت أمي إليها، كم أتمنى أن أعرف ما هي النتيجة؟ كم أتمنى أن تكون النتيجة أني قد نجوت من المصيدة، ما أرخص الأحلام وما أبشع الواقع.
قالت الممرضة لأمي لا بد من حضور رجل، ترى ما الأمر، قالت لا . . ولكن لا بد من حضور رجل، أمي تذرف الدموع، ما الأمر يا أمي؟ الصمت يلف أمي بوشاحه، ودموعها أنهار تجري على خديها، مسكت الورقة من يديها، مزقتها، ألقت بها على الأرض وهي لا تدري، أخذت قصاصة منها، فتحتها، ألقيت نظرة على ما بها، فكانت الطامة . . رأيت النتيجة . . رأيت ثمن الانحراف عن طريق العفاف، شاهدت بأم عيني نتيجة العبث واللهو، فقد كان في أول الأمر طيش وإذا به ينتهي إلى مأساة لا يمكن أن يستوعبها عقل.
أنا في ريعان الصبا، ذات الثمانية عشر عاماً، هل تصدقون؟ هل تستوعبون؟ أنا . . نعم أنا أحمل فيروس الإيدز.
أفقت ولكن بعد فوات الأوان، ندمت ولم يفد الندم . . بكيت فجفت دموعي، سهرت لأطرد شبح الموت، فأنهكني التعب، أبحث في طرق الحياة عن ملاذ فلم أجد إلا طريق الإيمان والندم، وأنا الآن أقف في مهب الريح انتظر قدري مع كل إحساس بألم.
أسوق قصتي لك ولها لعل الغافلة تفيق من غفلتها ولعل الشاردة تعود أدراجها، ولعل العابثة تنتبه قبل أن تحترق أيامها، فمعاناتي لا توصف، وألمي لا حد له، ألم أشد من فتك الأمراض، وألم الحرمان بحياة آمنة، وألم الخوف من الموت الذي أراه في كل لحظة وفي كل زاوية من أيام حياتي.
فيا ربي رحمتك وعفوك وغفرانك
................................................
................................................
:" :( :" :( :"