المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية متعاون فلسطيني وضابط «شين بيت» سابق يكشفان كيف بنت إسرائيل طابورها الخامس (العملاء)



MandN
23-05-2002, 07:46 AM
استخدام النساء والإغراء بالخروج من السجن لمرتكبي الجنح والتهديد بالصور والغزو كأساليب للتجنيد
القدس المحتلة: كاثرين تيلور
يعلم هاني أنه كان مخطئا فيما قام به، لكن الشاب الفلسطيني يقول إنه لم يستطع مقاومة المرأة التي أغرته للذهاب معها إلى حقل قريب من بيته. حدث ذلك قبل سنتين، ولم يحضر قط إلى ذهنه، آنذاك، ما سيترتب على لقائه بتلك المرأة.
وسط اللقاء، فاجأتهما مجموعة من رجال الأمن الإسرائيلي، ثم قام بعضهم بتهديد هاني (ليس هذا اسمه الحقيقي) بإخبار زوجته عن خيانته لها إذا لم يتعاون معهم. تراود هاني الآن قناعة بان كل شيء قد رتب مسبقا للايقاع به، لكنه يسلّم بأنه كان هدفا سهلا، فهو كان مطلوبا لبعض الجرائم الصغيرة، وفي حوزته كانت هناك عدة بطاقات هوية مزيفة. وخلال أيام وافق هاني على التخلي عن حريته ليصبح عميلا لاسرائيل لمدى الحياة.
داخل الضفة الغربية وغزة، هناك آلاف من الفلسطينيين في نفس وضعية هاني، ولا أحد يعرف عدد أولئك الذين يقبضون رواتب من اسرائيل لقاء خدماتهم، لكن العدد، حسب بعض منظمات حقوق الانسان، يصل الى 15 ألف عميل.
وكان استخدام اسرائيل للمخبرين الفلسطينيين قد مكنّها من منع الكثير من العمليات الإستشهادية، ودعم أمن اسرائيل. اضافة الى ذلك، خلق التعاون مع الاسرائيليين روح الشك بين الفلسطينيين، من ان يتمكن شخص من تحقيق قدر من النجاح في تجارته أو عمله، حتى تثار الشكوك حوله.
في حالة هاني كان سبب التعاون مع اسرائيل، هو الخوف لا الجشع: «أنا وافقت على العمل معهم من أجل الحصول على العفو. أنا وافقت على مساعدتهم في حل بعض المشاكل المتعلقة بالمخدرات والسرقة».
يقول هاني ان مسؤوله الاسرائيلي، اتصل به العام الماضي، وطلب منه مراقبة رجلين يسكنان في قريته بالضفة الغربية ـ أحدهما عضو في «حماس»، والآخر من «فتح». «أنا لم أرد أن أقوم بذلك لكنه قال انه يود فقط معرفة حركاتهما. أنا أعطيتهم معلومات كثيرة عنهما، لكني بدأت أخاف من أن الاسرائيليين يخططون للقيام بشيء أكثر من مراقبتهما فقط. فقد شاهدت في التلفزيون كيف تغتال اسرائيل الناس وكيف تلاحقهم بطريقة منهجية. ووصلت الى استنتاج أنني أساعدهم في تحقيق ذلك فهربت».
لكن تصرفات هاني الغريبة، قد أثارت الشكوك لدى الشرطة الفلسطينية، التي اعتقلته، فكان ذلك بمثابة مفتاح فرج، اذ ان اعتقاله ساعده على الخروج من «الحفرة العميقة التي أسقطت نفسي فيها. لذلك اعترفت بكل شيء. كنت اتكلم أسرع مما يستطيع المحقق كتابته».
* دور حاسم
* منذ اتفاقية أوسلو التي نقلت أجزاء من الأراضي المحتلة الى السلطة الفلسطينية، أصبح تجنيد العملاء مهمة أساسية من مهام الأجهزة الأمنية الاسرائيلية. وفي البداية تطلب اعطاء رقم سيارة احد الجيران أو تفاصيل عن مكان عمله. ومع انغمار العملاء أكثر فأكثر بعملهم، أصبح مطلوبا منهم التسرب الى التنظيمات السياسية على أعلى المستويات، أو وضع أفخاخ تساعد الاسرائيليين على اعتقال أو اغتيال الناشطين الفلسطينيين. وكانت اسرائيل قد تبنت سياسة الاغتيالات منذ اندلاع انتفاضة القدس، ولتنفيذ هذه السياسة استخدم المتعاونون الفلسطينيون بشكل نموذجي، لترتيب الضربة، مثلما فعلوا مع هاني.
يتساءل موشي كوبربرغ، احد الضباط السابقين في جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (الشين بيت): «متى كانت اسرائيل بدون متعاونين فلسطينيين؟، انه عمل سهل جدا». وكان كوبربرغ يقوم بتجنيد المتعاونين وادارة شبكة منهم في الضفة الغربية قبل تقاعده سنة 1999 يرى صالح عبد الجواد، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بير زيت، القريبة من رام الله، أن أحد أهداف اجتياح الضفة الغربية الأخير هو الحصول على متعاونين جدد، اذ تم خلال الغزو اعتقال المئات من الفلسطينيين، واذا كان الهدف المعلن من اعتقالهم هو اقتلاع الناشطين من بينهم، فان الكثير من المعتقلين، حسب ما يقوله عبد الجواد، قد عرضت عليهم فرص التعاون أثناء التحقيق معهم.
ويقول عبد الجواد: «في الكثير من البلدان، يعتقل المرء أو يحتجز لأنه قام بعمل خاطئ، أو خطط له، بينما هنا، مر جميع الرجال الراشدين بهذه التجربة. أنا أرى عملية الاعتقال كمصفاة لانتاج متعاونين».
من جانب آخر، دعمت، حكاية هاني، بحوث قامت بها منظمات حقوق الانسان، بضمنها منظمة حقوق الانسان الاسرائيلية «بيتسليم» ومنظمة «مراقبة حقوق الانسان الفلسطينية».
فكلتا المنظمتين قد سجلتا شهادات لأولئك الذين ارتكبوا جرائم مدنية سابقا، ثم عرض عليهم الخروج من السجن مقابل التعاون مع الاجهزة الامنية الاسرائيلية. وآخرون عرضت عليهم صور قريباتهم أثناء قياسهن لملابس جديدة في محلات لبيع الثياب، وهددوا بأن هذه الصور سيتم نشرها اذا لم يقبلوا بالتعاون. يقول عبد الجواد: «هناك الكثير من المحرمات في المجتمع الفلسطيني، وهذا يساعد على توفير الفرص للضغط على الناس للتعاون مع الاسرائيليين».
* طرق بارعة
* يتميز كوبربرغ بحيوية متميزة وجاذبية محببة، ولعله استخدم هذه القدرات في مجال عمله. يقول كوبربرغ ان أساليبه شديدة البراعة، وتتركز على خلق شعور باليأس والخيبة بين الناشطين الشباب من منظماتهم، وذلك بتسليط الضوء على التذبذب في خطاباتها، أو في فشلها في تحقيق الدولة الفلسطينية التي تزعم أنها تقاتل من أجلها. استطاع كوبربرغ أن يقنع بعض الفلسطينيين بأنهم سيخدمون أهلهم، بشكل أفضل، ان هم تعاونوا مع اسرائيل، بسبب ما سيحصلون عليه من ضمانات للتحرك بحرية داخل الضفة الغربية.
ويقول كوبربرغ: «التجنيد الناجح للمتعاونين يستند الى بناء الثقة. على المتعاونين أن يفهموا جيدا أسباب العمل معنا. نحن أصحاب حرفة، وهم يتعاونون لأننا نخبرهم بالحقيقة. فاذا أردت أن أجند شابا في سن الثامنة عشرة، فعليه أن يؤمن أن هناك قناعة مشتركة بيننا. أنا أقول له انني أيضا أريد منع سفك الدماء. مع مرور الوقت، سيجد أنني صادق». واذا فشلت كل الأساليب، فهناك المال. يقول كوبربرغ: «علي أن أجعلهم يعرفون أننا كرماء». كوبربرغ يهودي علماني، ويتكلم العربية بطلاقة، وكان قد درّب لتقمص شخصية فلسطينية اسمها «موسى»، وغالبا ما يستهدف شبانا ينتمون الى منظمات فلسطينية ناشطة. يقول كوبربرغ: «بالنسبة للطالب الجيد والمعتدل، نحن لا نقترب منه. لكن اذا كان متطرفا، نستطيع أن نقول له أنه يعيش في حلم. أحيانا، حتى اذا لم يصبح متعاونا، فالحديث معه يمكن أن يبعده عن القيام بهجوم مستقبلي».
يستغرق كسب المتعاون، أحيانا، ساعة واحدة، وأحيانا يستغرق أشهراً كثيرة. يقول كوبربرغ، انه يعد الفلسطينيين من بين أصدقائه، وهو يؤيد ظهور دولة فلسطينية الى جنب اسرائيل. بعد كسب المتعاون، على كوبربرغ أن يعلّمه كيف يتجنب أن يُكشف. وحسب هذه الدروس، على المتعاون أن يحذر الجميع حتى أمه، اضافة الى تجنب البذخ لتجنب الشكوك. كذلك، كان كوبربرغ يعد بتوفير الحماية للمتعاون، داخل اسرائيل، في حالة انكشافه.
يقول كوبربرغ، ان «شين بيت»، تدير شبكة واسعة من المتعاونين السابقين، الذين منحوا بطاقات هوية بأسماء أخرى. «نحن نرسل بعضا منهم الى الخارج». لكن هذا النوع من الحماية محفوظ بشكل خاص للمتعاونين المنتمين الى أعلى المراتب وظيفيا، وهذا ما جعل المتعاونين الصغار يطالبون اسرائيل ببذل جهد أكبر لحمايتهم، وبعضهم قام برفع دعاوى قضائية ضد الدولة اليهودية.من جانب آخر، وجهت انتقادات قوية للسلطة الفلسطينية للطريقة التي تتبعها في التعامل مع هذه المشكلة. وعبرت منظمات حقوق الانسان عن قلقها من أن اولئك المنعوتين بـ «المتعاونين» لا يمنحون محاكمات عادلة. فالمحاكم العسكرية التي تنظر في قضاياهم تجري جلساتها بسرعة، والأحكام تصدر بسرعة أيضا.
لكن المشكلة لا تقتصر على المحاكمات الصورية، فخلال الانتفاضة الاولى، التي بدأت سنة 1987، قتل ما يقرب من ألف فلسطيني أثناء المصادمات مع الجنود والمستوطنين الاسرائيليين. وحسب البحث الذي قام به المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، هناك ما يقرب من ألف شخص آخر قد قتلوا على أيدي أبناء جلدتهم بسبب الاشتباه في تعاونهم مع الاسرائيليين، في الوقت نفسه لم تبلغ، بين المقتولين، نسبة الذين ثبتت ضدهم تهمة العمالة 45 في المائة.
الكثير من المشكوك في تعاونهم مع الاسرائيليين، تم اطلاق الرصاص عليهم في الشوارع، من مجموعات أمن أهلية، ولم تقم السلطة الفلسطينية بأي جهد لايقاف عمليات القتل، وقد استخدمت هذه الطريقة أحيانا لتصفية الحسابات حول خلافات شخصية لا تمت بصلة بموضوع التعاون مع اسرائيل.
وهذا الموقف من السلطة الفلسطينية، يتعارض مع اتفاقيات أوسلو 2، فعلى سبيل المثال، هناك فقرة تقول «ان الفلسطينيين الذين كانوا لهم اتصالات مع السلطات الاسرائيلية، لن يعرضوا للأذى أو العنف أو الانتقام أو الاضطهاد».
www.asharqalawsat.com (http://www.asharqalawsat.com/pc/news/23,5,2002,023.html)