free
04-06-2002, 10:55 PM
نبذة عن حياة الإمام الخميني (س)
أـ مرحلة الطفولة
ولد الإمام الخميني (س) عام 1902م (1320 ه.ق / 1281 ه.ش) في مدينة "خمين" التي تقع على بعد 349 كليومتر جنوب غربي طهران، في عائلة متدينة. و بعد ستة أشهر من ولادته استشهد أبوه "آية الله السيد مصطفى الموسوي" على يد عملاء الحكومة. أمه هي السيدة هاجر، و هي من عائلة عرفت بالعلم و التقوى، و في عام 1908 م (1326 ه) توفيت أثر المرض. ففقد الإمام الخميني والدته و هو في السادسة من عمره، فكفلته عمته "السيدة صاحبه" حتى بلغ عامة الخامسة عشر، حيث فقد عمته أيضا. لذا فقد عاش الإمام صعوبة اليتم منذ طفولته، و عرف مفهوم الشهادة منذ صغره، و كانت هذه العوامل مؤثرة في تكوين شخصيته.
مرحلة الدراسة
درس مقدمات العلوم في مدينة خمين كالأدب العربي و المنطق و أصول الفقه، و عند ما بلغ سنة التاسعة عشر عام 1921 م (1339 ه) توجه إلى الحوزة العلمية بمدينة "أراك" و بعد عام من الدراسة فيها توجه إلى مدينة قم المقدسة، فأكمل دروسه السابقة، و درس علوم الرياضيات و الهيئة و الفلسفة عند الفقهاء و المجتهدين، إضافة إلى دروس الأخلاق و العرفان، حيث طوى أعلى دروس العرفان النظري و العملي في مدة ستة سنوات عند المرحوم آية الله الميرزا محمد علي الشاهآبادى. و بدأ إلقاء المحاضرات و الدروس على تلامذته عند بلوغه سن السابعة و العشرين عام 1929 م (1347 ه) بتدريس الفلسفة الإسلامية و العرفان النظري و الفقه و أصول الفقه و الأخلاق الإسلامية. و استمر بتدريس هذه المباحث طوال إقامته في مدينة قم .
مرحلة الجهاد و الثورة
الوثائق الموجودة تشير إلى أن سماحة الإمام الخميني (س) في شبابه و طوال سني دراسته كان يحارب المفاسد الاجتماعية و الانحرافات الفكرية و الأخلاقية، و في عام 1943 م دون و نشر كتابه "كشف الأسرار" سرد فيه فضائح الملك "رضاشاه" طوال عشرين عاما، و رد على شبهات المنحرفين دفاعا عن الإسلام و العلماء، و طرح فكرة الحكومة الإسلامية و ضرورة الثورة لإقامتها في كتابه هذا. و في العام 1961 م بدأ بالنضال العلني ضد الحكم الملكي، عند ما اعترض على لائحة كانت تحمل في طياتها إبعاد الإسلام عن القوانين. و قد كانت الحكومة آنذاك قد صادقت على هذه اللائحة، فتحرك الإمام الخميني معارضا هذه اللائحة، داعيا المراجع و الحوزات العلمية و الشعب إلى القيام ضدها، و وجه برقيات شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء، و القى عدة خطب لفضح أهداف هذه اللائحة، و أصدر بيانات متعددة، و انطلقت تحركات المراجع، و مظاهرات الناس من مدينة قم و طهران و سائر المدن. مما اضطر النظام الملكي إلى إلغاء هذه اللائحة، و التراجع عن مواقفه. و استمر الإمام الخميني في معارضته لنظام الملك.
و بتاريخ 22/3/1963 م شن النظام الملكي هجومه الشرس على مدرسة العلوم الإسلامية الفيضية بمدينة قم المقدسة فقتل العديد من طلاب العلوم الدينية، و انتشرت خطب الإمام الخميني و بياناته حول هذه الفاجعة في أنحاء إيران.
و عصر يوم العاشر من محرم عام 1383 ه (2/6/1963 م) ألقى الإمام كلمة غاضبة فضح فيها العلاقات السرية بين نظام الملك و الكيان الصهيوني . و في نفس الليلة قامت القوات الخاصة لنظام الملك بمحاصرة بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام و اقتادوه إلى طهران. لكن خبر اعتقال الإمام انتشر بسرعة في أنحاء إيران، و ما أن طلعت شمس اليوم التالي، حتى انطلقت الجماهير إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، و كانت أكبر تلك المظاهرات في مدينة قم، حيث اعترضتها قوات النظام بشدة، و سقط عدة شهداء، و في طهران أعلن الملك الأحكام العرفية، و قمعت المظاهرات في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه، و أقدمت الحكومة العسكرية على قتل الآلاف العزل. و كانت مجزره 5 حزيران 1963 م عظيمة لدرجة ذاعت أخبارها خارج الحدود، فحركت الرأي العام و اعترض العلماء و الجماهير داخل البلاد و خارجها. و بعد عشرة أشهر من السجن، اضطر النظام الملكي إلى إطلاق سراح الإمام الخميني. لكن الإمام الخميني استمر في معارضته، و إلقاء الخطب التي يفضح فيه مؤامرات الملك. و أقر النظام الملكي لائحة الحصانة للمستشارين السياسيين و العسكريين الأمريكان، مما أثار غضب القضائية زعيم الثورة، الذي ما إن اطلع على هذه الخيانة حتى وسع جهوده، و أرسل رسلا إلى كافة المناطق الإيرانية، و قرر إلقاء خطبة يوم 1383 ه (26/10/1964م) يفضح فيها هذه الخيانة. و رغم التهديدات التي وجهها النظام إلى الإمام، لكن سماحته أطلق صوته عاليا في ذلك اليوم، و هاجم الرئيس الأميركي و حكومته .
فقام النظام الملكي بنفي الإمام إلى خارج إيران، ففي منتصف ليلة 4/11/1964م حاصرت القوات الخاصة و المظليين بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام، و نقلوه إلى مطار طهران مباشرة، و بناءا لاتفاق سابق تم نقله إلى أنقرة ثم إلى بورسا في تركية، ليوضع تحت الرقابة الشديدة لقوات الأمن الإيرانية و التركية، و حرمانه من أي نشاط سياسي و اجتماعي.
مرحلة النفي
أقام الإمام الخميني (س) في تركيا أحد عشر شهرا، و كان الملك الإيراني خلالها يزاول تحطيم بقايا المقاومة بشدة لا مثيل لها من قبل، خلال هذه المدة دون الإمام الخميني كتابا كبيرا هو "تحرير الوسيلة" و كان هذا الكتاب يشكل الرسالة العملية للأحكام، و تطرق فيها لأول مرة ـ في ذلك الزمان ـ لأحكام الجهاد و الدفاع و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا الساعة.
و بتاريخ 5/10/1965م تم نفي الإمام الخميني و ابنه الأكبر السيد مصطفى مجددا إلى المنفي الثاني بعد تركيا و هو العراق، فوضع تحت الإقامة الإجبارية في النجف الأشرف، فبدأ بتدريس دورات الخارج في الفقه، و طرح المباني النظرية للحكومة الإسلامية تحت اسم "ولاية الفقيه " و رغم الصعاب استمر بمتابعة القضايا السياسية لإيران و العالم الإسلامى بدقة و اهتمام، و أقام اتصالات مع ثوار إيران، و عوائل شهداء ثورة الخامس من حزيران 1963م، و السجناء السياسيين، و ذلك عبر طرق و أساليب مختلفة. كما كانت إقامته في النجف فرصة ليتصل مباشرة مع المؤمنين و الطلاب الجامعيين المسلمين في الدول الأجنبية، و يقوى ارتباطه بهم أكثر من قبل، و كان لهذا الأمر أثره الفعال في نشر أفكار الإمام الخميني و أهدافه في مختلف أرجاء العالم. و عند وقوع اعتداءات الكيان الصهيونى و الحرب العربية الإسرائيلية، قام الإمام الخميني بجهود واسعة من أجل دعم المسلمين الفلسطينيين و دول المواجهة، فالتقى عدة مرات مع زعماء المنظمات الفلسطينية المجاهدة، و أرسل ممثلين عنه إلى لبنان، و أصدر فتواه الهامة و التاريخية التي اعتبر فيها أن الدعم العسكري و الاقتصادي لثورة الفلسطينيين و دول المواجهة العربية واجب شرعى، و كانت هذه الأعمال أول أعمال تصدر عن مرجع من المراجع البارزين في عالم التشيع.
و بينما كان الملك الإيراني منهمكا بإقامة حفل ذكرى ألفين و خمسمائة عام على الملكية، كان سماحة الإمام يوجه خطاباته، و يرسل نداءات تثير الحركة و تبعث على الوعي مواكبا كل الأحداث الداخلية في إيران، محافظا بذلك على ديمومة شعلة الجهاد و الثورة.
و كانت كلمات الإمام آنذاك تبعث الأمل لدى القابعين داخل زنزانات الملك، أولئك الذين كانوا يئنون من التعذيب الوحشي لمنظمة "السافاك" فتبعث فيهم الصمود و المقاومة و الصبر على تحمل السجن.
مرحلة اشتداد الثورة و انتصار الثورة الإسلامية
كان استشهاد الابن الأكبر للإمام أي السيد مصطفى الخميني يوم 23/10/1977م،يمثل نقطة البدء في تأجيج نار الثورة من جديد في جسد الحوزات الدينية، و تحرك المجتمع المؤمن في إيران. أما الإمام الخميني فإنه أدهش الجميع عند ما اعتبر أن وفاة ابنه الذي كان يمثل جميع آماله ـ ألطافا إلهية خفية.
بعدها قام النظام الملكي بنشر مقالة في إحدى الصحف الرسمية نال فيها من شخصية الإمام و تحامل عليه، مما أدى إلى تحرك شعبي عارم في مدينة قم المقدسة يوم 9/1/1978م استشهد خلاله عدد من طلاب العلوم الدينية الثوريين، و دفعت هذه الحادثة أهالي مدينة قم إلى التحرك من جديد، و انتشر الغضب العارم في أنحاء البلاد، و استمرت مراسم الثالث و السابع و الأربعين بشكل متواصل، حيث وقعت أحداث تبريز و يزد و جهرم و شيراز و أصفهان و طهران، لتدفع كل مناسبة إلى حدث، و كل حدث إلى مناسبة، و مع كل حدث و مناسبة كان للإمام الخميني نداءا يسجل على أشرطة تسجيل، و توزع الأشرطة التي يدعو فيها الناس إلى الاستقامة و الثبات، و الاستمرار في الثورة حتى إسقاط أساس السلطة الملكية الجائرة، و إقامة الحكومة الإسلامية . حيث كان الأنصار و التباع يتلقفون هذه الأشرطة و يستنسخونها و ينشرونها في مختلف أنحاء البلاد. و لم يتمكن الملك من إطفاء شعلة الثورة رغم ما ارتكبه من مجازر وحشية ضد الشعب المسلم، و رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، و استبداله لرئيس الوزراء، و تغيير المدراء الكبار، بل استمرت الثورة بالاتساع، حيث إن كل مناورة و حيلة سياسية أو عسكرية كان الملك يقوم بها، كان الإمام الخميني يواجهها ببيان و نداء يفضح فيه أهداف الملك، و يحدد الإمام الخطوات اللازمة لإفشال تلك الحيل.
في نيويورك بأمريكا التقى وزيري خارجية العراق و إيران، و اتفقا على إخراج الإمام الخميني (س) من العراق، و في 24/9/1978م قامت قوات الأمن العراقية بمحاصرة بيت الإمام الخميني في النجف الأشرف، و اشترطت على الإمام أن يوقف نشاطه السياسي، و يعلن تراجعه عن المواجهة، كشرط لبقائه في العراق. لكن الإمام قرر الاستمرار في المواجهة، فنفي للمرة الثالثة خلال ثلاثة عشر عام و ذلك يوم 3/10/1978م فغادر النجف قاصدا الكويت، لكن الكويت امتنعت عن استقبال الإمام امتثالا للضغوط الملكية في أوضاع الدول الإسلامية و بعد مشورة الإيرانية .
عندها دقق الإمام الخميني ابنه السيد أحمد قرر الهجرة إلى باريس، فوصلها يوم 106/1978م، و في اليوم التالي استقر في منزل أحد الإيرانيين في ضاحية "نوفل لوشاتو"، و سرعان ما حضر مندوبو قصر الأليزة ليبلغوا الإمام الخميني أن الرئيس الفرنسي "ديستان" يؤكد ضرورة امتناع الإمام عن مزاولة أي نشاط سياسي، و رد الإمام بصراحة و بشدة أن مثل هذه القيود تتعارض مع ادعاء الديمقراطية، و أنه حتى لو اضطر إلى التنقل من مطار لآخر، و من بلد إلى آخر، فإنه سوف لن يتنازل عن أهدافه. و هكذا فإن إقامة الإمام الخميني مدة أربعة أشهر في هذه الضاحية الباريسية جعل منها محط أنظار العالم، و أهم مركز أخبار في العالم . و كان لإلقاء الإمام المحاضرات المتعددة و اللقاءات الكثيرة مع الوفود التي انهالت من أنحاء العالم الدور المهم في إفهام العالم آرائه حول الحكومة الإسلامية، و أهداف ثورته.
و الشعب الإيراني بدوره كان يصعد من تحركه و ثورته مع وصول توجيهات الإمام الخميني، فانتشرت المظاهرات، و عمت الإضرابات التي شلت المؤسسات الحكومية، و استبدل الملك رؤساء وزرائه الواحد تلو الآخر، ثم أعلن ما ارتكبه من مخالفات، و قدم بعضا من أعوانه القدماء توبته عن للمحاكمة، و أطلق بعض السجناء السياسيين، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع الثورة من الاتساع و الاشتداد. و عين الإمام الخميني شورى الثورة، و هرب الملك يوم 16/1/1979م تحت حجة المرض و حاجته للاستراحه، فأدى هروبه إلى انبعاث الفرح و السرور عند أبناء الشعب، و شد من عزمهم على النضال حتى إسقاط النظام.
و جاء قرار الإمام الخميني بعزمه على العوده إلى إيران، ليفجر الفرح و السرور و الأمل في قلوب أبناء الشعب، و دفع أعداء الثورة إلى إظهار ردود فعل متسرعة، فقام النظام بالتشاور مع أمريكا و قرر إغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الأجنبية. فتوجهت الجموع من أنحاء البلاد نحو طهران لتشارك أهالي طهران في تظاهرات مليونية تطالب بفتح المطارات، فرضخ النظام إلى ذلك و فتح مطار طهران الدولي، فهبطت الطائرة التي أقلت الإمام يوم 1/2/1979م بعد أربعة عشر عاما قضاها في المنفى.
فكان استقبال الشعب الإيراني لإمامه عظيما إلى درجة اضطرت معها وكالات الأنباء الغربية أن تذعن أن المستقبلين كانوا حوالي ستة ملايين شخص. وو رغم بقاء الحكومة الملكية إلا أن الإمام أعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة، في 5/2/1979 عين رئيسا للحكومة، و كلف الحكومة المؤقتة بالإعداء لإجراء استفتاء عام و انتخابات، و في 8/2/1979م بايعت القوات الجوية الإمام الخميني كقائد لها، و ذلك في لقاء لها معه في محل إقامته في المدرسة العلوية بطهران، و في 9/2/1979م تحرك الطيارون في أكبر قاعدة جوية تأييدا للثوره، فتوجه الحرس الملكي إلى تلك القاعدة للقضاء على التحرك، فتدخل أبناء الشعب دعما للثوار. و أعلن الحاكم العسكري في طهران تمديد ساعات منع التجول في طهران منذ الرابعة عصرا و حتى الصباح و ذلك لتنفيذ خطه أعدتها حكومة الملك و مستشارو أمريكا في طهران لتنفيذ انقلاب عسكري، لكن الإمام الخميني دعا أبناء الشعب للتوجه إلى الشوارع للقضاء على مؤامرة ستنفذ، و إلغاء الأحكام العرفية بشكل عملي، فتوجه الجميع من رجال و نساء و أطفال و شيوخ إلى الشوارع، و أعدوا المتاريس.
و مع تحرك أول الدبابات و الآليات للانقلابيين قام أبناء الشعب بمواجهتهم و إسقاط المؤامرة، و بذلك تم القضاء على آخر مقاومة للنظام الملكي،فاشرقت يوم 11/2/1979م شمس انتصار الثوره الإسلامية المباركه
أـ مرحلة الطفولة
ولد الإمام الخميني (س) عام 1902م (1320 ه.ق / 1281 ه.ش) في مدينة "خمين" التي تقع على بعد 349 كليومتر جنوب غربي طهران، في عائلة متدينة. و بعد ستة أشهر من ولادته استشهد أبوه "آية الله السيد مصطفى الموسوي" على يد عملاء الحكومة. أمه هي السيدة هاجر، و هي من عائلة عرفت بالعلم و التقوى، و في عام 1908 م (1326 ه) توفيت أثر المرض. ففقد الإمام الخميني والدته و هو في السادسة من عمره، فكفلته عمته "السيدة صاحبه" حتى بلغ عامة الخامسة عشر، حيث فقد عمته أيضا. لذا فقد عاش الإمام صعوبة اليتم منذ طفولته، و عرف مفهوم الشهادة منذ صغره، و كانت هذه العوامل مؤثرة في تكوين شخصيته.
مرحلة الدراسة
درس مقدمات العلوم في مدينة خمين كالأدب العربي و المنطق و أصول الفقه، و عند ما بلغ سنة التاسعة عشر عام 1921 م (1339 ه) توجه إلى الحوزة العلمية بمدينة "أراك" و بعد عام من الدراسة فيها توجه إلى مدينة قم المقدسة، فأكمل دروسه السابقة، و درس علوم الرياضيات و الهيئة و الفلسفة عند الفقهاء و المجتهدين، إضافة إلى دروس الأخلاق و العرفان، حيث طوى أعلى دروس العرفان النظري و العملي في مدة ستة سنوات عند المرحوم آية الله الميرزا محمد علي الشاهآبادى. و بدأ إلقاء المحاضرات و الدروس على تلامذته عند بلوغه سن السابعة و العشرين عام 1929 م (1347 ه) بتدريس الفلسفة الإسلامية و العرفان النظري و الفقه و أصول الفقه و الأخلاق الإسلامية. و استمر بتدريس هذه المباحث طوال إقامته في مدينة قم .
مرحلة الجهاد و الثورة
الوثائق الموجودة تشير إلى أن سماحة الإمام الخميني (س) في شبابه و طوال سني دراسته كان يحارب المفاسد الاجتماعية و الانحرافات الفكرية و الأخلاقية، و في عام 1943 م دون و نشر كتابه "كشف الأسرار" سرد فيه فضائح الملك "رضاشاه" طوال عشرين عاما، و رد على شبهات المنحرفين دفاعا عن الإسلام و العلماء، و طرح فكرة الحكومة الإسلامية و ضرورة الثورة لإقامتها في كتابه هذا. و في العام 1961 م بدأ بالنضال العلني ضد الحكم الملكي، عند ما اعترض على لائحة كانت تحمل في طياتها إبعاد الإسلام عن القوانين. و قد كانت الحكومة آنذاك قد صادقت على هذه اللائحة، فتحرك الإمام الخميني معارضا هذه اللائحة، داعيا المراجع و الحوزات العلمية و الشعب إلى القيام ضدها، و وجه برقيات شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء، و القى عدة خطب لفضح أهداف هذه اللائحة، و أصدر بيانات متعددة، و انطلقت تحركات المراجع، و مظاهرات الناس من مدينة قم و طهران و سائر المدن. مما اضطر النظام الملكي إلى إلغاء هذه اللائحة، و التراجع عن مواقفه. و استمر الإمام الخميني في معارضته لنظام الملك.
و بتاريخ 22/3/1963 م شن النظام الملكي هجومه الشرس على مدرسة العلوم الإسلامية الفيضية بمدينة قم المقدسة فقتل العديد من طلاب العلوم الدينية، و انتشرت خطب الإمام الخميني و بياناته حول هذه الفاجعة في أنحاء إيران.
و عصر يوم العاشر من محرم عام 1383 ه (2/6/1963 م) ألقى الإمام كلمة غاضبة فضح فيها العلاقات السرية بين نظام الملك و الكيان الصهيوني . و في نفس الليلة قامت القوات الخاصة لنظام الملك بمحاصرة بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام و اقتادوه إلى طهران. لكن خبر اعتقال الإمام انتشر بسرعة في أنحاء إيران، و ما أن طلعت شمس اليوم التالي، حتى انطلقت الجماهير إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، و كانت أكبر تلك المظاهرات في مدينة قم، حيث اعترضتها قوات النظام بشدة، و سقط عدة شهداء، و في طهران أعلن الملك الأحكام العرفية، و قمعت المظاهرات في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه، و أقدمت الحكومة العسكرية على قتل الآلاف العزل. و كانت مجزره 5 حزيران 1963 م عظيمة لدرجة ذاعت أخبارها خارج الحدود، فحركت الرأي العام و اعترض العلماء و الجماهير داخل البلاد و خارجها. و بعد عشرة أشهر من السجن، اضطر النظام الملكي إلى إطلاق سراح الإمام الخميني. لكن الإمام الخميني استمر في معارضته، و إلقاء الخطب التي يفضح فيه مؤامرات الملك. و أقر النظام الملكي لائحة الحصانة للمستشارين السياسيين و العسكريين الأمريكان، مما أثار غضب القضائية زعيم الثورة، الذي ما إن اطلع على هذه الخيانة حتى وسع جهوده، و أرسل رسلا إلى كافة المناطق الإيرانية، و قرر إلقاء خطبة يوم 1383 ه (26/10/1964م) يفضح فيها هذه الخيانة. و رغم التهديدات التي وجهها النظام إلى الإمام، لكن سماحته أطلق صوته عاليا في ذلك اليوم، و هاجم الرئيس الأميركي و حكومته .
فقام النظام الملكي بنفي الإمام إلى خارج إيران، ففي منتصف ليلة 4/11/1964م حاصرت القوات الخاصة و المظليين بيت الإمام الخميني، و اعتقلوا الإمام، و نقلوه إلى مطار طهران مباشرة، و بناءا لاتفاق سابق تم نقله إلى أنقرة ثم إلى بورسا في تركية، ليوضع تحت الرقابة الشديدة لقوات الأمن الإيرانية و التركية، و حرمانه من أي نشاط سياسي و اجتماعي.
مرحلة النفي
أقام الإمام الخميني (س) في تركيا أحد عشر شهرا، و كان الملك الإيراني خلالها يزاول تحطيم بقايا المقاومة بشدة لا مثيل لها من قبل، خلال هذه المدة دون الإمام الخميني كتابا كبيرا هو "تحرير الوسيلة" و كان هذا الكتاب يشكل الرسالة العملية للأحكام، و تطرق فيها لأول مرة ـ في ذلك الزمان ـ لأحكام الجهاد و الدفاع و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا الساعة.
و بتاريخ 5/10/1965م تم نفي الإمام الخميني و ابنه الأكبر السيد مصطفى مجددا إلى المنفي الثاني بعد تركيا و هو العراق، فوضع تحت الإقامة الإجبارية في النجف الأشرف، فبدأ بتدريس دورات الخارج في الفقه، و طرح المباني النظرية للحكومة الإسلامية تحت اسم "ولاية الفقيه " و رغم الصعاب استمر بمتابعة القضايا السياسية لإيران و العالم الإسلامى بدقة و اهتمام، و أقام اتصالات مع ثوار إيران، و عوائل شهداء ثورة الخامس من حزيران 1963م، و السجناء السياسيين، و ذلك عبر طرق و أساليب مختلفة. كما كانت إقامته في النجف فرصة ليتصل مباشرة مع المؤمنين و الطلاب الجامعيين المسلمين في الدول الأجنبية، و يقوى ارتباطه بهم أكثر من قبل، و كان لهذا الأمر أثره الفعال في نشر أفكار الإمام الخميني و أهدافه في مختلف أرجاء العالم. و عند وقوع اعتداءات الكيان الصهيونى و الحرب العربية الإسرائيلية، قام الإمام الخميني بجهود واسعة من أجل دعم المسلمين الفلسطينيين و دول المواجهة، فالتقى عدة مرات مع زعماء المنظمات الفلسطينية المجاهدة، و أرسل ممثلين عنه إلى لبنان، و أصدر فتواه الهامة و التاريخية التي اعتبر فيها أن الدعم العسكري و الاقتصادي لثورة الفلسطينيين و دول المواجهة العربية واجب شرعى، و كانت هذه الأعمال أول أعمال تصدر عن مرجع من المراجع البارزين في عالم التشيع.
و بينما كان الملك الإيراني منهمكا بإقامة حفل ذكرى ألفين و خمسمائة عام على الملكية، كان سماحة الإمام يوجه خطاباته، و يرسل نداءات تثير الحركة و تبعث على الوعي مواكبا كل الأحداث الداخلية في إيران، محافظا بذلك على ديمومة شعلة الجهاد و الثورة.
و كانت كلمات الإمام آنذاك تبعث الأمل لدى القابعين داخل زنزانات الملك، أولئك الذين كانوا يئنون من التعذيب الوحشي لمنظمة "السافاك" فتبعث فيهم الصمود و المقاومة و الصبر على تحمل السجن.
مرحلة اشتداد الثورة و انتصار الثورة الإسلامية
كان استشهاد الابن الأكبر للإمام أي السيد مصطفى الخميني يوم 23/10/1977م،يمثل نقطة البدء في تأجيج نار الثورة من جديد في جسد الحوزات الدينية، و تحرك المجتمع المؤمن في إيران. أما الإمام الخميني فإنه أدهش الجميع عند ما اعتبر أن وفاة ابنه الذي كان يمثل جميع آماله ـ ألطافا إلهية خفية.
بعدها قام النظام الملكي بنشر مقالة في إحدى الصحف الرسمية نال فيها من شخصية الإمام و تحامل عليه، مما أدى إلى تحرك شعبي عارم في مدينة قم المقدسة يوم 9/1/1978م استشهد خلاله عدد من طلاب العلوم الدينية الثوريين، و دفعت هذه الحادثة أهالي مدينة قم إلى التحرك من جديد، و انتشر الغضب العارم في أنحاء البلاد، و استمرت مراسم الثالث و السابع و الأربعين بشكل متواصل، حيث وقعت أحداث تبريز و يزد و جهرم و شيراز و أصفهان و طهران، لتدفع كل مناسبة إلى حدث، و كل حدث إلى مناسبة، و مع كل حدث و مناسبة كان للإمام الخميني نداءا يسجل على أشرطة تسجيل، و توزع الأشرطة التي يدعو فيها الناس إلى الاستقامة و الثبات، و الاستمرار في الثورة حتى إسقاط أساس السلطة الملكية الجائرة، و إقامة الحكومة الإسلامية . حيث كان الأنصار و التباع يتلقفون هذه الأشرطة و يستنسخونها و ينشرونها في مختلف أنحاء البلاد. و لم يتمكن الملك من إطفاء شعلة الثورة رغم ما ارتكبه من مجازر وحشية ضد الشعب المسلم، و رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، و استبداله لرئيس الوزراء، و تغيير المدراء الكبار، بل استمرت الثورة بالاتساع، حيث إن كل مناورة و حيلة سياسية أو عسكرية كان الملك يقوم بها، كان الإمام الخميني يواجهها ببيان و نداء يفضح فيه أهداف الملك، و يحدد الإمام الخطوات اللازمة لإفشال تلك الحيل.
في نيويورك بأمريكا التقى وزيري خارجية العراق و إيران، و اتفقا على إخراج الإمام الخميني (س) من العراق، و في 24/9/1978م قامت قوات الأمن العراقية بمحاصرة بيت الإمام الخميني في النجف الأشرف، و اشترطت على الإمام أن يوقف نشاطه السياسي، و يعلن تراجعه عن المواجهة، كشرط لبقائه في العراق. لكن الإمام قرر الاستمرار في المواجهة، فنفي للمرة الثالثة خلال ثلاثة عشر عام و ذلك يوم 3/10/1978م فغادر النجف قاصدا الكويت، لكن الكويت امتنعت عن استقبال الإمام امتثالا للضغوط الملكية في أوضاع الدول الإسلامية و بعد مشورة الإيرانية .
عندها دقق الإمام الخميني ابنه السيد أحمد قرر الهجرة إلى باريس، فوصلها يوم 106/1978م، و في اليوم التالي استقر في منزل أحد الإيرانيين في ضاحية "نوفل لوشاتو"، و سرعان ما حضر مندوبو قصر الأليزة ليبلغوا الإمام الخميني أن الرئيس الفرنسي "ديستان" يؤكد ضرورة امتناع الإمام عن مزاولة أي نشاط سياسي، و رد الإمام بصراحة و بشدة أن مثل هذه القيود تتعارض مع ادعاء الديمقراطية، و أنه حتى لو اضطر إلى التنقل من مطار لآخر، و من بلد إلى آخر، فإنه سوف لن يتنازل عن أهدافه. و هكذا فإن إقامة الإمام الخميني مدة أربعة أشهر في هذه الضاحية الباريسية جعل منها محط أنظار العالم، و أهم مركز أخبار في العالم . و كان لإلقاء الإمام المحاضرات المتعددة و اللقاءات الكثيرة مع الوفود التي انهالت من أنحاء العالم الدور المهم في إفهام العالم آرائه حول الحكومة الإسلامية، و أهداف ثورته.
و الشعب الإيراني بدوره كان يصعد من تحركه و ثورته مع وصول توجيهات الإمام الخميني، فانتشرت المظاهرات، و عمت الإضرابات التي شلت المؤسسات الحكومية، و استبدل الملك رؤساء وزرائه الواحد تلو الآخر، ثم أعلن ما ارتكبه من مخالفات، و قدم بعضا من أعوانه القدماء توبته عن للمحاكمة، و أطلق بعض السجناء السياسيين، لكن كل تلك الأعمال لم تمنع الثورة من الاتساع و الاشتداد. و عين الإمام الخميني شورى الثورة، و هرب الملك يوم 16/1/1979م تحت حجة المرض و حاجته للاستراحه، فأدى هروبه إلى انبعاث الفرح و السرور عند أبناء الشعب، و شد من عزمهم على النضال حتى إسقاط النظام.
و جاء قرار الإمام الخميني بعزمه على العوده إلى إيران، ليفجر الفرح و السرور و الأمل في قلوب أبناء الشعب، و دفع أعداء الثورة إلى إظهار ردود فعل متسرعة، فقام النظام بالتشاور مع أمريكا و قرر إغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الأجنبية. فتوجهت الجموع من أنحاء البلاد نحو طهران لتشارك أهالي طهران في تظاهرات مليونية تطالب بفتح المطارات، فرضخ النظام إلى ذلك و فتح مطار طهران الدولي، فهبطت الطائرة التي أقلت الإمام يوم 1/2/1979م بعد أربعة عشر عاما قضاها في المنفى.
فكان استقبال الشعب الإيراني لإمامه عظيما إلى درجة اضطرت معها وكالات الأنباء الغربية أن تذعن أن المستقبلين كانوا حوالي ستة ملايين شخص. وو رغم بقاء الحكومة الملكية إلا أن الإمام أعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة، في 5/2/1979 عين رئيسا للحكومة، و كلف الحكومة المؤقتة بالإعداء لإجراء استفتاء عام و انتخابات، و في 8/2/1979م بايعت القوات الجوية الإمام الخميني كقائد لها، و ذلك في لقاء لها معه في محل إقامته في المدرسة العلوية بطهران، و في 9/2/1979م تحرك الطيارون في أكبر قاعدة جوية تأييدا للثوره، فتوجه الحرس الملكي إلى تلك القاعدة للقضاء على التحرك، فتدخل أبناء الشعب دعما للثوار. و أعلن الحاكم العسكري في طهران تمديد ساعات منع التجول في طهران منذ الرابعة عصرا و حتى الصباح و ذلك لتنفيذ خطه أعدتها حكومة الملك و مستشارو أمريكا في طهران لتنفيذ انقلاب عسكري، لكن الإمام الخميني دعا أبناء الشعب للتوجه إلى الشوارع للقضاء على مؤامرة ستنفذ، و إلغاء الأحكام العرفية بشكل عملي، فتوجه الجميع من رجال و نساء و أطفال و شيوخ إلى الشوارع، و أعدوا المتاريس.
و مع تحرك أول الدبابات و الآليات للانقلابيين قام أبناء الشعب بمواجهتهم و إسقاط المؤامرة، و بذلك تم القضاء على آخر مقاومة للنظام الملكي،فاشرقت يوم 11/2/1979م شمس انتصار الثوره الإسلامية المباركه