المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحــــــــب العــــجيـــــب



nador
29-06-2002, 03:48 PM
الحب العجيــب

ولما كان الوقت قد تأخر ، أطفأ النور ، واستدل بيديه الدرب إلى السرير الذي كان اشتراه من سوق الجمعة ، حين فكر بالزواج من جارته نعيمة ، إبنة الإسكافي التي فهم أنها تحب النوم على سرير إفرنجي ، ولكن الزواج لم يتم ، ولا يعرف لماذا لم يتم! ، وسأل نفسه نفس السؤال وهو يلمس طرف السرير بيديه في العتمة ، وعندما استلقى قرر أن يستمر في التفكير بنعيمة ، خاصة أنه لا يستطيع النوم فور استلقائه ، وعليه دائماً أن يبحث في ذهنه عن موضوع شيق كي يشعر بشيء من السعادة ، لربما أثر ذلك في الأحلام التي ما تنفك تأتيه بكثافة . ونعيمة كانت تسأله باستمرار عن سبب عدم زواجه ، وكيف يتدبر أمور طعامه وغسيله ، حتى جاء اليوم الذي قرر فيه ان يطلب منها أن تتزوجه ، ما دامت تشغل بالها في أموره ، وهو يتذكر الآن كيف درس الأمر من كل جوانبه ، ووجد أنها ربما ترغب فيه رغم سنواته الستين ، وهي عانس في الخامسة والثلاثين ، ثم أنها ليست عظيمة الجمال ، والحَوَل الذي في عينيها ليس بالتأكيد حَوَل الحُسنِ كما يقولون ، بل زاد في عادية جمالها ، وهو يقول إن جمالها عاديٌ ، لأنه يرفض التصريح ، ولو لنفسه وهو مستلق على السرير الإفرنجي ، إنها قبيحة ، رغم إن الشبان يقولون عنها أنها كذلك ، وتذكر انه دَرَسَ الأمر جيداً ، فهو لا يريد ان يَطلب ويُرفض فيخْجل ، فقد أصبح في الستين وعاش حياته بعد وفاة أمه وحيداً ، فما معنى ، وفي هذه السن ، ان يخجِّـلوه فيرفضوا طلبه . ونعيمة لا تحب العيش في بيت أهلها إلى يوم القيامة ، خاصة وأن أباها قد رحل وورثته أمها في التحكم بها ، فصار وضعها أسوأ من قبلُ ، لأن أمها امرأة سليطة اللسان ، وتخاف من كلام الناس ، هذا غير أخوتها الكبار ، والأصغر منها الذين يحبون ان ينفخوا عضلاتهم أمامها. وفي كثير من الأحيان ، كان يسمع صراخاً من الأعلى ، أي من شقتهم التي تقع فوق شقته ، وقبل أن يطفئ النور ويذهب إلى السرير متلمساً طريقه في الظلام بيديه الممدودتين أمامه ، وقد فكر أكثر من مرة في شراء مصباح ليلي يضعه إلى جانب السرير ليتخلص من خوفه من التعثر بكرسي أو بفردة حذاء أثناء رحلته الطويلة من باب الغرفة ، حيث مفتاح النور وحتى السرير الذي يبعد طرفه القريب متراً ونصف المتر فقط ، أما عن الصراخ ، فقد كان يفهم أن أمها وأخوتها يوبخونها ويسبونها ويدعون عليها بالحمى . وحين كان يفكر في الأمر جمع كل تلك الأسباب في خانة واحدة ، فوجد أنه إذا طلب أن يزوِّجوها له فأهلها لن يخجلوه ، بل سيرحبون بالفكرة على الأقل ليتخلصوا منها ، وليشيلوا همها عنهم ويضعوه على أكتافه كما يقولون . وتذكر كيف أنه كان عائداً من عمله حين وجد نعيمة تشطف الدرج ، فمسّى عليها ، فردت له التحية وسألته عما كان يحمل في كيس النايلون ، فقال إنهما سندويشتا فلافل سوف يلتهمهما على الغداء ، عندها قالت له إنه مسكين ، وعليه أن يبحث له عن زوجة تشيل كبرته ، فأجابها إنه بدأ يفكر جدياً في الزواج ، وإنه سيكون لها من الشاكرين إن دلته على امرأة عاقلة ، وابنة ناس ترضى بعجوز مثله ، حينها ابتسمت نعيمة ومدت يدها ووضعتها على يده التي كان يستند بها إلى درابزون الدرج ، فمر تيار كهربائي في جسده كله وشعر بحرارة شديدة تصعد إلى رأسه ، وزاد خفقان قلبه وجفاف فمه . وهو الآن يسمع خطوات في الشقة التي فوق ، وهي خطوات لإنسان يعتمد في سيره على إنزال كعبي رجليه الحافيين على الأرض بقوة ، فيحدثان صوتاً كصوت الطرق ، وهو منذ أن اكتشف أن هذه مشية نعيمة ، صار يتأثر بسماعه للخطوات ، أما مشية أمها فهي غير متميزة ولا تحدث صوتاً مثل هذه ، بل يخيل إليه أن أمها تسحب قدميها سحباً ، وهي قلما تسير حافية ، وبقي عليه أن يتذكر وقع خطوات أخوتها الذكور ، الذين يزورونهما في أوقات متفرقة ، ولا يجتمعون كلهم إلا في العيدين الكبير والصغير ، وفي نصف شعبان ، بعد أن يعودوا من المقبرة إثر زيارتهم لقبر أبيهم المسكين الذي مات قبل أن يطمئن قلبه بتزويج ابنته نعيمة ، فخطواتهم ذكورية ، وهم ، في كل حال ، يسيرون في البيت بأحذيتهم ، مما يجعل لخطواتهم رنيناً حاداً وخاصة واحد منهم الذي اهترأ كعبا حذائه وبرزت منهما المسامير التي ترنُّ على البلاط العاري . استدار إلى طرفه الأيمن ليطرد الأفكار عن الخطوات والأحذية ، فهو يريد أن يحصر أفكاره في الأمور السارة فقط ، فهذا ما يبتغيه دائماً قبل النوم ، ومنها مثلاً حين دخل إلى بيته يوم شطْفِ الدرج ، فجلس على كرسي وهو يلهث ، وأسند يده التي لمستها نعيمة ، وراح يستعيد ، محاولاً أن يديم ذلك الشعور الذي تملكه حين لمستها ، فقد مضى زمن طويل منذ أن لمسته امرأة لآخر مرة ، حتى أنه نسي تماماً ملمس يدي أمه حين كانت تدلك له رأسه لتزيل الصداع الذي كان يهاجمه ، فكانت تمسّد له جبينه وعينيه وصدغيه ، وهي تتمتم بـ " قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق " ، وهو الآن ينام على الطرف الأيمن محاولاً استعادة ملمس نعيمة ، ومن أجل ذلك رفع يده ونظر إليها ، ولكن الظلام حجبها عن عينيه ، فأعاد إغماضهما متلذذاً بعودة الشعور الذي يؤدي حتماً إلى التذكر ، كيف أنه أضرب عن غسل يديه مدة ثلاثة أيام لكيلا يمحي أثر اللمسة الذي كان عبارة عن شعور يحتل الجسد كله ، فتنتصب له الشعيرات وتتكزبر البشرة وتصبح خشنة ، أما في الداخل ، فقد كان أثر اللمسة حلواً ، وكأن فرحاً انسكب فيه فجأة ، فيكاد المرء يشهق من سعادته الفائقة ، وفي هذه اللحظة بالذات ، تذكر كيف أنه كان يترك العمل ليعود إلى منزله لعلّه يصادف نعيمة على درج البناية ، فيستند من جديد على الدرابزون ، متيحاً لها الفرصة لكي تلمسه من جديد ، ولكنه كان يعود إلى عمله خائباً ، ويبقى حتى نهاية الدوام معكّر المزاج ، لأنه لم يحظ بها ، ولكنه في طريق العودة ، وهو يحمل كيس النايلون الذي يحتفظ فيه بسندويشاته ، يروق مزاجه من جديد ، لأنه قد يصادفها ، أو على الأقل ، سيجلس في غرفته يستمع إلى طرقات كعبيها وهي تمشي حافية من غرفة إلى غرفة ، في بيتهم الذي هو فوق رأسه وفي نفس الوقت ، يستعيد أثر لمستها الذي لا ينسى ، ولكنه اكتشف بعد ملاحظة دقيقة ، أنها تشطف الدرج يوم الخميس من كل اسبوع ، وهو الآن يتذكر ، بعد أن استدار إلى جنبه الأيسر ، كيف صادفها من جديد ، فوقف مستنداً مثل المرة الأولى على درابزون الدرج ، وراح يتمعن في وجهها ، متلقياً رسائل لاسلكية يبثها جسدها باتجاه جسده ، أو روحها باتجاه روحه ، فحدثته عن صعوبة إيجاد امرأة في هذه الأيام ، دون طرق الأبواب ، فلم يجد نفسه إلا وهو يطلب منها أن تتزوجه هي ، وأنه لا يريد غيرها ، فاحمر وجهها وارتبكت ، ولم تعد تعرف ما تفعل ، فقرر أن ينسحب في الوقت المناسب ، ولكنه وقبل أن يتركها ، همس لها أنه سوف يتحدث إلى أمها . ولكن الكلام مع الأم ليس سهلاً ، فهي ، كما هو معروف ، سيئة الخلق وسليطة اللسان ، تستخدم في هجومها على الآخرين سبّات الرجال ، ولكنه وهو مستلقٍ على طرفه الأيسر ، قرر ألا يفكر في الأم ، لأن التفكير فيها يسمم البدن ، وهو يريد أن ينام سعيداً ، ولذلك لم يستعد وقائع مقابلته لها حين صعد إليهم وفتح الموضوع ، ولكن الممتع في تلك المقابلة ، معرفته لطباع نعيمة في النوم ، ففي تلك الزيارة علم أنها لا تستطيع النوم إلا على سرير إفرنجي رفّاس ، في حين أنه كان ينام على فراش يمده على لوح من الخشب بناءً على نصيحة طبيب المصلحة التي يعمل فيها ، بعد أن اكتشف أنه يعاني من مرض الديسك ، فقرر أن يشتري السرير ، والتفكير في هذا الأمر يعتبر من أكثر المواضيع المتعلقة بنعيمة متعةً ، لأنه اكتشف أن لديه قضية يدور في الأسواق على قدميه من أجل إتمامها ، ومن طول بحثه عن السرير الذي سيرضي نعيمة ، عادت إليه آلام الديسك ، حتى نصحه أحد الزملاء في المصلحة أن يبحث عما يريد في سوق الجمعة ، وهكذا وجد لنفسه عملاً يشغله في أيام الجمع ، حين تعطل المصلحة ، ويضطر للمكوث في البيت ، وليبحث عن ذرائع للدخول والخروج من منزله لعله يصادف نعيمة التي تأخرت كثيراً في إبلاغه برد أهلها على موضوع طلب يدها ، ولكنه اكتشف وقتها أن أصوات رنين أحذية أخوتها راحت تتكرر باستمرار في بيتهم ، وكأن تلك الأحذية تسير فوق رأسه في كل ليلة ، ثم راح يسمع أصوات صراخ غاضب ، ثم سبَّات وتهديدات ، وربما كانت هناك سبّة واحدة موجهة إليه وإلى عائلته ، وهو لا يريد في هذه اللحظة التي يتمنى فيها التفكير في الأمور الممتعة فقط ، أن يستعيد كل ما سمعه ، وخاصة ذلك الصراخ الغاضب ، الذي يصفه بأنه عجوز فقير ومريض يسكن بالإيجار ، ثم أنه لا يريد أن يتذكر كيف أن أذنيه التقطتا بكاء نعيمة المر ، وأشياء أخرى ، ومنها خاصة تلك الأصوات التي يعتقد أنها أصوات قيام أحد أخوتها بضربها بقوة ، وبمساعدة أمها ، وهو يتذكر حينها ، أنه بكي بصمت حزناً على نعيمة ، وقد بكي مرة أخرى حين صادفها بعد عدة أسابيع وهي تشطف الدرج ، فاقترب منها يريد أن يخبرها أنه اشترى لها أخيراً السرير الذي تحب أن تنام عليه ، ولكنها هربت من مواجهته تاركة الماء يسيل على الدرجات ، ويتساقط من حافاتها كالشلالات ، وهو يتذكر الآن أنه بكي في غرفته ، رغم أنه لا يريد التفكير بمثل هذه الأمور التي تورث الغم في نفسه ، وشعر حينها بالوحدة ، وأنه حتماً سيموت وحيداً دون أن يحظى مرة أخرى بلمسة امرأة على يده ، ومن أجل ذلك ، صار يفكر كل ليلة ، وقبل أن يغفو ، بنعيمة ، وبلمستها ، وكيف أنها تركت في نفسه شعوراً ممتعاً وجذاباً ، يجعله ينام سعيداً ويحلم أحلاماً لذيذة .

:غضب:

الســــــــاهـر
29-06-2002, 03:57 PM
قد تكون الاحلام احيانا هي الحل المناسب . . .



ومشكوور على الموضوع . .

تحياتي .. الســـــــــــــاهـر ..

Yamen
30-06-2002, 03:20 AM
ممكن تختصر المرة الجاية ؟




صار يفكر كل ليلة ، وقبل أن يغفو ، بنعيمة ، وبلمستها ، وكيف أنها تركت في نفسه شعوراً ممتعاً وجذاباً ، يجعله ينام سعيداً ويحلم أحلاماً لذيذة .


هذا للي قريته بس وشكراً ?: ?: