الغلا
30-06-2002, 09:57 AM
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191) ))
صورة فضائية وصلتني عبر البريد الإلكتروني لمنطقة التقاء الليل والنهار فسبحان الله
ومشهد السماوات والأرض، ومشهد اختلاف الليل والنهار. لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا وإدراكنا. لو تلقيناه كمشهد جديد تتفتح عليه العيون أول مرة. لو استنقذنا حسنا من همود الإلف،وخمود التكرار.. لارتعشت له رؤانا، ولاهتزت له مشاعرنا، ولأحسسنا أن وراء ما فيه من تناسق لا بد من يد تنسق ; ووراء ما فيه من نظام لا بد من عقل يدبر ; ووراء ما فيه من إحكام لا بد من ناموس لا يتخلف... وأن هذا كله لا يمكن أن يكون خداعا، ولا يمكن أن يكون جزافا، ولا يمكن أن يكون باطلا .
ولا ينقص من اهتزازنا للمشهد الكوني الرائع أن نعرف أن الليل والنهار، ظاهرتان ناشئتان من دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس .ولا أن تناسق السماوات والأرض مرتكز إلى ((الجاذبية)) أو غير الجاذبية... هذه فروض تصح أو لا تصح ،وهي في كلتا الحالتين لا تقدم ولا تؤخر في استقبال هذه العجيبة الكونية، واستقبال النواميس الهائلة الدقيقة التي تحكمها وتحفظها...وهذه النواميس- أيا كان اسمها عند الباحثين من بني الإنسان- هي آية القدرة، وآية الحق ،في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.
والسياق القرآني هنا يصور خطوات الحركة النفسية التي ينشئها استقبال مشهد السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار في مشاعر أولي الألباب تصويرا دقيقا، وهو في الوقت ذاته تصوير إيحائي ،يلفت القلوب إلى المنهج الصحيح، في التعامل مع الكون، وفي التخاطب معه بلغته، والتجاوب مع فطرته وحقيقته، والانطباع بإشاراته وإيحاءاته. ويجعل من كتاب الكون المفتوح كتاب ((معرفة)) للإنسان المؤمن الموصول بالله، وبما تبدعه يد الله.
وإنه يقرن ابتداء بين توجه القلب إلى ذكر الله وعبادته: (( قياما وقعودا وعلى جنوبهم)).. وبين التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار .. فيسلك هذا التفكر مسلك العبادة ،ويجعله جانبا من مشهد الذكر... فيوحي بهذا الجمع بين الحركتين بحقيقتين هامتين
....................................
إنها لحظة تمثل صفاء القلب، وشفافية الروح، وتفتح الإدراك ،واستعداده للتلقي.كما تمثل الاستجابة والتأثر والانطباع...
إنها لحظة العبادة. وهي بهذا الوصف لحظة اتصال، ولحظة استقبال. فلا عجب أن يكون الاستعداد فيها لإدراك الآيات الكونية أكبر ; وأن يكون مجرد التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ملهما للحقيقة الكامنة فيها، ولإدراك أنها لم تخلق عبثا ولا باطلا، ومن ثم تكون الحصيلة المباشرة، للخطة الواصلة:
(( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ))
ما خلقت هذا الكون ليكون باطلا. ولكن ليكون حقا .الحق قوامه. والحق قانونه. والحق أصيل فيه. إن لهذا الكون حقيقة ،فهو ليس ((عدما)). كما تقول بعض الفلسفات ! وهو يسير وفق ناموس، فليس متروكا للفوضى. وهو يمضي لغاية، فليس متروكا للمصادفة. وهو محكوم في وجوده وفي حركته وفي غايته بالحق لا يتلبس به الباطل.
هذه هي اللمسة الأولى،التي تمس قلوب ((أولي الألباب)) من التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار بشعور العبادة والذكر والاتصال. وهي اللمسة التي تطبع حسهم بالحق الأصيل في تصميم هذا الكون، فتطلق ألسنتهم بتسبيح الله وتنزيهه عن أن يخلق هذا الكون باطلا:
(( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ))
----------------------
المرجع: في ظلال القرآن :: سيد قطب-رحمه الله-المجلد الأول-الجزء الرابع
سورة آل عمران الآية 190 والآية 191
صورة فضائية وصلتني عبر البريد الإلكتروني لمنطقة التقاء الليل والنهار فسبحان الله
ومشهد السماوات والأرض، ومشهد اختلاف الليل والنهار. لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا وإدراكنا. لو تلقيناه كمشهد جديد تتفتح عليه العيون أول مرة. لو استنقذنا حسنا من همود الإلف،وخمود التكرار.. لارتعشت له رؤانا، ولاهتزت له مشاعرنا، ولأحسسنا أن وراء ما فيه من تناسق لا بد من يد تنسق ; ووراء ما فيه من نظام لا بد من عقل يدبر ; ووراء ما فيه من إحكام لا بد من ناموس لا يتخلف... وأن هذا كله لا يمكن أن يكون خداعا، ولا يمكن أن يكون جزافا، ولا يمكن أن يكون باطلا .
ولا ينقص من اهتزازنا للمشهد الكوني الرائع أن نعرف أن الليل والنهار، ظاهرتان ناشئتان من دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس .ولا أن تناسق السماوات والأرض مرتكز إلى ((الجاذبية)) أو غير الجاذبية... هذه فروض تصح أو لا تصح ،وهي في كلتا الحالتين لا تقدم ولا تؤخر في استقبال هذه العجيبة الكونية، واستقبال النواميس الهائلة الدقيقة التي تحكمها وتحفظها...وهذه النواميس- أيا كان اسمها عند الباحثين من بني الإنسان- هي آية القدرة، وآية الحق ،في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.
والسياق القرآني هنا يصور خطوات الحركة النفسية التي ينشئها استقبال مشهد السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار في مشاعر أولي الألباب تصويرا دقيقا، وهو في الوقت ذاته تصوير إيحائي ،يلفت القلوب إلى المنهج الصحيح، في التعامل مع الكون، وفي التخاطب معه بلغته، والتجاوب مع فطرته وحقيقته، والانطباع بإشاراته وإيحاءاته. ويجعل من كتاب الكون المفتوح كتاب ((معرفة)) للإنسان المؤمن الموصول بالله، وبما تبدعه يد الله.
وإنه يقرن ابتداء بين توجه القلب إلى ذكر الله وعبادته: (( قياما وقعودا وعلى جنوبهم)).. وبين التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار .. فيسلك هذا التفكر مسلك العبادة ،ويجعله جانبا من مشهد الذكر... فيوحي بهذا الجمع بين الحركتين بحقيقتين هامتين
....................................
إنها لحظة تمثل صفاء القلب، وشفافية الروح، وتفتح الإدراك ،واستعداده للتلقي.كما تمثل الاستجابة والتأثر والانطباع...
إنها لحظة العبادة. وهي بهذا الوصف لحظة اتصال، ولحظة استقبال. فلا عجب أن يكون الاستعداد فيها لإدراك الآيات الكونية أكبر ; وأن يكون مجرد التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، ملهما للحقيقة الكامنة فيها، ولإدراك أنها لم تخلق عبثا ولا باطلا، ومن ثم تكون الحصيلة المباشرة، للخطة الواصلة:
(( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ))
ما خلقت هذا الكون ليكون باطلا. ولكن ليكون حقا .الحق قوامه. والحق قانونه. والحق أصيل فيه. إن لهذا الكون حقيقة ،فهو ليس ((عدما)). كما تقول بعض الفلسفات ! وهو يسير وفق ناموس، فليس متروكا للفوضى. وهو يمضي لغاية، فليس متروكا للمصادفة. وهو محكوم في وجوده وفي حركته وفي غايته بالحق لا يتلبس به الباطل.
هذه هي اللمسة الأولى،التي تمس قلوب ((أولي الألباب)) من التفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار بشعور العبادة والذكر والاتصال. وهي اللمسة التي تطبع حسهم بالحق الأصيل في تصميم هذا الكون، فتطلق ألسنتهم بتسبيح الله وتنزيهه عن أن يخلق هذا الكون باطلا:
(( ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك ))
----------------------
المرجع: في ظلال القرآن :: سيد قطب-رحمه الله-المجلد الأول-الجزء الرابع
سورة آل عمران الآية 190 والآية 191