المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية باعتراف الكونجرس : امريكا تتآكل من الداخل .. وستنهار عما قريب



الجميلي
16-07-2002, 02:57 PM
عصر الظلم والجبروت والسواد أوشك علي الأفول

تبشرنا التقارير الواردة من داخل أمريكا أن عصر الظلم والجبروت الذي نتجرع كأسه المرة، ونعيش أسري بلطجته وافتراءاته آخذ في الانهيار.. وأن ما يفصل بين الواقع الأسود الحالي وتلك اللحظة لا يتجاوز سنوات معدودة، إذا ما سارت معدلات السقوط بما تشهده حاليا من تصدع وتداع بات يطبع ببصماته فوق كل مناحي الحياة في الولايات المتحدة.
'أمريكا تتآكل من الداخل.. وستنهار عما قريب' هذا هو عنوان أحدث تقرير يصدر عن أحد مراكز البحوث التابعة للكونجرس الأمريكي وهو 'المركز الأمريكي العلمي' وهو تقرير شارك في اعداده نحو (190) أكاديميا ومسئولا أمريكيا سابقا، ويتضمن معلومات بالغة الخطورة.
ركز التقرير علي أنه وفي عهد الرئيس بوش زاد معدل الفساد الحكومي بمعدلات غير مسبوقة بلغت أكثر من 35 % ، وأنه في غضون الأشهر القليلة الماضية تم تحريك (2130) حالة إلي المحاكم وجهات التحقيق المختصة لنظر معدلات الفساد الحكومي، وأنه جري التحقيق مع مسئولي 64 شركة اقتصادية أمريكية، ومع أكثر من مائتي مسئول مؤسسة حكومية أمريكية، حيث دارت التحقيقات حول الحصول علي رشاوي وأموال وتيسير الحصول علي بعض الخدمات في مقابل التنازل عن القوانين.
وأشار التقرير إلي أنه قد ثبت إبان الأشهر الأخيرة أن تآكل الاقتصاد الداخلي بدأت تظهر آثاره المباشرة في تلك الانهيارات السريعة لمعدلات النمو للناتج القومي، وأن هذه المعدلات بدأت تهبط من شهر إلي شهر بأكثر من 1 % مما يعني أنها مرشحة للهبوط الحاد في معدلات نمو الناتج القومي إلي أكثر من 12 % في العام الواحد، وأنه إذا ما استمر هذا المعدل لمدة ثلاث سنوات فقط، فإن هذا سيؤدي إلي القضاء تماما علي كل الآمال بانتعاش الاقتصاد الأمريكي، والذي سيدخل في دوامة الأزمة الفعلية التي تفضي إلي تآكله.
وتوقع التقرير حدوث الانهيار الأمريكي خلال السنوات العشر القادمة، مشيرا إلي أن الفساد في المؤسسات الحكومية سجل معدلات متزايدة في الفترة الأخيرة، وأنه تمت اقالة نحو 1300 موظف رفيع المستوي بعد اتهامهم وتوافر شبهات قوية حول اشتراكهم في عمليات إضرار بالمصلحة العامة، معتبرا أن هذه المفاهيم باتت هي المسيطرة حاليا علي رجال الأعمال والمسئولين والموظفين الحكوميين، وذلك علي خلاف سيادة نمط المصلحة العامة في السنوات الماضية، والتي أدت إلي تقدم وازدهار الاقتصاد الأمريكي.
وأورد التقرير أنه وفي اطار معدلات التسابق والتأثير بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاديات الأخري، فقد زادت في الفارق لتصل إلي (4 : 1) لصالح الاقتصاد الأوربي، وإلي (2 : 1) لصالح الاقتصاد الياباني وبعض الاقتصاديات الأخري، وأن هذه المعدلات تحققت بعد انتشار وزيادة الفساد الحكومي، مشيرا إلي أن الشركات الاقتصادية الكبري أصبحت تعاني مصاعب حقيقية في إدارة اقتصادياتها، وكذلك توفير السيولة اللازمة لإدارة برامجها الطارئة، مما أدي إلي انخفاض نصيب هذه الشركات من المنافسة العالمية مع الشركات الأخري.
وقد تزامن تقرير الكونجرس مع تقرير آخر لصندوق النقد الدولي، والذي أشار بدوره إلي تآكل الثقة في الاقتصاد الأمريكي، وأوضح أن الولايات المتحدة هي من أكثر دول العالم مخالفة للأصول المحاسبية، وأن الفضائح المحاسبية بدأت تنتشر علي نطاق واسع بين المسئولين وصغار الموظفين، لدرجة أنه بات من الصعب السيطرة عليها في ظل تعدد الاتجاهات وسيطرة المسئولين علي هذه المخالفات المحاسبية الأمر الذي ينبئ بتكرار تجربة حمي الانهيارات التي عمت عدة دول آسيوية جراء انهيار النظم المحاسبية فيها، ولجوء المسئولين إلي التدخل والسيطرة علي هذه النظم من أجل تحقيق فوائد شخصية لهم.
وكان صندوق النقد قد اتهم واشنطن بمخالفة الشفافية المعروفة للنظم الإدارية والقانونية، والتي باتت تتعرض لهزة حقيقية في داخل الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير فإن الذي ساعد علي زيادة معدلات الفساد الحكومي والخاص هو الفساد المستشري في النظم القانونية والمسئولين عن هذه النظم، الأمر الذي يعد من أهم المؤشرات وأخطرها دلالة علي قرب الانهيار الأمريكي من الداخل، ذلك أن النظم القانونية التي يفترض أنها ستوفر نظم المساءلة والمحاسبة قد امتد إليها الفساد لتصل معدلات الرشوة واخفاء الحقائق إلي معدلات قياسية، ومن أمثلة ذلك أنه تم ضبط 25 مسئولا قانونيا في الأربعة أشهر الأخيرة بعد أن تقاضوا حوالي 100 مليون دولار لاخفاء الحقائق وتزييفها، وذلك في بعض قضايا المؤسسات المالية الكبري، إلا أن الأكثر أهمية أن الفساد امتد إلي أعداد كبيرة من قيادات الصف الثاني والمسئولين في الدرجات الدنيا.
ووفق المؤشرات التي يستند إليها صندوق النقد فإن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو أزمة حقيقية، وهي أزمة ستؤثر علي اقتصاديات الدول التي ترتبط بالاقتصاد الأمريكي، خاصة أن المؤسسات الاقتصادية الخاصة بدأت تعمل هي الأخري بدورها علي اخفاء العديد من الحقائق ومعدلات التراكم الرأسمالي، وذلك في اطار المنافسة مع الشركات الاقتصادية الأخري.
وكان التقرير الاقتصادي الأمريكي قد أشار إلي نمو هذه الظاهرة، واعتبرها من أكثر الظواهر السلبية تأثيرا علي الاقتصاد الأمريكي، حيث أدت هذه الظاهرة وحدها إلي تهرب احدي المؤسسات الاقتصادية الكبري، وهي مؤسسة 'كونديشن باري' من سداد ضرائب بقيمة 250 مليون دولار، ثم في مرحلة لاحقة زادت خسائر هذه الشركة إلي نحو 600 مليون دولار، وأصبحت علي حافة الافلاس.
ومن ضمن ما أشار إليه التقرير أن النظم المحاسبية في المؤسسات الاقتصادية الخاصة والتي تسيطر علي المعدلات الأساسية للناتج القومي الأمريكي، وتسيطر كذلك علي مصادر الدخل القومي الرئيسي أصبحت لا تفرق بين التكاليف الحقيقية وعوائد الأرباح، وأن تلك المشكلة هي التي يعاني منها أغلب المسئولين الأمريكيين، حيث إن هناك تضخما كبيرا في التكاليف، وذلك للاقلال من حجم الضرائب من جانب، وبالتالي تخفيض قيمة الأرباح المتوقعة، وأثر ذلك علي زيادة الربحية غير الشرعية والقانونية لهذه الشركات والمؤسسات.. إلا أنه من جانب آخر، ومع تضخم التكاليف للعمليات الاقتصادية، فإن النظرة الضرائبية المحاسبية أوضحت أن ذلك ترتب عليه ضياع مليارات الدولارات في العام الأخير فقط، وهو ما مثل خسارة شديدة للاقتصاد الأمريكي، وفي ظل تزايد هذه الظاهرة فإن المؤسسات الاقتصادية الأمريكية أصبحت تعمل خارج نطاق القانون الأمريكي، الأمر الذي أدي في الأشهر الأخيرة إلي تضاد المصالح الاقتصادية وتشابك الربحية مع التكاليف، وأن هذه العوامل صعبت من حدة أزمة الاقتصاد الأمريكي.
وكشف التقرير الأمريكي عن أن زيادة معدلات الرشوة والفساد الحكومي ارتبطت بظاهرة أخري، وهي زيادة معدل جريمة القتل من أجل السرقة، حيث زادت معدلات هذه الجريمة إلي اكثر من 18 % خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.
ويقول التقرير: إنه وبالرغم من أن المجتمع الأمريكي يتميز بالعنف وانتشار جريمة القتل، إلا أن الذي حدث هو أن جريمة القتل أصبحت مقرونة بالسرقة، وأن هذه الجريمة لم تعد قاصرة علي المساكن، وإنما امتدت إلي المؤسسات الاقتصادية الخاصة والحكومية، وعلي الرغم من أن تلك الظاهرة بدأت في الانتشار بكثرة في ولايات الوسط، إلا أنها بدأت تنتشر في الولايات الشمالية، مما يؤكد أن المجتمع الأمريكي يدخل علي مرحلة جديدة من مراحل تطوره الاجتماعي.
وعلي الرغم من نداءات الحكومة المتكررة من أجل تهيئة المجتمع وعدم قبول الانقسام في مكافحة 'الإرهاب' الذي يمثل الخطر الأول علي المجتمع الأمريكي إلا أن أكثر من 63 % من الأمريكيين غير معنيين بهذه الظاهرة أو مسائل السياسة الخارجية بصفة عامة، ويرون أن علي الحكومة الأمريكية أن توجه اهتماماتها لمواجهة مسائل الاقتصاد الداخلية وخاصة في ضوء استمرار معدلات العجز والركود الاقتصادي.
ويشير التقرير إلي لقاءات تمت مع أساتذة الاقتصاد والجامعات الأمريكية الذين اتفقوا جميعا علي أن أمريكا تعيش الآن مرحلة انتقالية هامة من عمرها، وأن أحداث 11 سبتمبر مثلت حدا فاصلا في تاريخ أمريكا وأن تداعيات هذا الحدث مازالت قائمة حتي الآن.
وفي هذا الاطار يقول الدكتور فرانكلي بيوتشر أحد خبراء الكونجرس والأستاذ في عدة جامعات دولية: إن كل المؤشرات تقول إن السنوات القادمة ستمثل أفول النجم الأمريكي وصعود دول أخري لتأخذ ناصية الدول العظمي، فإذا أرادت أمريكا الاستمرار في مكانتها كقوة عظمي في العالم فإن هذا لابد وأن يتم من خلال إدارة الاقتصاد، وأن الاقتصاد الأمريكي يعاني منذ أكثر من 6 سنوات مشكلات حقيقية، وأن كلينتون ومن بعده بوش يركزان علي مسائل السياسة الخارجية ويقدمان علاجا مؤقتا لمشاكل الاقتصاد.. ويري خبير آخر وهو الدكتور بيرل ماريتس أن المشكلة الآن أننا نعرف أننا نسير في طريق الهاوية، وأن كل العالم يتمني لنا أن نصل إلي مستقر هذه الهاوية، والحكومات ضعيفة وغير قادرة علي إدارة أزمة الاقتصاد.. وهم يقومون بحشد كل الامكانيات لحروب وقضايا خارجية مفتعلة،. في حين أن كل هذه الأموال نحن في حاجة إليها لإعادة النظر في المؤسسات الاقتصادية الأمريكية.. وفي أقل من 5 سنوات ستتغير خريطة الاقتصاد العالمي، وستصعد دول كثيرة، إلا أننا من المؤكد سنستمر في المنافسة ولكن ليس كقوي عظمي، وإذا تحقق ذلك فلابد أن نعيد النظر في سياستنا الخارجية والعسكرية علي نحو لائق، فيما يري الدكتور أنيست فولاتل أن الاقتصاد هو الذي بني القوة العظمي الأمريكية، وهو الذي سيؤدي إلي انهيارها، وأن الفساد بات أشبه بآفة السرطان المنتشر في الاقتصاد الأمريكي وشدد علي أن الفساد الأخلاقي بات هو السمة المميزة للمجتمع الأمريكي، وأن الأجيال الجديدة تتسلح بالفساد الأخلاقي في مقابل أن تعيش.. ورأي د. فولاتل أن الأمر يتطلب تشكيل لجان سريعة لإدارة هذه الأزمة، وأن تخفض الولايات المتحدة من نفقاتها العسكرية إلي أقل حد ممكن وألا تتورط كثيرا في التزامات خارجية، وأن يكون بند الاقتصاد هو العنوان الأول والكبير للحكومة الأمريكية الحالية وأنه من خلال ذلك فقط يمكن أن تكون هناك بعض الآمال في مواجهة الانهيار المؤكد للاقتصاد الأمريكي.


الكاتب : محمود بكري


http://www.elosboa.co.uk/elosboa/issues/280/0603.asp