المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين العرافين و أغلب معبري الرؤى .. للشيخ الفاضل / عبدالوهاب الطريري



شمس الورود
21-07-2002, 06:30 PM
بين العرافين و أغلب معبري الرؤى .. للشيخ الفاضل / عبدالوهاب الطريري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجوه لعملة واحدة

ذكر الكاتب الساخر (برناردشو) في مذكراته أنه مرَّ بعرَّاف يقرأ الكف، فأراد -من باب التسلية- إمضاء شيء من الوقت معه، فمدّ له كفَّه، ولكم كانت دهشة برناردشو وهو يسمع من هذا العراف أخبار حياته، فقد فوجئ بأن أكثر ما ذكره منطبق على واقعه، ثم استهوته -بعد حين- هذه العملية فصار يمارسها هو مع أصدقائه، وحدث أن أحد أصدقائه -ممن لم يكونوا يؤمنون بالعرافين- تحدَّاه، فطلب منه برناردشو أن يبسط يده فمدها إليه ساخراً، ولكنه ما إن انتهى من قراءة كفه حتى شُدِه هو الآخر؛ لأن (90%) مما ذكرته منطبق على واقع حياته.
يقول برناردشو: وكان الذي ذكرته له هو بذاته الذي ذكره لي العراف الأول، وكما كان منطبقاً علي كان منطبقاً عليه أيضاً، وذلك أن أحوال الناس تتشابه في (90%) منها ويبقى التفاوت في (10%)، والبراعة من العراف في ذكر هذا القدر المشترك الذي ينطبق على أغلب الناس". ومع ذلك يظن كل شخص أنه يعنيه في خصوصياته، وما ذكره برناردشو منطبق على أكثر ما يقوله العرافون (قراء الكف وقراء الفنجان)، وإذا قلبنا وجهاً آخر من أبواب الرجم بالغيب فهو ما تنشره الصحف الشعبية في أبواب ما يسمى (أبراج الحظ)، ولو وجدت وقتاً لقراءتها فإنك ستجد عمومات يمكنك أن تنقل واحدة مكان الأخرى ولا يتغير كثير معنى، ومهما قارنت بين الأشهر فالنتيجة هي لأن اللعبة هي ذاتها اللعبة الأولى، وهناك وجه آخر من الرجم بالغيب، وهو كشف شيوخ الصوفية الذين يوحون لأتباعهم بعلمهم بما حدث أو بما سيحدث، ولكن بذات الطريقة التي يستخدمها العرافون، ومن عجيب ما ذكره الأستاذ العقاد في كتابه (أنا) أن مدرسهم في المرحلة الإعدادية - وكان له اعتقاد بالشيوخ- اصطحبهم إلى شيوخ الكشف، فكان هذا الشيخ يلقي إلى كل طالب بكلمة، فلما جاء دوره قال: "أنت انتبه لمادة الإنجليزي" قال العقاد: وكنت مجيداً فيها وما كان هناك ما يستوجب هذه الوصية، ولكنه ألقى إليَّ بهذه الكلمة، فإن نجحت بتفوق قيل: قد نبَّهه الشيخ وهذه بركته، وإن أخفقت قيل: قد حذره الشيخ وهذا كشف، ولذلك يتكلف اتباعهم ربط الحوادث بإشارات الشيوخ لتكون كشفاً وكرامة.
أما الوجه الذي ساد اليوم فهو منهج بعض المعبرين للرؤى والأحلام، وهذا البعض هم الذين وجدوا في التعبير نجومية ومجداً بلا عناء، فهو -عندهم- لا يحتاج إلى رسوخ علمي، ولا جهد في الطلب والتحصيل، وكل ما في الأمر استقبال الرؤى وتضييع السائلين في تَوَهان العمومات: أمامك مشكلة وستحل، عليك دين وسيقضى، ستواجهك صعوبة ثم تنفرج... وهكذا، والنفوس متلهفة لبصيص يضيء لها ظلام المستقبل، ولذا فهي تتشبث بمثل هذه العمومات، وتربط ما يحصل لها بما قيل، وما دام الكلام فضفاضاً واسعاً فسينطبق من بعض الوجوه على بعض الوقائع.
إن الناس تتشوق لمعرفة المستقبل، وتندفع - بالفضول الفطري- إلى استكشافه، وتتمسك بأوهى شبهة لتكشف سِتْر الغيب، ثم لا تُتْعِب نفسها بعد بالاختبار والاستقراء؛ لذا قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- عند حديث صدق الكاهن مرة وكذبه مئة: "وفيه قبول النفوس للباطل يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمئة". ولو طبق هذا المقياس على بعض المعبرين اليوم لوجد أنهم دون هذه النسبة بكثير، فقد يقربون من الإصابة في واحدة وتطيش سهامهم عن مئات غيرها، ولكن لهفة الناس وفضولهم تغفر ذلك وتنساه.
ولذا فسيجد من تاجر في علم الغيب زبائن كثراً، وهل أعجب من أنّ بلدان الحضارة المادية تعيش ازدهار هذه الشعوذة. وأن المحطات الفضائية بدأت تستضيف العرافين ليقرؤوا الكف على بعد آلاف الأميال، ويجدون من يتسلى بمشاهدتهم ومتابعة لغو القول الذي يذيعونه؟!
وأعْجَبَت الصنعة آخرين، فتسوروا إليها عن طريق دعوى تعبير الرؤيا بمثل هذه العمومات التي لا تكاد تخطئ ولا تكاد تصيب، فهي حمالة وجوه، وهذا شيء وتعبير الرؤيا الصادقة ممن يحسنها شيء آخر، وسيظل في كل فن أصلاء وأدعياء، فالأصلاء في هذا الفن هم الأتقياء الأخفياء، الصدق في قولهم وهديهم، وأما الأدعياء فهم من وجدوا أقصر طريق للشهرة هذا الطريق، فهو لا يحتاج إلى شهادات ولا مؤهلات، ولن يسأله سائل من أين لك هذا؟ وما دليلك على ذاك؟ فإن أصابت رمية من غير رامٍ قال الناس: أليس قد قال كذا فصدق وتعلقوا به، وإن أخطأ مئات المرات قال لهم: إن مدة تعبير الرؤيا خمسون سنة، فانتظروا إني معكم من المنتظرين!!.
إن استغلال فضول الناس باسم تعبير الرؤى كاستغلال أمراضهم باسم الرقى، وكلها تتم باسم الدين، ولذا لزم بيان الحق من الباطل في هذه القضايا.

عبدالوهاب الطريري

منقول