المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية خطاب الى الأبطال في غوانتاموا



الجميلي
05-08-2002, 05:08 AM
من (غوانتنامو) الكبير إلى (غوانتنامو) الصغير

خطاب إلى الأبطال في الأسر

إلى الأبطال الكبار..إلى الأحرار خلف الأسوار...

إليكم وقد تناءت الديار ، وشط المزار ، وانقطعت الأخبار ، وحالت دونكم الفيافي والقفار ، وامتدت البراري والبحار ، فتشمتت الكفار والأشرار ، وخذلكم من خذلكم من الفضلاء والأخيار!! .

إليكم أيها الأسود في القيود ، يا من ضربتم أروع أمثلة الثبات والصمود.

إليكم أيها الرجال ، أيها المجاهدون الأبطال ، يا من صنعتم ببطولاتكم في القتال والنزال ، حقائق أروع من المثال ، وأعظم من الخيال .

إليكم يا أسرانا في غوانتنامو ، نحييكم تحية الإجلال والإكبار ، يا من رفضتم خيار الذل والعار ، وآثرتم الإسار على الفرار ، مرددين بلسان حالكم قول الفارس الشاعر بعدما أسرته الروم :

أسرت وماصحبي بعزل لدى الوغى

ولكن إذا حُمّ القضاء على امرئ

وقال أصيحابي الفرار أو الردى

ولكنني أمضي لما لا يعيبني

يقولون لي بعت السلامة بالردى

وهل يتجافى عني الموت ساعة

هو الموت فاختر ما على لك ذكره

ولا خير في دفع الردى بمذلة

ولا فرسي مُهر ، ولا ربه غمر

فليس له بر يقيه ولا بحر

فقلت هما أمران أحلاهم مر

وحسبك من أمرين خيرهما الأسر!!

فقلت أما والله ما نالني خسر

إذا ما تجافى عني الأسر والضر ؟

فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر

كما ردها يوماً بسوءته عمرو

تذكروا وانتم تدفعون ضريبة العزة ، وفاتورة الكرامة ، دماً ومعاناة وألماً ، تذكروا قول الله عز وجل وهو يخاطب الفئة المؤمنة بعد ما أصابها من جرح وقرح يوم أحد فقال  ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين .

 ولاتهنوا  ولاتضعفوا أمام أعدائكم وجلاديكم ، مهما كانت وطأة الأسر ، وشدة القهر ، ومهما كانت وحشية الطغيان ، وقسوة السجان ، ومهما شعرتم به من خذلان الأوطان ، وجفاء بعض الإخوان!!.
وتذكروا أن معظم الناس هم كما قال الشاعر:

بمن يثق الإنسان فيمن ينوبه

وقد صار هذا الناس إلا أقلهم

ومن أين للحر الكريم صحاب ؟

ذئاباً على أجسادهن ثياب !!

 ولاتحزنوا  مهما عظم المصاب ، وحكمتكم قوانين الوحوش والغاب ، والظفر والناب ، وتسلطت على الأسود الكلاب ، فلا تنشغلوا بالعتاب ، واشكو لله رب الأرباب!!.

إلى الله أشكوا أننا بمنازل

تحكم في آسادهن كلاب!!.

ولا يحزنكم أن أسركم كان على يد هؤلاء الحقراء الأجراء ، فلكم أسوة في الانبياء والرسل وأصحابهم ممن أصابهم أسلاف من أصابوكم .

فلا عجب للأسد إن ظفرت بها

فحربة وحشي سقت حمزة الردى

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم!

وموت علي من حسام بن ملجم

 وانتم الأعون إن كنتم مؤمنين  فأنتم الأقوياء في حقكم ، ولو كنتم عزلا مجردين من كل سلاح مادي ، وأعداؤكم هم الضعفاء في باطلهم ، مهما كان بحوزتهم من قوة مادية وسلطان أرضي!! .

فأنتم الأعلون بإيمانكم الصادق ، وعقيدتكم الراسخة ، وهم الأدنون الأذلون مهما تبجحوا بباطلهم وتسلحوا ، أنتم الأقوياء الشرفاء ، وهم الضعفاء الحقراء الذين تحطمت كل قواهم الأرضية على صلابة إيمانك وقوة عقيدتكم .

إن المؤمن هو الأعلى دائما ، والأعز في كل حين ، حتى وهو يعاني الأسر ، ويكابد القهر  ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون  .

فالقوة الطغيانية مهما تجبرت وتكبرت ، تبقى عاجزة عن السيطرة علي الضمائر والسرائر ، إذا كانت عامرة بالإيمان ، مستنيرة بالقرآن.

وهذا سر صمود أصحاب الإيمان في كل زمان ومكان ؛ فهو سر صمود أصحاب الأخدود وهم يتقحمون في النار التي أوقدها لهم الكفار فرحين مستبشرين ، حتى إذا ماترددت منهم امرأة كانت تحمل رضيعها ، نطق الطفل وكلمها في المهد قائلا : أدخلي يا أماه فإنك على الحق!!.

وهو سر صمود بلال رضي الله عنه تحت سياط الجلد ، والحجارة المحماة التي كانت توضع على صدره في بطحاء مكة الحارقة ، فكان يطفئ ذلك اللهيب ببرد ( أحد ..أحد!!).

وهكذا شأن حملة الرسالة , وقادة الدعوة ، وأصحاب الحق في كل زمان ومكان ، فشيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله كان يقول أثناء محنته وما عاناه وكابده على يد أعدائه : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن سجنوني فسجني خلوة ، وإن نفوني فنفيي سياحة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة!!.

وكان عندما يغلق عليه باب السجن يتمثل بقول الله عز وجل:  فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب  .

والأستاذ سيد قطب رحمه الله كان ينادي بهذه الحقيقة الإيمانية العظيمة ، يستحث بها الهمم ، ويوقظ العزائم ، فصاغها نشيدا يتردد على ألسنة المؤمنين القابعين في سجون الطغاة والظالمين:

أخي أنت حر وراء السدود

إذا كنت بالله مستعصماً

أخي أنت حر بتلك القيود

فماذا يضيرك كيد العبيد

أيها الأبطال الأحرار لاتؤاخذوا أمتكم بذنب أنها لم تسع في فكاك أسركم ، ولم تبذل النفس والنفيس من أجل إطلاق سراحكم ، حتى تعودوا مكرمين لبلادكم وذويكم ، تخلع عليكم خلع التكريم ، وتمنحون أوسمة الشرف التي تليق بأبطال مثلكم دفعوا مادفعوا من ألم حسي ونفسي ، وتحملوا ما تحملوا ، وعانوا ماعانوا ، وقدموا ماقدموا من تضحية وبذل في الذود عن كرامة الأمة ، والدفاع عن شرفها ، والقتال دون حرماتها!! .
لاتتهموا أمتكم بموت الضمير ، ولا بفقدان الشعور ، ولابأنها لم تعد عندها بقية من رحمة إنسانية ، أو حمية وطنية ، أونخوة- ولو جاهلية- عندما لم تحركها أنات أمهاتكم المكلومة ، ولا دموع ذريتكم المفجوعة ، ولا آهات زوجاتكم المظلومة!! .

ولاتقولوا كان بإمكانها إن لم تكن معنا ، أن لا تكون ضدنا ، فلا تساهم في الحملة الكفرية ضدنا ، ولاتسلم من وجدته منا لأعدائنا على الأقل !!! .

ولا تقولوا كان بإمكانها إن لم تعاملنا معاملة المجاهدين المكرمين ، أن تطالب بأن نعطى ولو بعض حقوق المجرمين!! .

ولا تقولوا كان بإمكانها أن لاتكون أسوأ موقفاً من بعض المنظمات الصليبية التي لم تستطع أمام فظاعة مأساتنا إلا أن ترفع صوتها في وجه الوحشية الامريكية التي نعامل بها!! .

لا تقولوا شيئا من ذلك أبدا ، ولا تؤاخذوا أمتكم بشيء من ذلك !! ؛ لأن أمتكم في حالة تستحق عليها من الشفقة والرثاء ، أكثر مما تستطيع تحمله من المؤاخذة والعتاب!! .

إن أمتكم في حالة اختطاف وقهر ، ووضع اعتقال واسر ، هو أسوأ بكثير من الوضع الذي أنتم فيه في (غوانتنامو)!! فحالكم في (غوانتنامو ) الصغير أحسن ألف مرة من حالها في (غوانتنامو ) الكبير!! .
فأنتم رغم كل المعاناة ، تُذِلون بصمودكم سجانيكم كل يوم ، وتستعلون بإيمانكم على أعدائكم كل ساعة، وتفرضون عليهم بذلك احترامكم وتقديركم في قرارة أنفسهم ، ويدفعون ثمن أسركم كل يوم ، ويحسبون لكم ألف حساب وحساب .

أما حكام هذه الأمة المأسورة المقهورة ، و بعض المسلمين من أصحاب الفطر المنكوسة ، فهم يقبلون الأيدي التي تصفعهم كل صباح ، ويمسحون الأحذية التي تدوسهمم كل مساء ، وينفقون بسخاء على سجانيهم وجلاديهم ، بعد أن تطوعوا هم ببنا ء السجن الذي يقبعون فيه ، وبناء وتوسعة القواعد العسكرية التي تحمي (غوانتنامو) الكبير هذا !! .

وهم يعتبرون وجودهم في هذا لسجن الكبير نعمة من سيد السجن ، ومنة من السجان الذي سمح لهم بدخوله ، والاقامة فيه ، والتمتع بالحماية التي يحصل عليها نزلاء هذا السجن!!.

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم !!

إن من الإجحاف بمن هذه حاله في الأسر والقهرالاختياري ، أن يطالب بتحرير غيره في الأسر الإجباري !.
ولا تستغربوا من هذه الحقائق المؤلمة !! ولا تقولوا كيف يكون هنالك سجن اختياري يرفض السجناء والخروج منه ، ويدفعون كل غال ونفيس حتى لا يخرجهم السجان منه؟ .

إن النفوس الذليلة ، والهمم العليلة ، عندما تتعود على الذل والمهانة ، وتألف الاستخذاء والحقارة ، تنتكس فطرتها ، فيصبح عندها نفور من كل ما لم تألفه من معاني العزة والكرامة ، والقيادة والإمامة، والنخوة والشهامة!!.

فهي لاتقبل بالحرية والسيادة ، ولا بالريادة والقيادة ، ولو قُدّمت لها دون أي بذل أو تضحية ، فضلا عن أن تسعى لها بما تستحق من بذل وعطاء ، وتضحية وفداء!! .

ومثال هذا الحيوانات الداجنة التى ألفت أن تكون تحت تسخير الإنسان مثل الدجاج ، فلو حاول الأنسان طردها لتعيش حرة طليقة في البراري مع أخواتها البرية لما قبلت ذلك ، ولو قبلت لماتت من الجوع العطش ، لأنها لم تعرف حياة الحرية والاستقلال!! .

وكذالك الخفافيش التي تعودت على الحياة في الظلام ، فإنها تعمى عند رؤيتها للضوء!! .

وهذا المعني هو الذي أشار إليه الشاعر أبو الطيب المتنبي بقوله:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام!!

أنتم أيها الصامدون في (غوانتنامو) الصغير ، أنتم الذين ستحررون الأمة من ( غوانتنامو) الكبير ، وتعيدون لها ماضيعت من كرامتها ، وفرطت فيه من عزتها!! .

أنتم والصادقون من أبناء هذه الأمة الأوفياء ، ومن إخوانكم الذين لن يقر لهم قرار حتى يخرجوكم من الأسر بقوة السيف وعون القهار ، أنتم الذين – بعد توفيق الله – ستتحرر بكم الأمة من الأسر ، وينجبر بكم الكسر ويزول بكم القهر .

ولكن بعدما يتحقق ما أراد لكم الله من خير في محنتكم هذه ، وكم من منحة إلهية جاءت في صورة محنة!! .( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).



مركز الدراسات والبحوث الإسلامية

25/5/1423هـ