المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقول الصغيرة تناقش الاشخاص،



غيث الغيث
11-08-2002, 10:42 AM
يقول المثل الصيني:

العقول الصغيرة تناقش الاشخاص،
والعقول المتوسطة تناقش الاشياء،
والعقول الكبيرة تناقش المبادئ.

يتمتع هذا المثل بشعبية عالمية واسعة النطاق ويحظى بقبول وتجاوب لدى مختلف الثقافات الانسانية، لكونه يعكس المستويات الثلاثة للتفكير التي ينضوي تحتها الأفراد ويتباينون في نوعية التفكير تبايناً هائلاً يعكس حجم الفارق الكبير بين كل مستوى من هذه المستويات الثلاثة.


ولأن المواقف مرآة العقول، فإن الاختيار الذاتي للدخول في أحد المستويات الثلاثة التي أشار إليها المثل ينم عن حجم العقل وقدرته على صيانة صاحبه من الاسفاف والتخبط في فهم مسائل الحياة أو عجزه وفشله عن أداء تلك الوظيفة.


والمستوى الأول الذي أشار إليه المثل الذي بين أيدينا يمثل الاشخاص الذين وقفت عقولهم عند حد معين ثم انكمشت وتراجعت إلى الحدود الدنيا من التفكير
حيث يولع أصحاب هذا المستوى بالخوض في أحاديث الناس وتتبع أخبارهم، وما يطرأ على حياتهم من تغيرات وكأنهم رُسل التطفل، وسفراء التنقيب والبحث في كل تفاصيل ودقائق حياة الافراد الذين لا يسمحون بطبيعة الحال ان تكون أمورهم الخاصة كتاباً مفتوحاً يخوض فيه الآخرون، لينسجوا حوله من الاشاعات والاوهام ما يكفي لضرب العلاقات الاجتماعية بسكين الاخبار المرتجلة، والاحكام السريعة التي لا تستند إلى الحق أو الدليل.


ان استمرار هذه الآفة السلوكية يغلق على صاحبها منافذ التفكير السليم، فيما هو أبعد من مجرد استعراض عضلات اللسان، والثرثرة فيما خسارته أعظم من فائدته.


ان مشكلة هؤلاء الناس هو انهم قنعوا بأن يتسرب العمر من بين أيديهم وهم لا يرون أي عيب في ان يقنعوا بدور «لقاطة الحصى» تلك المرأة الكوفية التي كانت تتلقط أخبار الناس وتتبع أسرارهم، ولها من الحيل والأساليب ما يجعلها دائماً في مركز الصدارة، حيث لا تفوتها شاردة ولا واردة، وإنما تحمل في جعبتها ما غاب علمه عن أخبار الجادين، والنابهين من قومها، الذين شغلوا بما هو أهم من هذا الدور البسيط والبدائي.


ولأنهم مفلسون تماماً من تصور دور آخر يؤدونه في الحياة العامة بعيداً عن دورهم الكسيح الذي نتعرض إليه اليوم، فهم لا يتوقعون ان تكون هناك حياة أكثر عمقاً وفعالية وقيمة من حياتهم الركيكة التي اختلطت فيها حكايات الناس مع الاوهام.


ولأن تصوراتهم عن العلاقات الانسانية ساذجة بل وفيها كثير من الاخطاء والشوائب فهم لا يدركون ان بإمكانهم ان يقيموا علاقات تعاونية متبادلة تكون فيها المكاسب الروحية والمعرفية والانسانية على أكمل وجه فيما لو امتنعوا من السير في الخط المعاكس للنجاح في جانب العلاقات الاجتماعية.


ومن المثير للشفقة والرثاء على هؤلاء الناس انهم يعانون من ضعف في المولدات الداخلية الدافعة التي من شأنها ان تنهض بهم إلى الضفة الأخرى من النشاط الانساني.


فتراهم ينفرون بل ويخافون من النهوض والدخول إلى المستوى الثالث الذي أشار إليه المثل الصيني الذي نتناوله اليوم. والأدهى من خوفهم المرضي هو رمقهم لتلك الأيدي التي تمد لهم من أجل معاونتهم في السير قليلاً إلى الأمام وهو ما يعيقهم عن رؤية الحياة بطريقة مختلفة. انها عراقيل صنعها الخيال المريض الذي يرى ان الاهتمام بقضايا الثقافة والمعرفة هو حكر على أقوام معيّنين من الناس لهم صفات خارقة، وعقول خاصة لا يستطيعون مجاراتها والسير في ركابها.


لقد صدق المثل الصيني حين وصفهم بأنهم ذوو عقول صغيرة تعجز عن رؤية ما هو أبعد من مواطئ أقدامهم.


ومع المستويين الثاني والثالث من أنماط التفكير التي أشار إليهما المثل الذي بين أيدينا، نواصل الحديث بإذن الله.

مهند الريس
11-08-2002, 12:49 PM
صدق المثل وصدقت انت