ksa-boy
14-08-2002, 12:37 AM
ريدُ تأمين مستقبلي( FONT=century gothic]أرجو من كل شخص قرائته كامل لما له ما الفائدة العظيمة (ولو سريعا)[/FONT] )
فإذا ما رقَّ عظمي ودقَّ جسمي كان لي من الرِّزق ما يدُرُّ عليَّ مورده ، ويأتي إليَّ مصدره ، فتطيب به نفسي عند ضعفها ، وترتاح به أيامي في أواخرها .
تلك إجابةٌ غالبةٌ لمن تراه يلهث خلف حطام الدنيا الفاني ، لا يكاد يجعل لآخرته إلاَّ فضل اهتمامه ، وأقلَّ عنايته ، وأضعف رعايته .
فأين أنت عن مستقبلك الحقيقي ؟!
يوم تحين ساعة وفاتك ، وتنطفئ شمعة حياتك ، لتقوم قيامتك ، وتبدأ الحياة الآخرة ، فتحصد ثمره زرعك ، وتقطف غنيمة عمرك ، وتجني ما قدَّمته لنفسك ؟!
فالعمر ميدان العمل ، والدنيا مزرعة الآخرة ، والعاجلة معبرٌ للآجلة ، والموفق المسدَّد من يشغل كلُّ لحظة في عمره بطاعة ربِّه ، حتَّى إذا انتهت حياته ، وأزف وقت رحيله ، وإذا به قد أخرج ما في جعبته ، وبذل ما في وسعه ، واستفرغ كلَّ طاقته ، في كلِّ عمل صالح قدِرَ عليه وتمكن منه .
حتَّى لو قيل له : إن القيامة تقوم غدًا لما استطاع أن يزيد في عمله ، فقد رمى بكلِّ سهم ، وصال في كلِّ ميدان ، وجال في كلِّ مضمار .
والعمل الصالح صديقه الذي لا يخون ، وصاحبه الذي لا يغدر ، ورفيقه الذي لا يمكر ، فهو معه في رحلته إلى آخرته ، لا يفارقه أو يهجره أو يتخلَّى عنه .
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" الأخلاَّءُ ثلاثةٌ ، فأما خليل فيقول : أنا معك حتى تأتي باب الملك ، ثم أرجع وأتركك ، فذلك أهلك وعشيرتك ، يشيعونك حتى تأتي قَبرَك ، ثم يرجعون فيتركونك ، وأما خليل فيقول : لكَ ما أعطيتَ ، وما أمسكتَ فليس لك ، فذلك مالُك ، وأما خليل فيقول : أنا معك حيث دخلت ، وحيث خرجت ، فذلك عمله ، فيقول : والله ! لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ "
ومن رأى أهوال يوم المحشر ، احتقر ما قدَّم وأخَّر .
ومن رأى النعيم المقيم في جنَّات النَّعيم ، صغُر في نظره ما بذل.
ومن رأى العذاب الأليم في دار الجحيم ، هان عليه ما عمل .
عن عتبة بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لو أنَّ رجلاً يُجرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله ، لحقره يوم القيامة "
بل إن عظيم الهمَّة لا يقنع بملء وقته بالطاعات والأعمال الصالحات ، وإنما يفكر فيما بعد موته أن لا تموت معه حسناته .
فكم من ميِّت ما زالت حسناته حيَّةً من بعده ، تأتيه في قبره وهو أحوج ما يكون لها وارغب ما يكون فيها .
وفي هذا تفاوتت الهمم وتباينت العزائم !
والعجيب أن تعلم أنَّ بعض الناس يحصد من الحسنات ويحصل على أجور بعض الأعمال الصالحات بعد موته أضعاف أضعاف ما أدركه في حياته .
فعمره ـ وإن طال ـ فهو قصير ، وبقاءه في الدنيا ـ وإن امتدَّ ـ فهو إلى نهاية ، وربما يضل عمله الصالح الذي أوقعه في حياته ممتدًا في بقائه مئات أو ألوف السنين من بعد وفاته ، ونهر الحسنات الجاري يصبُّ في ميزان أعماله ، ويكتب في ديوان أفعاله .
والموفق من ألهمه الله ، والمسدد من هداه مولاه !
ويزيد بك العجب أن تعلم أن أُناسًا يعملون الصالحات في زمنٍ متأخر تكتب أعمالهم في ميزان حسنات من سبقوهم بقرون من الزمان .
ويزيد الأجر ويعظم الثواب كلما اتسعت رقعة الفائدة وعمَّت مساحة الانتفاع .
فيا لله كم يسعد أقوام بحسنات غيرهم !
وكم يشقى آخرين بسيئات سواهم !
قال تعالى : ( ولكلٍّ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا )
والأصل عند المسلم ؛ استغلال الحياة في الباقيات الصالحات قبل الممات فيما يُقرَّب من ربِّ الأرض والسموات .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رجلان من بلي من قضاعة ، أسلما مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستشهد أحدهما ، وأُخِّر الآخر سنة ، فقال طلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنه : فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد ، فتعجبت لذلك ، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ذُكِرَ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سُنَّة "
وفي رواية ، قال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من أيِّ ذلك تعجبون ؟ " فقالوا : يا رسول الله ! هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ، ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أليس قد مكثَ هذا بعدهُ سنةً ؟ " قالوا : بلى . قال ـ صلى الله عليه وسلم:" وأدركَ بعده رمضان فصام ، وصلى كذا وكذا من سجدةٍ في السَّنَةِ ؟ " قالوا : بلى . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" فما بينهما أبعدُ مِمَّا بين السَّماء والأرض "
وقد جمعت في هذه الرسالة بعض الأعمال الصالحة التي يجري أجرها ويتتابع خيرها للعبد الصالح وهو في قبره ، بعد أن طويت صحائفه ، ومحيت آثاره ، وأصبح خبرًا بعد أثر ، وذكرى بعد أن كان يُسمع ويُرى ، وهي من رحمة الله بعبده ، ومن توفيق الله لمن يشاء من خلقه ، ومن كرم الله لمن يختصه بفضله من أوليائه ، وقد جاء وقت الشروع في الموضوع ، فبسم الله نبدأ ، وعلى الله نتوكل ، وبه نستعين :
· 1 ـ الولد الصالح :
الولد الصالح من أطيب كسب الوالد الصالح الذي غرس بذرة التربية الصالحة في قلب فلذة كبده ، وعلمَّه كيف يراقب ربَّه ، ويخشى خالقه ، ويستحيي من رازقه ، فنمت هذه النبتة الصالحة ترعاها ـ بعد رعاية مولاها ـ يد الوالد الحنون ، فأثمرت طاعة وبرًا وحنانًا قبل الممات ، ودعاءً وصدقة وإحسانًا من بعد الوفاة .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إذا مات الإنسان انقطع عمُلُه إلا من ثلاث ؛ صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ ينتفعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة ، فيقول :أنَّى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك " ومن ثمرات الولد الصالح أن يتصدَّق عن والديه بعد مماتهما ، فتصلهما صدقته وهما في أمسِّ الحاجة لها وأعظم الفاقة إليها وأكبر الفرحة بها .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : أنَّ رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أُمِّي افتُلِتت نفسَها ، وأُراها لو تكلَّمت تصدَّقَت ، أفأتَصدَّقُ عنها ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم ، تصدَّق عنها "
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : أنَّ سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ توفيت أُمُّه وهو غائبٌ ، فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إن أُمِّي تُوفيت وأنا غائبٌ عنها ، فهل ينفعُها شيءٌ إن تصدَّقتُ به عنها ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم " .
قال : فإني أُشهِدُك أنَّ حائطي المخراف صدقةٌ عليها "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ؛ أنَّ رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أبي مات وتركَ مالاً ولم يُوصِ ، فهل يُكفَّر عنه أن أتصدَّقَ عنه ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم "
ويمكن أن يصوم عنهما صيام النذر الواجب بعد موتهما لعدم قيامهما به في حياتهما .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ سعدَ بن عُبادة ـ رضي الله عنه ـ استفتى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : إنَّ أُمِّي ماتت وعليها نذرٌ ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم :" اقِضِه عنها "
أو قضاء ما فاتهما من رمضان ولم يقضياه قبل الممات لغير عذر .
أو أن يحج عنهما أو يعتمر إذا وافاهما الأجل قبل حصول الحج والعمرة منهما مع القدرة عليه والاستطاعة له .
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما : أن العاص بن وائل ، أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، فقال : حتى أسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة ، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين ، وبقيت عليه خمسون رقبة ، أفأعتق عنه ؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لو كان مُسلمًا ، فأعتقتُم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حَجَجتُم عنهُ ، بلَغَهُ ذلكَ "
2 ـ الرباط في سبيل الله :
الجهاد في سبيل الله لمقاتلة أعداء الله ، ولنشر دين الله ، وللدفاع عن حياض الدين وعن عباد الله المسلمين ، تجارة مع الله تعالى لن تبور ، وفوز برضوان الله والجنة .
كيف لا ؟ وهو ذروة سنام الإسلام ، وسبب العز الكرامة ، وسبيل المجد والرفعة ، وطريق الغنيمة بالأجر والثواب من ربِّ الأرباب ، ولموقف ساعة مرابطة على ثغور المسلمين خير من الدنيا وما فيها .
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ ، خيرٌ من الدنيا وما فيها "
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" عينان لا تمسَّهما النَّار ؛ عينٌ بكت من خشية الله ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل الله "
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ألا أنبئكم بليلةٍ أفضلَ من ليلة القدر ؟ حارس الحرس في أرض خوفٍ لعلَّه أن لا يرجعَ إلى أهله "
والذي يشرِّفه الله تعالى بالموت في سبيله وهو مرابط في أرض المعركة لا ينتهي عمله بموته ، ولا تطوى صحائفه بخروج روحه ، بل إن عمله ينمى له ، ولا ينقطع عنه .
فعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" من رابط يومًا وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه ، ومن مات مرابطًا جرى له مثل ذلك من الأجر وأجري عليه الرزق وأمِنَ الفتَّان "
يتبع...
فإذا ما رقَّ عظمي ودقَّ جسمي كان لي من الرِّزق ما يدُرُّ عليَّ مورده ، ويأتي إليَّ مصدره ، فتطيب به نفسي عند ضعفها ، وترتاح به أيامي في أواخرها .
تلك إجابةٌ غالبةٌ لمن تراه يلهث خلف حطام الدنيا الفاني ، لا يكاد يجعل لآخرته إلاَّ فضل اهتمامه ، وأقلَّ عنايته ، وأضعف رعايته .
فأين أنت عن مستقبلك الحقيقي ؟!
يوم تحين ساعة وفاتك ، وتنطفئ شمعة حياتك ، لتقوم قيامتك ، وتبدأ الحياة الآخرة ، فتحصد ثمره زرعك ، وتقطف غنيمة عمرك ، وتجني ما قدَّمته لنفسك ؟!
فالعمر ميدان العمل ، والدنيا مزرعة الآخرة ، والعاجلة معبرٌ للآجلة ، والموفق المسدَّد من يشغل كلُّ لحظة في عمره بطاعة ربِّه ، حتَّى إذا انتهت حياته ، وأزف وقت رحيله ، وإذا به قد أخرج ما في جعبته ، وبذل ما في وسعه ، واستفرغ كلَّ طاقته ، في كلِّ عمل صالح قدِرَ عليه وتمكن منه .
حتَّى لو قيل له : إن القيامة تقوم غدًا لما استطاع أن يزيد في عمله ، فقد رمى بكلِّ سهم ، وصال في كلِّ ميدان ، وجال في كلِّ مضمار .
والعمل الصالح صديقه الذي لا يخون ، وصاحبه الذي لا يغدر ، ورفيقه الذي لا يمكر ، فهو معه في رحلته إلى آخرته ، لا يفارقه أو يهجره أو يتخلَّى عنه .
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" الأخلاَّءُ ثلاثةٌ ، فأما خليل فيقول : أنا معك حتى تأتي باب الملك ، ثم أرجع وأتركك ، فذلك أهلك وعشيرتك ، يشيعونك حتى تأتي قَبرَك ، ثم يرجعون فيتركونك ، وأما خليل فيقول : لكَ ما أعطيتَ ، وما أمسكتَ فليس لك ، فذلك مالُك ، وأما خليل فيقول : أنا معك حيث دخلت ، وحيث خرجت ، فذلك عمله ، فيقول : والله ! لقد كنتَ من أهون الثلاثة عليَّ "
ومن رأى أهوال يوم المحشر ، احتقر ما قدَّم وأخَّر .
ومن رأى النعيم المقيم في جنَّات النَّعيم ، صغُر في نظره ما بذل.
ومن رأى العذاب الأليم في دار الجحيم ، هان عليه ما عمل .
عن عتبة بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لو أنَّ رجلاً يُجرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله ، لحقره يوم القيامة "
بل إن عظيم الهمَّة لا يقنع بملء وقته بالطاعات والأعمال الصالحات ، وإنما يفكر فيما بعد موته أن لا تموت معه حسناته .
فكم من ميِّت ما زالت حسناته حيَّةً من بعده ، تأتيه في قبره وهو أحوج ما يكون لها وارغب ما يكون فيها .
وفي هذا تفاوتت الهمم وتباينت العزائم !
والعجيب أن تعلم أنَّ بعض الناس يحصد من الحسنات ويحصل على أجور بعض الأعمال الصالحات بعد موته أضعاف أضعاف ما أدركه في حياته .
فعمره ـ وإن طال ـ فهو قصير ، وبقاءه في الدنيا ـ وإن امتدَّ ـ فهو إلى نهاية ، وربما يضل عمله الصالح الذي أوقعه في حياته ممتدًا في بقائه مئات أو ألوف السنين من بعد وفاته ، ونهر الحسنات الجاري يصبُّ في ميزان أعماله ، ويكتب في ديوان أفعاله .
والموفق من ألهمه الله ، والمسدد من هداه مولاه !
ويزيد بك العجب أن تعلم أن أُناسًا يعملون الصالحات في زمنٍ متأخر تكتب أعمالهم في ميزان حسنات من سبقوهم بقرون من الزمان .
ويزيد الأجر ويعظم الثواب كلما اتسعت رقعة الفائدة وعمَّت مساحة الانتفاع .
فيا لله كم يسعد أقوام بحسنات غيرهم !
وكم يشقى آخرين بسيئات سواهم !
قال تعالى : ( ولكلٍّ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا )
والأصل عند المسلم ؛ استغلال الحياة في الباقيات الصالحات قبل الممات فيما يُقرَّب من ربِّ الأرض والسموات .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رجلان من بلي من قضاعة ، أسلما مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستشهد أحدهما ، وأُخِّر الآخر سنة ، فقال طلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنه : فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد ، فتعجبت لذلك ، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ذُكِرَ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سُنَّة "
وفي رواية ، قال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من أيِّ ذلك تعجبون ؟ " فقالوا : يا رسول الله ! هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ، ثم استشهد ، ودخل هذا الآخر الجنة قبله . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أليس قد مكثَ هذا بعدهُ سنةً ؟ " قالوا : بلى . قال ـ صلى الله عليه وسلم:" وأدركَ بعده رمضان فصام ، وصلى كذا وكذا من سجدةٍ في السَّنَةِ ؟ " قالوا : بلى . قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" فما بينهما أبعدُ مِمَّا بين السَّماء والأرض "
وقد جمعت في هذه الرسالة بعض الأعمال الصالحة التي يجري أجرها ويتتابع خيرها للعبد الصالح وهو في قبره ، بعد أن طويت صحائفه ، ومحيت آثاره ، وأصبح خبرًا بعد أثر ، وذكرى بعد أن كان يُسمع ويُرى ، وهي من رحمة الله بعبده ، ومن توفيق الله لمن يشاء من خلقه ، ومن كرم الله لمن يختصه بفضله من أوليائه ، وقد جاء وقت الشروع في الموضوع ، فبسم الله نبدأ ، وعلى الله نتوكل ، وبه نستعين :
· 1 ـ الولد الصالح :
الولد الصالح من أطيب كسب الوالد الصالح الذي غرس بذرة التربية الصالحة في قلب فلذة كبده ، وعلمَّه كيف يراقب ربَّه ، ويخشى خالقه ، ويستحيي من رازقه ، فنمت هذه النبتة الصالحة ترعاها ـ بعد رعاية مولاها ـ يد الوالد الحنون ، فأثمرت طاعة وبرًا وحنانًا قبل الممات ، ودعاءً وصدقة وإحسانًا من بعد الوفاة .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إذا مات الإنسان انقطع عمُلُه إلا من ثلاث ؛ صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ ينتفعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة ، فيقول :أنَّى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك " ومن ثمرات الولد الصالح أن يتصدَّق عن والديه بعد مماتهما ، فتصلهما صدقته وهما في أمسِّ الحاجة لها وأعظم الفاقة إليها وأكبر الفرحة بها .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : أنَّ رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أُمِّي افتُلِتت نفسَها ، وأُراها لو تكلَّمت تصدَّقَت ، أفأتَصدَّقُ عنها ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم ، تصدَّق عنها "
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : أنَّ سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ توفيت أُمُّه وهو غائبٌ ، فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إن أُمِّي تُوفيت وأنا غائبٌ عنها ، فهل ينفعُها شيءٌ إن تصدَّقتُ به عنها ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم " .
قال : فإني أُشهِدُك أنَّ حائطي المخراف صدقةٌ عليها "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ؛ أنَّ رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أبي مات وتركَ مالاً ولم يُوصِ ، فهل يُكفَّر عنه أن أتصدَّقَ عنه ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم :" نعم "
ويمكن أن يصوم عنهما صيام النذر الواجب بعد موتهما لعدم قيامهما به في حياتهما .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنَّ سعدَ بن عُبادة ـ رضي الله عنه ـ استفتى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : إنَّ أُمِّي ماتت وعليها نذرٌ ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم :" اقِضِه عنها "
أو قضاء ما فاتهما من رمضان ولم يقضياه قبل الممات لغير عذر .
أو أن يحج عنهما أو يعتمر إذا وافاهما الأجل قبل حصول الحج والعمرة منهما مع القدرة عليه والاستطاعة له .
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما : أن العاص بن وائل ، أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، فقال : حتى أسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : يا رسول الله ! إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة ، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين ، وبقيت عليه خمسون رقبة ، أفأعتق عنه ؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لو كان مُسلمًا ، فأعتقتُم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حَجَجتُم عنهُ ، بلَغَهُ ذلكَ "
2 ـ الرباط في سبيل الله :
الجهاد في سبيل الله لمقاتلة أعداء الله ، ولنشر دين الله ، وللدفاع عن حياض الدين وعن عباد الله المسلمين ، تجارة مع الله تعالى لن تبور ، وفوز برضوان الله والجنة .
كيف لا ؟ وهو ذروة سنام الإسلام ، وسبب العز الكرامة ، وسبيل المجد والرفعة ، وطريق الغنيمة بالأجر والثواب من ربِّ الأرباب ، ولموقف ساعة مرابطة على ثغور المسلمين خير من الدنيا وما فيها .
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ ، خيرٌ من الدنيا وما فيها "
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" عينان لا تمسَّهما النَّار ؛ عينٌ بكت من خشية الله ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل الله "
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ألا أنبئكم بليلةٍ أفضلَ من ليلة القدر ؟ حارس الحرس في أرض خوفٍ لعلَّه أن لا يرجعَ إلى أهله "
والذي يشرِّفه الله تعالى بالموت في سبيله وهو مرابط في أرض المعركة لا ينتهي عمله بموته ، ولا تطوى صحائفه بخروج روحه ، بل إن عمله ينمى له ، ولا ينقطع عنه .
فعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :" من رابط يومًا وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه ، ومن مات مرابطًا جرى له مثل ذلك من الأجر وأجري عليه الرزق وأمِنَ الفتَّان "
يتبع...