المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم المرأة @@@ قصة الأميرة فتنة @@@



AbadY2000
17-08-2002, 03:43 AM
قصة الأميرة فتنة :
تصادق أميّ وتاجر صداقة أخوية وتعاطيا الهدايا الموجودة عند كل منهما ، وكان حبهما يزداد يوماً بعد يوم كأنهما روحان في جسد واحد لا يفترقان إلا بعد أن يتشاورا على الفراق .

كان الأمير صاحب نزل كبير ، غيور على قومه ، وكرمه غلب صفاته الحميدة لأنها عادات العرب ..

وفي سنة من السنين زار الأمير صديقه الحميم ومكث عنده أربعة أيام مع ابنته الأميرة فتنة التي لم يتجاوز عمرها تسع سنوات ، وكان لمحمود التاجر ولد ذكي بهي الطلعة أبيض اللون ممشوق القامة وهو في الثامنة عشر من عمره ، فشعر بإحساس يدفعه إلى الاقتراب من الأميرة فتنة ليسألها هل تعرف القراءة والكتابة ، فكان جوابها : كلا لا أعرف الكتابة لأنني دخلت المدرسة منذ سنة تقريباً .
أما ابن التاجر فجعل يهدس ويفكر في الأميرة فتنة ، فأصبح عديم الاهتمام بدروسه بل بدأ بكتابة القصص الغرامية ، ومضت ثماني سنوات على خليل كأنها مئآت الأعوام بتعكير صفائه وهنائه يحملها أحلاماً مرعجة ، وذات ليلة حلم أنها تزوجت شاب من أبناء عمها فطار عقله وجن جنونه واستيقظ عند الفجر وعلم أنه حلم وصمم على أن يسافر مع أبيه لزيارة الأميرة بعد أن قررا يوماً من أيام الآحاد الجميلة ، ولما وصلا إلى المكان المقصود وجدا خياماً حيكت بخيطان من الشعر ومسمرة بأوتاد من جميع جهاتها ، فشعر بارتعاش أعصابه عندما فكر كيف ينامون في فصل الشتاء ، فسأل والده كيف يعيش الأمير وقومه في هذه البقعة الخالية من البناء مثل بيوتنا ، فأجابه هذه بيوتهم يا خليل الذي تقيهم من البرد والأمطار ومن حرارة الشمس المحرقة ..
وعندما وصلا دار الأمير رحب بهم أجمل ترحيب ، ثم نادى خادمه سعيد وأتى بالقهوة فتقدم سعيد وأتى بمربع ووضع أمامه جرناً مزخرفاً جميلاً ومذرقة مزدانة ، ثم وضعها في الجرن وحرك يديه وأخذ يدق دقات حلوة كأنها أنغام موسيقى ، فتعجب خليل من هذه الدقة التي صوتها كصوت البلبل ..
ثم أتى الخادم وبيده اليمنى مصب نحاس وبيده اليسرى ثلاث فناجين مزركشين .. وبدأ يصب للحاضرين شفه من القهوة ، فلما ناولني الفنجان وذقت طعم القهوة شعرت بمرارة فسألت والدي ما هذه ؟ فأجابني إنها قهوة مرة تعمل بدون سكر شربتها وقال يا ليتني ما شربتها فأحسست بشكة في قلبي دون أن أعمل أي جنحة وبعد نصف ساعة جاءت الأميرة فتنة فانشرح لها صدري ، وألقت التحية البدوية فرددنا بأطيب منها ، ثم تقدمت من والدي وسلمت عليه وسألته عن عائلته وسلمت علي بعينيها الهجلاوين وبفمها الضاحك المزدان بسن من الذهب اللامع ..
ثم مكثنا عند صديقنا الأمير طيلة ثلاثة أيام بالفرح والسرور ، وكانت ابنة الأمير من أجمل فتيات هذا الربع وخاصة عندما تمتطي جوادها وهي مرتدية القنباز والدامر والسيف على جنبها والترس بيدها وبالكوفية والعقال يزداد جمالها وحسنها ، ثم إذا بها تلعب مع أترابها أمام رفيقاتها كأنها عروس في المرتبة والحصان يركض الهوينا دون أن تهدده بالضرب ..
ثم رجعنا إلى بيروت وأخبر خليل والدته عن حبه لابنة الأمير فتنة .. ففرحت ورأت أن الأميرة تليق لابنها وهي من عائلة عريقة الحسب والنسب فأخبرت والده خليل بعلها عن حب ولدها لابنه الأمير فوافق على هذا الرأي ..

وبعد مضي أسبوع حضر الأمير وعائلته إلى بيروت وكان نزوله عند أحد أقربائه في نهر بيروت ، كما هو معلوم عن عرب النهر ، فذهب التاحر لزيارته وعمل له ولعائلته وأقاربه وليمة ذات قدر وقيمة حوت ما لذ وطاب من أنواع الطعام والفاكهة والحلويات فأكلا وشربا وقضوا يومهم في ألذ ما يكون ....

أما خليل فإنه قدم ما يليق من واجبات للأميرة فتنة وازداد حبهما ثم إن التاجر أبا خليل أخذ معه جمع من أصدقائه وقصد الأمير وتقدم خاطباً ابنته الأميرة فتنة لابنه خليل راغباً ثم حدثه عن حب ولده لابنته الأميرة ..
فقال الأمير نحن البدو لا نزوج فتياتنا إلا لبدوي مثلنا ، وأما بنات الأمراء لا نزوجهن إلا من عائلاتهم فابن عمها الأمير سالم يريد أن يتزوجها ولا أقدر أن أزوجها لغيره ، كما هو معلوم بنت العم لابن عمها ، ومن حديث قال له الأمير : لا تفكر يا صديقي أبا خليل بهذه الفكرة أبداً وأنا مستعد أن أبذل كل ما أملك من مال وحيوان أن أقدمهما لولدك ولكن هذا الحديث لا أوافق عليه .
فرجع أبا خليل خائباً وعلى وجهه علامة الحزن والكآبة ، فلما علم خليل أن الأمير رفض طلبه ضاقت الدنيا في عينيه ولم يغمض له جفن ، فلما أتى الليل وأظلمت الدنيا توجه خليل إلى النهر وقصد بيوت البدو وجعل يدبدب على يديه ورجليه حتى لا تنبح عليه الكلاب قاصداً بيت الأميرة فتنة فوصله وقد أخفاه الظلام ، فجعل يدخل يده ويدسدس من جوانب البيت حتى أصابت يده فخذ الأميرة فتنة ، وكانت غارقة في نومها تحلم حلماً لذيذاً وهي عند حبيبها خليل في داره ، فقرصها خليل فأفاقت من نومها مرتعبة ورفعت طرف الخيمة لترى من الذي تجرأ عليها فرأت خليل صديقها ، وكانت هي كذلك حبه تمكن من قلبها فخرجت مسرعة من البيت واستقبلته ببشاشة وابتعدت به عن الربع وجلسا يتبادلان أحاديث الحب والغرام حتى قرب الصبح فافترقا خشية الرقباء ، وعادت الأميرة لدارها وذهب خليل لداره ونام نوماً هادئاً مرتاح البال حتى المساء ، فلما أظلم الليل ذهب كعادته إلى بيت الأميرة فتنة وأدخل يده وقرص فخذها وكانت هي في انتظاره ، فخرجت مسرعة وذهبا إلى المحل السابق وجلسا يتبادلان الحديث حتى الصباح ، ثم افترقا وفي مساء اليوم الثالث قصد بيتها فوجده خالياً حتى أنه لم يرى أثراً لبقية بيوت عربها . فعلم أنهم رحلوا جميعاً إلى ديارهم ولكن أين هي فإنه لا يعرفها ثم أنشد هذه الأبيات :

ما زلت معترضاً أهل الهـوى ......... حتى بلـيـت بحـلـوه وبـمـره
وشـربـت كأس مـرارة متجرعاً ......... وذللت فـيــه لـعبـده ولحـره
نـذر الزمــان بأن يفرق شملنا ......... والآن قـد أوفـى الزمان بنذره

وعاد لداره حزيناً وتمدد على فراشه ولكن لم تغمض له جفن ، وعند الفجر نهض من فراشه وأحضر الجواد وأسرجه وأراد ركوبه فرآه أحد الخدم فحلف أن يأخذه معه فقبل وأخذ الخادم برفقته وما زال مسافراً حتى قرب من نزل الأمير ، فجلسا عند العين حتى أظلم الليل وقال لخادمه أنا ذاهب لعمل جئت إليه وأنت أبقى هنا إلى الصباح فإن أتيت فكان به وإن لم آتي سر إلى بيروت وأخبر والدي وقام من وقته وأقبل إلى حي الأمير وقد علم أين تسكن الأميرة فتنة ، فجعل يدبدب على يديه ورجليه حتى وصل بيت الأميرة فتنة وكان قد استهدى إليه فأدخل يده وجعل يدسدس بها حتى حظي بالأميرة فقرصها بفخذها ففاقت من نومها مرتعبة ولكنها علمت أنه خليل فخرجت لملاقاته ولامته على مخاطرته بروحه من أجلها ، وذهبت به موضعاً منفرداً لا يراهما فيه أحد وسلما على بعضهما سلام الأحباب وجعلا يتشاكيان الغرام ويتسامران حتى قرب الفجر ، فقالت الأميرة : يا خليل ما أبغيك تخاطر بنفسك من أجلي مرة ثانية حيث سأتزوج ابن عمي الأمير سالم ، ثم ودعا بعضهما وافترقا ورجعت إلى بيتها وذهب خليل إلى العين فوجد خادمه بانتظاره فركب جواده وعاد إلى بيروت وهو ينشد هذه الأبيات :
أنت في حـــل زادنـا سقما .......... أفنى جسمي وأجـعـل الدمـع دما
وأرض الـمـوت بهجـرك فإن .......... الـمـوت نفـسـي فـزدهــا ألمـا
محنة العشاق في الحب والهوى ..... فـإذا اسـتـودع ســرا ً كـتــمـا
ليس مـنـا مـن شــكــا عــلــة ....... من شكا ظلم حـبـيـب ظـلما

ولم تمض بضعة أيام حتى فكر بحبه للأميرة وتذكر حديثها الحلو وهو لا يهنأ بطعام ولا بمنام فأمر خادمه بسرج جواده وإحضار ما يحتاجان إليه من أدوات السفر ..
ثم ركب جواده وأخذ معه خادمه وما زالا مسافرين حتى وصلا العين وهي بقرب حي الأميرة ، فجلسا هناك حتى أظلم الليل فأوصى خادمه في انتظاره ودخل حي الأميرة في ذلك الليل الدامس ، وجعل يدبدب على يديه ورجليه حتى وصل دار الأميرة وأدخل يده من شقق الخيمة وجعل يدسدس بها حتى حظي بالأميرة فقرصها بفخذها وكانت قد تزوجت ابن عمها وهي نائمة بجانبه ، وكانا متعانقين كأنهما جسد واحد ، ولكن الأميرة من ذكائها علمت أن خليل سوف يأتي فجعلت نومها دائماً من ناحية أطراف الخباء ، ومن تلك القرصة ، حيث لا يمكن لأحد أن يتجرأ ويأتي خبائها ، ولكن فزعت من زوجها أن يشعر بها فسكنت ولم تتحرك حيث أنها في حضن زوجها ، ولكن الأمير سالم شعر بتلك الحركة فجعل يبتعد عنها بخفة لطيفة حيث لا تعلم أنه صحى من نومه وزاد شخيره ...

وأما خليل فإن صبر قليلاً ولما رآها لم تخرج مد يده مرة ثانية وقرصها ثانية فمدت يدها من شق الخباء ودفعت يده عنها وكان زوجها قد ابتعد عنها فقامت من وقتها وخرجت من الخباء فرأت خليل فأشارت إليه أن يتبعها إلى المحل السابق ، وهناك سلما وجلسا بقرب بعضهما وجعلا يشكوان ألم الفراق ، فقالت الأميرة : إني أحبك حباً صادقاً وحبك متمكن من قلبي لا يفرقه أحد ولكن الدهر غدار أراد لنا الفراق وأنا الآن تزوجت ابن عمي وحبنا السابق قد مضى فأنا الآن أحبك كأخي وصديق لوالدي وأخشى عليك من نفسي أن يشعر بنا زوجي أو يرانا أحد مجتمعين في هذا المحل فيكون هلاكنا محتم لا محالة حيث تعلم أن العار عند العرب لا يطاق ، ثم قامت واقفة وقالت له : الوداع يا حبيبي ...

أما الأمير سالم فإنه حين خرجت زوجته من الخباء واجتمعت بخليل وسارت معه تناول سيفه وتبع آثارهما فلما جلسا للحديث اختبأ وراء صخرة هناك يسمع ويرى ما يجري بينهما حتى انتهيا وهما بالإنصراف وسمع ما قالته زوجته لخليل أن الجسد لزوجي .. ولكن قلبي وروحي عندك طار عقله من رأسه ورجع لداره واستلقى على فراشه وعمل حاله نائماً ...

ثم أقبلت الأميرة وهي أشد الرعب خوفاً من ابن عمها فدخلت الخباء فرأت ابن عمها نائماً فحمدت الله على ذلك واستلقت بجانبه ونامت .. وأما الأمير فإنه لما علم أن زوجته نامت قام واقفاً وتقلد سلاحه وأحضر جواده وركبه وسار على طريق لا بد لخليل أن يمر بها حيث لا يوجد غيرها ، وإذ بخليل راكب جواده وكذلك خادمه .. فلما رأوا بعضهما نزلا عن جواديهما وتعانقا معاً وقبلا بعضهما حيث كانت بينهما صداقة والد خليل .. وناهيك ما كان لأبناء بيروت من المهابة عند سكان البادية ، فسأله أين كنت يا خليل ؟ فأجابه في سفر بعيد .. فحلف عليه الأمير أن يذهب معه لضيافته فأطاعه خليل متمنياً أن يرى حبيبته الأميرة ويكون بينه وبين زوجها صلة يراها بها دائماً ، فذهبا حتى دخلا الحي فأخذه لداره وأدخله صيوانه ، فلما رأته الأمير علمت أن زوجها اكتشف سرهما فخفق قلبها رعباً ولكن ما العمل قد جرى ما جرى ..

وصنع الأمير سالم وليمة ذات قدر وقيمة وذبح الخرفان السمان ودعى عمه الأمير وأبناء عمومته ، فلبوا طلبه واجتمعا بخليل وسلم الأمير على خليل وسأله عن والديه وعن أصحابه ، ولكن خليل كان فكره عند الأميرة فتنة وعينيه تنظران إلى خارج الصيوان لعله يرى حبيبته حتى آن وقت الطعام وقد الغداء شربا القهوة ثم نهض الأمير سالم وقال :
يا عم إن خليل يحب ابنتك وقد سمعتها تقول لخليل : صحيح أن جسدي عند ابن عمي ولكن روحي وقلبي عندك يا خليل ، فأنا يا عم لا أريد زوجة يكون قلبها وروحها عند غيري ، بل أريد زوجة يكون جسدها وروحها وقلبها عندي ... يا عم أنت تعلم ما لوالد خليل عندنا من المحبة والإجلال ، فلأجل حبه نحب ابنه ووالد خليل يعز علينا جميعاً ، فأشهدك يا عم أن ابنتك خارجة من عصمتي ، هي من الآن حرمت علي وهي كأختي فإني وهبتها لابن صديقك خليل ، فلبى عمه طلبه وأصبحت الأميرة فتنة زوجة خليل ، أما خليل فإنه لما سمع ما تكلم به الأمير سالم قام واعتنق الأمير وجعل يقبله قائلاً : أشكرك أيها الأمير فإني طول حياتي رهين صنيعك معي فإني لا أنساك أبداً بارك الله فيك ...

أما الأمير فإنه أركب ابنته الأميرة فتنة على هودج من خشب الأبنوس مزركش بالديباج وأرسل معها الخدم وسارا إلى مدينة بيروت ، وقد أرسلا خبراً إلى والد خليل بما جرى ففرحا زائداً وخرج لاستقبالهم وقد صنع لهما ما يليق بهما وأولم الولائم وأطعم الجيعان وكسى العريان وأقام الأفراح عدة أيام ودخل خليل على زوجته فتنة فكانت أحسن حياة قضياها وخلفا الأبناء والبنين .......



وتــمــت