المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة تشبه الخيال لكنها حقيقة



happy aid
29-08-2002, 04:31 PM
منقولمن إحدى المنتديات

تشبه الخيال ، لكنها حقيقة...
وسط الأحراش الكثيفة وسط غابات إفريقية الاستوائية، حيث يسمع زئير الأسود في عرينها، و حيث تأنس القرود فوق أشجارها، و تختبئ الأفاعي في جحورها، ومن بين أودية عميقة عبر السهول حيث تشرف القمم العالية للجبال العارية إلا من الأشجار الصحراوية الشوكية، كانت قافلة البعثة الطبية تسير ببطء تحت لفح سياط شمس الظهيرة الملتهبة يتقدمهم الدليل وهو ينخس الأرض بعقب رمحه الطويل، وقد لمعت ذؤابته المعدنية البيضاء وهو يميل برأسه إلى الأمام لطول قامته المديدة.
سار جميع الذين سادهم السكوت، وقد تركوا المجال لأصوات الطيور والحيوانات لتكمل نسج صورة جمال تلك الطبيعة القاسية بأنغام ومزامير ترنيمها الحية.
لقد اضر أفراد البعثة الطبية الثلاثة ومساعديهم الخمسة السير على أقدامهم لاجتياز سلسلة من الجبال و الوديان توفيرا للوقت، إذ أنه لا يوجد طريق معبد يوصلهم إلى القرية "كارو" إلا من حول سلسلة الجبال تلك التي وقفت سدا منيعا أمامهم وأمام أي شئ يتحرك على عجلات مطاطية، إنهم تسعة، الطبيب ومساعده وأربعة من الحمالين الأشداء و الدليل صاحب الرمح الطويل.
ويلتفت قائد البعثة الطبية (عبدالرحمن) إلى مساعده "كونا" مستفهما: كيف تجدك الآن يا كونا؟
ويجيبه كونا من تحت مظلة القش على سرير من خشب الخيزران كان يرقد عليه محمولا على أكتاف الرجال الأربعة: أشعر بتحسن قليل و الحمد لله.
يهز الطبيب عبدالرحمن رأسه مشجعا له على الصبر و التحمل قائلا:
الحمد لله، مضى الكثير ولم يبق إلا القليل إن شاء الله
وقد علت قسمات وجهه ابتسامة المعتادة التي كان لا يبخل بها على مرضاه حينما كان يعودهم ويداويهم.
إنها الحمى الإفريقية قد أصابت مساعده كونا قبل خمسة أيام لكنه الآن يتماثل للشفاء والحمد لله.
وبعد ساعة من المشي لاحت لفريق البعثة مساكن القرية التي يقصدونها من بعيد وهي تتماوج صورتها بسبب السراب الذي عكس صورة تلك الأحراش القاسية، وقد الهب الجفاف أحشاءها وكوى الجوع أوصالها، فبعثت هذه الصورة المتهالكة روح النشاط فيهم للجد في المسير مرة أخرى، فقد قربت ساعة الوصول.
وبينما هم كذلك إذ اقبل إليهم من بين ذلك السراب أربعة من الشباب الطوال وقد تقلدوا أقواسهم وامتشقوا رماحهم لاستقبالهم بعد أن رأوهم من بعيد.
وقف الدليل وكذلك الطبيب والبقية كذلك إلى أن وصل الشباب الأربعة عندهم، حيث ألقوا إليهم التحية و السلام قائلين: أهلا بكم في قبيلة كارو، أهلا بكم جميعا، وتفضلوا معنا. ثم تقدمهم يقودونهم إلى القرية.
وبينما كانت القافلة تقترب شيئا فشيئا من القرية كانت أصوات طبول تدق بشدة و يخالطها صراخ وهتاف، وكان صوتها يعلو كلما ازدادوا من بوابة القرية قربا.
وعندما وصل الجميع إلى بوابة القرية الخشبية العالية فتحت لهم استقبالا وترحيبا فبان صوت الطبول العالية أشد من ذي قبل، حيث كانت فرقة من المحاربين قد لبسوا دروعهم وحملوا رماحهم يدورون ويرقصون بشكل دائري حول عمود خشبي قد علت أصواتهم متناغمة مع أصوات الطبول....
وحول هؤلاء المحاربين ترى أهل القرية قد اجتمعوا مشاركين لهم رافعين أيديهم إلى السماء وهم يتمايلون يمينا وشمالا رجالا ونساء صغرا وكبارا.
وقف الطبيب متعجبا ومسرورا في نفس الوقت وقد نسي التعب والنصب الذي لاقاه في تلك الرحلة الشاقة فهي أول مرة تسنح له الفرصة لحضور حفل بهذا الشكل.
لقد كانت قرية كارو صغيرة فأفرادها لا يتجاوز عددهم المئتين قد سكنوا في أكواخ بسيطة متناثرة على هضبة متوسطة الارتفاع تحيطها أشجار ليفية عالية، والتي منها كانت القرية قد أحاطت نفسها بسياج من خشبها القوي، وقد ربطتها حبالها المجدولة إلى بعضها البعض، وباب خشبي ليس كالأبواب التي نعرفها، بل هو جزء من سياجها الخشبي سوى أنه يقبل التحرك إلى الداخل وقد شدت على ظهره عضادتين خشبيتين كبيرتين ولقد كانت بيوتهم غاية في البساطة، حيث إن جدرانها من القصب وبعضا من أغصان الأشجار قد ربطت بشكل دائري حملت فوقها سقوفا مخروطية الشكل من القش المغطى بطبقة من الطين الخفيف.
كان الطبيب عبدالرحمن يجول بناظريه في أنحاء القرية فيرى بساطتها ويقول في نفسه:
سبحان الله واهب النعم! شتان بين ما نرى من مساكن تناطح السحاب في بعض مدن العالم وبين ما نرى هنا من بساطة المسكن وبدائية أسلوب الحياة.
وفجأة ينزل المطر بغزارة فيزداد نتيجة لهذا صياح أهل القرية وهم يتقافزون فرحا، وقد كان يظن أن المطر سيفسد عليهم حفلهم ورقصهم ولكنهم كانوا في فرح غامر وسرور عجيب.
وبعد قليل أشار أحد المستقبلين لأفراد البعثة الطبية أن اتبعوني إلى شيخ القبيلة.
تبع أفراد البعثة الطبية الدليل إلى مكان شيخ القبيلة ورئيسها الذي كان من الذين وقفوا للمشاركة في الاحتفال، حيث كان يقف تحت سقيفة من القش كانت قد نصبت له.
لقد بدا رئيس القبيلة الذي ابيض شعره لكبر سنه مسرورا جدا وهو ينظر إلى السماء التي نزلت عليهم بماء غزير، وقد استند إلى عصاه الغليظة التي كان يتوكأ عليها التي كانت تؤكد لنا أنه قد تجاوز الثمانين، وعندما اقترب أفراد البعثة الطبية إلى شيخ القبيلة تهلل وجهه فرحا وقال: مرحبا أهلا، أهلا بكم جميعا في قرية كارو ...
... إن قدومكم فيه بركة علينا ...
لقد كنا نتوقع وصولكم منذ ثلاثة أيام ...
تفضلوا ... تفضلوا...
كان مساعد الطبيب كونا يترجم ما كان يقوله شيخ القبيلة للطبيب عبدالرحمن فيتبسم الطبيب ويقول:
السلام عليكم... السلام عليكم أجمعين...
... نحن طاقم البعثة جئنا لنداوي مرضاكم ولنعلمكم دين الإسلام...
ثم واصل الطبيب كلامه:
لقد تأخرنا بسبب إصابة أحد أفراد البعثة الطبية بالحمى ، لكنه أحسن الآن والحمد لله.
وبعد أن استراح الجميع في خيمة كانت قد أعدت لاستقبالهم توقف هطول المطر وظهرت شمس الحياة من جديد من بين أكوام الغيوم المتناثرة في السماء الزرقاء الصافية، مما جعل طاقم البعثة الطبية يباشرون عملهم المعتاد بهمة ونشاط في الكشف على أفراد أهل القرية صغارا وكبارا، واعطائهم الأدوية اللازمة للذين اصطفوا في طابور طويل متعرج.
وعندما حل المساء وغربت الشمس، وقف كونا خارج الخيمة ونادى بالصلاة مؤذنا: الله أكبر، الله أكبر...
عندها توقف أفراد البعثة الطبية عن العمل وأخذوا يستعدون للصلاة بالوضوء. حتى إذا ما توضؤوا جميعا، اصطفوا خلف إمامهم عبدالرحمن، وصلوا المغرب والعشاء جمعا وقصر.
لقد كان منظرا فريدا وجديدا بالنسبة لسكان قرية كارو فهاهم يتزاحمون لمشاهدة طاقم البعثة الطبية وهم يصلون، كما أن هذا المنظر قد أعاد إلى ذاكرة شيخ القبيلة شيئا من الذكريات الغابرة، إنه يعلم أنهم يفعلون طقوسا إلهية تخص إله المطر، ولكنه لا يفهم معناها.
وبعد ذلك أقام شيخ القبيلة حفل عشاء بمناسبة قدوم البعثة حضره كل أفراد القرية إلا قليل منهم، حيث أقيم في ساحة وسط مكان الاحتفال الأول، حيث تحلق الجميع حول نار قد نصبت فوقها بقرة وحشية قد صيدت من أدغال المنطقة المجاورة وسلسلت وعلقت بطريقة تجعلها تدور حول نفسها على جمر تلك النار الموقدة.
ولقد كان الشواء لذيذا ورائحته الشهية تجعل النفس تسأل منه المزيد وما على المريد إلا القيام بنفسه، وقطع المزيد منه بواسطة سكين حادة وطويلة .
وبينما كان أفراد البعثة الطبية يستمتعون بالعشاء، التفت الطبيب إلى شيخ القبيلة وهو يدور بعينيه أيضا إلى المترجم كونا وسأله: ما هي مناسبة الاحتفال والرقص الذي كان عند وصولهم هذا النهار؟
فأجاب شيخ القبيلة وهو ينظر إلى السماء ثم يلتفت إلى الكيس الجلدي المعلق في وسط الساحة وقد رنا ببصره إلى أعوام طويلة خلت بعينين قد كلت من حمل صور الذكريات الغابرة وهو يقول :
إن تلك الرقصة تسمى رقصة المطر...
ثم تنهد الشيخ تنهيدة وأكمل كلامه: نحن كما ترى نعيش بين تلك الأحراش المجدبة وسط تلك السهول المقفرة التي تفتقر إلى المطر وهو أساس حياة الزراعة عندنا،وكنا إذا تأخر علينا هطول المطر طلبناه بتلك الرقصة... رقصة المطر.
أصغى الطبيب عبدالرحمن إلى شيخ القبيلة متعجبا من قوله وثقته في كلامه، ثم سأله وهو ينظر في وجهه:
وهل ينزل المطر في كل مرة ترقصون؟
فأجاب الشيخ بكل ثقة وهو ينظر إلى كيس الجلد المعلق على العمود الخشبي القريب من النار:
نعم في كل مرة.
فازداد تعجب الطبيب وسأله زيادة في التأكد:
في كل مرة ولكن...
وهنا قاطعة شيخ القبيلة وهو يبتسم مكملا جوابه:
نعم في كل مرة، ولكن..
ثم تنهد الشيخ مرة أخرى وقال:
قد يبدو لك كلامي غريبا ولكن السر ليس في الرقص يا بني، بل في كيس جلد الثور المعلق هذا وأشار بعينيه إليه وهو ينظر إليه باحترام ووقار.
حار الطبيب في نفسه أكثر من ذي قبل وجمدت نظراته جلد الثور هذا وتساءلت نفسه في حيرة:
ماذا! جلد ثور! مطر ينزل بسبب جلد ثور! ما هذا؟
كان كونا المساعد يترجم ما يقوله الشيخ وقد بدا عليه الاستغراب أيضا. وعندما رأى شيخ القبيلة الحيرة واضحة على وجه الطبيب قام من مكانه منتصبا، وأشار إلى جلد الثور وهتف بكلام هبَّ على أثره أربعة من الرجال الأشداء، واتجهوا إلى كيس جلد الثور فأنزلوه من فوق العمود وحملوه، وكأنه يبدوا ثقيلا وهو يحمل إلى مكان شيخ القبيلة الذي ما أن وضعوه بين يديه حتى قال لهم: افتحوه.
وفتح الكيس...
ونظر الجميع إلى ما بداخله...
وكانت المفاجأة...
ما هذا هتف الطبيب
مجموعة كتب في جلد ثور!!!
ورفع الطبيب نظره إلى شيخ القبيلة وقد وصلت الحيرة في نفسه إلى منتهاها، عندها قال الشيخ مبتسما وهو يقرأ سطورا في ذاكرة الماضي البعيد : إنها كتب لا نعرف لغتها فنحن لا نعرف القراءة ولكننا نقدسها ونحترمها، وقد ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، فقد كانت مقدسة عندهم، وقد كانوا يقولون لنا: إن لهذه الكتب بلغة نخاطب بها إله المطر إذا أردنا منه المعونة في فك ضائقة أو تسهيل أمر وقد كانوا يقولون عن قصة هذا الكتب:
إنه في أحد السنين الماضية البعيدة جدا قدم إليهم رجل مقدس من بلاد البحر البعيد، حيث مكث بينهم يعلمهم تقديس وعبادة إله المطر، ثم تركهم ورحل ولم يرجع وترك هذه الكتب المقدسة عندهم... ولقد كان هذا قبل سنين بعيدة جدا جدا...
وتنهد الشيخ تنهيدة أخرى ليكمل القصة:
ثم توارثنا نحن الأحفاد عن الأجداد تلك الكتب، ولم نعرف عن محتواها سوى أنها كتب إلهية تخاطب إله المطر، ولكن كما ترى نعلقها بهذا الكيس، ونتلو بعض الكلمات التي حفظناها عن آبائنا حينما كانوا يقفون ليخاطبوا إله المطر في وقت الجدب و القحط.
اغرورقت عينا الطبيب من ذلك الموقف العجيب وسالت دموعه من مآقيها ولم يشعر إلا وهو يفتش في تلك الكتب، ويقلب بين أوراق صفحاتها المهترئة البالية، ويدبر صفحاتها نحو ضوء نار الشواء لعله يستطيع أن يهتدي إلى سرها.
وفجأة يهتف الطبيب وكأنه يخاطب نفسه:
ماهذا!!!
لام... ألف... عين...
إنها حروف عربية... نعم إنها عربية....
وأخذ الطبيب يخرج الكتب البالية والأوراق المتناثرة واحدا واحدا لا يصدق ما يرى وهو يقول:
إنها كتب دين... دين الإسلام.
إنها كتب حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم تمتد يده إلى ورقات مجموعة قد شدت إلى بعضها بعناية أكثر من غيرها فيحل وثاقها ويقرأ ما فيها والدهشة قد تملكته أكثر من ذي قبل.
ما هذا؟ جزء من القرآن... إنه قرآن... إنه مصحف لقد كان الجل مسلما... لقد وصل أجدادكم الإسلام، يعلمهم التوحيد وقراءة القرآن.
ويلتفت الطبيب إلى شيخ القبيلة وهو يكمل كلامه:
لقد وصل آباؤنا إلى منطقتكم النائية هنا قبل عشرات السنين، حيث لم يكن طائرات، ولا سيارات، ولا بعثات طبية.
ويتذكر الطبيب أن الشيخ لا يفهم لغته العربية الذي وقف مدهوشا أمامه بعينين شاخصتين وهو قول في نفسه:
ماذا يقول الرجل؟ لماذا يصيح ويبحث في الأوراق؟!
كان كونا المساعد مدهوشا أيضا من تلك المفاجأة السعيدة، وهو يترجم كلام الاثنين لبعضهما حتى إذا ما فهم الشيخ العجوز القصة تبسم وتهلل وجهه، ورمى بنفسه على الطبيب معانقا كما عانق بقية افراد البعثة الطبية قائلا لهم:
ألم أقل لكم إنها منحة إله المطر الذي بعثكم إلينا؟... نعم إنها منحة إله المطر الذي بعثكم إلينا.
وشاع الخبر السعيد بسرعة في أنحاء القرية الصغيرة كلها، ولقد كان بالفعل خبرا سعيدا ومؤلما في الوقت نفسه، إنه سعيد من حيث إن أجداد تلك القرية كانوا مسلمين وقد كان صاحب تلك الكتب هو سبب إسلامهم، كما أنه مؤلم من حيث إنهم لا يعرفون عن الإسلام شيئا بعد أن رحل عنهم ذلك الرجل لصالح منذ عشرات السنين.

إني أروي هذه القصة بتصرف بسيط كما جاءت عن جليسنا الصالح وكما سمعتها أيضا بأذني. فهل يدرك الشباب اليوم أهمية الدعوة إلى الله وأن أناسا كثيرين في العالم بحاجة إلى أن يعرفوا حقيقة هذا الدين على صورته الحقة كما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم اللذي قال بلغوا "عني ولو آية"

قصة واقعية للدكتور عبدالرحمن السميط حفظه الله الأمين العام للجنة مسلمي إفرقيا.


الكاتب : البتال