waleed700
30-08-2002, 02:48 AM
نقلا عن الاحركة الاسلامية للاصلاح
الإجراءات الفورية
نشرة الإصلاح العدد 329 بتاريخ 26 أغسطس 2002
تكملة لأحاديث سابقة
لعل المتابع لإصدارات الحركة لاحظ سلسلة النشرات الأخيرة وجلسات البال توك التي تتناول مسائل عملية وحساسة تستشرف طبيعة التغيرات المتوقعة وتتحدث عن طريقة التعامل معها. وكان من أهم ما طرح الإشارة إلى التدرب على تنظيم المجتمع استعدادا للكوارث، وذكرنا بإسهاب ما ينبغي عمله الآن للتخلص من ثقافة الذل والرعب والتبعية والتردد واستبدالها بثقافة الثقة بالنفس والاعتداد بالذات والعزيمة والإقدام. وذهبنا في نشرة أخرى إلى مسألة أكثر تحديدا وهي ما يجب عمله لحظة حصول الفوضى وذكرنا الخطوات التي ينبغي أن يتم المبادرة بها سعيا لتدارك هذه الفوضى. ثم بعد ذلك تحدثنا عن السؤال الكبير "من البديل" وبينا أن مسألة البديل مبنية على فهم استشراف التغيرات المتوقعة وطبيعة المجتمع والنظام الحالي. ونعتقد أننا بهذا النوع من الطرح أبرأنا الذمة وأقمنا الحجة سواء أمام الشعب في العموم أو أمام النخبة والصفوة والقيادات في التهيئة للمستقبل.
المطالب والبرنامج السياسي
من جهة أخرى فقد أقمنا الحجة كذلك في تحديد أمرين لا يقلان أهمية عن ذلك وهما، أولا المطالب الفورية التي لا نرى عذرا للنظام في تطبيقها ولا يمنعه من ذلك إلا استمراءه للتسلط والاستبداد وسياسة الإمتلاك والتلاعب بالدين والأنفس والأعراض لصالح الحكم، وثانيا برنامجنا السياسي التفصيلي الذي طرحنا فيه منهجية شاملة للحكم على مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الخارجية والخدمات والإعلام وغيرها. وقلنا إن المطالب الفورية لا تحتاج استعدادات ولا لجان ولا دراسة ولا تنظيم خاص ولذلك لا يعذر النظام في عدم تنفيذها وهي فتح باب حرية التعبير والتجمعات وإلغاء المباحث السياسية واستقلال القضاء. وقلنا إن النظام يستحيل أن يلبي هذه المطالب لأنه يعلم أنها ستنتهي بزواله كونها ستبدأ كمجرد حريات وتنتهي بمحاكمة الظلمة والذين نهبوا أموال الأمة وإنزال العقوبة بهم فضلا عن خسارتهم للحكم. أما البرنامج السياسي فهو اجتهاد طرحناه لما نعتقد أنه يجب أن تكون عليه حال البلد بشكل تفصيلي وأكدنا فيه على المشاركة السياسية والمحاسبة والشفافية واستقلال القضاء والحريات وتفاصيل كثيرة في كل مرفق من مرافق الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يبقى سؤال آخر.. الإجراءات الفورية بعد السلطة
يبقى سؤال مهم بعد ذلك لم يتم التطرق إليه وهو لو استقرت السلطة بيد جهة ما بشكل أو بآخر بعد النظام الحالي ما هي الإجراءات الفورية الإسعافية التي يجب القيام بها لأنقاذا البلد من التدهور الأمني والاقتصادي والاجتماعي إلى أن يوضع البلد على المسار السليم من أجل قيام دولة المؤسسات والدستور والنظام والعدل. هذه الإجراءات الفورية يجب أن تذكر الآن ويبدأ النقاش حولها ويتداولها الناس حتى تستقر في الأذهان وتصبح مقياسا وميزانا لأمانة وسلامة من يستلم السلطة بعد النظام الحالي أو حتى من يستلمها من داخل النظام في انقلاب داخل الأسرة الحاكمة.
أهداف هذه الإجراءات
إذا كان الهدف من البرنامج السياسي التفصيلي هو تثبيت منهج حكم جديد قائم على أساس الحق والعدل والشورى فإن الهدف من الإجراءات الفورية الإسعافية هو إزالة الأخطار وسداد المتطلبات المباشرة سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع أو على مستوى الأفراد. على مستوى الدولة قد يكون الخطر خارجي أو تربص جهات نفعية في الداخل تريد أن تقفز للسلطة لخدمة نفسها أو لخدمة أطراف دولية. وعلى مستوى المجتمع فإن الخطر يتمثل في تدهور الأمن والانحراف الأخلاقي وانهيار الاقتصاد والطبيقة العارمة والعنصرية وغيرها. على مستوى الأفراد تتمثل المتطلبات المباشرة في الوظيفة والدراسة والخدمات الصحية والبلدية والمياه والمواصلات والاتصالات.
أولويات الناس
حتى قبل أن ينهار النظام وتنزلق البلد في فوضى فإن أولويات الناس بدأت ترتسم بهذا الاتجاه. أصبح الشعور بخطر اعتداء خارجي شعور حقيقي مقابل اعتقاد راسخ أن النظام لا يملك أي مقومات للقدرة على مواجهة هذا الاعتداء. داخليا هناك تخوف من جهات كثيرة محكومة بعقلية الارتزاق والعمالة مستعدة لخدمة القوى العظمى متربصة لاستلام السلطة بدعم خارجي عند اللزوم. وعلى مستوى الدولة كذلك هناك شعور بأن هوية الدولة صودرت وتحولت إلى رهينة لسياسات دول أخرى. اجتماعيا هناك ضجة هائلة من تدهور الوضع الأمني وارتفاع نسبة الجريمة بكافة أشكالها خاصة الجرائم الكبرى مثل القتل والخطف والاغتصاب والعياذ بالله حتى لم يعد خبر قتل أو خطف أو اغتصاب حدثا كبيرا يثير الشجون في المجالس. واجتماعيا كذلك هناك ضجة هائلة من التفسخ الأخلاقي الذي لا يشتكي منه المتدينين والمحافظين فحسب بل حتى كثير من المحسوبين على الليبرالين والمحسوبين على التيار غير المتدين. السبب أن هذا التفسخ ليس مجرد تجاوزات أخلاقية في قضايا الجنس بل هو انهيار تربوي يفسد كل القيم والمباديء. وعلى مستوى المجتمع كذلك هناك سوء توزيع قبيح للثروة وارتفاع نسبة الفقر وانتشار الطبقية والعنصرية سواء في المناصب والفرص أو في الوضع الأقتصادي أو في الحقوق والواجبات أو أمام القضاء. وعلى مستوى الأفراد لم تعد البطالة كما يقولون قنبلة موقوتة بل لقد انفجرت هذا القنبلة وبدت علامات انفجارها. وعلى مستوى الأفراد كذلك أصبحت المعاناة من أوضاع الخدمات المهترئة مسألة ملحة مباشرة فورية وليست مسألة تنذر بخطر في المستقبل. أوضاع التعليم والصحة والبلديات والمياه وغيرها في معظم أنحاء المملكة بالغة السوء تحتاج إلى تعامل فوري من قبل أي سلطة جديدة أو مسؤول جديد.
الناس يعذرون
الشعب بطبيعته سيقدر أن هذه المطالب ملحة ومباشرة ولا يمكن التفريط فيها بحجة خدمة البرنامج السياسي بعيد المدى. والأمة بجمهورها ونخبتها تدرك تماما أن من يستلم السلطة أو المسؤولية بعد خراب حتما سيجد نفسه أمام تحديات فورية يسلتزم التعامل معها قبل النظر في الإصلاح بعيد المدى. بل إن الشعب لا يحتاج إلى تفكير كثير من أجل أن يدرك أن دفع الخطر على الأمن قومي وتوفير الأمن المحلي والحد الأدنى من الأمن الإقتصادي والأمن اجتماعي أكثر أولوية وإلحاحا من النظر في تفاصيل قضايا الدستور والمؤسسات والحريات. لكن لا يعني هذا أبدا الانتهازية من قبل من بيده الأمر وتمديد فترة الانضباط كما تعمل الحكومات الثورية حتى تصبح حالة الثورة هي الأساس.
ماهي الإجراءات؟
لا يكفي تصور الظرف أو الحالة التي تؤول فيها الأمور لجهة أو لشخص ما غير التركيبة الحالية ولا يكفي معرفة الأخطار المحدقة بالدولة والمجتمع والأفراد بل نحن بحاجة لتصور كل مشكلة والاستفادة من طبيعتها في التعامل معها. مثلا ضعف الجيش وانكشاف الدولة أمام المعتدي الخارجي مسألة لها علاقة بمنهجية آل سعود في الحكم وسعيهم قصدا لإضعاف الجيش. ومثلا يرتبط الانهيار الاقتصادي بسيطرة آل سعود على مقدرات البلد وسرقتهم لأموال الأمة ووضع المسألة بهذا الشكل البسيط تسهل أي إجراء فوري للتعامل معها. ومثلا يرتبط وضع العنصرية والطبقية والفساد المالي والإداري والاجتماعي بشكل كبير في نوعية المسؤولين الذين ارتضاهم آل سعود لإدارة المرافق المختلفة في الدولة وبذلك يرتبط أي إجراء فوري بشكل عضوي بوجود هؤلاء المسؤولين. وبناء على هذا الفهم بإمكاننا الآن أن نسرد قائمة بالإجراءات التي نراها ضرورية وملحة يحاسب على أساسها من تؤول ليده أي سلطة.
قائمة الإجراءات .. تغيير كافة المسؤولين في المناصب الحساسة
السبب أن أساس الاختيار عند آل سعود هو العبودية لهم وطاعتهم والتآمر معهم لتسخير مقدرات البلد لآل سعود ولذلك فكل المسؤولين إلا استثناءات قليلة جدا هم على منهج تحويل المنصب لخدمة آل سعود بدلا من خدمة البلد والأمة. هذا التغيير الفوري يشمل الوزراء وأمراء المناطق والمسؤولين في المؤسسات الحكومية والسفراء في البلاد الهامة. وفي التعيين يتم اختيار الشخصيات التنفيذية القادرة على التعامل مع الأزمات وفي نفس الوقت لديها الأمانة والاستقامة اللازمة للمسؤولية.
قائمة الإجراءات .. تعديل فوري في النظام القضائي
وذلك بوضع مسؤولين مؤتمنين على القضاء وإحداث تعديلات فورية في الأنظمة التي تعجل بالتعامل مع القضايا الملحة. ويستدعي ذلك اختيار شخصية من أكثر من يمكن أن يعتمد عليهم ويشهد لهم بالنزاهة والاستقامة في العلم والدين والأمانة والمعرفة بالقضاء.
قائمة الإجراءات .. تعديل فوري في نظام الفتيا
يلغى فورا نظام هيئة كبار العلماء الذي يتم بالتعيين ويطلب من كل العلماء الذين لم تلوث سمعتهم بمداهنة الحكام بانتخاب جماعة بينهم وأمينا عاما يقوم بدور تنظيم شؤون الفتيا وتدعم المؤسسة فورا بالسكرتاريا والدعم المكتبي والمعلوماتي اللازم. ونظرا لأهمية المرحلة الحرجة هذه فإن قوة العلماء ومرجعيتهم ومصداقيتهم ومعايشتهم لهموم وشؤون الأمة أمر مهم جدا وهذا لا يمكن أبدا أن يصلح له نظام العلماء الحالي.
قائمة الإجراءات .. إيقاف فوري للصرف المرتبط بالفساد والأسرة الحاكمة
ينبغي فورا دراسة كل أوجه الصرف التي تتجه إلى جهات مرتبطة بالأسرة أو جهات فساد وفوضى مالية وأيقافها وينطبق ذلك على الصرف المدني والعسكري. ويجب أن يكون هناك سعي لإلغاء كل عقد أو صفقة داخلية كانت أوخارجية مبنية على فساد مالي وعمولات وتلاعب بالأموال والسعي فورا لاسترداد ما يمكن استرداده من الأموال التي سرقت بسبب هذه الصفقات والعمولات والعقود.
قائمة الإجراءات .. إلغاء جميع أشكال الامتيازات غير المشروعة
رغم أن هذا يفترض أن يكون أمرا طبيعيا لكن لا بد من النص عليه بشكل صريح وواضح فورا. السبب هو أن عدم النص عليه قد يعني أن بعض مراكز القوى الجديدة المستفيدة من التغيير الجديد قد تستفيد من ثقافة الامتيازات التي تعود عليها الشعب مدة طويلة فتحاول أن تحل محل أعضاء الأسرة الحاكمة. والنص الصريح والواضح على منعها يعطي أي فرد الحق بمجادلة أي مسؤول يحاول الانتهازية.
قائمة الإجراءات .. استرجاع الأموال المسروقة
الأموال التي سرقت من البلد -وهي أصلا ملك الأمة- كميتها خرافية لا تقل عن تريليون دولار بالإمكان نظريا استرجاع الجزء الأكبر منها بسلسلة إجراءات فورية قبل أن يبادر سارقوها بالاختفاء بها إلى الأبد. من هذا الإجراءات:
أولا: مراقبة وجرد كل الشخصيات التي لها تاريخ سرقة وفساد إداري ومالي واتخاذ الإجراءات التي تبقيها تحت طائلة المسائلة.
ثانيا: تجميد أموال هذه الأسماء ريثما يتم النظر فيها بشكل عاجل.
ثالثا: ترتيب عملية استرجاع هذه الأموال لخزينة الدولة باسلوب يمنع إعادة تسربها أو سرقتها.
رابعا: الاتصال بالمؤسسات المالية العالمية والجهات الأخرى ذات العلاقة لتتبع أموال هذه الأسماء والسعي فورا لاسترجاعها.
قائمة الإجراءات .. حماية القطاع الخاص والاستثمار
يعاني كل رجال الأعمال من غير آل سعود حاليا من تسلط أفراد آل سعود عليهم وإلزامهم بالشراكة والربح من طرف واحد. ومن الطبيعي أن يؤدي تغيير السلطة إلى زوال هذا النفوذ والاحتكار والتحكم لكن ينبغي التأكيد عليه تخصيصا والإعلان رسميا عن اعتبار أي شراكة من هذا القبيل ملغية فورا ويحق للشريك الثاني أن يطالب بحقوقه ممن أكل عليه أمواله. ويعني هذا كذلك فتح المجال فورا للاستثمار للداخل والخارج واعتبار السوق حرة مفتوحة بلا قيود إلا القيود الشرعية.
قائمة الإجراءات .. التعامل مع البطالة
لا شك أن حل مشكلة البطالة بطريقة جذرية يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنهج التنمية كله لكن هذا لا يصلح التعامل معه إلا على مستوى البرنامج السياسي بعيد المدى. لكن الشباب العاطل لا يستطيع أن ينتظر حتى تحل المشاكل بعد سنين أو عقود من السنين ولذلك لا بد من حل فوري لمشكلة البطالة يتمثل في صرف رواتب للعاطلين ومساعدات للسكن والزواج والإعاقة وغيرها من متطلبات الإعانة الحكومية. وإذا ما استرجعت الأموال المسروقة وتم التخلص من أوجه الصرف الهائلة المرتبطة بالأسرة الحاكمة فسيكون هناك ما يكفي وزيادة لدفع رواتب للعاطلين وإعانات حكومية دون منة من الدولة ولا تفضل.
قائمة الإجراءات .. تحسين مستوى الخدمات
الصحة والتعليم والاتصالات والنقل لا شك تحتاج إلى مشروع تنمية بعيد المدى من أجل أن تتحسن تحسنا فائقا لكن هناك إجراءات عاجلة يمكن أن تنتج تحسنا فوريا فيها منها:
أولا: الحرص بشكل خاص على اختيار المسؤولين أصحاب الخبرة والكفاءة الإدراية الفائقة لهذه الخدمات، سوى الأمانة بالطبع.
ثانيا: زيادة فورية هائلة في مخصصات الصحة والتعليم لدرجة تشعر المسؤولين بالكفاية حسب المباني والمؤسسات الموجودة.
ثالثا: الاستعانة بالقطاع الخاص سواء في الصحة أو التعلم وقبول الدولة بمبدأ استخدام المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة مؤقتا إلى أن تصلح هذه الأجهزة بشكل شامل.
رابعا: فتح المجال أمام شركات الاتصالات والنقل الجوي للمنافسة وإلغاء كل أشكال الاحتكار.
قائمة الإجراءات .. البلديات
نظرا للدور المهم لأهل كل منطقة في منطقتهم وكونهم الأحرص على شؤون منطقتهم فإن الشؤون البلدية ينبغي أن توكل إلى مجالس منتخبة وأمين منتخب على أن يكون هناك نظام مؤقت يرشّد نظام الانتخاب هذا إلى أن تصل الدولة إلى مرحلة البرنامج السياسي التفصيلي. ويكون للمجلس البلدي ورئيسه حق الإشراف على كل أنواع الخدمات وليس فقط خدمات البلدية. بمعنى أن يشرف المجلس البلدي على الصحة والتعليم والطرق والاتصالات المحلية وينسق مع الجهات الأمنية والدينية والدعوية والتربوية.
قائمة الإجراءات .. الأمن الداخلي، الأمن الجنائي
لا يجادل أحد بدرجة التدهور الذي وصل إليه الأمن في بلادنا، وربما يصل إلى مرحلة أسوأ بعد أن يؤول الأمر إلى جهة غير النظام الحالي، وهذا يعني إن إصلاح الوضع بشكل شامل يحتاج إلى وقت طويل. لكن الأمة في حالة التدهور الأمني تكون مستعدة لشيء من الحزم والشدة من قبل السلطة مقابل توفير الأمن على المستوى الجنائي. لكن الإجراءات الفورية التي تتخذ في الجهاز الأمني سيعضدها التغيير الفوري في القضاء ويعضدها إلغاء الإمتيازات ويعضدها تحسن الوضع الاقتصادي للناس بسبب استرجاع الأموال والحل المؤقت للبطالة والإعانات الحكومية. وتشمل الإجراءات لضبط الأمن الأمور التالية:
أولا: القيام بتطهير فوري للقيادات الأمنية تطهيرا كاملا من كل شخص غير مؤتمن وتقديم مسألة الأمانة على الخبرة خاصة إذا علمنا أن الخبرة في الجهاز الأمني لدينا لا تعني سوى المحسوبية والواسطة.
ثانيا: تحويل الجزء الأكبر من الكادر البشري والدعم المادي والتقني من الجهات الأمنية التي كانت مخصصة لحماية النظام الحاكم إلى الأمن الجنائي.
ثالثا: الموازنة بين إعطاء الصلاحيات للجهاز الأمني وتشجيعه من أجل الانتاج وبين جعله تحت الرقابة الصارمة حتى تبقى السلطة تنفيذية أو رادعة فقط ويمنع أي تعسف في استخدام السلطة.
رابعا: إقامة نظام تنسيق فعال ومتقن بين الأمن والجهات الأخرى والقضاء على الروتين والبيروقراطية التي كانت قائمة على أساس أن الأمير هو الممسك بزمام كل شيء.
قائمة الإجراءات .. الأمن الداخلي، أمن الدولة
يفترض أن لا يوجد شيء إسمه أمن الدولة بمعنى النظام الحاكم ويجب أن يربى الناس على هذا الأساس. لكن في الفترة الانتقالية التي تورث فيها تركة سياسة الأسرة الحاكمة يكثر المتربصون المنتفعون المرتبطون بجهات أخرى ممن يريدون إقفال الطريق على مسيرة إصلاح شامل. هذا الوضع المؤقت يستدعي بقاء جزء من الجهاز الأمني لحماية هذه المرحلة وترصد المخربين وقطع الطريق عليهم. وينبغي أن توضع صمامات الأمان التي تمنع استمراء أي سلطة لهذا الوضع المؤقت.
قائمة الإجراءات .. الأمن القومي
في بلد مثل بلدنا التي يكاد لا يوجد فيها قوات مسلحة أو جيش بالمعنى المتعارف عليه تصبح مسألة مقاومة الخطر الخارجي مسألة ملحة خاصة مع التهديدات الحالية بتدخلات دولية. ولا شك أن الوصول إلى مستوى دفاعي كبير بالمقاييس التقليدية يستدعي عملا وجهدا متواصلا لسنين طويلة وميزانيات هائلة. لكن بالإمكان أن ينفذ مشروع سريع وطاريء لحماية الثغور أو على الأقل إشعار من يتربص بالبلد أنه حتى لو حاول الاعتداء فإنه سيخسر كثيرا. من الإجراءات التي يمكن تنفيذها لتحقيق ذلك:
أولا: تطهير قيادات القوات المسلحة بالكامل من القيادات التي عينت فقط لخدمة الأسرة الحاكمة والتآمر من أجل إمضاء العمولات الهائلة.
ثانيا: تنسيق القوات المسلحة بطريقة تجعلها تؤدي مهمة واحدة في الدفاع عن البلد وليس كما هو الحال الآن مجرد أدوات بيد الأمير الذي يقودها.
ثالثا: إيجاد حوافز هائلة لمن يلتحق بالجيش والتفكير جديا بنظام التجنيد الإجباري بطريقة تناسب الوضع في بلادنا.
رابعا: إستحداث نظام تدريب وطني لكل أفراد الشعب وجعل حضور هذه الدورات شرطا للتوظيف أو الدخول للجامعات أو لأمور أخرى.
خامسا: وضع خطة عسكرية شاملة للاستفادة من المتدربين في عملية دفاع عن البلد منظمة وفعالة.
سادسا: اعتبار حصول أفراد الشعب الذين حضروا هذه الدورات على السلاح المتطور من الدولة مسالة مقبولة عرفا بل مسألة مرتبة مسبقا لأجل استخدامه عند الضرورة في الدفاع عن البلد عند حصول أي اعتداء.
قائمة الإجراءات .. الإعلام
ينبغي أن تتحول مهمة الإعلام فورا من خدمة النظام الحاكم إلى خدمة الشعب وذلك في توفير الخبر الصادق والعلم النافع. وهذا يستدعي عدة إجراءات منها:
أولا: تحويل مهمة الدولة من مالكة للإعلام إلى مشرفة وموجهة له.
ثانيا: إلغاء كامل لسياسة تمجيد الحكام والمسؤولين وتحويل أولويات الإعلام لتطلعات الأمة.
ثالثا: مصادرة كل وسائل الإعلام المملوكة من قبل متنفذين متلاعبين بأموال البلد ونفوذ سابق والاستفادة منها في تبليغ رسالة الإعلام النظيفة والأمينة.
رابعا: منع جميع أشكال الفساد الأخلاقي والفكري والاجتماعي في الإعلام وتشكيل لجنة خاصة لمراقبة ذلك.
خامسا: تمكين الجمهور بطريقة فيها إشراف جيد من إنشاء ما يشاؤون من مؤسسات إعلامية أو المساهمة في المؤسسات القائمة.
قائمة الإجراءات .. الحريات المنضبطة
لقد ثبت في الكتاب والسنة أن الناس مطلقا لهم الحق في أن يقولوا الحق في أي مكان وأن يجتمعوا بمن يشاؤون. ولقد ثبت كذلك أنه لا يجوز أن يمنع أحد من الكلام أو التصرف مقدما أو ابتداء أو بإذن مسبق بحجة أنه ربما يقول باطلا. الأصل أن لا يحاسب أحد إلا بعد أن يصدر عنه ما يلزم المحاسبة أو العقاب. بل إن بعض الأقوال والتصرفات مثل قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ليست من المباحات بل من الواجبات. ولذلك فإنه مهما كانت الضرورة تقتضي الانضباط فإن مخاطبة الأمة بأمر ما والتعاون مع الآخرين هو حق مشروع لكل فرد دون أذن مسبق ولا يجوز التذرع بالمرحلة الانتقالية في تقييد هذه الحريات. وإنما يأتي الانضباط في حق السلطة أن تحيل من خالف الشرع أو دعا إلى باطل إلى القضاء المستقل فقط.
قائمة الإجراءات .. الإصلاح الاجتماعي ومحاربة الفساد الخلقي
إذا تم إلغاء كل الامتيازات والمناعة من العقوبة وتم إصلاح القضاء وإعادة ترتيب الجهاز الأمني وترشيد الإعلام وعولجت البطالة ومشاكل الزواج والسكن وسمح للمصلحين والعلماء والمربين والدعاة بالحرية فإن الجزء الأكبر من الإصلاح الاجتماعي تحقق وأغلقت معظم السبل أمام الفساد الخلقي. لكن لا ينبغي تجاهل خطة تتعاون بها جهات مختلفة تشجعها الدولة ولا تباشرها بنفسها لأن هذه الأمور يصعب فيها الضبط المركزي.
قائمة الإجراءات .. الفساد الإداري والمحسوبية والواسطة
إذا تم تغيير المسؤولين الفاسدين واستبدالهم بأهل كفاءة وأمانة وتم إصلاح القضاء وتحققت حرية في الإعلام وأعطيت صلاحيات للمجالس البلدية ستتهيـأ الأرضية لإصلاح إداري وانضباط في كل مؤسسات الدولة. لكن تبقى هناك حاجة لمجموعة من الإجراءات الإضافية التي تقضى على الفساد الإداري بل تقضي على ثقافة الفساد وتؤسس لثقافة النزاهة. من هذه الإجراءات:
أولا: اعتبار الشفافية هي أساس سياسة الدولة واقتصار السرية على قضايا الجيش والأمن الكبرى فقط. والشفافية تمنع الفاسدين إداريا من استغلال الظلام في تمرير فوضاهم الإدارية.
ثانيا: اعتبار انتقاد الفساد الإدراي حقا للجمهور في الإعلام ما لم يكن قذفا بلا دليل.
ثالثا: إنشاء جهاز رقابة مستقل يتم اختيار مسؤوله بعناية تكون مهمته مراقبة هذه المسائل والنظر في الشكاوى ضد الفساد الإداري.
رابعا: تشجيع الجمهور على اعتبار أنفسهم مراقبين وإقناعهم أن تعاونهم في التبليغ عن الفساد الإداري يؤدي لمنعه فعلا.
وبــــعــد
فيصعب حصر الإجراءات التي تقع تحت هذا المسمى حصرا كاملا وتبقى هذه القائمة في نظرنا مهمة للأمور الكبرى الرئيسية التي نرى أن يتم الالتفات إليها من قبل كل من يؤول له الأمر ويحاسب من قبل الجمهور على هذا الأساس. ونكرر أن هذه الإجراءات تختلف عن البرنامج السياسي بعيد المدى وتختلف عن المطالب التي يطالب بها من هو خارج السلطة. نسأل الله لبلادنا السلامة وأن يؤول الأمر فيها لمن يحكم بالحق والعدل والشورى.
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
نشرة الاصلاح 328 على الرابط التالي
http://www.montada.com/showthread.php?threadid=140056
ملحق النشرة 328 .. بعد القضية المرفوعة، العلاقة السعودية الأمريكية في السياق .
العلاقة السعودية الأمريكية
في السياق
القضية التي رفعت في أمريكا ضد شخصيات في العائلة الحاكمة السعودية أحدثت خلطا وارتباكا هائلا في أوراق كلا البلدين وخلخلت التوازنات التي اعتمدت عليها الحكومتان في المحافظة على طبيعة خاصة لهذه العلاقة. مشكلة هذا التطور أنه قطع الطريق على الحكومتين في استمرار الاستفادة من أسرار التآمر بين نظامين مختلفين كليا. بل قطع هذا التطور الفرصة على أمريكا أن تستفيد من استماتة النظام السعودي في إرضاء أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
التطور المهم هنا هو أن الذين وردت أسمائهم في الاتهام أعضاء كبار جدا ومتنفذين في العائلة الحاكمة السعودية ولا يستبعد أن يصدر أمر قضائي بتجميد أموالهم وممتلكاتهم في أمريكا وفي كل مكان تستطيع أمريكا أن تصل إليه إلى أن تنتهي القضية. ولأن المسألة بيد القضاء الأمريكي وليست بيد البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية فلن يكون هناك مجال مطلقا لأي تلاعب سياسي بين الحكومتين لتخليص المتهمين من هذه الورطة الكبيرة. والسلطات الأمريكية ملزمة فورا بتطبيق أي أمر قضائي بتجميد هذه الأموال مهما كان اسم المالك مهمّا في السياسة العالمية أو مع المصالح الأمريكية.
وحتى تتضح المسألة بتفاصيلها فإن من الضروري تثبيت بعض الحقائق المتصلة بهذه القضية.
أولا: القضية مدنية بحتة بمعنى أن المطلوب هو تعويضات مالية فقط وليس تجريم المتهم. والتعويضات المالية تعني إلزام المتهم بدفع التعويضات أو مصادرة ممتلكاته للتصرف بها من قبل رافعي الدعوى. ولا يعني عدم تجريم المتهم أن مشكلته ستكون فقط التعويضات بل إنه في حالة شخص مثل سلطان بن عبد العزيز سيكون فورا في قائمة الذين تنحرج الإدارة الأمريكية في التعامل معهم. وسيعني هذا السعي من قبل الأمريكان لإزالته من السلم السياسي حتى لا يضطروا التعامل معه في المستقبل لأنه متهم بشكل غير مباشر عن قتل الآلاف من الأمريكان.
ثانيا: بخلاف ما قد يظن البعض فإن المسألة قضائية بحته وليست سياسية، ولا نبالغ إن قلنا أن الحكومة الأمريكية متضايقة منها مثل أو أشد من تضايق الحكومة السعودية. السبب هو أن الحكومة الأمريكية ستقف مشلولة تماما أمامها كونها مسألة قضائية، لأن مجرد محاولة التدخل في القضية من قبل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو وزارة العدل تعني فورا فضيحة سياسية. ولذلك سيكون تصرف الحكومة الأمريكية تجاه هذه القضية هو تجنب أي تصرف يمكن أن يفهم منه تدخل في هذه القضية.
ثالثا: القضية ستطول كثيرا وستأخذ مراحل كثيرة، لكن اللحظة التي تقبل بها الدعوى ستبدأ إجراءات تجميد أموال المتهمين. السبب هو أن قبول الدعوى يعني أن هناك احتمال لصحة هذه الدعوى مما يستدعي حماية حق المدعي إلى أن تنتهي الدعوى. وبما أن المتهم قد يهرب أمواله خارج أمريكا أو يبيعها لجهات أخرى فمن المنطقي قانونا أن تجمد هذه الأموال حتى يتصرف بها المدعي إذا انتهت الدعوى.
رابعا: سوى مسألة تجميد الأموال فإن طول مدة القضية يعني كذلك اعتبار الذين وردت أسماؤهم من العائلة الحاكمة معنويا متهمين إلى أن تثبت برائتهم. ليس المقصود هنا تجريمهم قانونيا، بل المقصود ما يستقر في أذهان الرأي العام الأمريكي. وهذه النتيجة خطيرة جدا وتعني إرباكا عظيما للحكومة الأمريكية لأن الحكومة الأمريكية مضطرة للتعامل مع النظام السعودي عن كثب ومضطرة للتعامل بالذات مع بعض الأسماء الواردة في القضية مثل الأمير سلطان.
مصير مبدأ "السرية هي الحل"
هذه المعطيات ستجعل القضية نقطة تحول جوهرية تجبر الحكومة الأمريكية على إلغاء منهجية (السرية هي الحل) التي أشار إليها أحد أساتذة العلوم السياسية في مقال مشهور سنة 1996 بعد انفجار الخبر. كان استخدام السرية في التعامل مع المملكة هو الأسلوب الوحيد الذي يخلص الحكومة الأمريكية من كل الإحراجات التي تصادفها بصفتها حكومة تزعم ترويج الديموقراطية والشفافية والحريات بينما تتعامل مع حكومة ديكتاتورية وفاسدة سياسيا وماليا وإداريا ومغلقة داخليا وتمنع كل أشكال الحريات.
كيف فتحت دائرة السرية المغلقة؟
اضطراب العلاقة بين المملكة وأمريكا لم يكن ليتعلق بهذا التطور فقط لأن هذا التطور أتى بعد مجموعة تعقيدات كشفت استحالة استخدام منهجية (السرية هي الحل). والعلاقة إنما عقدتها كل تداعيات أحداث سبتمبر، لأن عاملا آخر دخل في العلاقة من كلا الجانبين أدى إلى خلط الأوراق. من جانب المملكة دخل عامل بن لادن وجماعته والتيار الجهادي بثقل هائل على خط العلاقة، ومن جانب أمريكا دخل الرأي العام وتوجهات اللوبيات المختلفة في السياسة الأمريكية. أدرك الأمريكان (حكومة وشعبا) للوهلة الأولى بعد سبتمبر أن المملكة ليست آل سعود فقط وأن الاعتماد على آل سعود والمراهنة عليهم مخاطرة استراتيجية. وأدرك السعوديون بعد أحداث سبتمبر أن الحكومة الأمريكية لا تستطيع الحد من تحرك الرأي العام وأنواع اللوبيات المختلفة في دهاليز السياسة الأمريكية كما كانت تفعل من قبل.
كيف نفهم الوضع بعد هذا الاضطراب؟
هذا التعقيد الذي أصاب طبيعة العلاقات يحتاج إلى عميلة تفكيك يستطيع المرء بها أن يفهم أولا ما الذي حصل وثانيا إلام تتجه العلاقات. ولتفكيك المسألة جيدا لا بد من دراسة عدة قضايا بشكل مستقل. القضية الأولى أصل طبيعة العلاقات بين الحكومتين قبل أحداث سبتمبر. القضية الثانية هي تداعيات سبتمبر المباشرة بين الحكومتين فقط. القضية الثالثة حقيقة موقف الحكومة الأمريكية من الحكومة السعودية بعد أحداث سبتمبر ومستقبل هذه العلاقة. القضية الرابعة حقيقة موقف الحكومة السعودية من أمريكا ومستقبل هذه النظرة. القضية الخامسة حقيقة التقارير والنشاطات المناهضة للحكومة السعودية في أمريكا وأثرها على الحكومة الأمريكية. القضية السادسة أثر التطورات على الموقف من ضرب العراق. القضية السابعة ماذا لو حصلت الضربة الثانية من بن لادن؟
القضية الأولى .. العلاقات قبل سبتبمر
الحكومة الأمريكية تعلم منذ أن بدأت علاقة مع المملكة أن منهجية النظام السعودي في الحكم مناقضة تماما للقيم التي تتبناها الحكومة الأمريكية. لكن الحكومة الأمريكية أدركت منذ وقت مبكر أن لها مصالح في المنطقة لا يمكن أن يضمنها لها أحد مثل النظام السعودي. والنظام السعودي يستطيع في نفس الوقت الذي يؤمن فيه تلك المصالح من خلال خبرته في التلاعب بالراية الإسلامية وتحييد القوى الدينية بل تسخيرها لخدمة أمريكا مثلما حصل أيام أزمة الخليج وأحداث سبتمبر. ولأن المصالح طغت على تناقض المنهج في الحكم فقد اضطرت الحكومتان لاستخدام منهجية (السرية هي الحل) في التعامل مع هذه العلاقة لمنع تأثير تناقض المنهجيتين على إتمام المصالح. ولتحقيق السرية على الوجه الأكمل أضطرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى تخفيف نشاطها الاستخباراتي في المملكة حتى لا تتسع دائرة الجهات الأمريكية التي تعرف تفاصيل واقع المملكة السياسي والاجتماعي والأمني. وأدت هذه السياسة -كما ذكرت عدة صحف أمريكية بعد سبتمبر- إلى أن تقتنع نفس الإدارة الأمريكية بالنظام السعودي نفسه (يعني بالعائلة الحاكمة نفسها) كمصدر وحيد للمعلومات عن واقع البلد بكل تفاصيله. وتحت مظلة خصوصية المملكة وصعوبة فهمها من قبل الغرب تمكنت العائلة الحاكمة من إنجاح هذه السياسة مع الأمريكان وعزلهم عن حقائق ما يجري في المملكة كليا. وكان هذا العزل فعالا إلى درجة أن الحكومة السعودية نجحت في تضليل الإدارة الأمريكية عن حقائق هائلة في المجتمع السعودي وتسويق أكاذيب انطلت بسهولة على دولة تزعم أن لديها أكبر قوة استخبارات في العالم. كان آخر تلك الأكاذيب التي انطلت بكل إتقان هو زعم أن قوى شيعية خلف انفجار الخبر وقيام أمريكا بتجريم قائمة من الشيعة مدعومين من إيران.
القضيةالثانية .. التداعيات المباشرة لأحداث سبتمبر بين الحكومتين
كانت أكبر صدمة للحكومة الأمريكية في حدث سبتمبر هي وجود خمسة عشر من أصل تسعة عشر من منفذي حوادث سبتمبر من المملكة. والمشكل في ذلك أن هذه المجموعة لم تقدم من أفغانستان بل قدمت من المملكة. كانت الصورة التي لدى الأمريكان قبل أحداث سبتمبر أن الأمير نايف استأصل بإجراءاته الأمنية الشاملة كل "منابع الإرهاب"، وإذا كان هناك سعوديون بين أتباع بن لادن فهم مفرقون في بلاد مختلفة وليس لهم دخل بالمملكة. بدأت تفاصيل مسيرة المجموعة التي نفذت أحداث سبتمبر تتكشف وتبين أن ميدان تربيتهم وعملهم هو داخل المملكة، وإنهم إنما ذهبوا لأفغانستان للتدريب فقط، فاقتنع الأمريكان أن مزاعم الأمير نايف عن استئصال التيار الجهادي هراء. لكن الحكومة الأمريكية جبانة أمام الرأي العام الأمريكي وليس لديها الشجاعة لأن تعترف أن أمريكا الدولة العظمى قابلة للتضليل بسهولة من قبل عائلة تحكم بلدا بمنهجية يعتبرونها متخلفة. بل إن الحكومة الأمريكية عادت إلى أوراقها واكتشفت أن توجيه الاتهام لمجوعة شيعية في قضية الخبر كان عملا غاية في الغباء والاستغفال من قبل النظام السعودي. ولهذا السبب، وهو الحرج مع الرأي العام والفضيحة الهائلة في قضية الخبر، لم تعترف الحكومة الأمريكية علنا بهذه الصدمة. واستمرت الحكومة الأمريكية باستخدام منجية (السرية هي الحل) فعبرت للحكومة السعودية سرا عن غضبها الشديد جدا وامتعاضها إلى آخر حد من تضليلها عن الحقائق. وذهبت الحكومة الأمريكية إلى أبعد من ذلك حين أخبرت الحكومة السعودية أنها اقترفت خطيئة كبرى لا يكفرها إلا توبة كبرى بمقدارها.
القضية الثالثة .. حقيقة موقف الحكومة الأمريكية من النظام السعودي بعد سبتمبر
نبهت أحداث سبتمبر الحكومة الأمريكة إلى ضخامة التحدي الذي تواجهه الحكومة السعودية من قبل التيار الجهادي. ولكن وضع المملكة تحت المجهر الأمريكي بسبب أحداث سبتمبر نبهها إلى أمور أخرى مثل واقع العائلة الحاكمة وإمكانية اندلاع خلاف فيها والوضع الاقتصادي السيء والتدهور الاجتماعي والأمني وضعف هيبة السلطة. هذه التفاصيل التي كانت الحكومة الأمريكية تقلل من قيمتها لم يعد بالإمكان التهوين منها سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الأكاديمي والبحثي أو على مستوى الرأي العام. وبعد محاولات للتهرب من هذه الحقيقة اقتنعت الحكومة الأمريكية أنها يجب أن تستعد لاحتمال زوال الحكم السعودي من الآن. وكان لدى الحكومة الأمريكية سلسلة خيارات بالترتيب للتعامل مع انهيار النظام السعودي وضعت من بينها دفع شخصيات من الجيل الثاني في العائلة الحاكمة لسدة الحكم أو خيار تكنوقراطي أو عسكري ثم اللجوء في النهاية للتدخل العسكري وفصل منطقة النفط في دولة مستقلة. لكن الحكومة الأمريكية أدركت أن هذه السلسلة من الخيارات شبه مستحيلة وأن الحل العملي هو فصل المنطقة الشرقية بعمل أمريكي عسكري يسبقه تبرير سياسي. وقد أشرنا في نشرات سابقة إلى أن البنتاجون قد نظم مؤتمرا في جامعة هدسون قبل شهرين تقريبا أعطاه مظلة أكاديمية مع أنه هو الذي نظمه لدراسة تفصيل عميلة فصل منطقة النفط في دولة مستقلة. ودرست السيناريوهات المناسبة كمبررات لهذا التدخل ومن بينها افتعال مذبحة في قرية شيعية وتضخيم الحدث إعلاميا لتكرار عملية شبيهة بالمناطق الآمنة شمال العراق والبوسنة. وحسب معلومات الحركة فإن الاستعداد الأمريكي لهذا العمل استعداد تفصيلي وجاد يتجاوز العمل العسكري. لكن مما ينبغي التأكيد عليه تماما أن هذا التخطيط من قبل الأمريكان لعمل عسكري لا يعني مطلقا أن الأمريكان سيسقطون نظام آل سعود. نؤكد بكل ثقة أن الحكومة الأمريكية لا تزال مقتنعة أن آل سعود هم الأفضل والأقدر على ضمان مصالحهم ولذلك ستبقى سياسة الحكومة الأمريكية هي المحافظة عليهم إلى آخر فرصة وأنهم لن يلجأوا لهذا العمل العسكري إلا بعد أن يسقط النظام وييأسوا من بقائه. وخلافا لما يتداول البعض فإن الجهات الرئيسية في الإدارة الأمريكية متمسكة بالنظام السعودي وليس لها دخل بالتقارير والمقالات التي تخرج بين الفينة والأخرى ضد النظام نفسه.
القضية الرابعة .. حقيقة موقف الحكومة السعودية من أمريكا ومستقبل هذه النظرة
لا يجادل أحد بأن آل سعود يعتبرون أمريكا عنصرا أساسيا من عناصر بقائهم وشريانا لحياتهم. لكن قبل أن تحصل حوادث سبتمبر كان هناك هامش واسع تستطيع الحكومة السعودية (آل سعود) أن تناور به في تعاملها مع الحكومة الأمريكية مستفيدة من نجاحها في تضليلها عن حقيقة الوضع في الداخل. ومن خلال هذا الهامش حاولت الحكومة السعودية التظاهر ببعض التصرفات ذات الغلاف المبدئي مثل رفض الأمير عبد الله زيارة أمريكا في العام الماضي. لكن بعد أحداث سبتمبر وزوال هذا الهامش واكتشاف الأمريكان للتضليل السعودي وتعبير الأمريكان عن غضبهم الهائل بسبب أحداث سبتمبر لم يعد ممكنا للعائلة الحاكمة أن تناور أبدا وكان السعي لإرضاء الحكومة الأمريكية هو التصرف المتوقع. نظرا لأن الأمريكان اعتبروا تضليلهم خطيئة هائلة وكبيرة من الكبائر كان لا بد أن تكون التوبة السعودية بقدر حجم هذه الخطيئة حتى ترضى الحكومة الأمريكية عن آل سعود. شرعت الحكومة السعودية فورا بسلسلة إجراءات لاسترضاء أمريكا بعد أحداث سبتمبر بدءا بدعم حربها ضد الإرهاب سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا وانتهاء بتكليف الأمير سعود الفيصل ليصبح سفيرا مفوضا لإسرائيل كسبا لرضا أمريكا. وتبين بعد حوادث سبتمبر أن كل ما كان يقال عن أن هناك تفاوت بين أعضاء العائلة الحاكمة في الموقف تجاه أمريكا غير صحيح، بل أنكشف أن الأمير عبد الله هو أحرص إخوانه على رضا أمريكا وأنه قدم الدين والشعب والقيم قربانا من أجل كسب رضا أمريكا. ويتحدث المحيطون بالأمير عبد الله عن حماسه الشديد لبرنامج العلاقات العامة في أمريكا وتوجيهه بإعطاء عادل الجبير صلاحيات هائلة في السفارة في أمريكا وميزانية مفتوحة صرف منها لحد الآن ما لا يقل عن نصف مليار دولار على برامج العلاقات العامة. بل إن المقربين من الأمير عبد الله ينقلون عنه قوله أن قرار دمج رئاسة البنات بالمعارف هو قرار لإرضاء الأمريكان وأنه صرح شخصيا بأنه استغل الحريق من أجل هذه المسألة.
القضية الخامسة حقيقة التقارير والنشاطات المناهضة للحكومة السعودية في أمريكا
أخذت هذه التقارير ثلاث أشكال، الأول نقد فساد واستبداد الحكومة السعودية، الثاني نقد سرية الحكومة السعودية وتضليلها للحكومة الأمريكية، الثالث اعتبار أن الحكومة السعودية والعائلة الحاكمة تدعم الإرهاب بأشكال مباشرة وغير مباشرة. وأخذت هذه التقارير شكل حملات صحفية تضررت الحكومة السعودية جدا من النوع الأول والثاني وطربت للنوع الثالث لأنه يعطيها مصداقية في الداخل في نفس الوقت هي مطمئنة أن الحكومة الأمريكية لا تصدق به. لكن القضية تطورت وبدأت القوى اليمينية المحيطة بالحكومة تتبنى بعض هذه التقارير مثل تقرير الراند الذي اعتبر السعودية حكومة وشعبا عدو لأمريكا. وحتى ذلك التقرير لم يكن مشكلة كبيرة للنظام السعودي كون الحكومة الأمريكية على علاقة سرية توازن هذه التطورات. وربما كان أدق وصف لموقف الحكومة الأمريكية من هذه التقارير والمقالات والمؤتمرات "لم آمر بها ولم تسؤني". وربما استفادت الحكومة الأمريكية منها في ابتزاز النظام السعودي كثيرا. لكن القضية الأخيرة ستغلق المجال أمام الحكومة الأمريكية للمناورة والاستفادة من سرية العلاقة. وعلى كل حال فمما ينبغي التأكيد عليه أن هذه التصرفات ليس فيها تواطؤ من الحكومة الأمريكية. والحقيقة أن المؤسسات أو الجهات الإعلامية والأكاديمية التي أصدرت تلك التقارير والمواقف على درجة من الارتباك والاضطراب والسذاجة السياسية تجعلها تحرق أداة هي من أقوى الأدوات التي تستخدمها الحكومة الأمريكية في تنفيذ سياساتها العالمية. هذه السذاجة والتهور والكبرياء طابع معروف في المؤسسات اليمينية الأمريكية وكثيرا ما تؤدي إلى ضرر للمشاريع الأمريكية في العالم.
القضية السادسة أثر هذه التطورات على الموقف من ضرب العراق وما بعد الضربة
قلنا وكررنا مرارا أن الحكومة السعودية ضد ضرب العراق خوفا من أن ينهار النظام العراقي وأزالة الحصار حيث يتدفق النفط العراقي وتنهار أسعار النفط وينهار معها الاقتصاد السعودي ويتبعه الحكم السعودي. لكن المسألة أصبحت أكثر تعقيدا بإصرار أمريكا على تحميل المملكة جزءا من فاتورة العملية وهي 17 مليار دولار وكذلك بشعور آل سعود بقوة المعارضة الشعبية لهذه الضربة. من جهة أخرى لا يستبعد أن يتفكك العراق بعد الضربة وينضم الجنوب الشيعي لإيران في دولة فيدرالية كبرى تهدد شمال السعودية. ولذلك فإن حرص آل سعود على منع الضربة حرص حقيقي وليس تمثيل. لكن رغم هذا الحرص لا يملك آل سعود أن يرفضوا دفع مساهمتهم في الفاتوة كما لا يستطيعون رفض استخدام قواعدهم في المعركة. أما إعلان النظام السعودي أنه لن يسمح باستخدام القواعد فهذا كلام ليس له قيمة لأن نفس الكلام قيل في لحظة ضرب أفغانستان وثبت قطعيا أن قاعدة الأمير سلطان كان فيها قيادة كل النشاطات الجوية. كما ثبت لدينا أن هناك دعم لوجستي متواصل للعمليات في أفغانستان. وأمريكا لا تحتاج لإقلاع الطائرات من القواعد السعودية فلديها ما يكفي من القواعد الأرضية في الخليج وحاملات الطائرات وإنما لا تستغني أمريكا عن التقنية الهائلة المتوفرة في قاعدة سلطان ولا عن التسهيلات اللوجستية للعمليات العسكرية. الخلاصة أن النظام السعودي حريص أن يمنع الحرب لكنه لا يستطيع ذلك بل حتى لا يستطيع منع الأمريكان من استخدام قواعدهم في السعودية. لكن النظام من مصلحته أن يكرر المزاعم بأنه لن يسمح باستخدام هذه القواعد. أما ما سيحصل بعد ضرب العراق فهذا ربما يكون أصعب الأسئلة بسبب تعقيد النتيجة المحتملة لما سيحصل لأمريكا في العراق. ولا نريد أن ندخل في شبكة الاحتمالات المعقدة وربما نؤجلها لوقت آخر حين تزداد فرص ضرب العراق.
القضية السابعة ماذا لو حصلت الضربة الثانية من بن لادن
ربما توقف الحديث عن احتمال حصول ضربة ثانية من قبل بن لادن لأمريكا لكن الخطر لا يزال قائما والاحتياطات الأمريكية لم تتوقف. ولسنا هنا في مقام زيادة أو التخفيف من احتمالات حصول هذه الضربة لكن لا بد من التفكير باحتمال حصولها. وإذا ما حصلت ضربة أخرى بحجم مقارب لضربة سبتمبر فربما يعتقد البعض أن رد الفعل الأمريكي هو الانتقام الفوري من المملكة كونها مصدر هذا الفعل. لكن الحقيقة أن هناك مفارقة ينبغي الالتفات إليها في استشراف رد الفعل الأمريكي على الضربة الثانية. نعتقد والله أعلم أن الأمريكان في المرة القادمة سيصابون بخيبة أمل وإحباط هائل كونهم لا يستطيعون عمل أكثر مما عملوا في تجييش العالم كله ضد "الإرهاب". ونظرا لأن الحكومة الأمريكية منتخبة وأن الرأي العام الأمريكي دعم الحملة الأمريكية بنسبة فاقت 90 بالمئة فإن الذي سيتحمل الصدمة والمسؤولية هو الشعب نفسه وليس الحكومة. ونعتقد أن خيبة الأمل هذه والإحباط ستتغلب على روح الانتقام التي سادت في المرات السابقة لأن المرات السابقة كان هناك خيارات لم تستنفذ بعد في التعامل العسكري والأمني مع تحدي بن لادن. أما هذه المرة فلن يكون هناك مجال لأي عمل عسكري إلا عمل مجنون ليس له هدف واضح ولا مطلب محدد. لكن حتى لو حصل عمل مجنون ضد هدف ما فقط لأجل الانتقام وليس للسيطرة على الإرهاب فستكون الحركة مبررا لتجييش كل المسلمين ضد أمريكا وسيسقط في يد كل الأنظمة الداعمة لأمريكا.
المستقبل
مع صعوبة تصور ما سيحصل في القضية المرفوعة وصعوبة معرفة إن كان هناك ضربة أخرى من قبل بن لادن أو لا ضد أمريكا وصعوبة تصور مضي الأمريكا قدما في ضرب العراق وصعوبة تصور التداعيات بعد الضربة وصعوبة تصور ما سيحصل في العائلة الحاكمة خلال المدة القادمة فإن مستقبل المنطقة ومستقبل هذه العلاقات غامض جدا. الذي نستطيع أن نؤكده أن هذه العلاقات متجهة إلى المزيد من الاضطراب وأن النظام السعودي ليس في وضع يسمح له بحسن التعامل مع هذا الاضطراب. ومن المتوقع أن يستمر النظام السعودي في تقديم المزيد من التنازلات والسعي لعمل أي شيء لمنع سير تلك القضية. من جانبها ستضطر أمريكا للسعي لتهميش الأمير سلطان وستكون هذه أخبارا طيبة للأمير عبد الله الذي يبحث عن طريقة يشل بها الأمير سلطان في منافسته معه. وربما تحاول قوى اللوبي النفطي في أمريكا تعطيل المحاكمة تضامنا مع شركائهم أفراد العائلة الحاكمة وتحاول قوى أخرى التعجيل بها. وإذا ما تحولت القضية إلى مسار جاد فلا يستبعد أن تغير الحكومة الأمريكية من خططها وتقرر التعجيل بخطوات التدخل تخلصا من الحرج.
الإجراءات الفورية
نشرة الإصلاح العدد 329 بتاريخ 26 أغسطس 2002
تكملة لأحاديث سابقة
لعل المتابع لإصدارات الحركة لاحظ سلسلة النشرات الأخيرة وجلسات البال توك التي تتناول مسائل عملية وحساسة تستشرف طبيعة التغيرات المتوقعة وتتحدث عن طريقة التعامل معها. وكان من أهم ما طرح الإشارة إلى التدرب على تنظيم المجتمع استعدادا للكوارث، وذكرنا بإسهاب ما ينبغي عمله الآن للتخلص من ثقافة الذل والرعب والتبعية والتردد واستبدالها بثقافة الثقة بالنفس والاعتداد بالذات والعزيمة والإقدام. وذهبنا في نشرة أخرى إلى مسألة أكثر تحديدا وهي ما يجب عمله لحظة حصول الفوضى وذكرنا الخطوات التي ينبغي أن يتم المبادرة بها سعيا لتدارك هذه الفوضى. ثم بعد ذلك تحدثنا عن السؤال الكبير "من البديل" وبينا أن مسألة البديل مبنية على فهم استشراف التغيرات المتوقعة وطبيعة المجتمع والنظام الحالي. ونعتقد أننا بهذا النوع من الطرح أبرأنا الذمة وأقمنا الحجة سواء أمام الشعب في العموم أو أمام النخبة والصفوة والقيادات في التهيئة للمستقبل.
المطالب والبرنامج السياسي
من جهة أخرى فقد أقمنا الحجة كذلك في تحديد أمرين لا يقلان أهمية عن ذلك وهما، أولا المطالب الفورية التي لا نرى عذرا للنظام في تطبيقها ولا يمنعه من ذلك إلا استمراءه للتسلط والاستبداد وسياسة الإمتلاك والتلاعب بالدين والأنفس والأعراض لصالح الحكم، وثانيا برنامجنا السياسي التفصيلي الذي طرحنا فيه منهجية شاملة للحكم على مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الخارجية والخدمات والإعلام وغيرها. وقلنا إن المطالب الفورية لا تحتاج استعدادات ولا لجان ولا دراسة ولا تنظيم خاص ولذلك لا يعذر النظام في عدم تنفيذها وهي فتح باب حرية التعبير والتجمعات وإلغاء المباحث السياسية واستقلال القضاء. وقلنا إن النظام يستحيل أن يلبي هذه المطالب لأنه يعلم أنها ستنتهي بزواله كونها ستبدأ كمجرد حريات وتنتهي بمحاكمة الظلمة والذين نهبوا أموال الأمة وإنزال العقوبة بهم فضلا عن خسارتهم للحكم. أما البرنامج السياسي فهو اجتهاد طرحناه لما نعتقد أنه يجب أن تكون عليه حال البلد بشكل تفصيلي وأكدنا فيه على المشاركة السياسية والمحاسبة والشفافية واستقلال القضاء والحريات وتفاصيل كثيرة في كل مرفق من مرافق الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يبقى سؤال آخر.. الإجراءات الفورية بعد السلطة
يبقى سؤال مهم بعد ذلك لم يتم التطرق إليه وهو لو استقرت السلطة بيد جهة ما بشكل أو بآخر بعد النظام الحالي ما هي الإجراءات الفورية الإسعافية التي يجب القيام بها لأنقاذا البلد من التدهور الأمني والاقتصادي والاجتماعي إلى أن يوضع البلد على المسار السليم من أجل قيام دولة المؤسسات والدستور والنظام والعدل. هذه الإجراءات الفورية يجب أن تذكر الآن ويبدأ النقاش حولها ويتداولها الناس حتى تستقر في الأذهان وتصبح مقياسا وميزانا لأمانة وسلامة من يستلم السلطة بعد النظام الحالي أو حتى من يستلمها من داخل النظام في انقلاب داخل الأسرة الحاكمة.
أهداف هذه الإجراءات
إذا كان الهدف من البرنامج السياسي التفصيلي هو تثبيت منهج حكم جديد قائم على أساس الحق والعدل والشورى فإن الهدف من الإجراءات الفورية الإسعافية هو إزالة الأخطار وسداد المتطلبات المباشرة سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع أو على مستوى الأفراد. على مستوى الدولة قد يكون الخطر خارجي أو تربص جهات نفعية في الداخل تريد أن تقفز للسلطة لخدمة نفسها أو لخدمة أطراف دولية. وعلى مستوى المجتمع فإن الخطر يتمثل في تدهور الأمن والانحراف الأخلاقي وانهيار الاقتصاد والطبيقة العارمة والعنصرية وغيرها. على مستوى الأفراد تتمثل المتطلبات المباشرة في الوظيفة والدراسة والخدمات الصحية والبلدية والمياه والمواصلات والاتصالات.
أولويات الناس
حتى قبل أن ينهار النظام وتنزلق البلد في فوضى فإن أولويات الناس بدأت ترتسم بهذا الاتجاه. أصبح الشعور بخطر اعتداء خارجي شعور حقيقي مقابل اعتقاد راسخ أن النظام لا يملك أي مقومات للقدرة على مواجهة هذا الاعتداء. داخليا هناك تخوف من جهات كثيرة محكومة بعقلية الارتزاق والعمالة مستعدة لخدمة القوى العظمى متربصة لاستلام السلطة بدعم خارجي عند اللزوم. وعلى مستوى الدولة كذلك هناك شعور بأن هوية الدولة صودرت وتحولت إلى رهينة لسياسات دول أخرى. اجتماعيا هناك ضجة هائلة من تدهور الوضع الأمني وارتفاع نسبة الجريمة بكافة أشكالها خاصة الجرائم الكبرى مثل القتل والخطف والاغتصاب والعياذ بالله حتى لم يعد خبر قتل أو خطف أو اغتصاب حدثا كبيرا يثير الشجون في المجالس. واجتماعيا كذلك هناك ضجة هائلة من التفسخ الأخلاقي الذي لا يشتكي منه المتدينين والمحافظين فحسب بل حتى كثير من المحسوبين على الليبرالين والمحسوبين على التيار غير المتدين. السبب أن هذا التفسخ ليس مجرد تجاوزات أخلاقية في قضايا الجنس بل هو انهيار تربوي يفسد كل القيم والمباديء. وعلى مستوى المجتمع كذلك هناك سوء توزيع قبيح للثروة وارتفاع نسبة الفقر وانتشار الطبقية والعنصرية سواء في المناصب والفرص أو في الوضع الأقتصادي أو في الحقوق والواجبات أو أمام القضاء. وعلى مستوى الأفراد لم تعد البطالة كما يقولون قنبلة موقوتة بل لقد انفجرت هذا القنبلة وبدت علامات انفجارها. وعلى مستوى الأفراد كذلك أصبحت المعاناة من أوضاع الخدمات المهترئة مسألة ملحة مباشرة فورية وليست مسألة تنذر بخطر في المستقبل. أوضاع التعليم والصحة والبلديات والمياه وغيرها في معظم أنحاء المملكة بالغة السوء تحتاج إلى تعامل فوري من قبل أي سلطة جديدة أو مسؤول جديد.
الناس يعذرون
الشعب بطبيعته سيقدر أن هذه المطالب ملحة ومباشرة ولا يمكن التفريط فيها بحجة خدمة البرنامج السياسي بعيد المدى. والأمة بجمهورها ونخبتها تدرك تماما أن من يستلم السلطة أو المسؤولية بعد خراب حتما سيجد نفسه أمام تحديات فورية يسلتزم التعامل معها قبل النظر في الإصلاح بعيد المدى. بل إن الشعب لا يحتاج إلى تفكير كثير من أجل أن يدرك أن دفع الخطر على الأمن قومي وتوفير الأمن المحلي والحد الأدنى من الأمن الإقتصادي والأمن اجتماعي أكثر أولوية وإلحاحا من النظر في تفاصيل قضايا الدستور والمؤسسات والحريات. لكن لا يعني هذا أبدا الانتهازية من قبل من بيده الأمر وتمديد فترة الانضباط كما تعمل الحكومات الثورية حتى تصبح حالة الثورة هي الأساس.
ماهي الإجراءات؟
لا يكفي تصور الظرف أو الحالة التي تؤول فيها الأمور لجهة أو لشخص ما غير التركيبة الحالية ولا يكفي معرفة الأخطار المحدقة بالدولة والمجتمع والأفراد بل نحن بحاجة لتصور كل مشكلة والاستفادة من طبيعتها في التعامل معها. مثلا ضعف الجيش وانكشاف الدولة أمام المعتدي الخارجي مسألة لها علاقة بمنهجية آل سعود في الحكم وسعيهم قصدا لإضعاف الجيش. ومثلا يرتبط الانهيار الاقتصادي بسيطرة آل سعود على مقدرات البلد وسرقتهم لأموال الأمة ووضع المسألة بهذا الشكل البسيط تسهل أي إجراء فوري للتعامل معها. ومثلا يرتبط وضع العنصرية والطبقية والفساد المالي والإداري والاجتماعي بشكل كبير في نوعية المسؤولين الذين ارتضاهم آل سعود لإدارة المرافق المختلفة في الدولة وبذلك يرتبط أي إجراء فوري بشكل عضوي بوجود هؤلاء المسؤولين. وبناء على هذا الفهم بإمكاننا الآن أن نسرد قائمة بالإجراءات التي نراها ضرورية وملحة يحاسب على أساسها من تؤول ليده أي سلطة.
قائمة الإجراءات .. تغيير كافة المسؤولين في المناصب الحساسة
السبب أن أساس الاختيار عند آل سعود هو العبودية لهم وطاعتهم والتآمر معهم لتسخير مقدرات البلد لآل سعود ولذلك فكل المسؤولين إلا استثناءات قليلة جدا هم على منهج تحويل المنصب لخدمة آل سعود بدلا من خدمة البلد والأمة. هذا التغيير الفوري يشمل الوزراء وأمراء المناطق والمسؤولين في المؤسسات الحكومية والسفراء في البلاد الهامة. وفي التعيين يتم اختيار الشخصيات التنفيذية القادرة على التعامل مع الأزمات وفي نفس الوقت لديها الأمانة والاستقامة اللازمة للمسؤولية.
قائمة الإجراءات .. تعديل فوري في النظام القضائي
وذلك بوضع مسؤولين مؤتمنين على القضاء وإحداث تعديلات فورية في الأنظمة التي تعجل بالتعامل مع القضايا الملحة. ويستدعي ذلك اختيار شخصية من أكثر من يمكن أن يعتمد عليهم ويشهد لهم بالنزاهة والاستقامة في العلم والدين والأمانة والمعرفة بالقضاء.
قائمة الإجراءات .. تعديل فوري في نظام الفتيا
يلغى فورا نظام هيئة كبار العلماء الذي يتم بالتعيين ويطلب من كل العلماء الذين لم تلوث سمعتهم بمداهنة الحكام بانتخاب جماعة بينهم وأمينا عاما يقوم بدور تنظيم شؤون الفتيا وتدعم المؤسسة فورا بالسكرتاريا والدعم المكتبي والمعلوماتي اللازم. ونظرا لأهمية المرحلة الحرجة هذه فإن قوة العلماء ومرجعيتهم ومصداقيتهم ومعايشتهم لهموم وشؤون الأمة أمر مهم جدا وهذا لا يمكن أبدا أن يصلح له نظام العلماء الحالي.
قائمة الإجراءات .. إيقاف فوري للصرف المرتبط بالفساد والأسرة الحاكمة
ينبغي فورا دراسة كل أوجه الصرف التي تتجه إلى جهات مرتبطة بالأسرة أو جهات فساد وفوضى مالية وأيقافها وينطبق ذلك على الصرف المدني والعسكري. ويجب أن يكون هناك سعي لإلغاء كل عقد أو صفقة داخلية كانت أوخارجية مبنية على فساد مالي وعمولات وتلاعب بالأموال والسعي فورا لاسترداد ما يمكن استرداده من الأموال التي سرقت بسبب هذه الصفقات والعمولات والعقود.
قائمة الإجراءات .. إلغاء جميع أشكال الامتيازات غير المشروعة
رغم أن هذا يفترض أن يكون أمرا طبيعيا لكن لا بد من النص عليه بشكل صريح وواضح فورا. السبب هو أن عدم النص عليه قد يعني أن بعض مراكز القوى الجديدة المستفيدة من التغيير الجديد قد تستفيد من ثقافة الامتيازات التي تعود عليها الشعب مدة طويلة فتحاول أن تحل محل أعضاء الأسرة الحاكمة. والنص الصريح والواضح على منعها يعطي أي فرد الحق بمجادلة أي مسؤول يحاول الانتهازية.
قائمة الإجراءات .. استرجاع الأموال المسروقة
الأموال التي سرقت من البلد -وهي أصلا ملك الأمة- كميتها خرافية لا تقل عن تريليون دولار بالإمكان نظريا استرجاع الجزء الأكبر منها بسلسلة إجراءات فورية قبل أن يبادر سارقوها بالاختفاء بها إلى الأبد. من هذا الإجراءات:
أولا: مراقبة وجرد كل الشخصيات التي لها تاريخ سرقة وفساد إداري ومالي واتخاذ الإجراءات التي تبقيها تحت طائلة المسائلة.
ثانيا: تجميد أموال هذه الأسماء ريثما يتم النظر فيها بشكل عاجل.
ثالثا: ترتيب عملية استرجاع هذه الأموال لخزينة الدولة باسلوب يمنع إعادة تسربها أو سرقتها.
رابعا: الاتصال بالمؤسسات المالية العالمية والجهات الأخرى ذات العلاقة لتتبع أموال هذه الأسماء والسعي فورا لاسترجاعها.
قائمة الإجراءات .. حماية القطاع الخاص والاستثمار
يعاني كل رجال الأعمال من غير آل سعود حاليا من تسلط أفراد آل سعود عليهم وإلزامهم بالشراكة والربح من طرف واحد. ومن الطبيعي أن يؤدي تغيير السلطة إلى زوال هذا النفوذ والاحتكار والتحكم لكن ينبغي التأكيد عليه تخصيصا والإعلان رسميا عن اعتبار أي شراكة من هذا القبيل ملغية فورا ويحق للشريك الثاني أن يطالب بحقوقه ممن أكل عليه أمواله. ويعني هذا كذلك فتح المجال فورا للاستثمار للداخل والخارج واعتبار السوق حرة مفتوحة بلا قيود إلا القيود الشرعية.
قائمة الإجراءات .. التعامل مع البطالة
لا شك أن حل مشكلة البطالة بطريقة جذرية يحتاج إلى مراجعة شاملة لمنهج التنمية كله لكن هذا لا يصلح التعامل معه إلا على مستوى البرنامج السياسي بعيد المدى. لكن الشباب العاطل لا يستطيع أن ينتظر حتى تحل المشاكل بعد سنين أو عقود من السنين ولذلك لا بد من حل فوري لمشكلة البطالة يتمثل في صرف رواتب للعاطلين ومساعدات للسكن والزواج والإعاقة وغيرها من متطلبات الإعانة الحكومية. وإذا ما استرجعت الأموال المسروقة وتم التخلص من أوجه الصرف الهائلة المرتبطة بالأسرة الحاكمة فسيكون هناك ما يكفي وزيادة لدفع رواتب للعاطلين وإعانات حكومية دون منة من الدولة ولا تفضل.
قائمة الإجراءات .. تحسين مستوى الخدمات
الصحة والتعليم والاتصالات والنقل لا شك تحتاج إلى مشروع تنمية بعيد المدى من أجل أن تتحسن تحسنا فائقا لكن هناك إجراءات عاجلة يمكن أن تنتج تحسنا فوريا فيها منها:
أولا: الحرص بشكل خاص على اختيار المسؤولين أصحاب الخبرة والكفاءة الإدراية الفائقة لهذه الخدمات، سوى الأمانة بالطبع.
ثانيا: زيادة فورية هائلة في مخصصات الصحة والتعليم لدرجة تشعر المسؤولين بالكفاية حسب المباني والمؤسسات الموجودة.
ثالثا: الاستعانة بالقطاع الخاص سواء في الصحة أو التعلم وقبول الدولة بمبدأ استخدام المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة مؤقتا إلى أن تصلح هذه الأجهزة بشكل شامل.
رابعا: فتح المجال أمام شركات الاتصالات والنقل الجوي للمنافسة وإلغاء كل أشكال الاحتكار.
قائمة الإجراءات .. البلديات
نظرا للدور المهم لأهل كل منطقة في منطقتهم وكونهم الأحرص على شؤون منطقتهم فإن الشؤون البلدية ينبغي أن توكل إلى مجالس منتخبة وأمين منتخب على أن يكون هناك نظام مؤقت يرشّد نظام الانتخاب هذا إلى أن تصل الدولة إلى مرحلة البرنامج السياسي التفصيلي. ويكون للمجلس البلدي ورئيسه حق الإشراف على كل أنواع الخدمات وليس فقط خدمات البلدية. بمعنى أن يشرف المجلس البلدي على الصحة والتعليم والطرق والاتصالات المحلية وينسق مع الجهات الأمنية والدينية والدعوية والتربوية.
قائمة الإجراءات .. الأمن الداخلي، الأمن الجنائي
لا يجادل أحد بدرجة التدهور الذي وصل إليه الأمن في بلادنا، وربما يصل إلى مرحلة أسوأ بعد أن يؤول الأمر إلى جهة غير النظام الحالي، وهذا يعني إن إصلاح الوضع بشكل شامل يحتاج إلى وقت طويل. لكن الأمة في حالة التدهور الأمني تكون مستعدة لشيء من الحزم والشدة من قبل السلطة مقابل توفير الأمن على المستوى الجنائي. لكن الإجراءات الفورية التي تتخذ في الجهاز الأمني سيعضدها التغيير الفوري في القضاء ويعضدها إلغاء الإمتيازات ويعضدها تحسن الوضع الاقتصادي للناس بسبب استرجاع الأموال والحل المؤقت للبطالة والإعانات الحكومية. وتشمل الإجراءات لضبط الأمن الأمور التالية:
أولا: القيام بتطهير فوري للقيادات الأمنية تطهيرا كاملا من كل شخص غير مؤتمن وتقديم مسألة الأمانة على الخبرة خاصة إذا علمنا أن الخبرة في الجهاز الأمني لدينا لا تعني سوى المحسوبية والواسطة.
ثانيا: تحويل الجزء الأكبر من الكادر البشري والدعم المادي والتقني من الجهات الأمنية التي كانت مخصصة لحماية النظام الحاكم إلى الأمن الجنائي.
ثالثا: الموازنة بين إعطاء الصلاحيات للجهاز الأمني وتشجيعه من أجل الانتاج وبين جعله تحت الرقابة الصارمة حتى تبقى السلطة تنفيذية أو رادعة فقط ويمنع أي تعسف في استخدام السلطة.
رابعا: إقامة نظام تنسيق فعال ومتقن بين الأمن والجهات الأخرى والقضاء على الروتين والبيروقراطية التي كانت قائمة على أساس أن الأمير هو الممسك بزمام كل شيء.
قائمة الإجراءات .. الأمن الداخلي، أمن الدولة
يفترض أن لا يوجد شيء إسمه أمن الدولة بمعنى النظام الحاكم ويجب أن يربى الناس على هذا الأساس. لكن في الفترة الانتقالية التي تورث فيها تركة سياسة الأسرة الحاكمة يكثر المتربصون المنتفعون المرتبطون بجهات أخرى ممن يريدون إقفال الطريق على مسيرة إصلاح شامل. هذا الوضع المؤقت يستدعي بقاء جزء من الجهاز الأمني لحماية هذه المرحلة وترصد المخربين وقطع الطريق عليهم. وينبغي أن توضع صمامات الأمان التي تمنع استمراء أي سلطة لهذا الوضع المؤقت.
قائمة الإجراءات .. الأمن القومي
في بلد مثل بلدنا التي يكاد لا يوجد فيها قوات مسلحة أو جيش بالمعنى المتعارف عليه تصبح مسألة مقاومة الخطر الخارجي مسألة ملحة خاصة مع التهديدات الحالية بتدخلات دولية. ولا شك أن الوصول إلى مستوى دفاعي كبير بالمقاييس التقليدية يستدعي عملا وجهدا متواصلا لسنين طويلة وميزانيات هائلة. لكن بالإمكان أن ينفذ مشروع سريع وطاريء لحماية الثغور أو على الأقل إشعار من يتربص بالبلد أنه حتى لو حاول الاعتداء فإنه سيخسر كثيرا. من الإجراءات التي يمكن تنفيذها لتحقيق ذلك:
أولا: تطهير قيادات القوات المسلحة بالكامل من القيادات التي عينت فقط لخدمة الأسرة الحاكمة والتآمر من أجل إمضاء العمولات الهائلة.
ثانيا: تنسيق القوات المسلحة بطريقة تجعلها تؤدي مهمة واحدة في الدفاع عن البلد وليس كما هو الحال الآن مجرد أدوات بيد الأمير الذي يقودها.
ثالثا: إيجاد حوافز هائلة لمن يلتحق بالجيش والتفكير جديا بنظام التجنيد الإجباري بطريقة تناسب الوضع في بلادنا.
رابعا: إستحداث نظام تدريب وطني لكل أفراد الشعب وجعل حضور هذه الدورات شرطا للتوظيف أو الدخول للجامعات أو لأمور أخرى.
خامسا: وضع خطة عسكرية شاملة للاستفادة من المتدربين في عملية دفاع عن البلد منظمة وفعالة.
سادسا: اعتبار حصول أفراد الشعب الذين حضروا هذه الدورات على السلاح المتطور من الدولة مسالة مقبولة عرفا بل مسألة مرتبة مسبقا لأجل استخدامه عند الضرورة في الدفاع عن البلد عند حصول أي اعتداء.
قائمة الإجراءات .. الإعلام
ينبغي أن تتحول مهمة الإعلام فورا من خدمة النظام الحاكم إلى خدمة الشعب وذلك في توفير الخبر الصادق والعلم النافع. وهذا يستدعي عدة إجراءات منها:
أولا: تحويل مهمة الدولة من مالكة للإعلام إلى مشرفة وموجهة له.
ثانيا: إلغاء كامل لسياسة تمجيد الحكام والمسؤولين وتحويل أولويات الإعلام لتطلعات الأمة.
ثالثا: مصادرة كل وسائل الإعلام المملوكة من قبل متنفذين متلاعبين بأموال البلد ونفوذ سابق والاستفادة منها في تبليغ رسالة الإعلام النظيفة والأمينة.
رابعا: منع جميع أشكال الفساد الأخلاقي والفكري والاجتماعي في الإعلام وتشكيل لجنة خاصة لمراقبة ذلك.
خامسا: تمكين الجمهور بطريقة فيها إشراف جيد من إنشاء ما يشاؤون من مؤسسات إعلامية أو المساهمة في المؤسسات القائمة.
قائمة الإجراءات .. الحريات المنضبطة
لقد ثبت في الكتاب والسنة أن الناس مطلقا لهم الحق في أن يقولوا الحق في أي مكان وأن يجتمعوا بمن يشاؤون. ولقد ثبت كذلك أنه لا يجوز أن يمنع أحد من الكلام أو التصرف مقدما أو ابتداء أو بإذن مسبق بحجة أنه ربما يقول باطلا. الأصل أن لا يحاسب أحد إلا بعد أن يصدر عنه ما يلزم المحاسبة أو العقاب. بل إن بعض الأقوال والتصرفات مثل قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ليست من المباحات بل من الواجبات. ولذلك فإنه مهما كانت الضرورة تقتضي الانضباط فإن مخاطبة الأمة بأمر ما والتعاون مع الآخرين هو حق مشروع لكل فرد دون أذن مسبق ولا يجوز التذرع بالمرحلة الانتقالية في تقييد هذه الحريات. وإنما يأتي الانضباط في حق السلطة أن تحيل من خالف الشرع أو دعا إلى باطل إلى القضاء المستقل فقط.
قائمة الإجراءات .. الإصلاح الاجتماعي ومحاربة الفساد الخلقي
إذا تم إلغاء كل الامتيازات والمناعة من العقوبة وتم إصلاح القضاء وإعادة ترتيب الجهاز الأمني وترشيد الإعلام وعولجت البطالة ومشاكل الزواج والسكن وسمح للمصلحين والعلماء والمربين والدعاة بالحرية فإن الجزء الأكبر من الإصلاح الاجتماعي تحقق وأغلقت معظم السبل أمام الفساد الخلقي. لكن لا ينبغي تجاهل خطة تتعاون بها جهات مختلفة تشجعها الدولة ولا تباشرها بنفسها لأن هذه الأمور يصعب فيها الضبط المركزي.
قائمة الإجراءات .. الفساد الإداري والمحسوبية والواسطة
إذا تم تغيير المسؤولين الفاسدين واستبدالهم بأهل كفاءة وأمانة وتم إصلاح القضاء وتحققت حرية في الإعلام وأعطيت صلاحيات للمجالس البلدية ستتهيـأ الأرضية لإصلاح إداري وانضباط في كل مؤسسات الدولة. لكن تبقى هناك حاجة لمجموعة من الإجراءات الإضافية التي تقضى على الفساد الإداري بل تقضي على ثقافة الفساد وتؤسس لثقافة النزاهة. من هذه الإجراءات:
أولا: اعتبار الشفافية هي أساس سياسة الدولة واقتصار السرية على قضايا الجيش والأمن الكبرى فقط. والشفافية تمنع الفاسدين إداريا من استغلال الظلام في تمرير فوضاهم الإدارية.
ثانيا: اعتبار انتقاد الفساد الإدراي حقا للجمهور في الإعلام ما لم يكن قذفا بلا دليل.
ثالثا: إنشاء جهاز رقابة مستقل يتم اختيار مسؤوله بعناية تكون مهمته مراقبة هذه المسائل والنظر في الشكاوى ضد الفساد الإداري.
رابعا: تشجيع الجمهور على اعتبار أنفسهم مراقبين وإقناعهم أن تعاونهم في التبليغ عن الفساد الإداري يؤدي لمنعه فعلا.
وبــــعــد
فيصعب حصر الإجراءات التي تقع تحت هذا المسمى حصرا كاملا وتبقى هذه القائمة في نظرنا مهمة للأمور الكبرى الرئيسية التي نرى أن يتم الالتفات إليها من قبل كل من يؤول له الأمر ويحاسب من قبل الجمهور على هذا الأساس. ونكرر أن هذه الإجراءات تختلف عن البرنامج السياسي بعيد المدى وتختلف عن المطالب التي يطالب بها من هو خارج السلطة. نسأل الله لبلادنا السلامة وأن يؤول الأمر فيها لمن يحكم بالحق والعدل والشورى.
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
نشرة الاصلاح 328 على الرابط التالي
http://www.montada.com/showthread.php?threadid=140056
ملحق النشرة 328 .. بعد القضية المرفوعة، العلاقة السعودية الأمريكية في السياق .
العلاقة السعودية الأمريكية
في السياق
القضية التي رفعت في أمريكا ضد شخصيات في العائلة الحاكمة السعودية أحدثت خلطا وارتباكا هائلا في أوراق كلا البلدين وخلخلت التوازنات التي اعتمدت عليها الحكومتان في المحافظة على طبيعة خاصة لهذه العلاقة. مشكلة هذا التطور أنه قطع الطريق على الحكومتين في استمرار الاستفادة من أسرار التآمر بين نظامين مختلفين كليا. بل قطع هذا التطور الفرصة على أمريكا أن تستفيد من استماتة النظام السعودي في إرضاء أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
التطور المهم هنا هو أن الذين وردت أسمائهم في الاتهام أعضاء كبار جدا ومتنفذين في العائلة الحاكمة السعودية ولا يستبعد أن يصدر أمر قضائي بتجميد أموالهم وممتلكاتهم في أمريكا وفي كل مكان تستطيع أمريكا أن تصل إليه إلى أن تنتهي القضية. ولأن المسألة بيد القضاء الأمريكي وليست بيد البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية فلن يكون هناك مجال مطلقا لأي تلاعب سياسي بين الحكومتين لتخليص المتهمين من هذه الورطة الكبيرة. والسلطات الأمريكية ملزمة فورا بتطبيق أي أمر قضائي بتجميد هذه الأموال مهما كان اسم المالك مهمّا في السياسة العالمية أو مع المصالح الأمريكية.
وحتى تتضح المسألة بتفاصيلها فإن من الضروري تثبيت بعض الحقائق المتصلة بهذه القضية.
أولا: القضية مدنية بحتة بمعنى أن المطلوب هو تعويضات مالية فقط وليس تجريم المتهم. والتعويضات المالية تعني إلزام المتهم بدفع التعويضات أو مصادرة ممتلكاته للتصرف بها من قبل رافعي الدعوى. ولا يعني عدم تجريم المتهم أن مشكلته ستكون فقط التعويضات بل إنه في حالة شخص مثل سلطان بن عبد العزيز سيكون فورا في قائمة الذين تنحرج الإدارة الأمريكية في التعامل معهم. وسيعني هذا السعي من قبل الأمريكان لإزالته من السلم السياسي حتى لا يضطروا التعامل معه في المستقبل لأنه متهم بشكل غير مباشر عن قتل الآلاف من الأمريكان.
ثانيا: بخلاف ما قد يظن البعض فإن المسألة قضائية بحته وليست سياسية، ولا نبالغ إن قلنا أن الحكومة الأمريكية متضايقة منها مثل أو أشد من تضايق الحكومة السعودية. السبب هو أن الحكومة الأمريكية ستقف مشلولة تماما أمامها كونها مسألة قضائية، لأن مجرد محاولة التدخل في القضية من قبل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو وزارة العدل تعني فورا فضيحة سياسية. ولذلك سيكون تصرف الحكومة الأمريكية تجاه هذه القضية هو تجنب أي تصرف يمكن أن يفهم منه تدخل في هذه القضية.
ثالثا: القضية ستطول كثيرا وستأخذ مراحل كثيرة، لكن اللحظة التي تقبل بها الدعوى ستبدأ إجراءات تجميد أموال المتهمين. السبب هو أن قبول الدعوى يعني أن هناك احتمال لصحة هذه الدعوى مما يستدعي حماية حق المدعي إلى أن تنتهي الدعوى. وبما أن المتهم قد يهرب أمواله خارج أمريكا أو يبيعها لجهات أخرى فمن المنطقي قانونا أن تجمد هذه الأموال حتى يتصرف بها المدعي إذا انتهت الدعوى.
رابعا: سوى مسألة تجميد الأموال فإن طول مدة القضية يعني كذلك اعتبار الذين وردت أسماؤهم من العائلة الحاكمة معنويا متهمين إلى أن تثبت برائتهم. ليس المقصود هنا تجريمهم قانونيا، بل المقصود ما يستقر في أذهان الرأي العام الأمريكي. وهذه النتيجة خطيرة جدا وتعني إرباكا عظيما للحكومة الأمريكية لأن الحكومة الأمريكية مضطرة للتعامل مع النظام السعودي عن كثب ومضطرة للتعامل بالذات مع بعض الأسماء الواردة في القضية مثل الأمير سلطان.
مصير مبدأ "السرية هي الحل"
هذه المعطيات ستجعل القضية نقطة تحول جوهرية تجبر الحكومة الأمريكية على إلغاء منهجية (السرية هي الحل) التي أشار إليها أحد أساتذة العلوم السياسية في مقال مشهور سنة 1996 بعد انفجار الخبر. كان استخدام السرية في التعامل مع المملكة هو الأسلوب الوحيد الذي يخلص الحكومة الأمريكية من كل الإحراجات التي تصادفها بصفتها حكومة تزعم ترويج الديموقراطية والشفافية والحريات بينما تتعامل مع حكومة ديكتاتورية وفاسدة سياسيا وماليا وإداريا ومغلقة داخليا وتمنع كل أشكال الحريات.
كيف فتحت دائرة السرية المغلقة؟
اضطراب العلاقة بين المملكة وأمريكا لم يكن ليتعلق بهذا التطور فقط لأن هذا التطور أتى بعد مجموعة تعقيدات كشفت استحالة استخدام منهجية (السرية هي الحل). والعلاقة إنما عقدتها كل تداعيات أحداث سبتمبر، لأن عاملا آخر دخل في العلاقة من كلا الجانبين أدى إلى خلط الأوراق. من جانب المملكة دخل عامل بن لادن وجماعته والتيار الجهادي بثقل هائل على خط العلاقة، ومن جانب أمريكا دخل الرأي العام وتوجهات اللوبيات المختلفة في السياسة الأمريكية. أدرك الأمريكان (حكومة وشعبا) للوهلة الأولى بعد سبتمبر أن المملكة ليست آل سعود فقط وأن الاعتماد على آل سعود والمراهنة عليهم مخاطرة استراتيجية. وأدرك السعوديون بعد أحداث سبتمبر أن الحكومة الأمريكية لا تستطيع الحد من تحرك الرأي العام وأنواع اللوبيات المختلفة في دهاليز السياسة الأمريكية كما كانت تفعل من قبل.
كيف نفهم الوضع بعد هذا الاضطراب؟
هذا التعقيد الذي أصاب طبيعة العلاقات يحتاج إلى عميلة تفكيك يستطيع المرء بها أن يفهم أولا ما الذي حصل وثانيا إلام تتجه العلاقات. ولتفكيك المسألة جيدا لا بد من دراسة عدة قضايا بشكل مستقل. القضية الأولى أصل طبيعة العلاقات بين الحكومتين قبل أحداث سبتمبر. القضية الثانية هي تداعيات سبتمبر المباشرة بين الحكومتين فقط. القضية الثالثة حقيقة موقف الحكومة الأمريكية من الحكومة السعودية بعد أحداث سبتمبر ومستقبل هذه العلاقة. القضية الرابعة حقيقة موقف الحكومة السعودية من أمريكا ومستقبل هذه النظرة. القضية الخامسة حقيقة التقارير والنشاطات المناهضة للحكومة السعودية في أمريكا وأثرها على الحكومة الأمريكية. القضية السادسة أثر التطورات على الموقف من ضرب العراق. القضية السابعة ماذا لو حصلت الضربة الثانية من بن لادن؟
القضية الأولى .. العلاقات قبل سبتبمر
الحكومة الأمريكية تعلم منذ أن بدأت علاقة مع المملكة أن منهجية النظام السعودي في الحكم مناقضة تماما للقيم التي تتبناها الحكومة الأمريكية. لكن الحكومة الأمريكية أدركت منذ وقت مبكر أن لها مصالح في المنطقة لا يمكن أن يضمنها لها أحد مثل النظام السعودي. والنظام السعودي يستطيع في نفس الوقت الذي يؤمن فيه تلك المصالح من خلال خبرته في التلاعب بالراية الإسلامية وتحييد القوى الدينية بل تسخيرها لخدمة أمريكا مثلما حصل أيام أزمة الخليج وأحداث سبتمبر. ولأن المصالح طغت على تناقض المنهج في الحكم فقد اضطرت الحكومتان لاستخدام منهجية (السرية هي الحل) في التعامل مع هذه العلاقة لمنع تأثير تناقض المنهجيتين على إتمام المصالح. ولتحقيق السرية على الوجه الأكمل أضطرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى تخفيف نشاطها الاستخباراتي في المملكة حتى لا تتسع دائرة الجهات الأمريكية التي تعرف تفاصيل واقع المملكة السياسي والاجتماعي والأمني. وأدت هذه السياسة -كما ذكرت عدة صحف أمريكية بعد سبتمبر- إلى أن تقتنع نفس الإدارة الأمريكية بالنظام السعودي نفسه (يعني بالعائلة الحاكمة نفسها) كمصدر وحيد للمعلومات عن واقع البلد بكل تفاصيله. وتحت مظلة خصوصية المملكة وصعوبة فهمها من قبل الغرب تمكنت العائلة الحاكمة من إنجاح هذه السياسة مع الأمريكان وعزلهم عن حقائق ما يجري في المملكة كليا. وكان هذا العزل فعالا إلى درجة أن الحكومة السعودية نجحت في تضليل الإدارة الأمريكية عن حقائق هائلة في المجتمع السعودي وتسويق أكاذيب انطلت بسهولة على دولة تزعم أن لديها أكبر قوة استخبارات في العالم. كان آخر تلك الأكاذيب التي انطلت بكل إتقان هو زعم أن قوى شيعية خلف انفجار الخبر وقيام أمريكا بتجريم قائمة من الشيعة مدعومين من إيران.
القضيةالثانية .. التداعيات المباشرة لأحداث سبتمبر بين الحكومتين
كانت أكبر صدمة للحكومة الأمريكية في حدث سبتمبر هي وجود خمسة عشر من أصل تسعة عشر من منفذي حوادث سبتمبر من المملكة. والمشكل في ذلك أن هذه المجموعة لم تقدم من أفغانستان بل قدمت من المملكة. كانت الصورة التي لدى الأمريكان قبل أحداث سبتمبر أن الأمير نايف استأصل بإجراءاته الأمنية الشاملة كل "منابع الإرهاب"، وإذا كان هناك سعوديون بين أتباع بن لادن فهم مفرقون في بلاد مختلفة وليس لهم دخل بالمملكة. بدأت تفاصيل مسيرة المجموعة التي نفذت أحداث سبتمبر تتكشف وتبين أن ميدان تربيتهم وعملهم هو داخل المملكة، وإنهم إنما ذهبوا لأفغانستان للتدريب فقط، فاقتنع الأمريكان أن مزاعم الأمير نايف عن استئصال التيار الجهادي هراء. لكن الحكومة الأمريكية جبانة أمام الرأي العام الأمريكي وليس لديها الشجاعة لأن تعترف أن أمريكا الدولة العظمى قابلة للتضليل بسهولة من قبل عائلة تحكم بلدا بمنهجية يعتبرونها متخلفة. بل إن الحكومة الأمريكية عادت إلى أوراقها واكتشفت أن توجيه الاتهام لمجوعة شيعية في قضية الخبر كان عملا غاية في الغباء والاستغفال من قبل النظام السعودي. ولهذا السبب، وهو الحرج مع الرأي العام والفضيحة الهائلة في قضية الخبر، لم تعترف الحكومة الأمريكية علنا بهذه الصدمة. واستمرت الحكومة الأمريكية باستخدام منجية (السرية هي الحل) فعبرت للحكومة السعودية سرا عن غضبها الشديد جدا وامتعاضها إلى آخر حد من تضليلها عن الحقائق. وذهبت الحكومة الأمريكية إلى أبعد من ذلك حين أخبرت الحكومة السعودية أنها اقترفت خطيئة كبرى لا يكفرها إلا توبة كبرى بمقدارها.
القضية الثالثة .. حقيقة موقف الحكومة الأمريكية من النظام السعودي بعد سبتمبر
نبهت أحداث سبتمبر الحكومة الأمريكة إلى ضخامة التحدي الذي تواجهه الحكومة السعودية من قبل التيار الجهادي. ولكن وضع المملكة تحت المجهر الأمريكي بسبب أحداث سبتمبر نبهها إلى أمور أخرى مثل واقع العائلة الحاكمة وإمكانية اندلاع خلاف فيها والوضع الاقتصادي السيء والتدهور الاجتماعي والأمني وضعف هيبة السلطة. هذه التفاصيل التي كانت الحكومة الأمريكية تقلل من قيمتها لم يعد بالإمكان التهوين منها سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الأكاديمي والبحثي أو على مستوى الرأي العام. وبعد محاولات للتهرب من هذه الحقيقة اقتنعت الحكومة الأمريكية أنها يجب أن تستعد لاحتمال زوال الحكم السعودي من الآن. وكان لدى الحكومة الأمريكية سلسلة خيارات بالترتيب للتعامل مع انهيار النظام السعودي وضعت من بينها دفع شخصيات من الجيل الثاني في العائلة الحاكمة لسدة الحكم أو خيار تكنوقراطي أو عسكري ثم اللجوء في النهاية للتدخل العسكري وفصل منطقة النفط في دولة مستقلة. لكن الحكومة الأمريكية أدركت أن هذه السلسلة من الخيارات شبه مستحيلة وأن الحل العملي هو فصل المنطقة الشرقية بعمل أمريكي عسكري يسبقه تبرير سياسي. وقد أشرنا في نشرات سابقة إلى أن البنتاجون قد نظم مؤتمرا في جامعة هدسون قبل شهرين تقريبا أعطاه مظلة أكاديمية مع أنه هو الذي نظمه لدراسة تفصيل عميلة فصل منطقة النفط في دولة مستقلة. ودرست السيناريوهات المناسبة كمبررات لهذا التدخل ومن بينها افتعال مذبحة في قرية شيعية وتضخيم الحدث إعلاميا لتكرار عملية شبيهة بالمناطق الآمنة شمال العراق والبوسنة. وحسب معلومات الحركة فإن الاستعداد الأمريكي لهذا العمل استعداد تفصيلي وجاد يتجاوز العمل العسكري. لكن مما ينبغي التأكيد عليه تماما أن هذا التخطيط من قبل الأمريكان لعمل عسكري لا يعني مطلقا أن الأمريكان سيسقطون نظام آل سعود. نؤكد بكل ثقة أن الحكومة الأمريكية لا تزال مقتنعة أن آل سعود هم الأفضل والأقدر على ضمان مصالحهم ولذلك ستبقى سياسة الحكومة الأمريكية هي المحافظة عليهم إلى آخر فرصة وأنهم لن يلجأوا لهذا العمل العسكري إلا بعد أن يسقط النظام وييأسوا من بقائه. وخلافا لما يتداول البعض فإن الجهات الرئيسية في الإدارة الأمريكية متمسكة بالنظام السعودي وليس لها دخل بالتقارير والمقالات التي تخرج بين الفينة والأخرى ضد النظام نفسه.
القضية الرابعة .. حقيقة موقف الحكومة السعودية من أمريكا ومستقبل هذه النظرة
لا يجادل أحد بأن آل سعود يعتبرون أمريكا عنصرا أساسيا من عناصر بقائهم وشريانا لحياتهم. لكن قبل أن تحصل حوادث سبتمبر كان هناك هامش واسع تستطيع الحكومة السعودية (آل سعود) أن تناور به في تعاملها مع الحكومة الأمريكية مستفيدة من نجاحها في تضليلها عن حقيقة الوضع في الداخل. ومن خلال هذا الهامش حاولت الحكومة السعودية التظاهر ببعض التصرفات ذات الغلاف المبدئي مثل رفض الأمير عبد الله زيارة أمريكا في العام الماضي. لكن بعد أحداث سبتمبر وزوال هذا الهامش واكتشاف الأمريكان للتضليل السعودي وتعبير الأمريكان عن غضبهم الهائل بسبب أحداث سبتمبر لم يعد ممكنا للعائلة الحاكمة أن تناور أبدا وكان السعي لإرضاء الحكومة الأمريكية هو التصرف المتوقع. نظرا لأن الأمريكان اعتبروا تضليلهم خطيئة هائلة وكبيرة من الكبائر كان لا بد أن تكون التوبة السعودية بقدر حجم هذه الخطيئة حتى ترضى الحكومة الأمريكية عن آل سعود. شرعت الحكومة السعودية فورا بسلسلة إجراءات لاسترضاء أمريكا بعد أحداث سبتمبر بدءا بدعم حربها ضد الإرهاب سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا وانتهاء بتكليف الأمير سعود الفيصل ليصبح سفيرا مفوضا لإسرائيل كسبا لرضا أمريكا. وتبين بعد حوادث سبتمبر أن كل ما كان يقال عن أن هناك تفاوت بين أعضاء العائلة الحاكمة في الموقف تجاه أمريكا غير صحيح، بل أنكشف أن الأمير عبد الله هو أحرص إخوانه على رضا أمريكا وأنه قدم الدين والشعب والقيم قربانا من أجل كسب رضا أمريكا. ويتحدث المحيطون بالأمير عبد الله عن حماسه الشديد لبرنامج العلاقات العامة في أمريكا وتوجيهه بإعطاء عادل الجبير صلاحيات هائلة في السفارة في أمريكا وميزانية مفتوحة صرف منها لحد الآن ما لا يقل عن نصف مليار دولار على برامج العلاقات العامة. بل إن المقربين من الأمير عبد الله ينقلون عنه قوله أن قرار دمج رئاسة البنات بالمعارف هو قرار لإرضاء الأمريكان وأنه صرح شخصيا بأنه استغل الحريق من أجل هذه المسألة.
القضية الخامسة حقيقة التقارير والنشاطات المناهضة للحكومة السعودية في أمريكا
أخذت هذه التقارير ثلاث أشكال، الأول نقد فساد واستبداد الحكومة السعودية، الثاني نقد سرية الحكومة السعودية وتضليلها للحكومة الأمريكية، الثالث اعتبار أن الحكومة السعودية والعائلة الحاكمة تدعم الإرهاب بأشكال مباشرة وغير مباشرة. وأخذت هذه التقارير شكل حملات صحفية تضررت الحكومة السعودية جدا من النوع الأول والثاني وطربت للنوع الثالث لأنه يعطيها مصداقية في الداخل في نفس الوقت هي مطمئنة أن الحكومة الأمريكية لا تصدق به. لكن القضية تطورت وبدأت القوى اليمينية المحيطة بالحكومة تتبنى بعض هذه التقارير مثل تقرير الراند الذي اعتبر السعودية حكومة وشعبا عدو لأمريكا. وحتى ذلك التقرير لم يكن مشكلة كبيرة للنظام السعودي كون الحكومة الأمريكية على علاقة سرية توازن هذه التطورات. وربما كان أدق وصف لموقف الحكومة الأمريكية من هذه التقارير والمقالات والمؤتمرات "لم آمر بها ولم تسؤني". وربما استفادت الحكومة الأمريكية منها في ابتزاز النظام السعودي كثيرا. لكن القضية الأخيرة ستغلق المجال أمام الحكومة الأمريكية للمناورة والاستفادة من سرية العلاقة. وعلى كل حال فمما ينبغي التأكيد عليه أن هذه التصرفات ليس فيها تواطؤ من الحكومة الأمريكية. والحقيقة أن المؤسسات أو الجهات الإعلامية والأكاديمية التي أصدرت تلك التقارير والمواقف على درجة من الارتباك والاضطراب والسذاجة السياسية تجعلها تحرق أداة هي من أقوى الأدوات التي تستخدمها الحكومة الأمريكية في تنفيذ سياساتها العالمية. هذه السذاجة والتهور والكبرياء طابع معروف في المؤسسات اليمينية الأمريكية وكثيرا ما تؤدي إلى ضرر للمشاريع الأمريكية في العالم.
القضية السادسة أثر هذه التطورات على الموقف من ضرب العراق وما بعد الضربة
قلنا وكررنا مرارا أن الحكومة السعودية ضد ضرب العراق خوفا من أن ينهار النظام العراقي وأزالة الحصار حيث يتدفق النفط العراقي وتنهار أسعار النفط وينهار معها الاقتصاد السعودي ويتبعه الحكم السعودي. لكن المسألة أصبحت أكثر تعقيدا بإصرار أمريكا على تحميل المملكة جزءا من فاتورة العملية وهي 17 مليار دولار وكذلك بشعور آل سعود بقوة المعارضة الشعبية لهذه الضربة. من جهة أخرى لا يستبعد أن يتفكك العراق بعد الضربة وينضم الجنوب الشيعي لإيران في دولة فيدرالية كبرى تهدد شمال السعودية. ولذلك فإن حرص آل سعود على منع الضربة حرص حقيقي وليس تمثيل. لكن رغم هذا الحرص لا يملك آل سعود أن يرفضوا دفع مساهمتهم في الفاتوة كما لا يستطيعون رفض استخدام قواعدهم في المعركة. أما إعلان النظام السعودي أنه لن يسمح باستخدام القواعد فهذا كلام ليس له قيمة لأن نفس الكلام قيل في لحظة ضرب أفغانستان وثبت قطعيا أن قاعدة الأمير سلطان كان فيها قيادة كل النشاطات الجوية. كما ثبت لدينا أن هناك دعم لوجستي متواصل للعمليات في أفغانستان. وأمريكا لا تحتاج لإقلاع الطائرات من القواعد السعودية فلديها ما يكفي من القواعد الأرضية في الخليج وحاملات الطائرات وإنما لا تستغني أمريكا عن التقنية الهائلة المتوفرة في قاعدة سلطان ولا عن التسهيلات اللوجستية للعمليات العسكرية. الخلاصة أن النظام السعودي حريص أن يمنع الحرب لكنه لا يستطيع ذلك بل حتى لا يستطيع منع الأمريكان من استخدام قواعدهم في السعودية. لكن النظام من مصلحته أن يكرر المزاعم بأنه لن يسمح باستخدام هذه القواعد. أما ما سيحصل بعد ضرب العراق فهذا ربما يكون أصعب الأسئلة بسبب تعقيد النتيجة المحتملة لما سيحصل لأمريكا في العراق. ولا نريد أن ندخل في شبكة الاحتمالات المعقدة وربما نؤجلها لوقت آخر حين تزداد فرص ضرب العراق.
القضية السابعة ماذا لو حصلت الضربة الثانية من بن لادن
ربما توقف الحديث عن احتمال حصول ضربة ثانية من قبل بن لادن لأمريكا لكن الخطر لا يزال قائما والاحتياطات الأمريكية لم تتوقف. ولسنا هنا في مقام زيادة أو التخفيف من احتمالات حصول هذه الضربة لكن لا بد من التفكير باحتمال حصولها. وإذا ما حصلت ضربة أخرى بحجم مقارب لضربة سبتمبر فربما يعتقد البعض أن رد الفعل الأمريكي هو الانتقام الفوري من المملكة كونها مصدر هذا الفعل. لكن الحقيقة أن هناك مفارقة ينبغي الالتفات إليها في استشراف رد الفعل الأمريكي على الضربة الثانية. نعتقد والله أعلم أن الأمريكان في المرة القادمة سيصابون بخيبة أمل وإحباط هائل كونهم لا يستطيعون عمل أكثر مما عملوا في تجييش العالم كله ضد "الإرهاب". ونظرا لأن الحكومة الأمريكية منتخبة وأن الرأي العام الأمريكي دعم الحملة الأمريكية بنسبة فاقت 90 بالمئة فإن الذي سيتحمل الصدمة والمسؤولية هو الشعب نفسه وليس الحكومة. ونعتقد أن خيبة الأمل هذه والإحباط ستتغلب على روح الانتقام التي سادت في المرات السابقة لأن المرات السابقة كان هناك خيارات لم تستنفذ بعد في التعامل العسكري والأمني مع تحدي بن لادن. أما هذه المرة فلن يكون هناك مجال لأي عمل عسكري إلا عمل مجنون ليس له هدف واضح ولا مطلب محدد. لكن حتى لو حصل عمل مجنون ضد هدف ما فقط لأجل الانتقام وليس للسيطرة على الإرهاب فستكون الحركة مبررا لتجييش كل المسلمين ضد أمريكا وسيسقط في يد كل الأنظمة الداعمة لأمريكا.
المستقبل
مع صعوبة تصور ما سيحصل في القضية المرفوعة وصعوبة معرفة إن كان هناك ضربة أخرى من قبل بن لادن أو لا ضد أمريكا وصعوبة تصور مضي الأمريكا قدما في ضرب العراق وصعوبة تصور التداعيات بعد الضربة وصعوبة تصور ما سيحصل في العائلة الحاكمة خلال المدة القادمة فإن مستقبل المنطقة ومستقبل هذه العلاقات غامض جدا. الذي نستطيع أن نؤكده أن هذه العلاقات متجهة إلى المزيد من الاضطراب وأن النظام السعودي ليس في وضع يسمح له بحسن التعامل مع هذا الاضطراب. ومن المتوقع أن يستمر النظام السعودي في تقديم المزيد من التنازلات والسعي لعمل أي شيء لمنع سير تلك القضية. من جانبها ستضطر أمريكا للسعي لتهميش الأمير سلطان وستكون هذه أخبارا طيبة للأمير عبد الله الذي يبحث عن طريقة يشل بها الأمير سلطان في منافسته معه. وربما تحاول قوى اللوبي النفطي في أمريكا تعطيل المحاكمة تضامنا مع شركائهم أفراد العائلة الحاكمة وتحاول قوى أخرى التعجيل بها. وإذا ما تحولت القضية إلى مسار جاد فلا يستبعد أن تغير الحكومة الأمريكية من خططها وتقرر التعجيل بخطوات التدخل تخلصا من الحرج.