المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المفاخرة بين الثور والحمار((الجزء الثاني))



قوت القلوب83
03-10-2002, 11:09 PM
والآن سترون الرد الذي أجاب به الحمار على كلام الثور.


فقال الحمار: هكذا يا ثور البقر، تفتخر على بأكل الحجر؟!.
فقال الثور: يا حمار الآن أقررت بفضلي وإنعامي، وعلمت أن كل خير في الكون مبدأه من تحت أقدامي، وأنا الذي مدحني الله في الكتاب المبين، فقال وهو أصدق القائلين: } صفراء فاقع لونها تسر الناظرين{ 00البقرة00. وقال تعالى} نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين{ 00 النحل00. وأما أنت يا حمار فنعوتك مزورة، وعيوبك مقررة، وخصالك منيرة(مفضوحة)، وأمورك مغيرة، وقد ضرب فيك المثل في الصحف المنتشرة } كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة{ 00 المدثر00.

فقال الحمار: لقد أكثرت يا ثور وخرجت من الطور، أما علمت أني أبلغ المشتاق، إلى بغيته من الآفاق، وأدخل الأسواق التي هي مفاتيح الأرزاق، وأنا المدخر ليوم الزينة، وأنا الذي لصاحبي كالسفينة وانا بحمدالله لا أجهل سوقاً ولا مدينة. وأما انت يا ثور فقد تماديت بغفلتك، وشقيت ببعدك وغيك لم تدخل السوق إلا لمصيبتك.

فقال الثور أخبرني ياقصير الذنب يا ملحوص الركب، وأي فخر لك وأنت تجري وتنصب، وتشقى وتتعب، بأن تشنق وتصلب وأنا أجازي بعد تعبي بطيب علفي، ويستعذب مشربي، وأنال من حرثي غاية مطلبي، لا خادم يركب ظهري، ولا ظالم يتولى جفري(الجفر شيء من وسطه)، وسائق ينخس جحري، ولا أحمل ثقيل، وأطلع نقيل ولا أرغب في الهواجر إلى الراحة والمقيل.

فقال الحمار: وأي شقاء أعظم من جهدك وتجلدك على جر الحلى(النير) والمجر، والسلاسل والمحر، أن قدرت وأطعت وإلا خرموا لك النخر(الأنف)، فأسكت يا ثور فقد حاق بك الظفر، وليس لك اليوم عن جدالي مفر.

فقال الثور: أما علمت أيها الحمار أنك لن تنجوا ولا تفر تعقل وتفيق، وتهتدي إلى الطريق، إلا بعد أن تزجر وتشد وتذفر(تدفع).

فقال الحمار: يالله العجب من بلاهتك أيها الثور! أما تحققت أن قصتك أعظم من قصتي؟ وغصتك أطول من غصتي؟ وذلك أنها إذا عرف منك العصيان وتماديت في الطغيان، لقيت الذل والهوان، وضربت بالمجالد والعصيان، واحظروا لك الجزارين بالسكاكين والقبان، فما فخرك وقد صرت إلى هذا الشان؟

فقال له الثور: قاتلك الله، اعتمدت على التلبيس، وركنت على مقالك والتهويس، وأصغيت إلى خداع إبليس، فهل لك غيره من جليس، ولكنك على يوم محبته يوم كنتما في السفينة، فدام بينكما الوداد حتى صرت صاحبه وقرينه، فأنت من أهل الحيلة والبهتان، والخديعة والعدوان.

فقال الحمار: إنما مثلك أيها الثور في ملازمة الأشغال والبيوت، كمثل الكسل الممقوت، أو كالمرأة المقعدة وهي مظطرة إلى القوت. وأنا مثلي في الترحال كمثل الرجال الأبطال، الراكظين في أسفارهم في الأودية والجبال..

فقال الثور: تباً لهذرمتك والهذيان، أما علمت أن حب الأوطان من الإيمان، فدليلي هذا من أعظم البرهان...

فقال الحمار: أما تراني أزين بالملبوس كما تزين الخود الحسان بالعقود، وأما أنت فعندك غاية المنى والمقصود، لبس المضامد والجلود، وجميع العوالم عليَّ شهود، وكأنك أنكرت عليَّ تطوقي باللجام، وتتوجي باللسن والزمام، ولي بذلك عليك الفخر عند أهل الأفهام.

فقال له الثور: تباً لعقلك من حمار أتفتخر عليَّ بالجرس يا خبيث؟ أما يكفيك ذمة في أهل الحديث؟ فقد أكثرت عليَّ يا حمار بالممارة والقمار، فلا تجهل ماحل من خبري لديك، من الشعير المبذول بين يديك، فيجب عليك أن تخضع لي، ويليق بي أن أركب عليك.

فعند ذلك إشتد الغضب على الحمار، وزادت به الحماسة، وقال: إنما أنا مركوب صاحب العز والرئاسة، وذوي المجد والفراسة، لست مركوبك يا كبير الخساسة، ويا عظيم النجاسة، ولكنك يا كبير القرون، تخاطبني بالشطاحة والجنون.

فقال له الثور: أيها الحمار هلا تاملت عواقب الأمور، وأن مآل جثتك للكلاب والنسور، ومآل جثتي إلى الشهادة العظمى في الأعياد والسرور، فترى رائحة اللحم تفوح بالبهارات من بين القدور، وتتعطر بروائح عرفتها المنازل والقصور، ولم يكن في كلامي هذا خلاف على مر الدهور ومذهب الجمهور.

فلما رأى الحمار كلامه يلغى ويرفض، وحجته ترفض وتدحض، قال: دعني ياكبير الرأس من قبل أن تخسف وتركض، فتلزم وتقبض، ثم تحمل إلى السلطان، صاحب الناموس المصان، المسمى بالحصان، فعند ذلك اجتمع الشور، بين الحمار والثور، أن يحضرا مجلس الخليفة، ذي الحضرة الشريفة، والهيئة السامية المنيفة.

فلما مثلا بين يديه، وقصا خبرهما عليه، قال لهما: مالكما شطحتما بالإفتخار، والتسافه النفار، وأنتم عندي من عبيدي الآبقين، ألم تعلما أني لا أرتضي الإفتخار بالنجاد، وقدمني الرحمن على رؤوس الأشهاد(( بالصافنات الجياد))، وكم من آية في ذكري قسماً ومدحاً، كقوله تعالى}والعاديات صبحا{ ومن حديث الرسول، في صحيح المنقول حيث يقول(( والخير في نواصي الخيل)) فهل في هذا إنكار أو حيف أو ميل. لا ومن أنور النهار وأظلم الليل...

ثم إلتفت إلى من حوله من الوفود، القائمين والقعود، وقال عليَّ بالسلاسل والقيود، فعند ذلك قاما وخضعا وابتهلا، وتذللا، وقالا: أيها الأمير عفوأ وصلحاً، أفلا توسعنا من فضلك حلماً وصفحاً؟ فقد لاقينا منك حكماً ونصحاً.

فقام أبو أيوب (الجمل) يمشي على هذا الأسلوب، وقال أشفعني أيها الأمير وهذا سلامي بالأثوار والحمير.

فسكن مابها من الوجل، وخرجا حينئذٍ في شفاعة الجمل، وبطل القول ومنهما والعمل، وانقطع الشجار وانفصل، وخاب تدبير كل منهما والأمل، وصار كلٌ ميسر لما خلق من العمل، واقتضته الحكمة من الأزل.