المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم المرأة الرحيل .... (قصة)



صدى الليل
22-10-2002, 10:08 AM
بدت أختي شاحبة الوجه ناحلة الجسم ولكنها كعادتها تقرأ القران الكريم تبحث عنها تجدها في مصلها …. راكعه ساجده رافعه يديها الى السماء …. هكذا في الصباح والمساء و في جوف الليل لا تفتر ولا تمل …..
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنيه والكتب ذات الطابع القصصي …… أشاهد الفيديو بكثره لدرجة أني عرفت به …… ومن أكثر من شيء عرف به……. لا أؤدي واجباتي كامله ولست منظبطه في صلواتي ….
بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلاما متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصله ها هو الاذان يرتفع من المسجد المجاور …
عدت الى فراشي …..
تناديني من مصلاها …. نعم ماذا تريدين يا نورة ؟
قالت لي بنبرة حاده : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر …..
أوه بقي ساعه على صلاة الفجر وما سمعتيه كان الاذان الاول….
بنبرتها الحنونه – هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش –نادتني …….تعالي يا هناء بجانبي …..ز
لا أستطيع اطلاقا رد طلبها تشعر بصفاء قلبها وصدقها ….
ماذا تريدين ….
اجلسي …..
ها قد جلست ماذا لديك …..
بصوت عذب رخيم كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامه )
سكتت برهة .... ثم سألتني ....
ألم تؤمني بالموت ؟
بلى مؤمنة ..
ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيره وكبيره .....
بلى ...... ولكن الله غفور رحيم .. والعمر طويل ...
يا أختي ألا تخافين من الموت وبغتته ...
انظري هند أصغر منك وتوفيت في حادث سياره ... وفلانه ...وفلانه ...
الموت لا يعرف العمر .... وليس مقياسا له ....
أجيتها بصوت الخائف حيث مصلاها المظلم ....اني أخاف من الظلام وأخفتني من الموت .... كيف أنام الان .. كنت أظنك وافقت على السفر معنا في هذه الاجازه .... فجأه تحشرج صوتها واهتز قلبها .....
لعلي هذه السنه أسافر سفرا بعيدا... الى مكان اخر ... ربما يا هناء ... الاعمار بيد الله ... وانفجرت بالبكاء..
تفكرت في مرضها الخبيث ...وأن الاطباء أخبروا أبي سرا أن المرض لن يمهلها طويلا ... ولكن من أخبرها بذلك ...أم أنها تتوقع هذا الشيء ...
ما لك تفكرين ؟ جاءني صوتها القوي هذه المره ...؟
هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه ؟
كلا .... ربما أكون أطول عمرا من الاصحاء ...
وأنت الى متى ستعيشين ... ربما عشرون سنه؟..... أربعون ؟ ثم ماذا ..... لمعت يداها في الظلام وهزتها بقوه ...
لا فرق بيننا كلنا سنرحل ونغادر هذه الدنيا اما الى الجنه أو الى نار ..ألم تسمعي قول الله ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )...؟
هرولت مسرعه وصوتها يطرق في أذني ... هداك الله ... لا تنسي الصلاه ....
الثامنه صباحا ...
أسمع طرقا غلى الباب ليس موعد ايقاظي ... بكاء .. وأصوات ...ياالهى ماذا جرى ...
لقد تردت حالة نورة وذهب بها أبي الى المستشفى ... انا لله واناا اليه راجعون ..
لا سفر هذه السنه .. مكتوب على البقاء هذه السنه في البيت ..
بعد انتظار طويل ... عند الساعة الواحدة ظهرا .... هاتفنا أبي من المستشفى ... تستطيعون زيارتها الان .....هيا بسرعه .. غير مطمئن وأن صوته متغير ...... عباءتي في يدي ....أين السائق. ركبنا على عجل..
أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه يبدو قصيرا ... ماله اليوم طويل ... وطويل جدا أين ذلك الزحام المحبب الى نفسي كي ألتفت يمنه ويسره .. زحام أصبح قاتلا ومملا ... أمي بجواري تدعوا لها ..انها بنت صالحه ومطيعه .. لم أرها تضيع وقتها أبدا ...
دلفنا من باب المستشفى الخارجي ...
هذا المريض يتأوه .. وهذا مصاب بحادث سيارة ... وثالث عيناه غائرتان .. لا تدري هو من أهل الدنيا أم من أهل الاخرة ...
منظر عجيب لم أره من قبل ..
صعدنا درجات السلم بسرعه ...
انها في غرفة العنايه المركزه ... وساخذكم اليها ... ثم واصلت الممرضه انها في تحسن بعد الغيبوبه التى حصلت لها ...
ممنوع الدخول لاكثر من شخص واحد ...
وسط زحام الاطباء وعبر النافذه الصغيره أرى عيني أختي نورة تنظر لأمي وهي تقف بجوارها .. بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع اخفاء دموعها ...
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها بشرط أن لا أتحدث معها كثيرا... دقيقتين كافيه لك ...
كيف حالك يا نورة ...
لقد كنت بخير مساء البارحه ماذا جرى لك ....
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الان والحمد لله بخير ...
الحمد لله ولكن يدك بارده ..كنت جالسه على حافة السرير ولامست ساقها... أبعدته عني .. اسفه اذى ضايقتك ..كلا ولكني تفكرت في قول الله تعالى .. والتفت الساق بالساق الى ربك يومئذ المساق )عليك ياهناء بادعاء لي فربما استقبل عن قريب أول أيام الاخرة...
سفري بعيد وزادي قليل ....
سقطت دمعة من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .. لم أع أين أنا ...
استمرت عيناي في البكاء ... أصبح أبي خائفا علي أكثر من نوره ... لم يتعودو هذا البكاء والانطواء في غرفتي .
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين ...
ساد صمت طويل في بيتنا ..
دخلت علي ابنه خالتي ... ابنه عمتي ...
أحداث سريعه ..
كثر القادمون ... اختلطت الاصوات ... شيء واحد عرفته ..
نوره ماتت ....
لم أعد أميز من جاء .. ولا أعرف ماذا قالوا ..
يالله ... أين أنا وماذا يجري .... عجزت عن البكاء ... فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي ...
الوداع الاخير ...
واني قبلتها .. لم أعد أتذكر ال اشيئا حين نظرت اليها مسجاه ... على فراش الموت ... تذكرت قولها (والتفت الساق بالساق ) عرفت حقيقة ان ( الى ربك يومئذ المساق )
لم أعرف اني عدت الى مصلاها الا تلك الليله ...
وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمين ..تذكرت من شاركتني همومي .. تذكرت من نفست عني كربتي ... من دعت لي بالهدايه .. من ذرفت دموعها ليالي طويله تحدثني عن الموت والحساب .. الله المستعان ..
هذه أول ليله لها في قبرها .... اللهم ارحمها ونور لها قبرها ... هذا هو مصحفها .. وهذه سجادتها ... بل هذا الفستان الوردي الذي قالت سأخبئه لزواجي ... تذكرتها وبكيت على أيامي الضائعه ....
بكت بكاء متواصلا .. ودعوت الله أن أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني ... دعوت الله أن يثبتها في قبرها .. كما كانت تحب أن تدعوا ...
فجأه سألت نفسي ماذا لو كنت الميته أنا؟ ما مصيري ..؟
لم أبحث عن الاجابه من الخوف الذي أصابني بكيت بحرقه ..
الله أكبر ... الله أكبر .. ها هو أذان الفجر قد ارتفع ... ولكن ماأعذبه هذه المره ...
أحسست بطمأنينه وراحة بال وأنا أردد ما يقوله المؤذن ... لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر ...صليت صلاة مودع ... كما صلتها أختي من قبل وكانت اخر صلاه لها ...
اذا أصبحت لا تنتظر المساء ..
واذا أمسيت لا تنتظر الصباح ..
***********************
سأتلت الدار تخبرني .. عن الاحباب ما فعلو
فقالت لي أناخ القوم .. أياما وقد رحلو
فقلت فأين أطلبهم .. وأي منازل نزلو
فقالت بالقبور وقد ... لقوا والله ما فعلوا
***********************
النهايه ....

وشكرا



(منقول)