أسد الحق
06-11-2002, 04:26 AM
السلام عليكم,
موضوعنا اليوم يتكلم عن الثقافة الوطنية والغزو الثقافي!!!
تعتبر مسألة الثقافة من حيث وجهات النظر المختلفة الموجودة بشأنها من المسائل الأساسية الّتي تحتاج إلى تحقيقات ودراسات جادة حولها. ونظرا لعلاقتها القريبة مع التنمية الأقتصادية والاجتماعية فقد أولاها المفكرون والعلماء أهمية خاصة، لمعرفة تأثيراتها على الأبعاد المختلفة الأخرى للحياة، ومدى تأثرها أيضاً بتلك الأبعاد.
وبالنظر لكونها مصدر الفكر والعمل الجماعي فان الثقافة تتمتع بمواقع مختلفة في المجتمع، لذلك فهي ليست بعيدة عن قضايا التحول والأزمة والهجوم والتخلف وما إلى ذلك من القضايا الّتي يعيشها كل مجتمع في مراحله المختلفة. ومن هنا فأن أي تحول وتطور في الحركة الثقافية يعتبر أمراً طبيعياً ومتوقعاً. وعلى طول التاريخ كان الانحطاط الثقافي ينشأ أحياناً من عوامل خارجية، أي ان اوضاعاً خارجية مصطنعة وضاغطة تقف في مواجهة الثقافات لتؤدي بالتالي إلى ظهور الأزمات في المجتمع. ويمكن ملاحظة النموذج البارز لهذا النوع من التعامل في تاريخ دول العالم الثالث في القرن الأخير خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها بالثقافة الغربية.
ونحن اليوم نعيش في عصر التبدلات والتحولات، والثقافة باعتبارها مظهراً كسائر مظاهر العصر فأنها هي الأخرى تتعرض لتغيرات وتحولات عميقة وسريعة تنجم في معظم الأحيان عن التبادل الثقافي الهائل في أعقاب ثورة الإتصالات وأنتقال المعلومات والأخبار بين مختلف انحاء العالم الذي يمكن القول أنه يشبه حالياً مدينة صغيرة من حيث التبادل الفكري والثقافي حتى لم تعد هناك ثقافة تستطيع العيش بمعزل عن الثقافة الأخرى تؤثر وتتأثر بها. وهكذا أصبح نوع من التواصل والعلاقات بين مختلف المجتمعات في العالم يكون لأي تحول في واحد منها اصداء في سائر المجتمعات.
ان ظهور شبكة الإتصالات الحديثة المتطورة والأقمار الصناعية أدى إلى أيجاد ثغرة للنفوذ في الحدود الثقافية خاصة ثقافات الدول النامية الّتي اصبحت موضع هجوم واندفاع الثقافات الغربية المختلفة، التي أخذت تهدد ثقافات هذه الدول بالتبدل والتغيير. وفي حقيقة الأمر إننا وعلى أعتاب القرن الحادي والعشرين اصبحنا نواجه مشكلة يمكن تسميتها «تصادم الثقافات» وذلك لشدة العلاقات والارتباط الذي يقوم بين مختلف ثقافات العالم. وصحيح ان هذه الحادثة تعطي هذه الثقافة الحركة والنشاط وروحاً جديدة للإستمرار إلاّ أنها تؤدي من جهة أخرى إلى ظهور الأحساس بالحقارة لدى بعض الامم والشعوب عندما ترى نفسها متخلفة في ثقافتها عن سائر الأمم والشعوب. فيدفعها هذا الأحساس إلى تقليد تلك الامم في ثقافتها وخاصة تقليد الثقافات الغربية الّتي تطورت فنياً وتقنياً وتقدمت على ثقافات الشعوب الأخرى من هذه الناحية. وهكذا تفقد دول العالم الثالث الثقة بنفسها تدريجياً وتكون عرضة وفريسة لغيرها من الدول. وقد اثبتت التجربة ان طبقة الشباب الجامعيين الذين درسوا في الدول الأوروبية واطلعوا عن كثب على التطور العلمي والصناعي فيها، هم أكثر الفئات تأثراً بالثقافات الدخيلة على مجتمعاتها الأصيلة ومن ثم قبولا بتلك الثقافات.
والآن هنا يطرح هذا السؤال نفسه وهو ما هو الغزو الثقافي؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الغزو؟ ولكن قبل الإجابة على هذين السؤالين نقدم تعريفاً موجزاً للثقافة وخصوصياتها المختلفة.
تعريف الثقافة :
يعتبر مفهوم الثقافة أحد المفاهيم العامة والشاملة في علم الاجتماع وقدم لها العلماء والمفكرين تعاريف مختلفة ومتفاوتة نكتفي بالإشارة إلى بعض هذه التعاريف المتداولة.
1- قدم (تايلور) في كتاب (الثقافة الأولية) أول تعريف للثقافة في عام 1871 فقال أن الثقافة عبارة عن: مجموعة العلوم والفنون والأفكار والمعتقدات والأخلاقيات والتعليمات والقوانين والآداب والرسوم وسائر التعليمات والعادات والتقاليد الّتي يكسبها الإنسان باعتباره أحد أفراد الجميع.
2- اعتبر (ريكارت) ان الثقافة تشمل جميع الأمور والشوؤن والمسائل ذات العلاقة بالقيم والمبادئ الإنسانية.
3- قال (صموئيل كينج) في تعريف الثقافة أنها: مجموعة الجهود البشرية من أجل التكيف مع الاجواء الّتي يعيشها وأصلاح شؤون الحياة.
4- قال (روت بند يكت) في عام 1930 وهو يعرف الثقافة: ان الثقافة عبارة عن «قدوة الفكر والتعامل».
وإننا نعتقد ان التعريف الأخير يعتبر من التعاريف المناسبة للثقافة واقربها إلى موضوع المقال هذا. وطبقاً لهذا التعريف فلا يوجد هناك مجتمع من دون ثقافة، لاننا لا نستطيع ان نتصور إنساناً بدون ثقافة، أيا كانت هذه الثقافة وبغض النظر عن ماهيتها. كما لا نستطيع ان نتصور وجود لغة نعبر بها عما في قلوبنا من دون ثقافة.
خصوصيات الثقافة :
أورد علماء الاجتماع خصوصيات كثيرة للثقافة نعرض منها ما يلي بصورة مختصرة.
1- الثقافة عامل لوحدة واتحاد القيم والمبادئ الاجتماعية.
2- الثقافة تنظم سلوك الإنسان وتسيطر على غرائزه.
3- الثقافة تميز المجتمعات عن بعضها البعض.
4- الثقافة قابلة للتغيير.
5- الثقافة تحصل من التعلم.
6- الثقافة حصيلة التجارب والعلوم البشرية الّتي حصلت وتعقدت بمرور القرون والعصور وعبر الأجيال البشرية الكثيرة.
الغزو الثقافي :
الغزو الثقافي عبارة عن فرض الثقافة المتفوقة على الثقافات المنفعلة. وبعبارة أخرى يعني الغزو الثقافي قيام مواجهة بين ثقافة أو عدة ثقافات وبين ثقافة أو عدة ثقافات أخرى، حيث تتأثر الثقافة المستهدفة كثيراً بالثقافة المهاجمة.
ويتوقف كل تأثير أو تأثر وكل نفوذ أو قبول على مجموعة من الظروف والعوامل والخصوصيات الموجودة في كلا الطرفين. وتشبه كيفية المواجهة بين الثقافات، كيفية التعلم في مختلف المراحل العمرية. فكلما كان ذهن المتعلم أكثر خلوا من أشياء قديمة كان أكثر قدرة واستيعاباً للمعلومات الجديدة، كذلك الأمر بالنسبة لأمة أو مجتمع، فكلما كانت ذهنية المجتمع خاوية وفارغة يكون استعداده اكثر لتلقي الأشياء الجديدة واستيعابها. ومن الطبيعي ان لا يكون هناك مجتمع بدون ثقافة، إلاّ ان درجة مقاومة الذهنية الثقافية للمجتمع تتأثر بالمعرفة الثقافية الّتي حصل عليها فيما سبق.
كيف نواجه الغزو الثقافي :
يتكون العالم من عدد كبير من الدول وتضم كل دولة بذاتها عددا كبيراً من المدن والقرى. تعيش فيها أمم ذات أفكار ومعتقدات خاصة. والشيء الذي يميز الأمم عن بعضها البعض هو الثقافة، الّتي هي عبارة عن الفكر والعقيدة وتعامل الناس الذين يعيشون في مكان واحد. ويرتبط ما يقوم به الإنسان في حياته من أعمال بثقافته، كأختيار الملابس الّتي يرتديها وأسلوب الحديث والمشي وتناول الطعام وحتى الضحك والبكاء، حيث تعتبر جميع هذه التصرفات والأعمال جزءاً من ثقافته وتعبيراً عنها.
غير ان الثقافة قابلة للتغيير بمرور الوقت ولا توجد هناك ثقافة صامدة لا تقبل التغيير إلاّ لدى الشعوب الّتي تسعى بجد واخلاص للاحتفاظ بثقافتها. ولكن هذا التغيير يجري بشكل تدريجي، حتى أن الإنسان لا يشعر به في معظم الأحيان. وهكذا الغزو الثقافي أيضاً حيث لا يلمسه الإنسان حتى يمكن اكتشافه في مرحلة معينة والوقوف أمام أنتشاره وتوسعه على خلاف الهجمات العسكرية والاقتصادية والسياسية. ولذلك، ومن أجل صد هذا الغزو يجب تعزيز ثقافة المجتمع وتقوية استحكاماتها وسد الثغرات الموجودة فيها. واعداد الأدوات اللازمة لمواجهة الغزو. ولكن يجب ان نعلم أن صد الغزو الثقافي لا يتم من خلال الاكتفاء بسد النوافذ والشبابيك والثغرات، ذلك لأن التكنولوجيا تجاوزت بكثير حدود النوافذ والشبابيك، ولهذا فان الاكتفاء بسد النوافذ يعتبر بمثابة اغماض العين وعدم الاكتراث بالغزو الثقافي الأمر الذي لا يجدي نفعاً أبداً في صد الغزو الثقافي. واذا كان الأمر كذلك فما هو الحل أذن؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الغزو الذي يعد أكثر تخريباً بكثير من أنواع الغزو الأخرى وما هو التهيؤ الثقافي وكيف يتم حتى أخذ الحديث يتركز عليه باعتباره تدبيراً مؤثراً وحلا لمواجهة الغزو؟
نعتقد ان الاسلوب الأمثل لمواجهة ذلك يتمثل بايجاد (بنك المعلومات الثقافية) وكذلك بتقوية الثقافة الوطنية. وعلى هذا لابد لكل إنسان اذا أراد ان يكون هو ومجتمعه في مأمن من الغزو الثقافي الأجنبي ان يحترم ثقافة بلاده وشعبه ويسعى من أجل اصلاحها وتحسينها وتحصينها، لأن الثقافة الضعيفة تعني ان القواعد الأساسية للبلد تكون عرضة للانهدام والدمار. وتستدعي تقوية وتعزيز الثقافة ان يطّلع أفراد المجتمع على ثقافتهم ويعرفوا نقاط الضعف ونقاط القوة فيها، كما ان عليهم ان يملكوا معلومات كافية عن الثقافات الأخرى حتى يستطيعوا عند الضرورة مواجهة غزو تلك الثقافات لثقافاتهم.
وفي هذا المجال تتحمل الحكومة وخاصة المؤسسات التعليمية والثقافية المسؤولية الأساسية، وذلك من خلال أعداد البرامج التعليمية والتثقيفية المتنوعة، وأطلاع أبناء الشعب على ثقافة البلاد والمجتمع الاصيلة، لأن الجهل بهذه الثقافة لا يساعد على تقويتها وصيانتها، فالثقافة هي أساس المجتمع، وكلما كان الأساس ضعيفاً فأنّ التخطيط والبرمجة في المجالات الأخرى لا تؤدي إلى النتيجة المرجوة.
ان الثقافة تلعب دوراً كبيراً جداً في تكوين شخصية ورؤية وذهنية الأفراد. وبغض النظر عن الخصائص الّتي تحصل للإنسان عن طريق الوراثة، فأنّ النشاطات الثقافية تلعب دوراً أساسياً في تكوين بقية الخصائص. وبما ان أطار شخصية الإنسان يتكون في مرحلة الطفولة وسني الدراسة الأبتدائية، وكذلك لكون الغزو الثقافي أكثر تأثيراً على شخصية الطفل منه على شخصية الكبير، لذا يكون دور الأسرة ودور المؤسسات التعليمية في المرحلتين الدارسيتين الأبتدائية والمتوسطة حساساً جداً في صيانة ثقافة الطفل والحيلولة دون تأثره بثقافة غريبة على المجتمع الذي يترعرع فيه.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان تقوية الثقافة الاصيلة للمجتمع لا يعني عدم الألتفات إلى التحولات الثقافية الجارية هنا وهناك، كما لا يعني نقل الثقافة الأصلية والتقليدية من جيل إلى جيل دون تطوير وتعديل واصلاح، بل لابد من هذا التطوير حتى تكون صالحة لكل جيل وتلبي حاجات المجتمع في كل عصر. فأنّ إيجاد التحولات المطلوبة في الثقافة بين فترة وأخرى يعني ازالة العراقيل الّتي تقف أمام بناء المجتمع في المجالات الأخرى. فالتقدم والتطور الصحيح هو الذي يشمل جميع مرافق الحياة دون استثناء. وبعبارة أوضح وأدق يجب أزالة نقاط الضعف في الثقافة الأصيلة حتّى لا تعرقل التطور في المجالات الأخرى، وتقوية نقاط القوة فيها لكونها عاملا في تحقيق التقدم والتطور في المجالات الأخرى.
مع تحياتى:) :) :)
موضوعنا اليوم يتكلم عن الثقافة الوطنية والغزو الثقافي!!!
تعتبر مسألة الثقافة من حيث وجهات النظر المختلفة الموجودة بشأنها من المسائل الأساسية الّتي تحتاج إلى تحقيقات ودراسات جادة حولها. ونظرا لعلاقتها القريبة مع التنمية الأقتصادية والاجتماعية فقد أولاها المفكرون والعلماء أهمية خاصة، لمعرفة تأثيراتها على الأبعاد المختلفة الأخرى للحياة، ومدى تأثرها أيضاً بتلك الأبعاد.
وبالنظر لكونها مصدر الفكر والعمل الجماعي فان الثقافة تتمتع بمواقع مختلفة في المجتمع، لذلك فهي ليست بعيدة عن قضايا التحول والأزمة والهجوم والتخلف وما إلى ذلك من القضايا الّتي يعيشها كل مجتمع في مراحله المختلفة. ومن هنا فأن أي تحول وتطور في الحركة الثقافية يعتبر أمراً طبيعياً ومتوقعاً. وعلى طول التاريخ كان الانحطاط الثقافي ينشأ أحياناً من عوامل خارجية، أي ان اوضاعاً خارجية مصطنعة وضاغطة تقف في مواجهة الثقافات لتؤدي بالتالي إلى ظهور الأزمات في المجتمع. ويمكن ملاحظة النموذج البارز لهذا النوع من التعامل في تاريخ دول العالم الثالث في القرن الأخير خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها بالثقافة الغربية.
ونحن اليوم نعيش في عصر التبدلات والتحولات، والثقافة باعتبارها مظهراً كسائر مظاهر العصر فأنها هي الأخرى تتعرض لتغيرات وتحولات عميقة وسريعة تنجم في معظم الأحيان عن التبادل الثقافي الهائل في أعقاب ثورة الإتصالات وأنتقال المعلومات والأخبار بين مختلف انحاء العالم الذي يمكن القول أنه يشبه حالياً مدينة صغيرة من حيث التبادل الفكري والثقافي حتى لم تعد هناك ثقافة تستطيع العيش بمعزل عن الثقافة الأخرى تؤثر وتتأثر بها. وهكذا أصبح نوع من التواصل والعلاقات بين مختلف المجتمعات في العالم يكون لأي تحول في واحد منها اصداء في سائر المجتمعات.
ان ظهور شبكة الإتصالات الحديثة المتطورة والأقمار الصناعية أدى إلى أيجاد ثغرة للنفوذ في الحدود الثقافية خاصة ثقافات الدول النامية الّتي اصبحت موضع هجوم واندفاع الثقافات الغربية المختلفة، التي أخذت تهدد ثقافات هذه الدول بالتبدل والتغيير. وفي حقيقة الأمر إننا وعلى أعتاب القرن الحادي والعشرين اصبحنا نواجه مشكلة يمكن تسميتها «تصادم الثقافات» وذلك لشدة العلاقات والارتباط الذي يقوم بين مختلف ثقافات العالم. وصحيح ان هذه الحادثة تعطي هذه الثقافة الحركة والنشاط وروحاً جديدة للإستمرار إلاّ أنها تؤدي من جهة أخرى إلى ظهور الأحساس بالحقارة لدى بعض الامم والشعوب عندما ترى نفسها متخلفة في ثقافتها عن سائر الأمم والشعوب. فيدفعها هذا الأحساس إلى تقليد تلك الامم في ثقافتها وخاصة تقليد الثقافات الغربية الّتي تطورت فنياً وتقنياً وتقدمت على ثقافات الشعوب الأخرى من هذه الناحية. وهكذا تفقد دول العالم الثالث الثقة بنفسها تدريجياً وتكون عرضة وفريسة لغيرها من الدول. وقد اثبتت التجربة ان طبقة الشباب الجامعيين الذين درسوا في الدول الأوروبية واطلعوا عن كثب على التطور العلمي والصناعي فيها، هم أكثر الفئات تأثراً بالثقافات الدخيلة على مجتمعاتها الأصيلة ومن ثم قبولا بتلك الثقافات.
والآن هنا يطرح هذا السؤال نفسه وهو ما هو الغزو الثقافي؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الغزو؟ ولكن قبل الإجابة على هذين السؤالين نقدم تعريفاً موجزاً للثقافة وخصوصياتها المختلفة.
تعريف الثقافة :
يعتبر مفهوم الثقافة أحد المفاهيم العامة والشاملة في علم الاجتماع وقدم لها العلماء والمفكرين تعاريف مختلفة ومتفاوتة نكتفي بالإشارة إلى بعض هذه التعاريف المتداولة.
1- قدم (تايلور) في كتاب (الثقافة الأولية) أول تعريف للثقافة في عام 1871 فقال أن الثقافة عبارة عن: مجموعة العلوم والفنون والأفكار والمعتقدات والأخلاقيات والتعليمات والقوانين والآداب والرسوم وسائر التعليمات والعادات والتقاليد الّتي يكسبها الإنسان باعتباره أحد أفراد الجميع.
2- اعتبر (ريكارت) ان الثقافة تشمل جميع الأمور والشوؤن والمسائل ذات العلاقة بالقيم والمبادئ الإنسانية.
3- قال (صموئيل كينج) في تعريف الثقافة أنها: مجموعة الجهود البشرية من أجل التكيف مع الاجواء الّتي يعيشها وأصلاح شؤون الحياة.
4- قال (روت بند يكت) في عام 1930 وهو يعرف الثقافة: ان الثقافة عبارة عن «قدوة الفكر والتعامل».
وإننا نعتقد ان التعريف الأخير يعتبر من التعاريف المناسبة للثقافة واقربها إلى موضوع المقال هذا. وطبقاً لهذا التعريف فلا يوجد هناك مجتمع من دون ثقافة، لاننا لا نستطيع ان نتصور إنساناً بدون ثقافة، أيا كانت هذه الثقافة وبغض النظر عن ماهيتها. كما لا نستطيع ان نتصور وجود لغة نعبر بها عما في قلوبنا من دون ثقافة.
خصوصيات الثقافة :
أورد علماء الاجتماع خصوصيات كثيرة للثقافة نعرض منها ما يلي بصورة مختصرة.
1- الثقافة عامل لوحدة واتحاد القيم والمبادئ الاجتماعية.
2- الثقافة تنظم سلوك الإنسان وتسيطر على غرائزه.
3- الثقافة تميز المجتمعات عن بعضها البعض.
4- الثقافة قابلة للتغيير.
5- الثقافة تحصل من التعلم.
6- الثقافة حصيلة التجارب والعلوم البشرية الّتي حصلت وتعقدت بمرور القرون والعصور وعبر الأجيال البشرية الكثيرة.
الغزو الثقافي :
الغزو الثقافي عبارة عن فرض الثقافة المتفوقة على الثقافات المنفعلة. وبعبارة أخرى يعني الغزو الثقافي قيام مواجهة بين ثقافة أو عدة ثقافات وبين ثقافة أو عدة ثقافات أخرى، حيث تتأثر الثقافة المستهدفة كثيراً بالثقافة المهاجمة.
ويتوقف كل تأثير أو تأثر وكل نفوذ أو قبول على مجموعة من الظروف والعوامل والخصوصيات الموجودة في كلا الطرفين. وتشبه كيفية المواجهة بين الثقافات، كيفية التعلم في مختلف المراحل العمرية. فكلما كان ذهن المتعلم أكثر خلوا من أشياء قديمة كان أكثر قدرة واستيعاباً للمعلومات الجديدة، كذلك الأمر بالنسبة لأمة أو مجتمع، فكلما كانت ذهنية المجتمع خاوية وفارغة يكون استعداده اكثر لتلقي الأشياء الجديدة واستيعابها. ومن الطبيعي ان لا يكون هناك مجتمع بدون ثقافة، إلاّ ان درجة مقاومة الذهنية الثقافية للمجتمع تتأثر بالمعرفة الثقافية الّتي حصل عليها فيما سبق.
كيف نواجه الغزو الثقافي :
يتكون العالم من عدد كبير من الدول وتضم كل دولة بذاتها عددا كبيراً من المدن والقرى. تعيش فيها أمم ذات أفكار ومعتقدات خاصة. والشيء الذي يميز الأمم عن بعضها البعض هو الثقافة، الّتي هي عبارة عن الفكر والعقيدة وتعامل الناس الذين يعيشون في مكان واحد. ويرتبط ما يقوم به الإنسان في حياته من أعمال بثقافته، كأختيار الملابس الّتي يرتديها وأسلوب الحديث والمشي وتناول الطعام وحتى الضحك والبكاء، حيث تعتبر جميع هذه التصرفات والأعمال جزءاً من ثقافته وتعبيراً عنها.
غير ان الثقافة قابلة للتغيير بمرور الوقت ولا توجد هناك ثقافة صامدة لا تقبل التغيير إلاّ لدى الشعوب الّتي تسعى بجد واخلاص للاحتفاظ بثقافتها. ولكن هذا التغيير يجري بشكل تدريجي، حتى أن الإنسان لا يشعر به في معظم الأحيان. وهكذا الغزو الثقافي أيضاً حيث لا يلمسه الإنسان حتى يمكن اكتشافه في مرحلة معينة والوقوف أمام أنتشاره وتوسعه على خلاف الهجمات العسكرية والاقتصادية والسياسية. ولذلك، ومن أجل صد هذا الغزو يجب تعزيز ثقافة المجتمع وتقوية استحكاماتها وسد الثغرات الموجودة فيها. واعداد الأدوات اللازمة لمواجهة الغزو. ولكن يجب ان نعلم أن صد الغزو الثقافي لا يتم من خلال الاكتفاء بسد النوافذ والشبابيك والثغرات، ذلك لأن التكنولوجيا تجاوزت بكثير حدود النوافذ والشبابيك، ولهذا فان الاكتفاء بسد النوافذ يعتبر بمثابة اغماض العين وعدم الاكتراث بالغزو الثقافي الأمر الذي لا يجدي نفعاً أبداً في صد الغزو الثقافي. واذا كان الأمر كذلك فما هو الحل أذن؟ وكيف يمكن مواجهة هذا الغزو الذي يعد أكثر تخريباً بكثير من أنواع الغزو الأخرى وما هو التهيؤ الثقافي وكيف يتم حتى أخذ الحديث يتركز عليه باعتباره تدبيراً مؤثراً وحلا لمواجهة الغزو؟
نعتقد ان الاسلوب الأمثل لمواجهة ذلك يتمثل بايجاد (بنك المعلومات الثقافية) وكذلك بتقوية الثقافة الوطنية. وعلى هذا لابد لكل إنسان اذا أراد ان يكون هو ومجتمعه في مأمن من الغزو الثقافي الأجنبي ان يحترم ثقافة بلاده وشعبه ويسعى من أجل اصلاحها وتحسينها وتحصينها، لأن الثقافة الضعيفة تعني ان القواعد الأساسية للبلد تكون عرضة للانهدام والدمار. وتستدعي تقوية وتعزيز الثقافة ان يطّلع أفراد المجتمع على ثقافتهم ويعرفوا نقاط الضعف ونقاط القوة فيها، كما ان عليهم ان يملكوا معلومات كافية عن الثقافات الأخرى حتى يستطيعوا عند الضرورة مواجهة غزو تلك الثقافات لثقافاتهم.
وفي هذا المجال تتحمل الحكومة وخاصة المؤسسات التعليمية والثقافية المسؤولية الأساسية، وذلك من خلال أعداد البرامج التعليمية والتثقيفية المتنوعة، وأطلاع أبناء الشعب على ثقافة البلاد والمجتمع الاصيلة، لأن الجهل بهذه الثقافة لا يساعد على تقويتها وصيانتها، فالثقافة هي أساس المجتمع، وكلما كان الأساس ضعيفاً فأنّ التخطيط والبرمجة في المجالات الأخرى لا تؤدي إلى النتيجة المرجوة.
ان الثقافة تلعب دوراً كبيراً جداً في تكوين شخصية ورؤية وذهنية الأفراد. وبغض النظر عن الخصائص الّتي تحصل للإنسان عن طريق الوراثة، فأنّ النشاطات الثقافية تلعب دوراً أساسياً في تكوين بقية الخصائص. وبما ان أطار شخصية الإنسان يتكون في مرحلة الطفولة وسني الدراسة الأبتدائية، وكذلك لكون الغزو الثقافي أكثر تأثيراً على شخصية الطفل منه على شخصية الكبير، لذا يكون دور الأسرة ودور المؤسسات التعليمية في المرحلتين الدارسيتين الأبتدائية والمتوسطة حساساً جداً في صيانة ثقافة الطفل والحيلولة دون تأثره بثقافة غريبة على المجتمع الذي يترعرع فيه.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان تقوية الثقافة الاصيلة للمجتمع لا يعني عدم الألتفات إلى التحولات الثقافية الجارية هنا وهناك، كما لا يعني نقل الثقافة الأصلية والتقليدية من جيل إلى جيل دون تطوير وتعديل واصلاح، بل لابد من هذا التطوير حتى تكون صالحة لكل جيل وتلبي حاجات المجتمع في كل عصر. فأنّ إيجاد التحولات المطلوبة في الثقافة بين فترة وأخرى يعني ازالة العراقيل الّتي تقف أمام بناء المجتمع في المجالات الأخرى. فالتقدم والتطور الصحيح هو الذي يشمل جميع مرافق الحياة دون استثناء. وبعبارة أوضح وأدق يجب أزالة نقاط الضعف في الثقافة الأصيلة حتّى لا تعرقل التطور في المجالات الأخرى، وتقوية نقاط القوة فيها لكونها عاملا في تحقيق التقدم والتطور في المجالات الأخرى.
مع تحياتى:) :) :)