المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المهرج والحكيم



قوت القلوب83
09-11-2002, 01:31 AM
المهرج والحكيم

قال المهرج للحكيم: لقد تجاوزت يا سيدي الحكيم، اليوم مع أحد الأشخاص، فهل تأذن لي أن أستشيرك في هذه المسألة؟

قال الحكيم باسماً: تستشيرني بعد أن فعلتها وانتهى الأمر؟
قال المهرج: عفواً ... لا تؤاخذني. فما قصدت أن أستشيرك في الفعل أو عدمه. ولعلي أخطأت التعبير. إذا كان ينبغي أن أقول: هل تأذن لي أن أسألك فيما إذا كنت قد أخطأت بهذا التجاوز أم أصبت؟

قال الحكيم : أما الآن فنعم . تفضل.
قال المهرج: لقد كنت اليوم في مجلس، فوصف أحدهم نفسه بأنه (( مشروع حمار غير مكتمل)). فسارعت على الفور وقلت له: بل أن أنت مكتمل تماماً ياسيدي، ومتقن غاية الإتقان، فظننّي أثني عليه أو أصفه بالكمال، ولم ينتبه إلى الغمزة التي وجهتها إليه.

ضحك الحكيم وقال: ويلك . وكيف سمحت لنفسك بهذا؟
قال المهرج: لأنه تجاوز حدوده، بشكل سيء فعالجته بالمثل.
قال الحكيم: وكيف تجاوز حدوده، وهو إنما يتحدث عن نفسه، ولم يسيء إلى أحدٍ غيره؟ ولعله كان يتواضع.

قال المهرج: لقد تجاوز حدود الأدب مع ربه ياسيدي الحكيم... ربه الذي خلقه فسواه فعدله. جاهلاً أو متجاهلاً. أن الله إنما يخلق مخلوقات مكتملة حسنة الصنع، ولا يخلق مشروعات تامةّ أو ناقصة. وقد أحسن كل شيء خَلَقَه. هذه واحدة.
قال الحكيم: والثانية؟

قال المهرج: الثانية هي أنه قلل من كرامة نفسه بوصفه إنساناً كرمه الله، حين زعم عن نفسه أنه مشروع حمار. فما راعى قول ربه عزوجل: } ولقد كرمنا بني آدم... { . ولا راعى قول الشاعر: ومن لا يكرم نفسه لا يُكرّم.
ولا راعى قول الشاعر الاخر: إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ... هواناً بها كانت على الناس أهوانا.
وهذه هي الثانية.

قال الحكيم: وما الثالثة؟
قال المهرج: الثالثة ياسيدي الحكيم، هي أنه لم يكن يتواضع، كما ظننت أنت قبل قليل، بل كان بسوق كلامه في معرض بعيد كل البعد عن التواضع. أي في سياق هو أقرب إلى الكبر والخيلاء، منه إلى التواضع. ولعلك تعرف مثل هذا النوع من التواضع المزيف. وقد مرت بي حالات من هذا التواضع كنت أحس فيها بالمقت تجاه هذا الطراز من الناس. حتي إنني استعذت مرة بالله، من أحد هؤلاء المتواضعين المزيفين.
قال الحكيم : كيف؟

قال المهرج: كان ذلك المخلوق يتحدّث عن نفسه بعنجهية شديدو، وتعاٍ وتعجب، ويذكر فضائله، ومزاياه، وإنجازاته، ومواهبه، وملكاته.. وكلما أراد أن يذكر ميزة عن لنفسه، أو فضيلة، أو موهبة، قال: أنا، وأعوذ بالله من كلمة انا..
وحين وجدت نفسي عاجزاً عن تحمل غلظته وسماجته، قلت له بعد أن كرر جملته (( أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا))...

قلت له: (( أجل، ومن صاحبها)). فنظر إلي شزراً، وصمت قليلاً ثم تابع كلامه في إطراء نفسه. لأنه لم يرد أن يشغل نفسه بالرد على كلامي، فيضيع على نفسه فرصة الحديث عن المزيد من مواهبه أمام الحاضرين.

قال الحكيم باسماً: ويحك .. أردت أن تسألني فيما إذا كنت قد أخطأت أم أصبت، وها أنت ذا تنبهني إلى أمور لم تكن تخطر على بال.

قال المهرج: بل هذه الأمور هي من منسياتك يا سيدي الحكيم. وما أنا إلا تلميذ صغير في حضرتك، والفرق بيني وبينك، هو أنك مشغول بالأفكار العامة، التي يغلب عليها التجرد في كثير من الأحيان... بينما أنا أتابع الإهتمامات الصغيرة، والأفكارالصغيرة التي، التي تنبثق من واقع الناس والحياة.

قال الحكيم متفرساً في وجه المهرج: أخشى ياعزيزي المهرج، أن تكون ملاحظاتك وآرائك حول البشر، قد بدأت تدعوني إلى تغيير بعض قناعاتي في العزلة والعيش مع الأفكار المجردة. وربما أجد نفسي ذات يوم قد تبنيت الشعار القائل:(الحكمة تكمن في تأمل بني الإنسان، لا في تأمل الجدران)).

أعتذر إذا كان الموضوع طويل

ولكن هذا للفائدة

والسلام ختام;-)

Chad
09-11-2002, 06:13 AM
شكرا ليكي أختي قوت على الموضوع الحلو:-)

][ النورس ][
10-11-2002, 12:53 PM
شكررررررررررررررررررررررررررا




قوت على تلك القصة الجميلة



والحكمة الراااااائعه




النــــورس;-)

قوت القلوب83
11-11-2002, 05:26 AM
العفو يا لوسي

وحياج الله


العفو يا A.J

ومشكور على ردك الأحلى



العفووووووووووووو

وشكراً على الرد الأجمل


والسلام ختام;-)

مهند الريس
11-11-2002, 04:38 PM
حكم رائعة وكاتبتها اروع

شكرا لكي اختي العزيزة قوت القلوب على هذه القصة الجميله المفيدة

متمنيا لكي دوام التقدم والتوفيق




اخوكي مهند الريس

قوت القلوب83
13-11-2002, 04:27 AM
العفو أخوي مهند

وهذا من بعض ماعندكم

والسلام ختام