المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ عبد الحميد كشك : قيثارة الدعوة إلى الله



Phoenix
30-11-2002, 08:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ..

يسميها الخواجات " كاريزما " وأسميها ظاهرة .. أعني تلك الموهبة التي يتمتع بها شخص من الأشخاص ، فتجعل الأنظار تستشرفه ، والقلوب تهفو إليه ، ويصير بين الآخرين فذًا ، يصعب اللحاق به ، وإدراك شأوه ، رغم كونه شخصـًا عاديـًا.. بل ربما كان أقل من الآخرين في إمكاناته الجسدية .. لكنّ ربّك الوهاب سبحانه يكرم من يشاء بما شاء ، ويهب من يشاء ما يشاء ، ليكون رجلاً أمة ، أو رجلاً ظاهرة : الرافعي ـ رحمه الله ـ كان لغويـًا ظاهرة ، سيد قطب مفكر ظاهرة ، الألباني محدث ظاهرة ، وعبد الحميد كشك خطيب ظاهرة .

عبد الحميد كشك ذلك الكفيف ، الأحدّ بصيرة من المبصرين ، الأثبت قلبـًا من عشرات الرجال "الإكس لارج"، العفيف الذي ترفّع على الفلوس والمغريات ، ورفض عشرات المرات أن يغادر عرينه ، ليبقى مدافعـًا عن الإسلام ، وعن مصر ، من كل تزييف ودنس ، محذرًا من كل تلوث فكري ، أو تجرثم عقيدي ، يسرّبه إليه مهربو الأفكار المخدرة ، وتجار الممنوعات العقلية المدمرة .

هابه الساسة فقيدوه ، وخشيه المفكرون فحملوا عليه وسبّوه، وعيروه بعماه وضعف حاله ، فما قابل التعيير إلا بالاستعلاء الذي تجذّر في نفسه من دينه وعقيدته ومروءة نفسه .. وصبر ـ رحمه الله ـ على ما أوذي وجوبه وكُذّب حتى لقي ربه سبحانه ساجدًا مسبحـًا ، ويا لها من ميتة يبعثه الله عليها مسبحـًا ساجدًا يوم القيامة.

قال عنه جيلز كيبل رجل المخابرات الفرنسي: " نجح كشك في إعادة رسالة المسجد في الإسلام ، حيث تحول مسجده في عين الحياة بحدائق القبة إلى خلية نحل ، تكتظ بحشود المصلين الضخمة ، الذين يضيق بهم المسجد ، فيفترشون الحصير في الشوارع المحيطة .

وقال عنه محيي الدين عبد الحليم عميد كلية الإعلام بالأزهر: أسهم بفاعلية واقتدار في جذب الجماهير ، واستمالتهم ، وأرسى منهجـًا في الخطابة جديرًا بالبحث والدراسة ، وتناول مختلف الأمور التي تشغل تفكير المسلم في يومه وغده ، متحملاً أعباء جسيمة في سبيل الرسالة التي اضطلع بها ، وتحمل كراهية المسؤولين ، والكثير من عنت السلطة .. وأثبت أن خطبة الجمعة لا تقل أهمية عن وسائل الإعلام المعاصرة كافة ، بل تتفوق عليها جميعـًا .

كان يرفع صوته المميز " بلوازمه ، فتنشقّ حلوق المصلين خلفه ، مجيبين نداءاته مهما أطال التكرار : إذا بُليت بظالم فقل : يا الله .. وحّدوا من لا يغفل ولا ينام .. يا حُماة الإسلام ويا حراس العقيدة .. هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم .

ويتفاعل المصلون مع " لازماته " فتقشعر جلودهم ، وتعلو أصواتهم ، وتتتابع دموعهم .. فقد كان قادرًا على الالتحام بهم ، وإشعال مشاعرهم .

كانت به شفافية ، لم يغيبها فقده للبصر ، حتى إنه ليحس بما لا يحس به المبصرون : كان يخطب ذات جمعة فتوقف فجاة وقال : افسحوا للجنازة .. لم يخبره أحد ، بل كان منشغلاً بالخطبة ، مستغرقـًا في ترتيب أفكارها .. لكن قلبه يقظٌ نبهان.

وإذا كان الناس يتحدثون عن خطبـاء لهم جاذبية جماهرية منذ شيشرون الروماني Cicro ، وقس بن ساعدة العربي، وأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه .. فلا شك أن عبد الحميد كشك كان من الخطباء المميزين ، الذين أثروا في أهل زمانهم ـ محبين وشانئين ـ بعد أن صار لسان العامة في مصر ، يسمعون خطبه في البيوت ، وعلى المقاهي ، وعلى " نَقْلة الشراقي " وفي الطريق من الغيط وإليه، وعبر ألوف التاكسيات " البيجو " التي تجوب أنحاء القطر صبح مساء .

لم يكن مجرد حنجرة قوية ، بل كان ـ رحمه الله ـ رجل مواقف، يجهر برأيه مهما انفرد به ، لا يخاف لومة لائم ، ولا يعمل حسابـًا للنازلات القارعات .. وكم له من مواقف سياسية واجتماعية صارمة وصريحة .. وكم تصدى للتيار الرسمي ، واصطدم صراحةً بالمسؤولين ، بسبب رفضه لكامب ديفيد ، وظل سوطـًا لاهبـًا على ظهور مرتكبي المخالفات الاجتماعية والإعلامية والفنية .

وانتقد كثيرين من أصحاب المواقع المهمة والأقلام المؤثرة ، دون تهيّب أو مواربة .. وكانت مواقفه هذه عربون رواج أشرطته التي انتشرت أكثر من انتشار الصحف المزوّقة ، والمجلات الملونة ، وكاسيتات التهريج الفني التي بثت السخافة والخدَر ، وبلغت أشرطته التي عبأها أكثر من الألفين عدًا ، لم يخدمها في التوزيع والانتشار غير نبرة الصدق في الأداء ، والصدق في العاطفة ، والصدق في المواقف ، والصدق في النصيحة ـ والله حسيبه ـ لم يخدمها أكثر من بركة الغيرة على الإسلام ، والحمية للأخلاق ، والنفور من السقوط والهبوط والإسفاف .

لذلك كان لا بد أن يتوقف ، وأن يكف عن الثرثرة و " وجع الرأس " .. وكالسيف الحبيس في غمده حُبس جسده شهورًا أواخر سنة 1981م ، وأوائل سنة 1982م ، ثم حبس لسانه ، وأُصمت قسرًا لمدة أربعة عشر عامـًا متواصلة .. كان خلالها أشبه بمن استؤصلت أحباله الصوتية ، بطائر غرّيد ربطوا منقاره ليكف عن التسبيح الجميل .. صادروا أجمل ما فيه .. وهل في الداعية أجمل من الصوت ؟! وهل يملك أكثر من البلاغ ؟ فإذا منع من البلاغ فماذا بقي له ؟!

كان رحمه الله متعففـًا ، ولا أزكيه على الله ، يصرّ على عدم مبارحة شقته ومسجده إلا للدعوة إلى الله تعالى في الداخل ـ مهما كانت ظروفه المالية ـ كأنه لن " يلعلع " إلا في مسجده وبين جمهوره .. لا يستبدل بهم جمهورًا آخر ، ولا يريد لتغريده فضاء آخر .. ضاقت به الظروف جدًا في بعض الفترات حتى إنه ـ كما سمعت من صديقه الدكتور رشدي إبراهيم رحمه الله - لم يكن في بيته إلا التمر والماء .. يعيش عليها نهارَه وليله ـ وهو المريض بالسكر ـ مع أن كثيرين عرضوا عليه المساعدة ، ومع أن سبلاً كثيرة كانت مفتّحة أمامه للكسب : العمل في الخارج ، والتسجيلات الإذاعية والتليفزيونية ، ومع ذلك كان يأبى بشدة .. وقد جربت ذلك بنفسي .. ففي نهاية عام 1989م كنت في القاهرة ، وحاولت الاستفادة من وجودي هنالك بمقابلة بعض العلماء الكبار والتسجيل معهم للتليفزيون حول بعض القضايا التي طرحت بعد ذلك في برنامج " الإسلام وقضايا العصر " الذي ضم كبار علماء العالم الإسلامي ، وفاز بالجائزة الذهبية في المهرجان الأول للتليفزيون الخليجي .. وطلبت الشيخ هاتفيـًا أرجوه المشاركة في البرنامج بجانب الشيوخ الأجلاء : الشعراوي ، والغزالي ، وصلاح أبو إسماعيل ـ رحمهم الله جميعا رحمة واسعة ـ فرد عليَّ بأدب شديد ـ وبحزم شديد أيضـًا ـ بأنه لا يتعامل مع أي تليفزيون على الإطلاق ، وحاولت ترغيبه وتعطيف قلبه بشتى الطرق ، لكنه صمم على الرفض، وعلمي أنه ظل يتهرب من الكاميرات حتى مات ، في وقت يلهث الكثيرون للجلوس خمس دقائق أمام الأضواء لاستعراض كرافتة جديدة ، أو ساعة يد مهداة " .

لكن هل مات عبد الحميد كشك حقـًا ؟

هل مات من ترك وراءه ألفي شريط كاسيت مليئة بالحماسة والغيرة والعلم الذي ينفع الله به الناس ؟

هل مات من ترك وراءه 115 كتابـًا وملايين المعجبين ؟

هل مات من خلف وراء ظهره تاريخـًا ممتدًا من الدعوة والجهاد في سبيل الله ؟!

رحم الله الشيخ كشك ، وقبله عنده في المرضيين .. قولوا : آمين


من الشبكة الإسلامية : www.islamweb.net

Phoenix
04-12-2002, 06:13 AM
و هذه وصلة تحتوي العديد من دروسه :
http://www.islamway.com/bindex.php?section=scholarlessons&scholar_id=39