تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سوا سوا" ... إذاعة تشويش عالهوا !



aseer_plastine
02-12-2002, 11:44 PM
يهتم الأمريكيون كثيرا بقطاع الشباب في الوطن العربي. فالعرب من المجتمعات الفتية جدا مقارنة بغيرها من المجتمعات في العالم، يزداد بينهم عدد الذين لا يتجاوزن الخمسة عشر عاما عن نصف السكان كمتوسط حسب إحصائيات الأمم المتحدة. كما أنّ الأمريكيين يعتبرون أنّ فرصتهم للتأثير على الجيل الذي لم تستقر مفاهيمه السياسية والاجتماعية والفكرية بعد أكبر بما لا يقاس من فرصتهم في التأثير على الأجيال الأكبر سنا. ولذلك، قامت الحكومة الأمريكية بتخصيص موازنة لإنشاء إذاعة موجهة نحو الشاب العربي فقط، من المحيط إلى الخليج، على حد تعبيرها، اسمها " سوا"، هدفها المعلن هو تحسين صورة أمريكا بينهم، وتردد المذيعة بين فقرات برامجها دائماً: "سوا سوا ... إذاعة عالهوا!".

هذه الإذاعة تبث باتجاه الوطن العربي، من عمان، الأردن، على مدار الساعة، وهي تكرر على الهواء أنها ذراع من أذرع الحكومة الأمريكية، كما يؤكد ذلك بوضوح موقع الإذاعة على الإنترنت، فالمسألة لا تحتاج إلى إثبات. ولا بد بالتالي أن نلفت الانتباه إلى خطورة الدور الذي تلعبه هذه الإذاعة الأمريكية الموجهة نحو الشباب العربي، وإلى خطورة الحملة الإعلامية والفكرية التي أفرزتها، وخطورة الجهات الواقفة وراء هذه الحملة.

إذاعة "سوا سوا" تحاول إدخال التغريب الثقافي، لا بل الأمركة، في نسيج العقل الشبابي بطريقة مبتكرة، فهي تذيع أغنية عربية ثم أغنية أمريكية بالتوالي على مدار الساعة. أما نشراتها الإخبارية، فهي قصيرة ومركزة، وتأتي مرة كل نصف ساعة. وسيجد من يتابع هذه النشرات أنّ توجهها السياسي يقوم على التعبئة ضد العراق وإيران وسوريا، وكل من يقف ضد السياسة الأمريكية في المنطقة، على شكل جرعات خفيفة ونقاط سريعة دعائية. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإنّ نشرات الأخبار في إذاعة "سوا سوا" تتعامل معها بدرجة أكبر من الحساسية، محاولة إظهار وإبراز مواقف الحكومة الأمريكية منها بصورة إيجابية مزيفة، دون أن يخفى على المراقب تحيزها الضمني للعدو، كما جاء مثلا في إحدى النشرات، خلال اجتياح مخيم جنين: "قامت قوات الجيش الإسرائيلي بشن هجمات على ناشطين فلسطينيين إثر هجمات انتحارية أودت بحياة عدد من المدنيين الإسرائيليين...". وبالرغم من ذلك، يقدّم هذا التحيز للعدو، أو بالأحرى، تقدّم حجج العدو للجمهور الشبابي العربي، كالسم في الدسم بين الأغاني والسطور، لا كدعاية واضحة المعالم، وهو الأمر الذي يزيد من الخطر الإعلامي لإذاعة " سوا"، فمحاولة التسرب للوعي الشبابي تتم هنا من ثنايا الوجدان بين الأغنيات، لا من خلال أسلوب خطابي أو رسمي أو تقليدي أو حتى عقلي.

المطلوب مقاطعة هذه الإذاعة، ولفت الأنظار إلى مخاطرها على الشباب حيث أمكن. ولكي لا تكون دعوة المقاطعة فارغة ومنفرة للشباب الذين يحبوب سماع الأغاني الغربية، دون أن يعني ذلك أنهم فقدوا هويتهم الوطنية أو انتماءهم الحضاري العربي والإسلامي، أقترح أن يتم توجيه هؤلاء الشباب إلى البدائل الكبيرة المتوفرة لهذه الإذاعة على موجة ال FM، ومنها في الأردن مثلا إذاعة ال إف إم FM الفرنسية التي تنوع بين الأغاني العربية والغربية في إرسالها، مع إعطاء وزن أكبر للأغاني الغربية غير الأمريكية.

"سوا سوا"... إحباط على الهوا! ... حول مقاطعة المنتجات الأمريكية:

مجلة "سوا سوا" تقول إنها مجلة "شبابية شهرية غير عادية"، وهي موجّهة أيضا للجمهور الشبابي وتصدر من عمان منذ أيار/مايو عام 2001، حين خرج عددها الأول إلى حيّز الوجود، ولها مراسل في القاهرة. وقد لفتت هذه المجلة نظري عندما أخذت من جريدة "السبيل" الأسبوعية الأردنية، في عددها الأول، بالتحديد من الصفحات 41 إلى 44، ترجمات قصائد غوردون سيمنر، المعروف باسم ستينغ (Sting) دون الإشارة إلى أنّ المصدر هو "السبيل" كما تقتضي الأمانة الصحفية.

على أية حال، ليس واضحا إن كانت هنالك علاقة بين إذاعة " سوا" ومجلة "سوا سوا" سوى أنّ المتابع للإثنتين سوف يلاحظ أنهما تتبنيان النهج نفسه في تقديم الطرح السياسي بشكل خفيف وناعم بين المواد الفنية والشبابية وغيرها، وأنّ الإثنتين موجهتان لفئة الشباب، وأنّ الإثنتين تحملان الاسم نفسه بالطبع! [وقد اتصلت السيدة دينا زوربا رئيسة تحرير مجلة "سوا سوا" منذ نشر هذا المقال في السبيل مؤكدةً عدم وجود أية علاقة بين المجلة والإذاعة، وأن الأمريكان سرقوا اسم المجلة لإذاعتهم بالرغم من تشددهم المعروف في الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية عندما يتعلق الأمر بهم... وقد آثرت رغماً عن ذلك أن لا أغير شيئاً في هذه المقالة لأنها تعالج الموقف السلبي والمشكك لمقاطعة المنتجات الأمريكية بغض النظر عن هوية من يعبر عنه].

العدد الأخير من مجلة "سوا سوا" أي عدد أيار/مايو 2002، يعالج موضوع مقاطعة منتجات الشركات الأمريكية فيما يعالجه. ويأتي العنوان على الغلاف كما يلي: "شو يعني نقاطع؟" تحت عنوان "حوارات العشاق كذب في كذب". في هذا المقال، يحاول المحررون أن يظهروا موضوعية المعالجة وتوازن الاتجاه في البداية، لكي يخلصوا إلى نتيجة مفادها أنّ مقاطعة المنتجات الأمريكية لا يمكن اعتبارها سلاحا، وأنّها لا تحقق لنا شيئا، وأنها ستضر بالوكلاء المحليين، وأنّ البدائل المحلية غير موجودة، وإلى ما هنالك من حجج خصوم المقاطعة، المقدمة هذه المرة بأسلوب شبابي خفيف وتهكمي، لكنه يكثر اللجوء إلى "خبراء" الاقتصاد على الطريقة الأمريكية، وبالتحديد إلى لعبة الأرقام. وما دام هذا الباب قد فُتح، فإننا نجد لزاما علينا أن نكشف طبيعة هذه اللعبة، مع إدراك الهدف من هذه اللعبة دوما وهو إثارة الإحباط حول جدوى المقاطعة وفوائدها.

مثلا، في معرض تسخيف جدوى المقاطعة ومحاولة إبراز قلة تأثيرها، تقول مجلة "سوا سوا": "تستهلك الولايات المتحدة أكثر من 60% من إنتاجها في داخل أمريكا نفسها، وأقل من

40% يدخل في التجارة الخارجية [أي يصدّر]، ويصل العالم العربي ما يقارب 3.5% من هذا الإنتاج". الصفحة "5".

فلنلاحظ أولا كيف يمكن استخدام الأسلوب نفسه لتقليل شأن المساعدات الأمريكية لدولة العدو. فالمساعدات الأمريكية لدولة العدو، الرسمية والخاصة، المباشرة وغير المباشرة، تصل إلى حوالي عشرة مليارات من الدولارات سنويا. ولكن الدخل القومي الأمريكي هو أكثر من عشرة ترليون دولار سنويا، وبالتالي، باستطاعتنا القول إنّ المساعدات الأمريكية لدولة العدو، بأكبر تقدير لها، لا تساوي أكثر من واحد على الألف من الدخل القومي الأمريكي، وهي لذلك ليست مهمة!! وباستطاعتنا بعد ذلك أن نشير إلى أنّ المساعدات الرسمية الأمريكية لمصر والأردن وغيرها من الدول العربية تصل مجتمعة إلى حوالي نصف المساعدات الرسمية الأمريكية لدولة العدو لكي تقلل من شأن المساعدات الأمريكية لدولة العدو أكثر. وهكذا، إلى أن نصل إلى استنتاج لا عقلاني مفاده أنّ العدو لا يتأثر لو قطعت المساعدات الأمريكية عنه!! وأنّ أمريكا لا تتأثر!!

جوهر لعبة الأرقام هو تصغير وتكبير شأن الرقم قياسا إلى نقطة مرجعية محددة. بالنسبة للمساعدات الأمريكية للدولة العدو مثلا، فالقياس الصحيح لا يكون بالنسبة للدخل القومي الأمريكي، بل للدخل القومي الإجمالي في دولة العدو نفسها. وفي مثل هذه الحالة، ترتفع النسبة من واحد إلى ألف (عند قياسها بالدخل القومي الأمريكي)، إلى واحد من تسعة أو واحد من عشرة، أي حوالي عشرة بالمائة من الدخل القومي في دولة العدو أو أكثر، هذا فضلا عن أنّ المساعدات الأمريكية لدولة العدو هي أكبر من أية مساعدات لأية دولة أخرى

أما بالنسبة للصادرات الأمريكية إلى الوطن العربي، فكذلك الأمر، يجب أن تقاس بالنسبة للاقتصاديات العربية، لأنّ الاقتصاد الأمريكي يبلغ حجما حوالي سبعة عشر ضعف الاقتصاديات العربية مجتمعة، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أنّ الصادرات الأمريكية للوطن العربي غير مهمة، على العكس، حسب موقع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الإنترنت، فإنّ الولايات المتحدة تأتي في المقام الأول أو الثاني أو الثالث من حيث صادراتها إلى الوطن العربي.

فلنأخذ بعض الأسواق العربية الكبيرة مثلا، كالإمارات العربية المتحدة أو السعودية أو مصر، فأمريكا هي ثاني أكبر مصدّر إلى الإمارات، ونسبة المستوردات الأمريكية من مجموع المستوردات الإماراتية هي من ثمانية إلى عشرة بالمائة سنويا. السوق السعودية الكبيرة تأخذ خمسة وعشرين بالمائة من مستورداتها من الولايات المتحدة، حيث إنّ الولايات المتحدة هي أكبر مصدّر للسعودية. أما مصر، فتأخذ أربعة عشر بالمائة من مستورداتها من الولايات المتحدة، حيث إنّ الولايات المتحدة هي ثاني أكبر مصدّر لمصر. المغرب: الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدّر لها بعد دول الاتحاد الأوروبي. الأردن: الولايات المتحدة ثالث أكبر مصدّر لها. وهكذا، فالأسواق العربية مهمة جدا للشركات الأمريكية مع العلم أنّ هذه الشركات تنظر دائما إلى آفاق التوسع المستقبلي، وتحسد منافساتها المحلية وغير المحلية على حصصها السوقية كثيرا.

فلنلاحظ التناقضات المميتة التي تقع فيها مجلة "سوا سوا" وغيرها من أعداء المقاطعة، في هذا السياق، فهي من جهة تقول إنّ المقاطعة للمنتجات الأمريكية غير مؤثرة، وهو ما يخالف الحقائق، ولكنها من جهة أخرى تقول إنّ المقاطعة تضر بالوكلاء المحليين للشركات الأمريكية!! فكيف تضر المقاطعة إذا كانت غير ممكنة وغير مؤثرة على ما يزعمون؟ فهذا يشبه القول إنّ قطع المساعدات الأمريكية عن دولة العدو غير مؤثر!! ولكن فلنفترض جدلا أنّ المقاطعة سوف تضر بالوكلاء المحليين، دون أن تضر بالشركات الأمريكية خلفهم، فكيف يمكن أن يقع هذا الضرر إذا كانت المقاطعة فاشلة مسبقا بحجة عدم وجود بديل محلي؟! من الواضح أنّ أعداء المقاطعة يتخبطون هنا، فهم يعترفون بأنّ المبيعات الأمريكية انخفضت بين ثلاثين وستين بالمائة في السعودية مثلا، حيث أكبر سوق أمريكي في الوطن العربي، ثم يصيحون:"إنّ المقاطعة فاشلة مسبقا، لأنّ لا بدائل للسلع الأمريكية، ولأنّ الحكومات لا تقاطع المنتجات الأمريكية...".

والحقيقة إنّ مقاطعة المنتجات الأمريكية هو الذي يفسح المجال أمام الشركات المحلية والعربية والإسلامية وغيرها كي تزيد من حصصها السوقية، ومن أرباحها وتوظيفها واستثماراتها. فخسائر الوكيل المحلي للمنتج الأمريكي أقل من أرباح المنتج المحلي أو العربي أو الإسلامي البديل له، لأنه يبقي جزءا أكبر من أرباحه في الوطن عوضا عن إرسالها إلى الولايات المتحدة ودولة العدو، إذ ثبت بالملموس أنّ شركات مثل ماكدونالدز، تدفع المال الوفير للصناديق الصهيونية، وباستطاعتكم الذهاب إلى موقع "الصوت العربي الحر" Free Arab Voice للحصول على عنوان الموقع الصهيوني الذي يشكرماكدونالدز على مساهماته. أما موقع "الصوت العربي الحر" فهو (www.freearabvoice.org) [وقد قام الموقع الصهيوني الذي قدم الشكر لماكدونالدز بإزالته مؤخراً، بسبب الإحراج الذي سببه للشركة، بعد أن رآه آلاف الناس] .

ولا يفيد القول هنا إنّ الامتياز الذي يدفعه الوكيل المحلي للشركة الأمريكية قليل، وإنّ الوكيل يساهم بالجزء الأساسي من رأس المال. فلو افترضنا أنّ هذا الامتياز المدفوع هو واحد بالمائة فقط، وهو في الكثير من الحالات أكثر من ذلك، فالواحد بالمائة على مائة مليون دولار، هي مليون دولار، ستذهب نسبة منها مباشرة، أو عبر الحكومة الأمريكية إلى دولة العدو، أي للعدوان على الشعب الفلسطيني، فهذه المنتجات أسوأ من الميتة والخنزير، بل هي كمن يدفع مالا ليأكل لحم أخيه.

الحكومات العربية لا تقاطع نعم، وهي تحاول أن تحبط جهود المقاطعة، لكن الخطأ لا يبرر الخطأ، كما إنّ علينا أن نشجّع الصناعة المحلية والعربية والإسلامية و"العالم ثالثية" حتى لو تخلت الحكومات عن هذه المهمة، وبالحد الذي نستطيعه، فبعض الخير الآن خطوة نحو كل الخير مستقبلا، أي بالاتجاه الصحيح، اتجاه الضغط على الأنظمة والحكومات كي تتجاوب مع مطالب الشعب وحاجات الوطن والأمة.

وعلى أي حال، ليس مطلوبا في هذه اللحظة بالذات من المواطن العربي أن يخترع طائرة أو برنامج حاسوب أو غيره إذا لم يجد غير الأمريكي أمامه، بل المطلوب هو تطبيق شعار بسيط هو: قاطع ما استطعت إلى المقاطعة بديلا. فالمقاطعة نهج ونمط حياة، ونجاح المقاطعة في بعض الحالات هو الذي سيفسح المجال لنشوء حركة مقاطعة سياسية تضغط على الحكومات، وهو الذي سيشجع على إنتاج البدائل للمنتجات الأمريكية. الأمر الذي لا شكّ فيه هو أنّ الشركات الأمريكية خسرت مئات الملايين من الدولارات في الوطن العربي خلال الأشهر الماضية، وهذه رسالة تفهمها الحكومة والشركات الأمريكية الداعمة للعدو أكثر من نغمة التوسل والاستجداء، فهؤلاء لا يفهمون إلا لغة المال والدم.

وعلى أية حال، المسألة ليست سياسية واقتصادية فحسب، بل ثقافية وحضارية، ومقاطعة المنتجات الأمريكية ستكون في المستقبل جزءا لا يتجزّأ من عمليات مقاومة فرض النمط الأمريكي على العالم، لا في الوطن العربي فحسب، بل في العالم بأسره

قاطع أخي المواطن، فالمقاطعة اليوم كصيام المؤمن
د. إبراهيم علوش