المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة من تأليفي (تخيل شجرة بتتكلم)



عــ SAR ــواطف
21-12-2002, 04:52 AM
الحطاب وشجرة الصندل
كعادته كل يوم .. خرج الحطاب من منزله قاصداً الحقل ، حاملاً معه فأساً ومنشاراً وبعض العدة ، وسارع الخطا ؛ فهو يريد الوصول إلى الحقل قبل أن تتوسط الشمس السماء ويزيد الحرُّ فيصبح عمله أكثر مشقة .
ولما وصل الحطاب ، أنزل كيس العدة من فوق ظهره، وتناول الفأس ، وأخذ يتطلع يمنة ويسرة باحثاً عن شجرة مناسبة ليبدأ عمله فيها..
وعثر على شجرة صندل ضخمة نالت إعجابه فاقترب منها ورفع فأسه للأعلى وتأهب لقطعها ، فسمع صوتاً حزيناً يتوسل إليه ويرجوه ألا يفعل .. استدار الحطاب برأسه باحثاً عن مصدر الصوت فلم يجد أحداً ، فعاود رفع الفأس فارتفع الصوت من جديد .. أجال الحطاب بصره في المكان فلم يشاهد أي شخص ، فسأل : من هناك ؟ … من الذي يتكلم ؟
ـ أنا .. أنا أيها الحطاب .
ـ من أنت ؟
ـ أنا شجرة الصندل التي تنوي قطعها .
أصيب الحطاب بالدهشة ، وراح يحملق في الشجرة المنتصبة أمامه وهو غير مصدق بعد أنها هي التي كلَّمته ، ولم يلبث أن أفاق من دهشته واستغرابه وقال : ماذا تريدين أيتها الشجرة ؟
ـ أريدك أن تكف أذاك عني وتتركني وشأني .
ـ ولكنني لا أستطيع ..
ـ لماذا ؟
ـ لأن هذا هو عملي الذي أعيش من ورائه ، فأنا أقطع الأشجار وأبيع أخشابها في السوق .
عادت الشجرة إلى التوسل من جديد : أرجوك أيها الحطاب ، لا تقطع صلتي بهذه الحياة ، دعني أعيش وأتنفس .. أمتص الماء ، وأتمتع بالحياة .
ـ قلت لك لا أستطيع ، وأنت تطلبين مني طلباً شبه مستحيل .
ـ أتوسل إليك ألا تقتلني .. أنا كائن حيّ من حقي أن أعيش وأرى النور .
ـ وأنا أيضاً من حقي أن أمارس عملي بمطلق الحرية لأكسب المال وأعيش .
ـ ولكن ليس على حساب الآخرين .
ـ ماذا تعنين بقولك ( الآخرين ) ؟
ـ أعني نحن معشر الأشجار ..
ـ عجباً لأمرك ! تتحدثين وكأنك من البشر !
ردت الشجرة بثقة واعتزاز : إن فوائدي و فضائلي على البشر أكثر من فضائلهم على بعضهم البعض .
قال الحطاب : كيف ستقنعينني بذلك ؟
ردت الشجرة : بالإضافة إلى جمالي ، وكوني أهم عناصر الطبيعة الخلابة التي تسر العين وتبهج النفس وتزيل الهموم .. فأنا أنقي الهواء من ثاني أكسيد الكربون وأزوده بالأوكسجين ، وأصدّ الرياح المحملة بالأتربة ، و …
ـ وهل ستعطينني درساً في العلوم ؟
ـ لا تقاطعني واستمع لبقية كلامي ؛ حتى تقتنع بفائدتي فأنا _ إلى جانب ما ذكرت _ أثبت التربة وأزيد من خصوبتها و ….
ـ يا إلهي!.. انتقلنا إلى الجغرافيا !
ـ لماذا تعاملني بهذه القسوة ؟
ـ لأنك ثرثارة وكثيرة الكلام وقد عطلتِني عن عملي.. و سأقطعك شئتِ أم أبيتِ .
ـ بعد كل هذا الجدال ، تصرُّ على قطعي ؟
ـ حتى لو اقتنعت بكلامكِ وامتنعت عن قطعك فسيأتي غيري و يقطعك .
ـ وهل هذا منطق ؟ يجب أن تمتنع عن قطعي وتمنع غيرك، و يجب على كل فرد أن يفعل ذلك ، ولكنكم _بني الإنسان _ تضرون أنفسكم دائماً ولا تعرفون مصلحتكم .
ـ كفاك فلسفة ، ودعيني أتابع عملي ..
وبسرعة رفع الحطاب فأسه وهوى به على جذع الشجرة فصرخت مستنجدة ، ولاحظ الحطاب رائحة جميلة فاحت على إثر ضربة الفأس ، وعاود الضرب ، فارتفع صوت الشجرة أكثر، وازدادت رائحة العطر .. وكان كلما ضرب الشجرة ضربة زاد صياحها وزادت الرائحة قوةً ، فقال الحطاب: عجباً ! من أين تأتي هذه الرائحة الذكية ؟
فردَّت الشجرة وهي لا تزال تتألم : من جذعي الذي تمزقه بفأسك .
ـ هل تمزحين ؟
ـ أبداً .. ألم تسمع بالمثل الذي يضرب بي ؟ لقد قيل في الأمثال : كن كشجرة الصندل كلما ضُرِبت بفأس ازدادت عطراً .
قال الحطاب : عدنا إلى الحكم والفلسفة .. صدقيني لن تهمني نصائحك وحكمك ..
وانهمك بعدها في قطع الشجرة ، غير عابئ بآلامها وصرخاتها ، وكان يقول في نفسه : لقد أثارت هذه الشجرة شفقتي .. ولكن عليَّ أن أقطعها ؛ فبعض الأشياء إنما خلقت للعطاء .