المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية اين الزعامات العربية؟



aseer_plastine
21-12-2002, 09:15 AM
يتصرف معظم الزعماء العرب هذه الايام، وكأنهم في اجازة مفتوحة، لا يريدون ان يعرفوا، أو يتعاطوا، مع اي شيء يجري حولهم، وكأن الامر لا يعنيهم من قريب او بعيد، وكأن الحشودات الامريكية والبريطانية المتصاعدة، وما تتضمنه من حاملات طائرات وسفن حربية وطائرات، تأتي من اجل المشاركة في حملة لمكافحة الجراد، او مرض الايدز، أو كرنفال احتفالي بمناسبة اعياد الميلاد، وليس لغزو دولة عربية شقيقة كمقدمة لاحتلالها واعادة رسم خرائط المنطقة وتغيير حدودها وانظمة الحكم وربما الشعوب ايضا.
الامين العام للجامعة العربية، السيد عمرو موسي، يتعرض لحملة سياسية واعلامية شرسة في الكويت، حيث يتوحد الطرفان الرسمي والشعبي في نهش لحمه، والتشكيك في نزاهته، لانه لم يدن الاعتذار العراقي ولم يردح للرئيس صدام حسين بالطريقة التي يريدونها.
المؤلم انه لم تتعاطف دولة عربية واحدة مع امين عام الجامعة، ولم ينبر زعيم عربي واحد، لتنبيه المنخرطين في الحملة ضده ان ما يفعلونه خطأ، فالسيد موسي لم يرتكب أثماً عندما لم يعلق مديناً الاعتذار العراقي، وابسط واجبات منصبه تتطلب التزام الحياد المطلق.
الزمن الذي كانت تقرر فيه الكويت عزل العراق، وتقسيم الناس الي دول المع ودول الضد وبدء المصالحة العربية او تأجيلها، هذا الزمن تغير، لان التقسيمات بشكلها القديم تآكلت، وتحول العرب الي كتلة مهملة غير ذات قيمة، يتقرر مصيرها في واشنطن ومن قبل موظف صغير في البيت الابيض او البنتاغون.

ہ ہ ہ

ومن المفارقة ان قمة الدوحة لزعماء مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في كانون الاول (ديسمبر) عام 1990 اي قبل ايام من ضرب العراق واخراج قواته من الكويت، هي غير قمة الدوحة التي ستبدأ يوم السبت المقـــبل، وربمــــا قبل ايام من احتلال العراق، وقتل مئات الآلاف من ابناء شعبه والغاء هويته العربية بالكامل وربما تقسيمه تحت تسميات شكلية مثل الفدرالية والكونفدرالية.
ففي القمة الاولي كان مجلس التعاون الخليجي موحداً، وكان الزعماء الخليجيون شبابا بكامل صحتهم، يتقاطرون الي الدوحة لاظهار اكبر قدر ممكن من التضامن مع القرار السعودي باستقبال القوات الامريكية، ورصد المليارات لشراء ذمم حكومات عربية واجنبية وحشدها الي جانب العدوان علي العراق، اما القمة الثانية، ولان الكويت غير محتلة، ولان قواعد امريكا اصبحت تتلألأ في الكويت وقطر والبحرين والسعودية، فان الزعماء الخليجيين غير متحمسين للمشاركة فيها، وقرر معظمهم الغياب اما لاسباب مرضية (الشيخ زايد رئيس الامارات، وامير الكويت، والملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية)، او لاسباب سياسية مثل ملك البحرين، والامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي.
الاشقاء في الخليج قدموا الينا مجلس تعاونهم علي انه ناد للتجانس واللحمة السياسية والاقتصادية، وتباهوا علينا بانه الاصلب والاعصي علي الكسر بالمقارنة بالتجمعات العربية الاخري التي لم تعمر طويلاً، وها هي الايام تثبت ان هذا المجلس انهار مثل بيت العنكبوت بسبب برنامج تلفزيوني.
فأي تجمع هذا الذي ينهار بسبب محطة تلفزيونية، واي حكومات هذه التي تسحب سفراءها نظراً لتطاول احد ضيوفها علي هذا الزعيم او ذاك، رغم تحفظنا علي كلمة تطاول هذه المستخدمة في القاموس الرسمي الخليجي.
في المرة الاولي قاطع الامير عبد الله ولي العهد السعودي القمة الاسلامية في الدوحة لان بها مكتباً تجارياً اسرائيلياً، ولم يغير رأيه الا بعد اغلاق المكتب، وكان موقفاً شجاعاً استحق التأييد، ولكنه يقاطع هذه المرة بسبب برنامج تلفزيوني في محطة مشاكسة، الامر الذي يعني ان هذه المحطة نجحت في استفزازه واخراجه عن طوره، بينما لم تستفزه الحملات الاعلامية الامريكية التي طالما اشتكي منها، ولم تدفعه الي سحب قنصل من سفارته في واشنطن.
قطر ارتكبت خطيئة كبري عندما وقعت اتفاق القواعد مع الولايات المتحدة، وتورطت في وضح النهار في المشاركة في عدوان مدمر مقبل علي العراق الشقيق، وكون دول اخري مثل الكويت والبحرين ارتكبت الاثم نفسه لا يعفيها من المسؤولية والمساءلة، وهي تزيد علي هذه الدول بالمجاهرة بالاثم، الامر الذي سيعرضها في يوم ما لاخطار عديدة، داخلية وخارجية.

ہ ہ ہ

الرئيس حسني مبارك، زعيم اكبر دولة عربية أختار ان يوجه انتقاداته الساخرة الي العراق ورئيسه، رغم انه تجاوب مع كل نصائحه، مثل القبول بالقرار 1441 المهين، والتعاون المطلق مع المفتشين الدوليين، وتقديم اعتذار (وان كان منقوصاً واشكالياً) للكويت.
ولم ينطق بكلمة واحدة بخصوص حاملات الطائرات البريطانية والامريكية التي تعبر قناة السويس يومياً نحو مياه الخليج الدافئة استعدادا للعدوان.
كنا نتمني لو ان الرئيس مبارك انتقد العراق وقيادته باقوي الكلمات، ثم اعلن ان مصر ستقف الي جانبه في مواجهة العدوان الذي يستهدفه، وتحذر الولايات المتحدة رسمياً من جراء عواقب سياساتها المتهورة والدموية هذه علي علاقاتها مع مصر، ومصالحها في المنطقة بأسرها.
فاذا كان الرئيس مبارك لا يريد ان يتخذ هذه المواقف من منطلق الاخوة وروابط الدين والقومية والتاريخ المشترك فليفعل ذلك من منطلق المصالح، لان حجم الصادرات المصرية للعراق يزيد علي اربعة مليارات دولار اي نصف مجموع الصادرات المصرية للعالم بأسره، وضعف المساعدات المالية الامريكية السنوية، وهي المساعدات التي طالب كولن باول رئيس مصر بانفاقها علي دعم الديمقراطية.
انها امة في اجازة، زعماء كانوا ام شعوباً، امة مخدرة مغيبة، تسعي الي المقصلة الامريكية وعلي وجهها ابتسامة عريضة بلهاء، تماماً مثلما يحدث للخراف في مسالخ الغرب والشرق
عبد الباري عطوان