aseer_plastine
28-12-2002, 01:12 AM
لا نشكّ مطلقاً بأنّ الحرب الأميركية الغربية على العالم الإسلامي، التي بدأ فصلها الأول في أفغانستان المسلمة .. لا نشكّ بأنها ستنتهي لصالح المسلمين بإذن الله، ويمكن أن تُفضي إلى إقامة دولةٍ إسلاميةٍ قويةٍ موحّدةٍ، تحكم بما أنزل الله، وتعمل على تحقيق وحدة الدول العربية والإسلامية بشكلٍ ما، وتكون أول مهماتها بعد تحكيم منهج الله عز وجلّ في كل شؤون الحياة .. القضاء على الكيان الصهيوني الدخيل، الذي زرعه الغرب الاستعماريّ في قلب عالمنا العربيّ والإسلاميّ، ليكون خنجراً مغروزاً في خاصرة الأمة الإسلامية، ومصدراً للفرقة والتشتّت وسفك الدم، ولإذلال هذه الأمة وإضعافها، واستعبادها، ونهب ثرواتها، والتآمر عليها، وعلى حاضرها ومستقبل أجيالها.
لكن ذلك لن يتحقق في فترةٍ وجيزةٍ كما يظنّ الناس ويأملون، فقد تسبقها حروب عاتية مدمِّرة مع الباطل، تعظم فيها الجراحات والآلام، وتؤدي لإيقاظ المسلمين من سباتهم وغفوتهم .. وكل ذلك مرهون باستثمارهم للأحداث الجارية، وللّتي ستجري وتستمر بشكلٍ لا يدع مجالاً للشكّ أو اللبس، بأنها حرب إبادةٍ قذرةٍ يشنّها علينا الغرب وأميركة وإسرائيل، تستهدف القضاء على كل بذرة خيرٍ غرستها الصحوة الإسلامية في هذه الأمة، للعودة الشاملة إلى الإسلام، وتحرير المسلمين والبشرية كلها من ظلم المناهج الوضعية الباغية!..
العزّة أو الزوال!..
إنّ سنّة (التدافع) التي قدّرها الله عز وجل على البشر، ينبغي أن تسير قُدُماً بين المسلمين من جهة، وأميركة واليهود وحلفائهم من جهةٍ ثانية .. تلك السنّة الإلهية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: من الآية 251)، إذ لم يبقَ من جهةٍ تقف بوجه الطغيان والجبروت الأميركي والغربيّ واليهودي في هذا العالَم، بعد استخذاء القوى العالمية، التي برهنت على أنها ليست سوى قوىً خاويةٍ من العبيد، الذين يُساقون بسلاسل سيّدهم الجبار الصهيونيّ والأميركيّ .. لم يبقَ إلا الإسلام بكل ما يزخر به من قوةٍ روحيةٍ وقدرةٍ فائقةٍ على تفجير الطاقات البشرية، وبُعْدٍ حضاريٍ رفيعٍ، وصلاحٍ ربّانيٍ عادلٍ، بكونه منهجاً وحيداً شاملاً لجوانب الحياة المختلفة، ومحقِّقاً سعادة الإنسان في الدارَيْن: الدنيا والآخرة.
سيجد المسلمون أنهم أمام مصيرَيْن اثنيْن: إما الزوال والاستعباد لأعدائهم، أو النهوض والوحدة وخلع عباءة الضعف والاستخذاء، وبالتالي تحقيق المَنَعَة والعزّة، والتصميم على تقديم منهج الإسلام العادل، بلسماً شافياً لكل ما سبّبته المناهج البشرية الوضعية، من ذلٍّ للإنسان، وعبوديةٍ لغير الله عز وجلّ، وخللٍ وشقاءٍ وظلمٍ وظلامٍ للبشرية.
أفغانستان ساحة (التدافع) الأولى
لو دقّقت أميركة النظر في السبب الأساس الذي أدى إلى سقوط الطغاة والجبّارين والإمبراطوريات عبر التاريخ .. لوجدت أنها وقعت رهينة نفس ذلك السبب: الغرور والارتهان إلى القوّة الغاشمة .. وهل سقط فرعون ونيرون والنمرود وكسرى وقيصر .. وغيرهم، الذين كان آخرهم الاتحاد السوفييتي .. إلا حصائد غرورهم، وما جرّه من ظلمٍ وقهرٍ وشقاءٍ واستعبادٍ لبني الإنسان؟!..
قد تستطيع أميركة (وقد فعلت) تدمير أفغانستان، بمدنـها وقُراها وبواديها ومساجدها وبيوتـها الآمنة ومدارسها ومؤسساتها الرسمية والأهلية .. وقد تستطيع أن تقتل الأطفال والرضّع والعجائز والجَوْعى والبائسين، وتنبش بقنابلها وصواريخها الفتّاكة قبورَ الأموات ومقابر الشهداء .. قد تستطيع أن ترتكب كل تلك الجرائم .. لكن يفوت أميركة أنّ هذا كله لا يدعو إلى الفخر، وأنّ الانتصار الآنيّ بهذا الشكل الإجراميّ الخسيس، الذي يمثل استقواء مَن يملك كل شيءٍ على مَن لا يملك شيئاً بالمعنى الماديّ .. هو الهزيمة بل الفضيحة!.. ويفوت أميركة وحلفاءها أنّ لكلّ فعلٍ ردّ فعلٍ على قَدْره ووزنه، وأنّ الوحشية والظلم والطغيان والقوّة الغاشمة، والاستقواء على مَن تظنّ فيه الضعف .. لن يولّد -عند الإنسان السويّ المؤمن العزيز- إلا المقاومة والجهاد والعمل الجادّ المتميّز، لدحر العدوان وتلقين المعتدي الظالِم الدرس الذي يفهمه!..
لعلّ الحقيقة الوحيدة الثابتة حتى الآن، في الحرب على ما يسمى بالإرهاب التي بدأت في أفغانستان المسلمة، وفي ما نلمسه من نوايا أميركيةٍ خبيثةٍ تجاه العراق والعالَم الإسلاميّ .. هي أنّ أميركة التي انجرّت وراء غرورها وصلفها وتعطّشها للدماء المسلمة، قد تورّطت أيما تورّط، بدءاً من ذلك البلد الأشمّ: أفغانستان، وانتهاءً بكلّ بقعةٍ إسلاميةٍ تخطّط للعدوان عليها وانتهاك حُرُماتها!.. ولم يعد بمقدورها التراجع، وبدأت تحفر قبر إمبراطوريتها الظالمة، بيديها وعمى بصيرتها وسلوكها الأرعن تجاه المسلمين كلهم، الذين سيُجبَرون على المضيّ في سنّة (التدافع)، التي قدّرها الله عز وجل في أرضه، وهو وحده الذي يسيّرها كيف يشاء، ويضع سرّها فيمن يشاء، وينصر فيها دِينه وأنصاره بالشكل الذي يشاء!..
لنتأمّل في المشهد التالي: أميركة تصرف مليارات الدولارات، نفقات حربها في أفغانستان وثمن بقائها في بلدٍ مدمَّرٍ ليس فيه ما يخسره، وستتكبّد لاحقاً خسائر بشريةً نُقدّر أنها ستكون فادحة، لاسيّما حين تنفّذ تهديداتها الظالمة تجاه العراق أو غيره من بلدان العالَم الإسلاميّ .. بينما عملية استشهادية واحدة داخل أميركة، يقوم بها فرد أو أكثر من الذين هالَهُم ذبح أطفالهم ونسائهم، واندثار أبنائهم أمام أعينهم تحت الأنقاض التي تُخلّفها أعمال الحرب والقصف الهمجيّ الأميركيّ .. ستكلّف أميركة وربما الغربَ كله، خسائر معنويةً وماديّةً وبشريةً جسيمة!.. ولنتأمّل كيف ستكون عليه الحالة النفسية لملايين الأميركيين والغربيين، عندما يحصل ذلك طال الزمن أم قَصُر!.. ومَن يمعن النظر في ذيول تفجيرات نيويورك وواشنطن على صعيد الخسارة المادية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية .. فسيجد أنها أفدح بكثيرٍ من مجرّد انهيار بُرجين عملاقين!.. ويكفي أن نعلم أنّ قطاع الطيران وحده، تكبّد من الخسائر ما يقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، فضلاً عن خسارة عشرات الألوف من الموظفين الأميركيين والغربيين وظائفَهم في هذا القطاع الهام!.. ولنقُلْ مثل ذلك عن سندات الأسهم والأسواق المالية وقطاع السياحة .. وغير ذلك!.. نقول هذا والحرب الظالمة على العراق لم تبدأ بعد، فأيّ شقاءٍ تجرّه أميركة على نفسها وشعبها وحلفائها، حين تُصرّ على الغطرسة والعدوان؟!..
فلسطين ساحة التدافع الأهمّ
إذا كانت أفغانستان ستتحوّل إلى بداية مقبرةٍ للإمبراطورية الأميركية بإذن الله، فإنّ فلسطين ستكون مقبرةً لربيبها المدلّل: الكيان الصهيونيّ، ولكل أدوات بقائه واستمراره وإجرامه، وانتهاكه لإنسانية الإنسان على نحوٍ بشعٍ منحطٍّ خسيس .. تلك الأدوات الأميركية والغربية، التي ما زُوِّدَ بها هذا الكيان الصهيونيّ المِسخ.. إلا ليقوم بدوره الإجراميّ نيابةً عن العالَم الغربيّ، الذي صنّعه في مصانع حقده وكُرهه للعرب والمسلمين، وما زال ينفخ فيه الحياة .. لينفّذ مهمّته على أكمل وجه!..
لن يحتاج المتأمّل إلى كثيرٍ من الحصافة والتمعّن وبُعْدِ النظر .. ليكتشف أنّ سنّة (التدافع) الإلهيّة، يسيّرها الله عز وجل بتناغمٍ عجيبٍ مدهش، إذ بعد عامٍ واحدٍ من اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، التي أقضّت مضاجع اليهود والأميركيين الذين يدعمونهم ويمدّونهم بأسباب البقاء والعدوان .. يجد هؤلاء الأميركيون أنفسهم يغرقون في أوحال أفغانستان المسلمة، ويُجَرّون إلى مصيدةٍ إلهيةٍ لم يعد بإمكانهم التراجع عنها، على الرغم من يقينهم بمصير مَن سبقوهم إلى نفس المصيدة وانتهى بهم الأمر إلى الزوال!.. فهنا في فلسطين تستمرّ الانتفاضة المباركة ضد اليهود الصهاينة، وتتأجّج بدماء الشهداء الزكيّة .. وهناك في أفغانستان تستمرّ المقاومة الشجاعة الجريئة، ضد أعتى قوّةٍ عالميةٍ داعمةٍ لليهود الصهاينة ولكيانهم القذر، بعد أن دخلت هذه المقاومة مرحلة حرب العصابات، الفتّاكة بكل غريبٍ طامعٍ محتلٍ غاشم!.. وما بين فلسطين وأفغانستان تصدح مآذن الأقصى الشريف بحُداء: الله أكبر، الذي يوحّد ساحتيْ التدافع، لمجابهة عدوٍ مشتركٍ للإسلام والمسلمين، بجناحيه العاتيين: اليهوديّ الصهيونيّ، والصليبيّ الغربيّ الأميركيّ!.. وما بين هاتيْن الساحتيْن، تستعدّ ساحات أخرى للذود عن دِينها وشرفها وكرامتها، تحت شعار: الله أكبر من الظالمين، الله أكبر من الجبّارين المجرمين، الله أكبر من الحاكمين بغير القرآن العظيم!..
هنا في فلسطين يسير اليهود المجرمون على خطى سياسة الأرض المحروقة، فيقتلون ويسفكون الدم ويخلّفون الخراب والدمار في كل مكان .. وهناك في أفغانستان يقترف الأميركيون المجرمون نفس النوع من الجرائم والانتهاكات، وبنفس الأسلوب، فيقتلون ويدمّرون ويزرعون الخراب، ويتآمرون!.. والضحايا هنا وهناك مسلمون، والمقاومة التي تدفع الأذى والظلم بالجهاد والتضحية والاستشهاد، هي مقاومة مسلمة!.. هذه المقاومة التي تزرع -على تواضعها في هذه المرحلة من عملية التدافع- الرعبَ والذعرَ والخوفَ في قلوب المجرمين اليهود والغربيين، ولا نعتقد أننا بحاجةٍ إلى سرد عشرات الأدلّة على صحة ما نقول!..
هنا في فلسطين تآمرٌ واسعٌ يحاول أصحابه من الأقربين والأبعدين، إطفاء جذوة المقاومة وإزهاق روح الانتفاضة .. وهناك في أفغانستان تآمرٌ آخر من الأقربين قبل الأبعدين، لإخراس صوت الحق الذي تحدّى جبروت الجبارين، وجرَّهُم إلى مأزقٍ لن يخرجوا منه سالمين بإذن الله!.. وهنا وهناك تبقى العصبة المؤمنة والفئة الصادقة ثابتةً على الحق لا تأخذها في الله لومة لائم ولا تآمر منافقٍ تافه، راسخة الإيمان بأنّ الباطل سيزول مهما علا وتجبّر واستكبر، عارفةً حق المعرفة أنّ زواله مرهون بالانخراط في سنّة الله عز وجل: سنّة (التدافع)، لدفع هذا الباطل الظالم بالجهاد والمقاومة والتضحية، وهو الشرط الحقيقي الوحيد لظهور الحق، وعلوّ أنصاره والمؤمنين به والذائدين عن حِياضه!.. لأنه عندئذٍ فقط تُستَكمل شروط استحقاق نصر الله، حيث لا نصر إلا نصره، ولا تأييد إلا تأييده، ولا تمكين إلا تمكينه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (سورة يوسف :110).
محمد بسام يوسف
لكن ذلك لن يتحقق في فترةٍ وجيزةٍ كما يظنّ الناس ويأملون، فقد تسبقها حروب عاتية مدمِّرة مع الباطل، تعظم فيها الجراحات والآلام، وتؤدي لإيقاظ المسلمين من سباتهم وغفوتهم .. وكل ذلك مرهون باستثمارهم للأحداث الجارية، وللّتي ستجري وتستمر بشكلٍ لا يدع مجالاً للشكّ أو اللبس، بأنها حرب إبادةٍ قذرةٍ يشنّها علينا الغرب وأميركة وإسرائيل، تستهدف القضاء على كل بذرة خيرٍ غرستها الصحوة الإسلامية في هذه الأمة، للعودة الشاملة إلى الإسلام، وتحرير المسلمين والبشرية كلها من ظلم المناهج الوضعية الباغية!..
العزّة أو الزوال!..
إنّ سنّة (التدافع) التي قدّرها الله عز وجل على البشر، ينبغي أن تسير قُدُماً بين المسلمين من جهة، وأميركة واليهود وحلفائهم من جهةٍ ثانية .. تلك السنّة الإلهية التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله: (.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة: من الآية 251)، إذ لم يبقَ من جهةٍ تقف بوجه الطغيان والجبروت الأميركي والغربيّ واليهودي في هذا العالَم، بعد استخذاء القوى العالمية، التي برهنت على أنها ليست سوى قوىً خاويةٍ من العبيد، الذين يُساقون بسلاسل سيّدهم الجبار الصهيونيّ والأميركيّ .. لم يبقَ إلا الإسلام بكل ما يزخر به من قوةٍ روحيةٍ وقدرةٍ فائقةٍ على تفجير الطاقات البشرية، وبُعْدٍ حضاريٍ رفيعٍ، وصلاحٍ ربّانيٍ عادلٍ، بكونه منهجاً وحيداً شاملاً لجوانب الحياة المختلفة، ومحقِّقاً سعادة الإنسان في الدارَيْن: الدنيا والآخرة.
سيجد المسلمون أنهم أمام مصيرَيْن اثنيْن: إما الزوال والاستعباد لأعدائهم، أو النهوض والوحدة وخلع عباءة الضعف والاستخذاء، وبالتالي تحقيق المَنَعَة والعزّة، والتصميم على تقديم منهج الإسلام العادل، بلسماً شافياً لكل ما سبّبته المناهج البشرية الوضعية، من ذلٍّ للإنسان، وعبوديةٍ لغير الله عز وجلّ، وخللٍ وشقاءٍ وظلمٍ وظلامٍ للبشرية.
أفغانستان ساحة (التدافع) الأولى
لو دقّقت أميركة النظر في السبب الأساس الذي أدى إلى سقوط الطغاة والجبّارين والإمبراطوريات عبر التاريخ .. لوجدت أنها وقعت رهينة نفس ذلك السبب: الغرور والارتهان إلى القوّة الغاشمة .. وهل سقط فرعون ونيرون والنمرود وكسرى وقيصر .. وغيرهم، الذين كان آخرهم الاتحاد السوفييتي .. إلا حصائد غرورهم، وما جرّه من ظلمٍ وقهرٍ وشقاءٍ واستعبادٍ لبني الإنسان؟!..
قد تستطيع أميركة (وقد فعلت) تدمير أفغانستان، بمدنـها وقُراها وبواديها ومساجدها وبيوتـها الآمنة ومدارسها ومؤسساتها الرسمية والأهلية .. وقد تستطيع أن تقتل الأطفال والرضّع والعجائز والجَوْعى والبائسين، وتنبش بقنابلها وصواريخها الفتّاكة قبورَ الأموات ومقابر الشهداء .. قد تستطيع أن ترتكب كل تلك الجرائم .. لكن يفوت أميركة أنّ هذا كله لا يدعو إلى الفخر، وأنّ الانتصار الآنيّ بهذا الشكل الإجراميّ الخسيس، الذي يمثل استقواء مَن يملك كل شيءٍ على مَن لا يملك شيئاً بالمعنى الماديّ .. هو الهزيمة بل الفضيحة!.. ويفوت أميركة وحلفاءها أنّ لكلّ فعلٍ ردّ فعلٍ على قَدْره ووزنه، وأنّ الوحشية والظلم والطغيان والقوّة الغاشمة، والاستقواء على مَن تظنّ فيه الضعف .. لن يولّد -عند الإنسان السويّ المؤمن العزيز- إلا المقاومة والجهاد والعمل الجادّ المتميّز، لدحر العدوان وتلقين المعتدي الظالِم الدرس الذي يفهمه!..
لعلّ الحقيقة الوحيدة الثابتة حتى الآن، في الحرب على ما يسمى بالإرهاب التي بدأت في أفغانستان المسلمة، وفي ما نلمسه من نوايا أميركيةٍ خبيثةٍ تجاه العراق والعالَم الإسلاميّ .. هي أنّ أميركة التي انجرّت وراء غرورها وصلفها وتعطّشها للدماء المسلمة، قد تورّطت أيما تورّط، بدءاً من ذلك البلد الأشمّ: أفغانستان، وانتهاءً بكلّ بقعةٍ إسلاميةٍ تخطّط للعدوان عليها وانتهاك حُرُماتها!.. ولم يعد بمقدورها التراجع، وبدأت تحفر قبر إمبراطوريتها الظالمة، بيديها وعمى بصيرتها وسلوكها الأرعن تجاه المسلمين كلهم، الذين سيُجبَرون على المضيّ في سنّة (التدافع)، التي قدّرها الله عز وجل في أرضه، وهو وحده الذي يسيّرها كيف يشاء، ويضع سرّها فيمن يشاء، وينصر فيها دِينه وأنصاره بالشكل الذي يشاء!..
لنتأمّل في المشهد التالي: أميركة تصرف مليارات الدولارات، نفقات حربها في أفغانستان وثمن بقائها في بلدٍ مدمَّرٍ ليس فيه ما يخسره، وستتكبّد لاحقاً خسائر بشريةً نُقدّر أنها ستكون فادحة، لاسيّما حين تنفّذ تهديداتها الظالمة تجاه العراق أو غيره من بلدان العالَم الإسلاميّ .. بينما عملية استشهادية واحدة داخل أميركة، يقوم بها فرد أو أكثر من الذين هالَهُم ذبح أطفالهم ونسائهم، واندثار أبنائهم أمام أعينهم تحت الأنقاض التي تُخلّفها أعمال الحرب والقصف الهمجيّ الأميركيّ .. ستكلّف أميركة وربما الغربَ كله، خسائر معنويةً وماديّةً وبشريةً جسيمة!.. ولنتأمّل كيف ستكون عليه الحالة النفسية لملايين الأميركيين والغربيين، عندما يحصل ذلك طال الزمن أم قَصُر!.. ومَن يمعن النظر في ذيول تفجيرات نيويورك وواشنطن على صعيد الخسارة المادية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية .. فسيجد أنها أفدح بكثيرٍ من مجرّد انهيار بُرجين عملاقين!.. ويكفي أن نعلم أنّ قطاع الطيران وحده، تكبّد من الخسائر ما يقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، فضلاً عن خسارة عشرات الألوف من الموظفين الأميركيين والغربيين وظائفَهم في هذا القطاع الهام!.. ولنقُلْ مثل ذلك عن سندات الأسهم والأسواق المالية وقطاع السياحة .. وغير ذلك!.. نقول هذا والحرب الظالمة على العراق لم تبدأ بعد، فأيّ شقاءٍ تجرّه أميركة على نفسها وشعبها وحلفائها، حين تُصرّ على الغطرسة والعدوان؟!..
فلسطين ساحة التدافع الأهمّ
إذا كانت أفغانستان ستتحوّل إلى بداية مقبرةٍ للإمبراطورية الأميركية بإذن الله، فإنّ فلسطين ستكون مقبرةً لربيبها المدلّل: الكيان الصهيونيّ، ولكل أدوات بقائه واستمراره وإجرامه، وانتهاكه لإنسانية الإنسان على نحوٍ بشعٍ منحطٍّ خسيس .. تلك الأدوات الأميركية والغربية، التي ما زُوِّدَ بها هذا الكيان الصهيونيّ المِسخ.. إلا ليقوم بدوره الإجراميّ نيابةً عن العالَم الغربيّ، الذي صنّعه في مصانع حقده وكُرهه للعرب والمسلمين، وما زال ينفخ فيه الحياة .. لينفّذ مهمّته على أكمل وجه!..
لن يحتاج المتأمّل إلى كثيرٍ من الحصافة والتمعّن وبُعْدِ النظر .. ليكتشف أنّ سنّة (التدافع) الإلهيّة، يسيّرها الله عز وجل بتناغمٍ عجيبٍ مدهش، إذ بعد عامٍ واحدٍ من اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة، التي أقضّت مضاجع اليهود والأميركيين الذين يدعمونهم ويمدّونهم بأسباب البقاء والعدوان .. يجد هؤلاء الأميركيون أنفسهم يغرقون في أوحال أفغانستان المسلمة، ويُجَرّون إلى مصيدةٍ إلهيةٍ لم يعد بإمكانهم التراجع عنها، على الرغم من يقينهم بمصير مَن سبقوهم إلى نفس المصيدة وانتهى بهم الأمر إلى الزوال!.. فهنا في فلسطين تستمرّ الانتفاضة المباركة ضد اليهود الصهاينة، وتتأجّج بدماء الشهداء الزكيّة .. وهناك في أفغانستان تستمرّ المقاومة الشجاعة الجريئة، ضد أعتى قوّةٍ عالميةٍ داعمةٍ لليهود الصهاينة ولكيانهم القذر، بعد أن دخلت هذه المقاومة مرحلة حرب العصابات، الفتّاكة بكل غريبٍ طامعٍ محتلٍ غاشم!.. وما بين فلسطين وأفغانستان تصدح مآذن الأقصى الشريف بحُداء: الله أكبر، الذي يوحّد ساحتيْ التدافع، لمجابهة عدوٍ مشتركٍ للإسلام والمسلمين، بجناحيه العاتيين: اليهوديّ الصهيونيّ، والصليبيّ الغربيّ الأميركيّ!.. وما بين هاتيْن الساحتيْن، تستعدّ ساحات أخرى للذود عن دِينها وشرفها وكرامتها، تحت شعار: الله أكبر من الظالمين، الله أكبر من الجبّارين المجرمين، الله أكبر من الحاكمين بغير القرآن العظيم!..
هنا في فلسطين يسير اليهود المجرمون على خطى سياسة الأرض المحروقة، فيقتلون ويسفكون الدم ويخلّفون الخراب والدمار في كل مكان .. وهناك في أفغانستان يقترف الأميركيون المجرمون نفس النوع من الجرائم والانتهاكات، وبنفس الأسلوب، فيقتلون ويدمّرون ويزرعون الخراب، ويتآمرون!.. والضحايا هنا وهناك مسلمون، والمقاومة التي تدفع الأذى والظلم بالجهاد والتضحية والاستشهاد، هي مقاومة مسلمة!.. هذه المقاومة التي تزرع -على تواضعها في هذه المرحلة من عملية التدافع- الرعبَ والذعرَ والخوفَ في قلوب المجرمين اليهود والغربيين، ولا نعتقد أننا بحاجةٍ إلى سرد عشرات الأدلّة على صحة ما نقول!..
هنا في فلسطين تآمرٌ واسعٌ يحاول أصحابه من الأقربين والأبعدين، إطفاء جذوة المقاومة وإزهاق روح الانتفاضة .. وهناك في أفغانستان تآمرٌ آخر من الأقربين قبل الأبعدين، لإخراس صوت الحق الذي تحدّى جبروت الجبارين، وجرَّهُم إلى مأزقٍ لن يخرجوا منه سالمين بإذن الله!.. وهنا وهناك تبقى العصبة المؤمنة والفئة الصادقة ثابتةً على الحق لا تأخذها في الله لومة لائم ولا تآمر منافقٍ تافه، راسخة الإيمان بأنّ الباطل سيزول مهما علا وتجبّر واستكبر، عارفةً حق المعرفة أنّ زواله مرهون بالانخراط في سنّة الله عز وجل: سنّة (التدافع)، لدفع هذا الباطل الظالم بالجهاد والمقاومة والتضحية، وهو الشرط الحقيقي الوحيد لظهور الحق، وعلوّ أنصاره والمؤمنين به والذائدين عن حِياضه!.. لأنه عندئذٍ فقط تُستَكمل شروط استحقاق نصر الله، حيث لا نصر إلا نصره، ولا تأييد إلا تأييده، ولا تمكين إلا تمكينه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (سورة يوسف :110).
محمد بسام يوسف