المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي يغري أمريكا بالاستمرار بهذا الهياج



سيف الأسلام
12-01-2003, 11:59 AM
ما الذي يغري أمريكا بالاستمرار بهذا الهياج

سعيد عبد الرحمن

إن الصورة التي ترى أمريكا نفسها فيها - ويراها فيها كثير من الدول والشعوب - هي صورة عملاق قاهر أخضع كل من حوله لجبروته، وبدأ يتسلى ويتلذذ بتعذيبهم ومطالبتهم بما يمكن وما لا يمكن، وهو منتشٍ سكران لا يبالي بآلام غيره وذلتهم وهوانـهم، بل كل همه أن يمضي بتسليته إلى آخرها، ويعتقد أنه أصبح إلهاً لا يُسأل عما يفعل، وأن ما يقوم به أمر مشروع ولا غبار عليه، ولا يسوغ لأحد أن يسأل عن مسوغاته، أو يناقشه مجرد مناقشة. يلخص هذه الصورة ما أعلنه أحد العاملين في الإدارة الأمريكية حينما سئل عن مدى اتفاق ما تفعله أمريكا مع معتقلي "غوانتانامو" مع مبادئ القانون الدولي؛ حيث قال: "بما أن أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة في العالم؛ فإن على القانون الدولي أن يساعدها على إنجاز ما تريد، لا أن يكون عقبة في سبيلها".
وهذه الصورة التي ترى أمريكا فيها نفسها بالنسبة إلى العالم ومقدراته وأقداره تسوِّقها أجهزة الإعلام في جميع أنحاء العالم، وتنشرها مصحوبة بالتهديد والوعيد، والتضليل ودق الطبول، بعضها يفعل ذلك عن قصد وهي الأكثر والأقوى مادياً وتأثيراً - وهي أجهزة الدعاية الأمريكية - التي تملك رقابـها الصهيونية، والمسيحية الصهيونية. وبعضها يفعل ذلك خوفاً ورعباً إما تأثراً بالأولى وانضباعاً بما تنشر؛ وإما لفقدانـها الميزان الذي تزن به الأمور حتى تراها كما هي - لا كما تصورها أجهزة الدعاية والإعلان - وإما لعبودية القائمين عليها للمناصب والشهوات، وضعف يقينهم بسنن الله الكونية، والمناصب والشهوات اليوم طريقها واحد - عند هؤلاء - وأبوابـها التي تأتي منها هي الأبواب المشرعة على كل ما هو أمريكي ولكل ما هو أمريكي.

وهكذا يلتقي هذان النوعان من الإعلام: الإعلام الذي تقوده أمريكا وتروِّج به صورتـها وحضارتـها وثقافتها وما تريده، والإعلام الذي ترهبه صورة أمريكا (وهو الإعلام الرسمي الذي يتحكم بداخل العالم الإسلامي) يلتقيان على رسم هذه الصورة بخطوطها المادية وظلالها وألوانـها.

أما الصورة الأخرى لأمريكا، والغائبة عمن يرسمون سياستها ويدفعون بـها في هذا الاتجاه؛ فهي صورة "فقدان التوازن" الذي هو سمة القوى الكبرى والإمبراطوريات حينما تصل إلى درجة البطر والغطرسة والهياج غير المحسوب العواقب، والإحساس بالكبرياء التي لا يحدها مانع ولا يردعها رادع.

لقد عرَّف نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الحالة في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود: "... الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس" [صحيح مسلم بشرح النووي 2/89]. وبطر الحق: دفعه وإنكاره تكبراً وتجبراً. وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم، والاستهانة بحقوقهم وإنكارها. وهذا هو شأن أمريكا مع غيرها عموماً، ومعنا معشر المسلمين خصوصاً.

لقد أعجب من أعجب بأمريكا - على الرغم من تاريخها القصير الذي قام على الحروب وسفك الدماء واستئصال مجموعات بشرية بأكملها - لأنـها وفرت قدراً من الرخاء والحرية لشعوبـها، وصاغت دستوراً يتغنى بالحرية ويدعو لها، وهزمت النازية، ووقفت في وجه الشيوعية الشمولية لتعارضها مع الحد الأدنى من الحرية، ثم لرفعها شعارات حقوق الإنسان، قبل أن تبرهن على نفاقها وازدواج معاييرها في رفع هذا الشعار، وقد كانت أسباب هذه الإعجاب هي الجانب الإيجابي الذي يحسب لأمريكا في العالم ويوازن السلبيات التي عرفت بـها في العصر الحديث مثل: حرب كوريا وفيتنام، ودعمها لاغتصاب فلسطين، ووقوفها دون تخفظ مع إسرائيل، وإنكارها استقلالية كثير من الدول الصغيرة والضعيفة في إدارة شؤونـها واستغلال ثرواتـها، وتدخلها في أخص خصائص الشعوب.

تبدو الإدارة الأمريكية غير مدركة أن كفة الإيجابيات قد شالت، وكفة السلبيات قد امتلأت بشكل صارخ، ولم يعد التذمر والحنق من تصرفات أمريكا الرعناء مقصوراً على المسلمين في العالم فحسب - وهم أكثر من خمسه عدداً، وأكثر من ذلك بكثير ثروة وأهمية، بل إن الحاضر يحمل كثيراً من الإرهاصات التي قد لا تكون في مصلحتها.

ونحن المسلمين لسنا بمقام أن نقدم النصائح لأمريكا كي تنتبه لنتائج سياستها على المسرح العالمي؛ ولكننا ننبه فقط إلى أن أمريكا تعتقد أننا خاصرة العالم الضعيفة، فتريد تأديب العالم بنا، لذلك انتخبتنا من بين الأمم تشوه صورتنا، وتتنكر لحقوقنا، وتستهين بعقائدنا وتقاليدنا، وتستعدي علينا كل ذي نية خبيثة، وكل ذلك هدف قريب، وتصوغ التهديد إثر التهديد.

وهي لا تدري أننا لسنا دولة أو نظاماً، لسنا النازية ولا الشيوعية، نحن عقيدة حية تسكن نفوساً لا يمكن القضاء عليها بالتهديد أو باستخدام العنف، ونحن أمة تجمع شعوباً كثيرة ذات أعراق ولغات مختلفة ولكنها كلها تنطق بـ: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، والله أكبر، أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأكثر جبروتاً من كل جبار متغطرس.

إنـها حرب سافرة تعلنها أمريكا على الإسلام، لا يحجبها هذا التلاعب بالألفاظ مثل استخدام هذه الكلمة التي أصبحت ممجوجة: (الإرهاب) كي لا يقال إنـهم يحاربون الإسلام، إن المتابع لمؤتمر حلف الأطلسي الأخير الذي عقد من أجل قبول أعضاء جدد، يجد ملامح هذه الحرب ظاهرة عادية تتبارى دول هذا الحلف في التبشير بـها والاحتفال بالإعلان عنها، بل وتتسابق الدول الأخرى التي تطمح إلى الانضمام إلى بوتقة هذا الحلف بإظهار النفاق والمزايدة والهروب بمراحل إلى الأمام لإعلان الحرب على الإرهاب أي الإسلام، وأكد ذلك جورج بوش في رومانيا وهو يزف البشرى في خطابه بأنه كما قضت أمريكا على النازية والشيوعية فستهزم الإرهاب وتقضي عليه!.

لقد أصبح الإرهاب والإسلام مترادفين، كما هو الواضح من تصرفات أمريكا وتصريحات ساستها، ولأمر ما تتهرب من الجلوس مع من يطالبها بتحديد مدلول هذا المصطلح اللزج الرجراج، والاتفاق على تعريف جامع مانع له. وهذا برأينا الضعيف أمر مقصود للهروب من المسؤولية أولاً، ولإطلاق العنان لقوى كثيرة غاشمة لتصفي حساباتـها مع المسلمين وهي بمنجاة من المساءلة والاعتراض.

إن قدر المسلمين أن يكونوا أصحاب رسالة، تتعقبهم القوى الباغية - وما أكثرها - وتضع في طريقهم العراقيل، لتحد من طموحهم، وتعمل على تعويقهم وإضعافهم وإفقارهم وإشغالهم بأنفسهم، ومن عادتـهم أن يتقبلوا ذلك بما يناسبه من الجهد والتحدي والرضا بقضاء الله وقدره، وبمثل هذه العقيدة التي لا يفهمها أعداء الإسلام ولا يعرفون طعمها نشر المسلمون دينهم في الخافقين - ولا يزالون - وصمدوا للروم والفرس فهزموهم، وتصدوا للصليبيين والتتار فمنهم من اقتلعوه من أرضهم ومنهم من استوعبوه، وواجهوا الاستعمار الغربي ونازلوه حتى حمل عصاه وارتحل، وصبروا للظلم والعسف الشيوعي الذي عجز عن إبادتـهم وقد أراد، وأفشلوا العلمانية اللادينية، وأوصلوها إلى جدار مسدود ترفع يديها طالبة الغوث بكل ذلة وصفاقة من أمريكا وأخواتـها، وهم يتصدون للصهيونية بما هو معروف ومشاهد في فلسطين.

إن المسلمين أمة مجاهدة، وقد أثبتت تجارب التاريخ، البعيد منه والقريب أنـهم يهون عليهم كل شيء في سبيل أن يبقى لهم دينهم الذي هو روحهم وعنوان وجودهم، وأنه لا شيء يجمعهم ويحشد طاقاتـهم ويستنفر جهودهم مثل التعرض لهذا الحمى المنيع = حمى الإسلام، فأين هؤلاء الذين تترنح نفوسهم بنشوة القوة وحب الهيمنة عن هذه الحقيقة البسيطة؟.

إن أمريكا تستهين بالمسلمين استهانة غير مسبوقة، وتستفز مشاعرهم على جميع المستويات الرسمية والشعبية، وتعلن عليهم حرباً سافرة بلا قناع، حيث تستخدم هذا القناع الشفاف الذي تتستر به، نعني قناع "الحرب على الإرهاب" وقد جرب غيرها كل أنواع الحروب: سافرة ومقنعة ضد المسلمين، فلم يحققوا ما أرادوا لجهلهم بالعوامل التي يستمد منها المسلمون ثباتـهم وصبرهم، وبالعناصر التي تؤلف سر قوة الإسلام واستعصائه على المقارنة بالمبادئ الأرضية الأخرى.

إن المسلم العادي الذي يجد يديه مكبلتين عن الحركة، بينما يجد حواليه الظلم قد تجاوز كل حد، والعدوان قد انطلق لا يردعه شيء؛ ويحز في نفسه أن يصبح هدفاً لكل قوى الشر في هذا العصر؛ يطمئن إلى أن الله معه، ولن يتخلى عنه، تحقيقاً لقوله عز وجل: ((وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين)) [الأنبياء:11].

((وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم وكنا نحن الوارثين)) القصص


( منقول )......