المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسباب الإنحـراف و الصدود عن الحق : الغرور الفكـري



أسد الحق
10-02-2003, 09:41 AM
السلام عليكم


الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على رسوله الأمين و جميع الأنبياء و المرسلين ، و من تبعهم بإحسـان إلى يوم الدين و بعد.
فللصدود عن الحـق أسباب عديدة ، و موانع كثيرة ، منها الغرور الفكري ، و التقليد عن غير بينة و بصيرة ، و تحكم العادات السيئة فـي النفوس ، و الأنفة و الاستكبار ، و الحسد الممقوت ، و طـاغوت الافـتتـان بالمركز و الجـاه و كثرة المـال ، و مـا إلـى ذلك ، و كلها أمراض أخلاقية وبـيلة ، و أدواء مستعصية فـتاكة ، و الحديث عنها يـطول ، فليكن حديثي في هذه الحلقة عن الغرور الفكري :

الغرور الفــكري هو إعجـاب الإنسان بعـقله ، و افتـتانه برأيـه ، و إنزالـه فوق منزلته ، و إعـطاؤه من القداسة مـا ليس بأهل له ، حـتى يدخل فيمـا لا يعنيه و ما ليس في حدود وسعه ، و حدود طـاقته ، فيعـارض العبد ربه فـي خلقه و تشريعه فضلاً عن مـعارضته لنظـرائه و مَن هو أوسـع منه فكراً و أكثر تجربـة من العلمـاء .

لقد وجد الشيطـان منفذا لوسوسته فـي اغتـرار قوم في عقـولهم و عــلومهم فاستهواهم و زيَّن لهم أن يخـضوا فيما ليس من شأنهم ، و أن يهجموا عـلى بحث مـا ليس في وسعهم بحثه.

من ذلك تفـاصيل القضـاء و القدر ، و أسمـاء الله و صفاته و كيفيات ذلك ، فاضطربت أفـكارهم ، و تفرقت بهم السبل عن الجادة و الصراط المستقيم ، فمنهم من غَـلا في نفي القدر زعمًا منه أنه سلك مسلك العدل و التنزيه لله عن الظلم و الجـور ، و عارضوا بذلك نصوص الإثـبات للقضاء و القدر ، و منهم من غَـلا في الإثـبات حتى سلب المكلـفين إختــيارهم و أعمـالهم ، زعما منهم أن نصوص عمــوم مشيئة الله و اقتداره تُنـافي الاختـيار و الكسب للمكلفين ، فعارضوا بذلك الحس و أدلة الشرع و العقل ، و لم يكن باب البحث في كنه الله و كيفـيات صفاته فغَلـوا في ذلك نفيا أو إثباتا بأهدى سبيلا من هؤلاء ، بل وقع الجميع في حيرة و متاهات لا نجاة لهم منها إلا بمعرفتهم قدر أنفسهم ، و الحدود التي يجب أن تنتهي إليها أفكارهم و يعملوا أنهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلا ً ، و يلزموا ما جاء في الشريعة الله فما تبين من ذلك وجب اعتقاده ، و ما لم يتبين من التفاصيل و الكيفيات وجب التسـليم له ، و القول بما قال الراسخون في العلم { آمنا به كلٌ من عندِ ربنا }[آل عمران:7] .و حرم الخوض فيه ، لقوله تعالى :{ و لا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إن السَّمع و البصر و الفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء :36]

و استهوى الشيطـان من هؤلاء المغرورين طائفة أخرى ، فزيَّـن لها أن تسـن قوانين من عند أنفسها لتتحاكم إليها ، و تفصل بها في خصوماتها ، و سوَّل لها أن تضع قواعد بمحض تفكيرها و هواها ، تنظم بها اقتصادها و سائر معاملاتها ، محادة لكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و انتقاصا لتشريعهما و زعمًا منها أن تشريع الله لا يصلح للتطبيق و العمل به في عهدهم ، و لا يكفل لهم مصالحهم ، و لا يعالج ما جد من مشاكلهم ، حيث اختلفت الظروف و الأحوال عما كانت عليه أيام نزول الوحي و اتسع نطاق المعاملات ، و كثرت المشكلات ، فلا بد لتنظيم المعاملات ، و الفصل في الخصومات من قواعد و قوانين جديدة ، يضعها المفكرون من أهل العصر الواقفون على أحوال أهله ، المطلعون على المشاكل العارفون بأسبابها و طرق حلها لترتكز على واقع الحياة ، و تتناسب مع أحوال الناس و ظروفهم الحاضرة ، و مع مستوى ثقافتهم و حضارتهم الراهنة.

فهؤلاء لم يقدروا عقولهم قدرها ، و لم ينزلـوها منـزلتها ، و لم يقدروا الله حق قدره ، و لم يعرفوا حقيقة شرعه ، و لا طريق تطبيق منهجه و أحكامه ، و لم يعلموا أن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ، فعلم ما كان و ما سيكون من اختلاف الأحوال و كثرة المشاكل ، و أنه أنزل شريعة عامة و شاملة ، و قواعد كلية محكمة ، و قدرها بكامل علمه ، و بالغ حكمته فأحسن تقديرها ، قد جعلها صالحة لكل زمان و مكان ، فمهما اختلفت الأزمنة و الحضارات ، و تباينت الظروف و الأحوال فهي صالحة لتنظيم معاملات العباد و تبادل المنافع بينهم ، و الفصل في خصوماتهم و حل مشاكلهم ، و صلاح جميع شؤونهم في عبادتهم و معاملاتهم .

إن العقول التي منحها الله ليعرفوه بها ، و ليهتدوا بفهمها لتشريعه إلى ما فيه سعادتهم في العاجل و الآجل قد اتخذوا منها خصما لدودًا لله فأنكروا حكمته ، و حسن تدبيره و تقديره ، و ضاق صدرهم ذرعًا بتشريعه و أساءوا الظن به فانتقصوه و ردوه ، و قد يصابون بذلك و هم لا يدرون ، لأنهم بغرورهم بفكرهم عميت عليهم معالم الحق و العدل فكانوا من الأخسرين أعمالاً {الذين ظل سعيُهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا }[الكهف:104] و كانوا ممن قال الله فيهم {ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمت الله كفرا و أحلوا قومَهُم دار البوار جهنم يصلونها و بئس القرار }[إبراهيم: 28،29]

إن الله سبحانه كثيرا ما يذكر الناس في القرآن بأحوال المعتدين الهالكين ، و يحثهم على أن يسيروا في الأرض لينظروا ما كانوا فيه من قوة و رغد عيش و حضارة ، و بسطة في العلم نظر عظة و اعتبار ، ليتنكبوا طريقهم السيئ اتقـاء لسوء مصيرهم ، و لفت النظر في بعض السور إلـى جريمة الغـرور الفكري ، لشدة خطره ، و بيَّـن أنه الفتنة الكبرى التي دفعوا في صدور الرسل و ردوا بها دعوتهم ، ليعرفوا بقصور عقول البشر أنها لا تصلح لمقـاومة دعوة الرسل و ليحذرنا من خطر الغرور الفكري الذي هلك به من قاوم المرسلين قال تعالى :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم و أشد قوة و آثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلُهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم و حاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنَّا به مشركون فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنَّت الله التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون }[غافر:82-85]

إن اعتبار الإنسان لفكره و اعتداده به درجات ، منها المحمود و منها المذموم ، فما جاوز الحد و بلغ درجة الإعجاب بالرأي و العصبية له ، و دفع الحق به بعد ما يتبين على نحو ما مضى الحديث عنه فهو الممقوت ، و ما وقف بالمفكر عنده حده فاعتقد ما فهم من الدليل عن بيِّنة و بصيرة ، و اعتز به لكونه الحق في نظره دون أن يعارض به صريح كتاب ، و لا صحيح سنة ، و لا إجماع أمة فليس بممقوت ، بل هو الواجب عليه ، و على تمسكه به يحمد ، لكن ينبغي له أن ينصف مناظره من نفسه ، و يحترم فكر صاحبه كما يجب أن يقابله بمثل هذا الاحترام ليستمر البحث و المناظرة ، و يتبين الحق من قريب مع المحافظة على الأخوة ، و أواصر المحبة و الوئام .و الله الموفق . و صلى اللع على نبينا محمد و آله و سلم.

مقالة للعلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله [م : 1323- ت : 1415 ]
نشرت بمجلة التوعية الصادرة في موسم الحج عام 1396
بواسطة " فتاوى و رسائل الشيخ " ص610-613



مع تحياتى

الســـــــاهـر
10-02-2003, 10:03 AM
جزاك الله خير اخوي .. :)

وننتظر جديدك ..






تحياتي

سعد الذابح
10-02-2003, 12:26 PM
جزاك الله خير وجعله في موازين حسناتك

ارض النار
10-02-2003, 12:40 PM
الهم اجعل جميع المسلمين من الصالحين

مهند الريس
10-02-2003, 10:28 PM
سلمت يمينك اخي الاسد الملك

ونحن بحاجة الى مثل هذه المواضيع القوية في المعنى لنتقوى فكريا

ونزيد من ثقافتنا شي جديد

مرة اخرى احييك اخوي الاسد الملك واتمنى لك عيد سعيد بإذن الله

اخوك مهند الريس

أسد الحق
10-02-2003, 11:12 PM
مشكورين جميعا على الردود الجميلة

و ان شاء الله عيد سعيد لكافة المسلمين


مع تحياتى