المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوقت ... الوقت ... الوقت ........( !؟ )



ابو فيصل احمد
27-02-2003, 04:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله


تتلبسنا كثير من الأحلام والطموحات التي نريد تحقيقها خلال حياتنا لإرضاء ربنا جل وعلا ، ثم لإسعاد أنفسنا ومن حولنا من والدين وأزواج وأولاد وغيرهم ، وتعتلج في دواخلنا الكثير من المشاعر والأحاسيس التي نود إعلانها على أحبائنا وذوي قرابتنا وأصدقائنا وزملائنا وجيراننا ومعارفنا للتعبير لهم عما نكن من حب وود ..

نتأمل كسب عامل الزمن إلى صفوفنا لعله أن يتاح لنا تحقيق أحلامنا .. وتتقاذفنا مشاغل الحياة ، الجاد منها والتافه ، ونتلبس بمشاعر المماطلة والتسويف والتأجيل ووهم الحصول على الأفضل ..

نقف بين يدي الله جل وعلا مصممين على الخشوع والخضوع وإتقان تواصلنا به جل وعز ، ثم بعد فترة ليست بالطويلة نسرح خلف الهامات شياطيننا وأحلام أنفسنا التي لا تقف عند حد ، نصمم على الإخلاص في تنفيذ أعمالنا والتفاني في إنجازها لتكون بشكل متميز ومتقن ، ومع أول صعوبة تواجهنا تتساقط هممنا ويتزعزع عزمنا وكأن وعداً لم يكن ، وكأن أهدافاً سامية لم توضع ..

نعقد العزم على ممارسة الرياضة ونحدد وقتاً لذلك ونلج الميدان ونبدأ رحلة التدرب بالفعل ، ثم لا نكمل ما انتوينا وما خططنا لعمله مقنعين أنفسنا بأن لدينا من الأعمال ما هو أهم ..

تغيض الابتسامة قبل انبلاج الشفاه عنها في وجوه من نقابل ، وتنفض الجلسة قبل أن نهم بتنفيذها وعقدها مع من نحب ، وترتد الكلمة الطيبة النابعة من القلب والمعبرة عن الحب إلى دواخلنا قبل أن تلوكها ألسننا وقبل أن نعلنها على من نتعامل معه أملاً في انتقاء الأجمل ..

نهم بقطف وردة ، أو زهرة ، أو بشراء باقة ورد ، أو طوق ياسمين ، أو زجاجة عطر أو كتاب ، أو كتيب ، أو شريط ، أو قطعة قماش ، أو اسوارة ، أو خاتم ، أو لعبة ، لإهدائها لام ، أو لأب ، أو لزوجة ، أو لبنت ، أو لابن ، أو لأخت ، أو لأخ ، أو لصديق ، أو لقريب ، أو لمعرفة ، ثم نتراجع في اللحظة الأخيرة بحجة أننا لم نجد بعد ما يليق بأحبائنا وبنا ..

نؤجل الزيارة التي قررنا أن ننفذها لتفقد أحوال أحبائنا أحياناً بينما نحن نهم بقرع أجراس أبواب أولئك الأحباب بحجة أن الوقت غير مناسب لاستقبالنا ، نتراجع عن وعد قد قطعناه على أنفسنا لوالدينا ، أو لأزواجنا ، أو لأولادنا ، أو لأي من معارفنا بتمضية وقت معهم في البر ، أو على شط البحر ، أو في حديقة غناء ، أو بحديقة ألعاب ، بحجة أننا متعبين أو أننا نخطط لأن تكون الزيارة أفضل مما يمكننا فعله لو أنجزناها في الحال ..

نستأثر بالحديث على أحبائنا ولا نصغي لكلماتهم ولا لحرصهم على التحدث في حضورنا ، نلقي بسماعة الهاتف من أيدينا بعد أن هممنا بالتواصل مع صاحب ، أو ذو رحم ، أو سابق معرفة ، أو عزيز ، نتصفح الجريدة ، أو المقالة ، أو الكتاب فيعجبنا شئ مما تحتويه ، ثم نلقي بما في أيدينا مرددين أن اللحظة ليست مناسبة لتحقق الفهم المأمول .. نهم بإكرام ضيوفنا ، ثم تسول لنا أنفسنا أن الإسراف من عمل الشيطان .. وندخل أيدينا إلى جيوبنا بغية إخراج ما قسم الرحمن للتصدق به على فقير أو معوز أعلن بلسان الحال والمقال فاقته ، ثم ينبعث من دواخلنا صوت شيطاني : لا يضحك عليك السائل فهو من أولئك اللذين تكشف وسائل الإعلام صباح مساء عن انهم نصابين ومحتالين ..

نقرر أن نعرض أجسادنا لأشعة الشمس في الصباحات الحالمة والطازجة وأن نرطب دواخلنا بالاستماع إلى حفيف الأشجار ، وغناء الأطيار ، ومشاهدة تفتح الورود والأزهار ، ومراقبة تحليق الفراشات ، ومطاردات بعض الحيوانات ، ثم نلغي الفكرة قبل أن نهم بتنفيذها معتقدين أن ذلك ترف لا نستطيع ممارسته ..

نتردد في زيارة حبيب يرقد على السرير الأبيض واعدين أنفسنا بالاحتفاء به في المنزل ثم لا نفعل ، نمتنع عن البقاء دقائق في المسجد لقراءة القرآن الكريم أو لاستماع محاضرة يمكن أن يفتح الله بها على قلوبنا فنحصل على خير الدنيا والآخرة ، لا نفعل بحجة أن لا جديد فيما نسمع وأن الوقت متاح أمامنا للقراءة بتدبر وفهم ..

دائماً ننسى قول الشاعر :
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها
ودائماً ننسى أن اللحظة المضمونة هي اللحظة الحالية ، ننسى أننا لو قضينا حياتنا ننتظر المستقبل فانه قد لا يأتي ، وننسى أن أسلوبنا هذا قد يدفع بنا إلى الندم على كثير من اختياراتنا ، ومواقفنا ، وقراراتنا ..

ننسى أنه قد يأتي الغد ونحن غائبين عن الحياة ، ولا يلهمنا إدراكنا اليقيني لموتنا تغيير طرائق اتصالنا بالله الكريم ، ولا تغيير تفاعلنا مع أنفسنا والحياة وبعضنا البعض ..
نقرر أن نعامل أولئك اللذين يشكلون بؤرة اهتماماتنا بعناية فائقة وبحساسية مأمولة في كل لحظة من كل يوم ، ثم نتهادى في طريق حياتنا غافلين عن حقيقة أن كل لحظة قد تكون الأخيرة لنا أو لهم ، ومتغافلين عن أن كل لحظة نمنحها الآن قد تمنع ندم العمر كله ، وغافلين عن أن الأمر لا يتطلب أكثر من مجهود أكبر قليلاً ، لننصت بعناية إلى محدثنا ، ونعانق بحرارة من يقترب منا لعناقنا ، نتفوه بالكلمة الطيبة لمن نتحدث إليهم ، ونردد تحية الأمل والسلام على من نعرف ومن لا نعرف ، نصغي لأصوات العقل المنبعثة من دواخلنا ، ولا نلتفت إلى المثبطات التي تنثال كالحزن في الدواخل ، وكأن اللحظة المستقبلة وعد محقق القدوم والإتيان ..

فهيا بنا نوثق صلتنا بالله جل وعلا ، ونستزيد من طاعته والتقرب إليه قبل أن يحال بالموت بيننا وبين ذلك ، نرطب ألسننا بذكر الله ، نسبح ، نهلل ، نحمد الله على ما به علينا أنعم ، نخشع لله ونخضع له ، نسجد ، نركع ، ندعو ، نستغفر ، نتوب ..

هيا بنا نقول لأحبائنا ما يسوغ لنا قوله قبل فوات الأوان ، نردد على مسامعهم كلمات الحب والود والشوق والرضا ، وهيا نفعل من أجلهم ما يجب علينا فعله الآن وليس بعد لحظة ، هيا نعين عاجزاً ، ونقضي حاجة محتاج ، ونغيث ملهوف ، هيا نستمتع بأنعم الله تعالى علينا وبكوننا متفردين في الخلق قبل الرحيل ، نستمتع بعبير الوردة وشذاها ، وتذكرنا روعة هديل الحمائم بأن كل من في الكون يسبح بحمد الله ويشكره ، نتأمل عظيم صنع الله لأنفسنا والكون والأحياء من حولنا ..

هيا بنا نعمل بكل جهدنا ممكن لتحقيق المراد من خلقنا ، هيا نساهم في اعمار كوكبنا الجميل هذا قبل أن ننتقل إلى العالم الآخر ، هيا بنا نتعلم التعامل مع اللحظة الآنية بشكل إيجابي يسمح بإتقان القول والعمل خلالها ، هيا نبذر بذور الحب ليعطر شذاها الآسر عوالمنا ، فان أقسى دموع قد تذرف على القبور هي تلك التي تذرف حزناً على كلمات لم تقال ، وأفعال لم تفعل ، وندماً على عدم التمكن من اعتقال اللحظات الحقيقية الهاربة المحملة بالحب ، والخير ، والهدى ، والأمل ، والتفاؤل ، والسلام ..

فهل نفعل ؟!!
ذاك هو التحدي الذي يجابهنا ونطمح أن نجوز ، وذاك هو الأمل الذي نروم أن يتحقق !!

والسلام عليكم