المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير"شهادة" عن سجن إنزكان المحلي بالمغرب



كن وحيدا
04-03-2003, 05:36 PM
وصلني في البريد ما يلي :

مخابئ قلعة مكونة واكدز وتازمامارت تنبعث من جديد في سجن إنزكان الرهيب إنها مأساة إنسانية بامتياز

هذا التقرير كتبه السجين السياسي المغربي / علي سالم التامك من داخل سجنه وهو يقبع حالياً بسجن سلا ويوضح هذا التقرير بجلاء حجم المأساة والمعاناة للسجين العربي في سجون الأنظمة العربية ومدى انتهاك أبسط قواعد حقوق الإنسان وإهدار آدمية الإنسان. وإليكم نص التقرير كما وصلنا في المرصد الإعلامي الإسلامي دون تدخل منا:

إن التقرير الذي أود تقديمه " شهادة " عن المعتقل السيئ الذكر الذي ينطبق عليه ما حكوه الناجين من المخابئ السرية " قلعـة مكونة وأكدز وتازمامارت " إنه سجـن إنزكان الرهيب - أكادير- بالرغم من كونه من السجون المدنية، هذا السجن الذي لم تسمح الظروف سابقا بكشف ظروفه وإنقاذ الآلاف من السجناء الذين كتب لهم العيش في سجن لا يعدو كونه سوى مقبرة جماعية لأموات أحياء .

واليوم بحكم المتغيرات التي تعرفها المنظومة الدولية والإهتمام بحقوق الإنسان، إضافة إلى الكوارث المتلاحقة التي تعيشها السجون المغربية ومظاهر التمرد والإحتجاج كالحريق والإنتحار والأوبئة والإضرابات عن الطعام، أصبح من اللازم لفت انتباه الرأي العام والضمير الإنساني إلى وضعية سجن من المحتمل أن يؤدي إلى أحداث أفظع مما شهدته السجون الأخرى كعكاشة بالدار البيضاء (عرف الحريق مرتين) وسوق الأربعاء بمدينة سيدي يحي الغرب وسيدي موسى بالجديدة مؤخرا وتنبني هده الشهادة على ما عاينته خلال الفترتين اللتين قضيتهما بهذا السجن في سنتي 1993 (سنة كاملة) و2002 (من 28 غشت 2002 إلى 12 نونبر 2002).

وقد يظن القارئ لهذه الشهادة أنني أحكي فيلما سينمائيا يستعرض طبيعة السجون في فترة الإستعمار الأجنبي وما مورس بداخلها. أو أسرد قصة من محض الخيال أو يعتقد بأنني أبالغ فيما أحكي في تشبيه سجن أنزكان بمراكز الإحتجاز السرية، لكن السجن موضوع " الشهادة " أكبر بكثير مما سأحكي ويبقى هذا التقرير الذي أضعه بين أيدي القراء والمهتمين بالمجال الحقوقي تقريرا يتعرض لجزء من وضعية السجن ولا يدعي مسحا شاملا لكل واقعه. وأشير إلى أنه يعتمد في منهجيته على بوصلة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي ظهرت في 1955 وصادق عليها المغرب باعتباره عضو في الامم المتحدة، والقانون المنظم للسجون بالمغرب والمراسيم التطبيقية المتعلقة به على إعتبار – وهذا ما سيحاول التقرير استجلاءه – أن المفارقة مستمرة بالمغرب في وجود قوانين على علاتها وبين تطبيق ما هو وارد فيها من حقوق وواجبات.

إن السجن المحلي لانزكان عبارة عن بناية قديمة يعود تاريخ وجودها إلى بداية الثلاثينات حيث كان مخصصا حسب السكان كمكان ومربط للخيول الفرنسية وكل مستلزماتها إلى جانب الخنازير التي يتم اصطيادها في المناطق المجاورة. وفي منتصف الخمسينات تحولت البناية إلى سجن بئيس يخضع مباشرة لإدارة السجون بالرغم من افتقاده للمواصفات الواردة في القواعد من حيث المكان الكافي والملائم للنوم والمراحيض والتهوية والضوء واتساع النوافذ وظروف العيش والعمل به، وينقسم هذا السجن إلى ثلاثة أجنحة:

الحي القديم " القشلـة " يضم "7 " غرف تتراوح مساحتها مابين "3 أمتار"عرضا و"5 أمتار" طولا، يتكدس فيها النزلاء مع كل مستلزماتهم التي لا تعد ولا تحصى، بالإضافة إلى ثلاث زنازن ( كاشو) للحبس الإنفرادي غالبا ما يتم استخدام إحداها لإحتجاز السجناء الذين يواجهون إجراءات تأديبية، أما الثانية فهي تخصص لمجموعة من المعوقين في حين تبقى الزنزانة الثالثةمخصصةلأصحاب الشذوذ الجنسي ولا تتعدى مساحة كل منهما (2x1.5) وغالبا ما يقطنها تسعة أفراد على الأقل. ويتواجد بداخلها مرحاض مكشوف عن آخره.
جناح الحي الجديد : يضم ستـة غرف تبلغ مساحتها 12م2 لكل غرفة مغلقة على كل الواجهات .
جناح النساء : وتوجد به غرفتين يعيش بداخلها أكثر من 120 سجينة، ويتراوح عدد النزلاء في الزنازن الأخرى ما بين 130 و 140 في الزنزانة الواحدة بحي " القشلة " و90 و100 في الزنزانـة المتوسطة في" الحي الجديد " و10 إلى 12 فردا في " الكاشو " وهي زنزانـة عقابيـة، ولا توجد أبدا في الزنازن تهويـة كافيـة بإمكانها أن تخلص النزلاء من صعوبـة الإزدحام ومن الروائح الصادرة من المراحيض ومن الأجساد البشريـة وتلك التي يخلفها الدخان المنبعث من السجائر والمخدرات والآلات المعدة للطهي (فورنو صغير يعد من قبل السجناء للطهي من البلاستيك وعلب حليب نيدو والسردين يسبب أمراض خطيرة كالربو والسل والقلب... الخ).
ويتوفـر السجن على إدارة ومعقـل ومكان لاستقبال النزلاء الجـدد وساحـة صغيرة " للفسحة " لا تف أبدا بالعدد الهائل من النزلاء وعلى مكتب إقتصادي ومكتبة صغيرة ليس فيها شيء يذكر، تفتح وقت مجيء مسؤولين وتقفل فور ذهابهم بالإضافة إلى قاعة للزوار تنعدم فيها الشروط اللازمة لاحترام الزائر والسجين. وعلى حمام صغير مزدحم بعدد كبير من السجناء مما يسبب انتقال العدوى من الأمراض الجلدية وغيرها (الإستحمام بالماء البارد وغالبا ما يكون في المرحاض بغرفة الإقامة) ثم مكان للحلاقة وبه أدوات عتيقة لا تخضع أبدا للنظافة أو الوقاية الصحية طبقا لما هو معروف عند صالونات الحلاقة (تقول مادة من القانون الدولي: يجب أن تتوفر منشآت الاستحمام والاغتسال بالدوش بحيت يكون في مقدور كل سجين، ومفروضا عليه أن يستحم أو يغتسل بدرجة حرارة مكيفة مع الطقس بالقدر الذي تتطلبه الصحة العامة تبعا للفصل والموقع الجغرافي للمنطقة على الايقل ذلك عن مرة في الأسبوع في مناخ معتدل)

أما معاملة السجناء فتخضع إلى التمييز بينهم (المادة 50 من قانون 98/23 تقول: لا يجوز أن يكون هناك تمييز في المعاملـة بين المعتقلين بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي أو المركز الإجتماعي) وعلى كل الطواريء كل حسب الخدمات التي يقدمها للإدارة أو للحراس من وشايات أو رشوة أو زبونيـة أو محسوبيـة حيث أصحاب المخدرات وكبار اللصوص والجرائم البشعة هم الذين يحظون بالحظ الأوفر من العناية، فإليهم توكل رئاسة الزنازين " chef Chamber "، " garde chamber "، " garde toilette" ومراقبتها وعليهم يتم الإعتماد في تعذيب السجناء، كما أن الجميع يخضع للمعاملة " الجيدة " كلما كانت هناك زيارة لأحد المسؤولين، الذي يقتصر فقط على المعاينة دون الإستماع إلى المعاناة اليومية للنزلاء الذين لا يقدرون على الإدلاء بتصريحات عن معاملتهم خوفا من الإنتقام أو الترحيل القسري إلى سجون أخرى، ويسجل بهذا الخصوص على إثر ما عرفته السجون من أحداث أخيرة قامت بعض اللجان الإقليمية التي يترأسها العمال والولاة كما ينص على ذلك القانون الجنائي المغربي بزيارات تفقدية لبعض السجون وبالمقابل سجن إنزكان لم يزره أحدا باستتناء الوكيل العام لمحكمة الإستئناف لأكادير حيث جاء ليطمئن على أحد أقاربه بالسجن، وإذا كانت كل السجون تتوفر على أمكنة للصلاة وتقام فيها صلاة الجمعة بالجماعة (المادة 120من قانون 98/23 تقول بأن ممارسة الشعائر الدينية مضمونة لكل معتقل، وعلى المؤسسة أن توفرله الإمكانيات التأهيلية والإطار الملائم كما عليها أن تسمح له بالإتصال بالممثل المؤهل لذلك دينيا) غير أن الصلاة هنا لا يتم منعها ولكن ممنوعة بفعل غياب الشروط وطرق النوم الكارثية للغاية، بحيث أن السجين لا يطالب إلا بشيء واحدهو حقه في النوم لأنه مطلب من أجل البقاء.ففي غرفة ضيقة تنعدم فيها التهوية والمساحة يعاني فيها أكثر من 130 سجينا بطريقة تشبه تكدس " السردين بالصناديق المعلبة " فإذا كان البعض بحكم أقدميته أو قوته أو محسوبيته قد حصلوا على (جليجة وأربعة أصبع) أي على قبر كما يقولون، فإن البقية الكثيرة تجبر على" التقلاش"، أي ينام السجين وأرجله مرفوعة إلى اعلى توضع فوق كتفي سجين آخرورأسه في أسفل ويلتصق بالسجين الذي يشكل أحد طرفي هذه العملية أو صيغة أخرى ينام فيها جانبا وأرجله ممددة أو قرفصاء أو واقفا طيلة الليل، ومنهم من ينام لمدة تفوق 10 ساعات في المراحيض أو فوقها أو بجانبها مع القمامة وهي أمكنة يحبذها النزيل بل يدفع عملة تبلغ 200 درهم لقاء قضاء الليل مخافة من " لاكار" أي مكان مخصص داخل الغرفة" للتقلاش" أو" الزوبية" وهي أسوأ من" لاكار" لأن" لاكار" فيه مستويات ودرجات للنوم الهامش أي الجانب " جنب " والوسط هو " الزوبية " وعملية " التقلاش " التي لا يستثنى منها أحد إذ يكدس الجميع دون مراعاة سنه أو بنيته الجسمانية أوالعقلية (المادة 29 من نفس القانون تقول: يوزع المدانون على المؤسسات المخصصة، على أن يراعى بصفة خاصة عند التوزيع جنس المعتقل وسكنى عائلته وسنه وحالته الجنائية وسوابقه وحالته الصحية البدنية والعقلية ومؤهلاته وشخصيته بصفة أعم وكذا النظام السجني الذي يخضع له قصد إعادة إدماجه الإجتماعي).

وتضطر الإدارة إلى إستعمال الممرات بين الغرف والأحياء في الهواء الطلق والجو البارد حيث ينام السجناء. وحتى الغرف نفسها لا تتوفر إلا على نوافذ بقضبان حديدية تجعل البرد القارس ينخر أجساد السجناء ويضر صحتهم،(تقول إحدى المواد من القانون الدولي: في أي مكان على السجناء أن يعيشوا فيه أو يعملوا به يجب أن تكون نوافذه على قدر من الاتساع بحيث تمكن السجناء من استخدام الضوء الطبيعي في القراءة والعمل...وأن تكون مركبة على نحو يتيح دخول الهواء النقي...)وكل هذا يحدث في مؤسسة تعطي لنفسها الهامش التربوي كمجال ينظم إطارها الواسع/الضيق. وهذا الإكتظاظ من شأنه أن يساهم دوما في سيادة وطغيان الكلام الفاحش المخل بالأخلاق ليس فقط من طرف النزلاء بل من طرف الموظفين الذين غالبا ما يعملون على ممارسة التعذيب المبرح والتلذذ بممارسته بتنظيم وجبات " الفلقة " كما يسميها السجناء التي تفعل فعلتها في تحطيم روح وجسد السجين، إضافة إلى استعمال الصهريج والماء البارد كشكل من أشكال التعذيب (المواد 32 –59-61 تنص علىأن يمثل المعتقل أمام لجنة التأديب وله أن يطالب بمؤازرته من طرف من يختاره لذلك، ويقدم توضيحاته شخصيا شفويا أوكتابة، ويصدر قرار التأديب ويبلغ إلى المعتقل كتابة داخل أجل 5 أيام من صدوره ويجب أن يتضمن القرار بالإضافة إلى ذكر أسباب إتخاذه والتذكير بحق المعتقل في المنازعة فيه،و يمكن للمعتقل الذي صدر في حقه تدبير تأديبي أن ينازع في القرار داخل 5 أيام من تاريخ تبليغه،(تقول مادة من القانون الدولي " العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في الزنزانة مظلمة وأية عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو حاطة بالكرامة محظورة كليا كعقوبة تأديبية ").

تعامل الإدارة: إن إدارة السجن في شخص مديرها المعروف بـ " حسن، هـ " إستغل الظروف المأساويـة للسجناء وأحوال ضعفهم الماديـة والمعنويـة كالطيور التي تأكل بقايا الموت، بحيث حول السجن إلى مصدر ثراء فاحش ومكانا لإشباع غرائزه الحيوانية وذلك عبر شبكة خارج السجن تجبر على ما يصطلح عليه بشراء " السوق " بدفع مبلغ قار في نهاية كل أسبوع (فدية / يوم الجمعة) " 1000 درهم " للمدير أو أحد مقربيه للسماح له بالمتاجرة. وتشكل الأماكن المخصصة للنوم (تقاس بقياس أصابع اليد) مصدرا أساسيا لإبتزاز السجناء بحيث تتبع إجراءات معروفة لدى السجناء بخصوص أماكن النوم وتكون فيها الأسبقية للذي قضى مدة أطول وقد تصل في بعض الأحيان لمدة عامين ويمكن أن يفتقدهـا السجين كإجراء تأديبي " تزراف " ويبدأ من الصفر في إنتظار ما يسمى" بالنوبة "، وتباع" البلاصة " بمبلغ " 10.000 درهم للسجين نعم 10.000 لجليجة..." (تقول مادة من القانون الدولي: يزود كل سجين وفقا للعادات المحلية والوطنية بسرير فردي ولوازم لهذا السرير مخصصة له وكافية، تكون نظيفة لدى تسليمها إياه ويحافظ على لياقتها).

ويمكن الإشـارة إلى أن الجدد من السجناء يتم التضييق عليهم عن قصد لمضاعفـة معاناتهم (الزميت) لدفعهم إلى دفع مبالغ مالية مقابل الحصول على مكان للنوم. وهذه العملية تتم من خلال إعطاء تعليمات للمسؤول على الغرفة من قبل رئيس الحي أو أحد المقربين من المدير بعد معرفة كل المعلومات عن السجين الجديد (تهمته، وضعه العائلي، مهنته، سكناه، المدة المحكوم بها... الخ).

- الزيـارة : بالرغم من كون الزيارة حق من الحقوق الأساسيـة التي ينص عليها قانون 98/23 (المادة 75) فإن هذا الحق يخضع بدوره للمساومات من قبل المكلف بالزيارة بإيعاز من المدير، لأن المواقع الأساسية في السجن التي تتيح إمكانية إبتزاز السجناء وعائلاتهم تخضع نفسها لمدى قرب الموظف (الهدايا والأتاوات) من مدير السجن وولائه. والزيارة تتم في غرفة صغيرة جدا لا تسمح نظرا لشروطها بلقاء الأقارب في أجواء تخفف على السجين من معاناتـه حيث لا تتجاوز مدتها 15 دقيقـة في أحسن الأحوال ويمنع على أكثر من شخصين يحملان نفس إسـم ولقب السجين من زيارتـه إضافة إلى الضجيج الذي يسببه كثرة السجناء، (فالمادة 76 تقول: بأن تجري الزيارات في مزار دون فاصل، وفي حاله تعذر ذلك تتم في مكان يسمح بالرؤية وبالفصل بين المعتقلين ومخاطبيهم، وتتم الزيارة أيضا بصفة إستثنائية داخل المصحة بالنسبة للمعتقلين المرضى العاجزين عن التنقل).

وتشكو معظم العائلات من ما تتعرض له أمام باب السجن من قبل الموظفين من سب وشتم وأحيانا الضرب والصفع، ولا يتوارع مدير السجن عن وصف الأمهات والأخوات بأقبح الألقاب والأوصاف دون حسيب أو رقيب بل استدراج الزائرات والتحرش بهن إضافة إلى انتظارهن لساعات طويلة في غياب فضاءات مغطاة تتوفر على دكاكين ومقاصف وهي الشروط المتوفرة في بعض السجون، أما بالنسبة لتسليم المؤونة فإنها تفرض على العائلات وحتى المسنين في الكثير من الأحيان الوقوف في طوابير لمدة طويلة تزيد من إرهاقهم بعد إرهاق السفر.

إن إدارة السجن لا تستجيب لأي مطلب للسجين كحصوله على وثيقة أو يرغب بالتعجيل ببعث رسالة له إلا بعد دفعه لأتاوات وإلا تبقى رسائله عرضة للضياع (تقول المادة 89: يحق للمعتقلين توجيه الرسائل وتلقيها) (تقول المادة 98: للمعتقلين أن يتقدموا بتظلماتهم إلى مدير المؤسسة أو إلى مدير إدارة السجون والسلطات القضائية ولجنة المراقبة الإقليمية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية إما شفويا أو كتابة، ويمكن للمعتقلين تقديم طلب الإستماع إليهم من طرف السلطات الإدارية أو القضائية، بمناسبة الزيارات أو التفتيش، وتتم هذه المقابلة تحت أنظار عون بمكان لا يستطيع معه سماع الحديث، ما لم تقرر هذه السلطات الإستغناء عن حضور العون، يجب دراسة الشكايات وإتخاذ الإجراءات اللازمة) .

ونفس الشيء تخضع له عملية ترحيل السجناء إلى سجون أخرى حيث تمكنت من معرفة عبر سجينين كانا معي بنفس الغرفة " 7 " بالحي القديم " القشلة " وهما " ك.ح" و"ص.ب. " متابعين بتهمة " دفع شيكات بدون رصيد " تم حذف إسميهما من لائحة السجناء المرحلين إلى سجني تارودانت والصويرة مقابل دفع مبلغ مالي قدره " 50،000 درهم " حيث دفع هذا المبلغ عبر موظف وبعد إنتقال مدير السجن إلى سجن العيون شملتهما عملية الترحيل /" ك.ح " نقل إلى السجن المحلي لتارودانت – "ص.ب" نقل إلى سجن الصويرة / الأول محكوم بسنتين والثاني محكوم بثلاث سنوات وهناك حالات أخرى كثيرة تم الإبقاء عليها بنفس السجن وبذات الطريقة،إلا أن الخوف هو الذي يمنع السجناء من الكشف عن مثل هذه الأمور.

- الفسحة: يستفيد السجين من الفسحة لمدة لا تتجاوز 15 دقيقة في اليوم (المادة 116 من قانون 89/23 تقول: تخصص لكل معتقل جولة يومية في الهواء الطلق، أو في الساحة أو في فناء السجن ، ما لم يعف من ذلك لأسباب صحية أو كان يزاول أشغالا مهنية خارج المؤسسة. لا تقل الجولة اليومية عن ساعة ونصف)، وفي أوقات أخرى يعرف فيها السجن عمليات نقل السجناء إلى سجون أخرى، وفي مناسبات دينية وغيرها من العطل يحرم السجناء من التمتع بهذا الحق لمدة ثلاثة أو أربعة أيام حيث يظلون كل هذه المدة بدون حركة أو شمس أو هواء نقي، ويخلف ذلك أمراضا كثيرة منها الروماتيزم، الجربة، مرض العيون، السل ... الخ، يحدث هذا في ظل تناقض صارخ للمبدأ الذي يتم البراح به من طرف بعض الجهات الرسمية كون الإدارة في خدمة المواطن، إضافة إلى أن مكان الفسحة لا يتوفر على شرطي النظافة والمساحة بل يشكل سببا إضافيا للأمراض، الذي يتأثر بها الموظفون أنفسهم خاصة مرض حساسية الأنف والعين...

- أما مسألة المؤونة فتفرض إدارة السجن إجراءات مبالغ فيها في التفتيش (تفتيش داخل الفم وتجريد السجين من كل ملابسه حتى الداخلية بشكل مهين ومخل بالحياء مما يسبب نوعا من الإحراج لدى السجناء) (الفقرة الأخيرة من المادة 68: لا يمكن تفتيش المعتقلين إلا بواسطة أشخاص من جنسهم وفي ظروف تصان فيها كرامتهم مع ضمان فعالية المراقبة)، وتمنع مجموعة من المواد (العطر – جافيل – الخضر – القطاني – وبعض الفواكه بدعوى أنها قد تفسد... الخ) وبالمقابل لا تخضع مؤونة عدد من السجناء المحظوظين لهذه الإجراءات ويسمح لهم بإدخال كل شيء بما فيها الممنوعات وهذا طبيعي في غياب توفير الإدارة لإحتياجاتهم الغذائية اليومية والغير الغذائية...

- الإعلام: إن الإستفادة من هذا الحق تكاد تكون منعدمة بحيث يسمح فقط لدخول بعض الجرائد كجريدتي: الإتحاد الإشتراكي و الأحداث المغربية اللتين تتعرضا لمقص الرقابة دون الإستناد في هذا الأمر للقانون المنظم للصحافة، وهنا نتساءل عن هذا الاستثناء وهذه الرقابة؟ (تنص المادة 122 من نفس القانون 98/23: يحق لكل معتقل التوصل بالصحف والمجلات والكتب على نفقته ، وذلك بعد المراقبة المعمول بها). وتوهم الإدارة السجناء بأنها تقوم بعملية تفتيش لغرفة من الغرف مرة في الأسبوع بشكل مباغث La fouille لكن قبل ذلك تقوم بإخبار السجناء الذين يتاجرون في المخدرات والممنوعات بشكل عام بعملية التفتيش ووقتها لإتخاذ جميع إحتياطاتهم.

وخلال الفترة التي قضيت لاحظت بعض السجناء المحظوظين يتم إخراجهم من السجن بمبرر التطبيب ويقضون يومين عند عائلاتهم أو لقضاء مصالح ذاتية، ومن جهة أخرى لابد من الإشارة أن هناك بعض الموظفين المتميزين إلى حد ما: (المدير الحالي للسجن السيد عزيز الذي عين بدلا من المدير السابق، والطبيب الرئيسي (نور الدين) ومساعده الممرض ورئيس المعقل (المعروف بتجربته ومرونته) ورئيس المكتب التنفيذي القضائي ورئيس الحي القديم عبد اللطيف وعلي العراقي ولعبادي وسعيدي وبلعيد وبراهيم المكلفون بالإشراف العام والزاوي وحميد وعبد الله تزناقت وعبد الرحمن الذي كان بسجن الشاون والعديد من الموظفين الذين يستحقون الذكر نظرا لتفهمهم ومرونتهم في التعامل مع السجناء بالرغم من الإكراهات والإمكانيات المحدودة للسجن .

- التعليم والتكوين المهني، أدرك مسبقا وحسب قانون 98/23 أن التكوين المهني متاح في السجون المركزية والفلاحية، وأن سجن أنزكان يعد من السجون المحلية المخصصة حسب المادة 2 من نفس القانون لإيواء المعتقلين الإحتياطيين والمحكوم عليهم بعقوبات قصيرة الأمد والمكرهين بدنيا، إلا أن هذا الشرط منعدم تماما في أبسط تجلياته بهذا السجن حيث الإدارة لا تضع دليلا يبين واجبات وحقوق السجين ولا تعلق ملصقا أو تبلغه بأي جديد في تنظيم السجون، بل تتصرف وبشكل أحادي بناءا على مذكرات كما تتدعي وتجد البعض منهاغير موجودة في كثير من الأحيان (تقول المادة 26: يجب إشعار كل معتقل عند إيداعه بمؤسسة سجنية، بالمقتضيات الأساسية الواردة في هذا القانون وفي النصوص والضوابط الصادرة تطبيقاله ، ويجب على الخصوص إخباره بحقوقه وواجباته)، (يتضمن هذا الإشعار كذلك، المعلومات المتعلقة بالعفو وبالإفراج المقيد بشروط وبمسطرة ترحيل المعتقلين وكل البيانات التي تفيده أثناء قضاء فترة إعتقاله، خاصة طرق تقديم التظلمات والشكايات . تبلغ هذه المعلومات عن طريق دليل يسلم للمعتقل بطلب منه وعن طريق ملصقات داخل المؤسسة. وإذا كان المعتقل أميا، وجب إخباره شفويا من طرف المكلف بالعمل الإجتماعي وفي هذه الحالة يشار إلى ذلك الإخبار بملفه) .

نظام التغذية: إن التغذية المقدمة في السجن ضعيفة جدا ولا تستجيب لمواصفات المادة 20 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء حيث تنص:

- توفر الإدارة لكل سجين في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم.

- توفر لكل سجين إمكانية الحصول على ماء صالح للشرب كلما إحتاج إليه.

وكل هذه الشروط لا تتوفـر بتاتا فيما تقدمـه إدارة السجن بإنزكان، حيث يقتصرون في وجبـة الفطور على الشاي أو القهوة أو الحساء أما وجبة الغذاء فعادة ما تكون قطاني أو خضر " مخلطة " أو كسكس بارد وغير مطهي، ويحرم السجين من قطعة صغيرة من اللحم لمدة 20 يوما (هذه القطعة تسمى " جبود " نظرا لإستعصائها على المضغ والطريقة الوحيدة لأكلها هي البلع) ويحصل أيضا على بيضة مسلوقة في زمن يتعدى 15 يوما إضافة إلى خبز معجون بدقيق رديء جدا أو غير مطهي ولكونه يطهى في الليل يسلم للسجين في اليوم الثاني إذ يصبح بارد ويصعب أكله، في حين وجبة العشاء عادة ما تكون روز أو شعرية أو جلبانة مليئة بالأحجار والمثير للتقزز كون الوجبات تنبعث منها رائحة كريهة، وهذا ما يدفع عائلات السجناء مضطرين إلى تحمل الجزء الأكبر من تغذية أبنائهم على حسابهم وطبعا الأمر يعود بالأساس إلى رداءة التغذية كما ونوعا وإعدادا. وهنا لابد أن أضيف أن السجناء مجبرين على تناول ما يقدم لهم رغم رداءته بدافع الجوع خصوصا أولئك الذين لا يزورهم أحد وهم يشكلون نسبة كبيرة لأن جلهم ينحدرون من أوساط فقيرة لذلك يبقون عرضة لسوء التغذية فضلا على أن الأواني غير صالحة للطبخ، وتناول بعض المواد كالبطاطيس المسلوقة التي تقشر مباشرة على الأرض وهكذا يضطرون إلى تناول ما قد تنفر منه حتى الكلاب الراقية.

إن السجنـاء يلجأون لإستعمال " الفتيلـة " بالزيت أو البلاستيك لأنـه لا يسمح لهم بإستعمال " الريشو " بالرغم من مضاعفاتها على صحتهم ويتفادون الحراس نزعها من السجناء ليس خوفا على صحتهم بل بعد ما يحصلوا على هدايا من مستخدميها . أما الهاتف فيخضع للمراقبـة الدائمـة والإبتزاز اليومي فمن أجل إجراء إتصال هاتفي فلابد من دفع مبلغ قدره 50 درهم وكدليل على المراقبة المشددة فيمكن الرجوع " للمرصد الوطني للسجون " لمعرفة عدد المكالمات الواردة عليه من سجن انزكان خصوصا وأن الزيارة التي قام بها المرصد بتاريخ 29/05/2000 تم توزيع أرقام الهواتف كحماية أولية للنزلاء لتشجيعهم للحديث عن مختلف الخروقات الممارسة ضدهم بالسجن فعددهم يفوق 2400 في سجن يوجد به فقط هاتفين يسهر عليهما موظف واحد، يخصص يومي الإثنين والثلاثاء لجناح الحي الجديد والأربعاء والخميس لجناح " القشلة " الحي القديم ويوم الجمعة مخصص لجناح النساء ويسمح بالإتصال بأفراد العائلة الذين يحملون نفس الإسم بل التقيد بما هو وارد في وصل الهاتف الذي يشترط إحضاره قبل إجراء أي مكالمة وهي في الواقع إجراءات تزيد من تشديد الخوف للحيلولـة دون إبلاغ الخروقات ومظاهر الفساد المتفشية للجهات المسؤولة والمنظمات المهتمة (المادة 98 من نفس القانون: للمعتقلين أن يتقدموا بتظلماتهم إلى مدير المؤسسة، أو إلى مدير إدارة السجون والسلطات القضائية ولجنة المراقبة الإقليمية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية إما شفويا أو كتابة ).

وعلى العموم تصل الأوضاع بهذا السجن المخيف إلى حد المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، فالزنازن دوما قذرة ورطبة وباردة في الشتاء وحارة جدا في الصيف إلى درجة تشم فيها الجلد البشري " يحترق " تاركا روائح تزكم الأنفس كما أنها مليئة بالحشرات والصراصير والبعوض والقمل والتي تتكاثر خصوصا في فصل الصيف وغيرها من الحشرات التي تتسلل إلى الجسد في كل وقت وحين، فضلاعن إنتشار الشذوذ الجنسي وبشكل خطير، وإختلاط المحبوسين لأسباب مدنية في حوادث السير والنفقة أو شيك بدون رصيد مع أصحاب الجنايات (القتل والإغتصاب...) وتجد الأحداث مع البالغين وأصحاب الأمراض العقلية والنفسية مع السجناء العاديين، ودون تصنيف للسجناء على أساس الجنس والحالة الجنائية والعمر والسجل والسوابق والمؤهلات الصحية والبدنية وبصفـة عامة شخصية المعتقل (المادة 29 تقول: يوزع المدانون على المؤسسات المخصصة لتنفيذ العقوبات المشار إليها في المادة 8 على أن يراعى بصفـة خاصـة عند التوزيع جنس المعتقل . وسكنى عائلته، وسنه، وحالته الجنائية، وسوابقه، وحالته الصحية البدنية والعقلية، ومؤهلاته، وكذا النظام السجني الذي يخضع له، قصد إعادة إدماجه الإجتماعي)، بل الجميع يتم تجميعهم في غرف مكتظة في غياب مرافق صحية، ذلك أن السجناء يشتركون في إستعمال مرحاض واحد بالتناوب ولا يتوفر على باب ويسبب الكثير من الإزعاج والإحراج، ولا توجد بتاتا أية مرافق لغسل الثياب وأواني الطعام كما هو وارد في نفس القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المسجونين،(في القانون الدولي تقول أحد المواد: يجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية في حين ضرورتها وبصورة نظيفة ولائقة). أما عن الطعام فهو غير كاف ورديء النوعية، والأطباق التي يتناول فيها السجناء هي من البلاستيك وغالبا ما يحتوي الطعام على أوساخ وحشرات وأتربة. وهذا كله يتناقض والفقرة 20 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المسجونين.

أما الرعاية الطبية فتكاد تكون منعدمة، فغالبا ما تنتشر الأورام بالجسم على شكل خدشات ويكثر الصراخ ليلا ونهارا دون أن يتدخل أحد لإنقاذ المشتكي، في إنتظار أن عمله مقابل فقط المعاينة من طرف الطبيب (أعني السابق الذي توفي)، أما الحصول على الدواء فيستدعي مجهودا آخر وكثيرا ما تجد الطبيب يشتكي من صعوبة القضاء على الأمراض المنتشرة داخل السجن المتسخ بفعل الإكتظاظ أو بفعل إنعدام الوسائل الممكنة والفعالة للحد من خطورة الأوضاع، وهذا ما يجعل بعض السجناء يلجأون إلى معالجة بعض الجروح بالوسائل التقليدية " بالتبول " أو " بالتوابل " أو باللجوء إلى نسيانها. وفي ذلك خطورة في إنتقالها خصوصا وأن الإزدحام يلاحظ حضوره في كل مكان، فالأرجل تتشابك والأيادي تتلامس والرؤوس تتلاصق، حيث يصعب التنفس والحركة .

إنه بحكم نشاطي الحقوقي (عضو المجلس الوطني لمنتدى الحقيقة والإنصاف وعضو مكتب فرع الصحراء) وإطلاعي المحدود على القوانين الدولية والمحلية التي تنظم السجون وكيف تحدد وتؤسس لطبيعة هذه المؤسسات كنت أعتقد أن الممارسات الشاذة لم تمارس إلا في مراكز الإحتجاز السرية. أما السجون الأخرى فهي مؤسسات نظرية ومعلومة تربوية بالدرجة الأولى تهدف إلى تقويم سلوكات الفرد التي جاءت نتيجة لعوامل مجتمعة نفسية وإجتماعية وإقتصادية وسياسية ترجمت في شكل تمرد على قوانين وضعية، لذلك وجب إعادة تصويب وضبط ممارسته وأخلاقه لإدماجه في المجتمع من جديد. لذلك كنت أخال أنه على الأقل بالرغم من الإمكانيات المحدودة أن العاملين في السجون يتوفرون على شروط (تكوين نفسي سوسيولوجي وقانوني) تؤهلهم ليقوموا بالوظيفة الإجتماعية المنوطة بهم إضافة إلى تسطير برامج ثقافية وتربوية ومهنية تنسجم مع مرامي هاته المؤسسات التي أنجزت من أجلها وهو الإصلاح وتهذيب المجرم وتأهيله للإندماج في الحياة الإجتماعية بعد قضاء العقوبة كلا أو جزءا بصورة عادية، وعندئذ يتطلب الأمر أن يوفر للسجين معاشا صحيا سليما داخل المؤسسة السجنية وأسباب الوقاية الطبية ووسائل العلاج الطبي ومرافق رياضية وظروف التكوين المهنى والتثقيف والترفيه بين الفينة والأخرى، ولكن أن يتحول السجن إلى " مدرسة " لإكتساب الإحترافية في الإجرام وإغناء تجربة الإنحراف ومصدر أساسي من مصادر تفشي الجريمة بالمجتمع فذلك أمر خطير يستدعي الوقوف عنده، ويمكن مقاربة ما ينطبق قبل أن أنهي هذا التقرير من أفكار ومدى إعمالها عبر تبيان بعض ملامح الحياة اليومية للسجين بمعتقل أنزكان ومن خلال طرح سؤال، كيف يمضي السجين يومه بسجن أنزكان؟ والإجابة على هذا السؤال تمكننا من فهم وقراءة ما تؤديه هذه المؤسسة من دور ومدى إنسجامها مع ما تحدده لنفسها من أهداف، دون أن نغفل أن هذا التقرير سيساهم في صياغة أسئلة كبرى أعتبرها أرضية النقاش وتحديد إلى أين تتجه أوضاع السجون بالمغرب؟. إذا كيف يقضي السجين يومه بمعتقل أنزكان؟ .

في الساعـة السابعـة صباحا يقوم السجناء الذين يتوفرون على أماكن للنوم (شبر وأربـع أصابـع) بطي فراش النوم (البلايص)، أما السجناء الذين ينامون في " لاكار والزوبية " يجمعون فراشهم " حسيرة وكشة " مبللة ومتسخة وتبدأ العملية الروتينية وهي عملية النداء appele’L لتدقيق معرفة عدد السجناء حيث يفرض على الجميع الوقوف لمدة ساعة تقريبا إنضباطا لهذا الإجراء الذي يسبب الإخلال به " عقوبة الكاشو " وكما يلقنون السجناء أن عملية النداء هي " الحبس " وهي المحددة لسيرة السجين، وتتكرر هذه العملية أكثر من أربع مرات في اليوم وفي حالة عدم ضبط السجناء تعاد العملية للتأكد من نسبة السجناء ويعزون هذا الإجراء إلى اعتبار أمني وهو الخوف من فرار أحد السجناء وبعد أن يجمع فراش النوم الذي يصل للحائط يجلس السجين الذي يكون قد قضى عشر سنوات جلسة القرفصاء اليوم كله والأسوأ من كل هذا أن السجناء الذين لا يملكون مكانا للنوم " جليجة " يجلسون على الأرض بدون فراش أو على غطاء مبلل بالبول وبأشياء أخـرى في انتظـار معانـاة النوم وعمليـة " التقلاش " التي ستبدأ في الليل، هذه الوضعية لا تسمح لهم بتناول أي وجبة من الوجبات اليومية أو بمشاهدة شاشة التلفزة نظرا للضجيج الذي يحدثه أكثر من 140 سجين في غرفة صغيرة ضيقة لا تتعدى طاقتها الإيوائية أكثر من 15 سجين، وهذا ما يؤثر على نفسية السجناء إذ أصبح الصداع والضوضاء والصراخ أشياء مألوفة ومعتادة لدى السجناء ليس في النهار فقط ولكن في الليل أيضا، إن السجين يقضي يومه إما نائما بعد تناوله للحبوب المخدرة ولا يستفيق إلا وقت عملية النداء ويعاود النوم من جديد أو في الحديث الأسطواني عن تهمته وأسباب إعتقاله والإستماع إلى تهم السجناء ومغامراتهم وما إقترفوه من جرائم سابقة من إغتصاب وسرقة وقتل وذلك بغاية المزيد من الإحترافية في عالم الإجرام، إنها ثقافة منتشرة حيث أضحى ما يحكى يشكل " بطولات " مدعاة للإعتداد بالذات والتطبيل لما قام به السجين من عمليات نهب لأنه الشكل الوحيد للتواصل مع المحيط ولإثبات الذاث في واقع أحدث قطيعة مع العالم الخارجي بمفاهيمه وكلماته وإشاراته وأدوات تناول أكله وملبسه ومسكنه وصدق من قال: الداخل مفقود والخارج مولود.

ان السجين الدي يعاود المجيء عشرات المرات الى السجن ينظرله بكونه " حباس مسمار" وتحمل من منظور السجن معنا قدحيا أي سجين محترف يعرف كيف يدبر اموره بالسجن وكيف يواجهه ويتحمل طبيعته الصعبـة على خلاف إنسان مبتدئ ينعت بكلمـة متداولـة وهي " البوجادي " الذي يفتقد " تجربة الإعتقال ".

قد لا يصدق الإنسان بأن الكثير من السجناء لا يكترثون بالخروج بمبرر أن الأفق مسدود بالنسبة إليهم والمؤكد أنه سيرجع إلى السجن ثانية بالرغم من طبيعته وبالتالي يفضل البقاء في السجن لأنـه أرحم في رأيه كونه يوفر مسكن للإنسان وأين يأكل عبر ما يحصل عليـه بعلاقاتـه والخدمات التي يقدمها في حمل المؤونـة وتنظيف الملابس أو المتاجـرة في الممنوعات.

إن هذه بعض الملامح للحيـاة التي يحياها السجين بالمعتقل أنزكان وتتكرر بشكل يومي .

خاتمة:

إنـه بالرغم من تغير القانون المنظـم للسجـون (11/4/1915 و26/6/1930 و 10/9/1942) بالقانون 98/23 ونضال المنظمات الحقوقية التي فضحت طبيعة السجون بشكل عام وسجن أنزكان بشكل خاص والذي أوصت بإقفاله في سنة 1995 نظرا لإفتقاده لأبسط الشروط الأساسية، يبقى هذا السجن مقبرة جماعية لأحياء أموات وأكيد أن هناك سجونا أخرى لا تقل فظاعة بكل من الجديدة، العيون، فاس، ومكناس، وقلعة السراغنة، ووجدة... الخ بالرغم من أن إدارة السجون تتعامل إنطلاقا من خلفية إضفاء واقع الحال الذي لا يمكن إخفاؤه عن المتتبعين، وتضع كافة العراقيل لتقديم الأوضاع على غير حقيقتها.

إذا هذه رسالة موجهة ليس للرأي العام المحلي فحسب ولكن للضمير الإنساني العالمي للتحرك قصد إنقاذ حياة الآلاف من البشر الذين يموتون بشكل بطيء دفعتهم ظروف الفقر والحاجة وطبيعة السياسات المنتهجة في المغرب إلى الإنحراف الذي يعتبر نتيجة وليس سببا.

إنني متأكد لو أننا في بلد ديمقراطي وتم الكشف عن طبيعة هذه الجرائم لا نتفض المواطنون وخرجوا في مظاهرات ينددون بهذه الممارسات ويحولون سجن انزكان إلى متحف للذاكرة وتمثال يذكر البشرية ببؤس ومأساة الآلاف من السجناء. وفي النهاية هذا التقرير أود طرح أسئلة كبرى:

هل هذه المؤسسات بالشروط السالفـة الذكر تسعى لتأهيل السجين وإدماجه داخل المجتمع؟ هل هكذا يعامل السجين سواء كان ظالما أو مظلوما؟ وأين هي حقوق الإنسان التي يتبجح بها النظام المغربي؟، ألا يعتبر إصلاح السجون مدخلا أساسيا لتحسين أوضاع حقوق الإنسان؟

شهادة المعتقل السياسي علي سالم التامك

رقم الإعتقال 86401

المركب السجني لسلا

- عضو المجلس الوطني لمنتدى الحقيقة والإنصاف وعضو مكتب فرع الصحراء

- عضو اللجنة الإدارية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس الإتحاد المحلي لأسا – الزاك

شروحات:

هناك بعض المصطلحات العامية المستعملة وهي جزء من ثقافة السجون يتوجب شرحها وهي :

· لاكار: هو مكان مخصص داخل الغرفة للنوم حيث ينام فيه السجين في وضعية كارثية إما في حالة قرفصاء أو أرجله ممددة جانبا أو يضع رجليه على كتفي سجين آخر ورأسه في أسفل أو في حالة أخرى يختار أن يبقى واقفا طيلة الليل.

· الزوبية: هو مكان وسط " لاكار " وهو أسوأ من هوامش " لاكار "

· تزراف: هو إجراء تأديبي أولي تقدم عليه الإدارة يتمثل في نقل السجين من الغرفة التي كان موجودا بها إلى غرفة أخرى حيث يفتقد مكان النوم أي " البلاصة " ويبدأ النوم في "لاكار" في انتظار أن تصله ما يعرف " بالنوبة ".

· البلاصة: مكان النوم الذي يقاس بأصابع اليد.

· الزميت: تعني هذه الكلمة وضع السجين في "لاكار" أو "الزوبية " وتحريش السجناء عليه واستعمال كافة أشكال التضييق معه كحرمانه من الفسحة وسلبه كل حاجياته ومؤونته.

· جليجة: أي البلاصة .

· القشلة: الحي القديم.

· النداء appel‘l: هو إجراء يعرفه السجن ثلاث مرات في اليوم حيث يتم تعداد السجناء وهم واقفون.

· الفتيلة: آلة يصنعها السجناء من علبة نيدو أو السردين أو البلاستيك ويتم استخدامها بالزيت قصد الطهي وهي الأكثر تداولا في السجون وتعرف لديهم بـ " الفورنو"

· الكاشو: زنزانة صغيرة في مساحتها تشبه القبر مخصصة أصلا للسجناء الذين يواجهون إجراءات تأديبية .

ملحوظة

وجهت نسخة من هذا التقرير "شهادة " إلى:

- السيد الوزير الأول

- السيد وزير حقوق الإنسان

- السيد رئيس مجلس النواب

- السيد رئيس مجلس المستشارين

- السيد رئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان

- كل رؤساء الفرق البرلمانية

- المنظمات الحقوقية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، المرصد الوطني للسجون، المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف)