المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسلوب القرآن



ويل سميث87
06-03-2003, 12:08 AM
مرحباً....

هذه مقالة بقلم زهير المزيدي انقلها لكم لتبدوا رأيكم فيها :


الصورة السينمائية في القرآن الكريم!

القرآن الكريم زاخر بما يمكن أن نسميه "أسلوب عرض الصورة"، أو "استعراض المشهد" وهو ما يمكن أن يستفاد به في التصوير السينمائي والتلفزيوني، ومن خلال دراستنا للعديد من القصص القرآني توصلنا إلى ما يستحق وصفه بـ"أسبقية القرآن في صناعة الصورة"، وهي صور دقيقة ومتعددة (الكادرات) فمنها اللقطة القريبة جدًا، واللقطة القريبة، واللقطة المتوسطة، واللقطة العامة، والأمثلة –تقريبًا- لا حصر لها:

جاء في القرآن الكريم في سورة يوسف (آية 4) : "إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا…".

وهنا يمكن أن نستخرج "لقطة قريبة جدًا" لفمِ يوسف وهو يحدّث أباه، ثم "لقطة قريبة" للفم والأذن معًا، ويمكن بعدها أن تجيء لقطة متوسطة لوجهيهما والأب ينصت، ثم وهو يرد على يوسف: "قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا" كما جاء بالآية الخامسة من ذات السورة.. وتتسع الصورة لتسعهما معًا في لقطة متوسطة.

وهذا يوضح اللقطات المتتابعة لفعل الحكي بين الاثنين، ويظهر وجهيهما تدريجيًا، لينتقل التصور عند المتلقي من الكلمة الواحدة إلى الحكاية، متزامنًا ذلك مع الانتقال من الفم الذي تولّى الحكي أو القص، إلى الشخص، ثم إلى المستمع ليكتمل الحدث في ذهن المتلقي، فيما يمكن أن نسميه "تطوير المشهد" بالتزامن بين الصورة والكلمات.

وبذات التكنيك يمكن أن ننتقل إلى اللقطة الكبيرة أو البعيدة، حين اجتمع إخوة يوسف وتآمروا عليه: "فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب" (آية 14) وكلمة "ذهبوا" تشير للابتعاد التدريجي لهم وهم يصطحبون أخاهم الصغير (يوسف).

كما هو معروف فإنه يمكن الانتقال بين اللقطات، من المتوسطة إلى البعيدة أو إلى القريبة والعكس داخل المشهد الواحد: حين اجتمعوا لإتمام المؤامرة، وهم جميعًا معًا في لقطة كبيرة وهم يقولون: "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخل لكم وجه أبيكم، وتكونوا من بعده قومًا صالحين".

وتنتقل اللقطة من الكبيرة إلى المتوسطة وأحدهم يرد: "قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين"، وهنا يمكن أن يظهر هذا المتكلم فقط أو مع اثنين ممن حوله في اللقطة المتوسطة، ويمكن أن تؤخذ عدة لقطات لوجوههم المندهشة -لقطات قريبة- أو لعيونهم الذاهلة بسبب الاقتراح بإلقاء يوسف في الجب، وهي كلها لقطات انتقالية من حالة إلى أخرى داخل المشهد الواحد، ويمكن أن تختلف زاوية التقاطها أو المسافة، وكذلك حجم (الكادر) أو الإطار، وباختلاف التفاصيل: فيمكن أن تحتشد الصورة بالأشخاص، أو بشخصين، أو وجهين، أو عينيين، بمقتضى الحال، وبما يتناسب مع الكلمة، وحسب ضرورة اللقطة؛ فاللقطة لا بد أن تكون ضرورية، والانتقال إليها والخروج منها أيضًا لضرورة.

ومن ذات السورة وذات التداعيات يمكن أن نورد مثلاً آخر، ولكن على نحو أسرع، "وجاءت سيارة" لقطة بعيدة للقافلة تقترب من البئر ـ الجب ـ "فأرسلوا واردهم" أي جلاب الماء، وهي لقطة متوسطة له وهو يقف على حافة البئر وينزل دلوه، واللقطة القريبة حين يخرج الدلو: "قال يا بشرى هذا غلام"، صورة الغلام وهو معلق في الدلو!! وهنا الانتقال بين (كادرات) مختلفة بتفاصيل متباينة، ومسافات ليست متطابقة، ولكنها جميعًا ينتظمها رابط واحد، وهو الحدث الذي يجلوه التتابع الحركي للقطات والمشاهد لتتراكم في ذهن المتلقي ناسجة الحكاية بالصورة في أبعادها المختلفة.

حركة الكاميرا


نموذج لقطة قريبة

والكاميرا يمكن أن تنتقل رأسيا وأفقيًا، وبالتطبيق على القرآن الكريم في سورة الغاشية يقول رب العزة "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت"، وهذا يمكن أن تستعرض الكاميرا قطيعا كبيرا من الإبل، وفي لقطات مختلفة، يمكن أن تصور الجمال (البارِكة) أو وهي (تبرك) أو (تنهض) أو وهي (تجتر) طعامها، أو وهي تمرح وتجري وهي تتسابق في مرح وهكذا يمكن تصوير "أسنامها" في لقطات صغيرة أو قريبة جدًا، وسيقانها ووجوهها العجيبة، أو عيونها الغريبة التي قد يظن من يراها أن بها حزنًا ما، أو شفاهها المشقوقة، وغير ذلك مما يستحق التأمل.. وكله يعني أن الكاميرا يمكن ألا تتوقف عن الحركة وكأنها عين إنسان تتفرج وتتأمل.

وكذلك يمكن أن تنتقل في ذات المشهد إلى الجبال الرابضة في عمق المشهد، أو التي تمرح الجمال غير بعيدة عنها، وتنقل الكاميرا التفاصيل العديدة من السفح إلى القمة، والتنقل بين القمم، فوق الصخور، وبين انعكاسات الضوء والظلال، وبما يكشف غرابة وغموض الجبال ويترك في النفس مهابة.. تفصيلاً كما جاء في الآية الكريمة "وإلى الجبال كيف نُصبت"، وكذلك ترتفع الكاميرا نحو السماء من داخل ذات الحركة لكشف بعد آخر في الآية: "وإلى السماء كيف رفعت"، ويمكنها أن تعود إلى الأرض لتستكمل الوصف "وإلى الأرض كيف سُطحت".

ويجوز أن تبدأ حركة الكاميرا باللقطة الأنسب؛ فمثلا إذا كان وقت شروق الشمس من وراء جبل، فيمكن أن تنزل الكاميرا من السماء إلى الشمس خلف حافة الجبل، ثم تنزل نحو الإبل وهي تبدأ يومها، وتكشف عن امتداد الأرض على مدى الشوف (النظر)؛ لتظهر "كيف سطحت".

قوافي اللقطات

في ثلاث آيات متتاليات تلاحظ دائمًا بداية المشهد يكون لقطة متوسطة، تليها ثلاث لقطات قريبة، وهي على النحو التالي:

"وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبًا إنا لنراها في ضلال مبين" (لقطة متوسطة- لقطة قريبة).

"فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن واعتدت لهن متكئًا وءاتت كل واحدة منهن سكينًا وقالت اخرج عليهن" (متوسطة ثم قريبة).

"وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم" (متوسطة ثم قريبة).

التشويق


نموذج لقطة بعيدة

وكذلك نجد التشويق في ترتيب الصور وتتابعها فمن صورة "قص يوسف لأبيه الرؤيا" إلى صورة "تذمر الإخوة"، إلى "حديثهم مع أبيهم"، إلى "إلقاء يوسف في الجب"، إلى "استخراجه منه" على يد السيارة أو القافلة، إلى "بيعه في مصر"، إلى الأحداث المتعاقبة في بيت العزيز، وواقعة امرأة العزيز، وتقولات نساء المدينة، ودعوتهن لرؤية يوسف، ثم سجن يوسف، وخروجه لتفسير رؤيا الملك، وقيامه على خزائن مصر، وتعرفه على إخوته، وكل هذا الأحداث التي تعني التدفق الدرامي، الذي يصنع التشويق لدى المتلقي كما تصنعه دائمًا لدى المستمع إلى القرآن.

والتشويق هذا قد يفسّر من جانب آخر إقبالَ المستمعين للقرآن على السور المليئة بالقص والحكي؛ لأن الصور المتعاقبة فيها تتفاعل مع خيال المستمع وتؤجج مخيلته، ومن هذا تجيء أهمية عنصر التشويق، سواء في السرد، أو القراءة، أو التصوير –إذا أمكن تصوير مثل هذه الأحداث- ولكنها في النهاية تعني بشكل جازم أن القرآن الكريم كان أسبق من كل محاولات التصوير، فكأن الكلمات ترسم تفاصيل الصور في المخيلات، وباستخدام كل تقنيات صناعة الصورة في أحدث إمكانياتها.

وهذا من جانب آخر يحافظ على الإيقاع العام في القصة، فليس هناك مشهد أو كلمة أو لقطة، أو حدث أو شخص زائد، بل كلها هامة وتكشف عن دقة بالغة في التطوير الدرامي، ثم إيجاد حل للأزمة بعد تعقّدها، فليس هناك أعقد مما جرى ليوسف من تخلي إخوته، وإلقائه في الجب، وبيعه ، وإغواء امرأة العزيز، ثم الزج به إلى السجن، وتنفرج العقدة الدرامية بخروجه، وتولّيه منصب الوزارة، وعثوره على إخوته، وطمأنة أبيه ، وهو سياق درامي أسبق من كافة المحاولات، ويؤكد على عظمة القرآن وخلوده وتفوقه الموضوع منقول