المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان و نواقضه



moKatel
09-03-2003, 08:52 PM
السلام عليكم

دل الكتاب و السنة على أن الإيمان اسم يشمل :

1- اعتقاد القلب ، و هو تصديقه ، و إقراره .
2- إقرار اللسان .
3- عمل القلب ، و هو انقياده ، و إرادته ، و ما يتبع ذلك من أعمال القلوب كالتوكل ، و الرجال ، و الخوف ، و المحبة .
4- عمل الجوارج – و اللسان من الجوارح – و العمل يشمل الأفعال و التروك القولية أو الفعلية .
قال الله تعالى ( يا أيها الذين ءامنوا بالله و رسوله و الكتاب الذي نزَّل على رسوله و الكتاب الذي أنزل من قبل و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسوله و اليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً ) النساء : 136 .
و قال تعالى ( فآمنوا بالله و رسوله و النور الذي أنزلنا و الله بما تعملون خبير ) التغابن : 8 .
و قال تعالى ( آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسوله ) البقرة : 285 .
و قال تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم ، و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً و على ربهم يتوكلون [2] الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون [3] أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم و مغفرة و رزق كريم ) الأنفال : 2-4 .
و قال تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون ) البقرة : 177 .
و قال تعالى ( و من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و لكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم ) النحل : 106 .
و قال تعالى ( و ما كان الله ليضيع إيمانكم ) البقرة : 143 .
و الآيات في هذا المعنى كثيرة .
و في " الصحيحين " عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لوفد عبد القيس لما اتوا إليه ، قال ( من القوم ؟ أو من الوفد ؟ ) قالوا : ربيعة ، قال ( مرحباً بالقوم – أو بالوفد – غير خزايا و لا ندامى ) فقالوا : يا رسول الله ، إنما لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام ، و بيننا و بينك ه1ا الحي من كفار مضر ، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ، و ندخل به الجنة ، و سألوه عن الأشربة فأمرهم بأربع ، و نهاهم عن أربع ، أمرهم بالإيمان بالله وحده ، قال ( أتردون ما الإيمان بالله وحده ؟ ) قالوا : الله و رسوله أعلم .
قال ( شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمداً رسول الله ، و إقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ، و صيام رمضان ، و أن تعطوا من المغنم الخمس ، و نهاهم عن أربع : عن الحنتم ، و الدباء ، و النقير ، و المزفت – و ربما قال : المقير – و قال ( احفظوهن و أخبروا بهن من وراءكم ) .
و في " الصحيحين " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( الإيمان بضع و ستون شعبة و الحياء شعبة من الإيمان ) .
و في " الصحيحين " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سُئل : أي العمل أفضل ؟ فقال ( إيمان بالله و رسوله ) ، قيل : ثم ماذا ؟ قال ( الجهاد في سبيل الله ) قيل : ثم ماذا ؟ قال ( حج مبرور ) .

و في " صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، و ذلك أضعف الإيمان ) .
و قد استفاض عن أهئمة أهل السنة – مثل : مالك بن أنس ، و الأوزاعي ، و ابن جريج ، و سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، و وكيع بن الجراح ، و غيرهم الكثير – قولهم ( الإيمان قول و عمل ) .
و أرادوا بالقول : قول القلب و اللسان ، و بالعمل : عمل القلب و الجوارح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " العقيدة الواسطية " ( ومن أصول أهل السنة و الجماعة أن الدين والإيمان قول و عمل ، قول القلب واللسان ، و عمل القلب ، واللسان ، والجوارح )
فظهر أن اسم الإيمان يشمل كل ما أمر الله به و رسوله من : الاعتقادات و الإرادات ، و أعمال القلوب ، وأقوال اللسان ، و أعمال الجوارح أفعالاً و تروكاً ، فيدخل في ذلك فعل الواجبات و المستحبات ، وترك المحرمات ، والمكروهات ، وإحلال الحلال ، و تحريم الحرام .
و هذه الواجبات والمحرمات ، بل و المستحبات والمكروهات ، على درجات متفاوتة تفاوتاً كبيراً .

وبهذا يتبين أنه لا يصح إطلاق القول بأن العمل شرط صحة أو شرط كمال بل يحتاج إلى تفصيل ؛ فإن اسم العمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح ، و يشمل الفعل و الترك ، و يشمل الواجبات التي هي أصول الدين الخمسة ، وما دونها ، و يشمل ترك الشرك و الكفر و ما دونهما من الذنوب .

فأما ترك الشرك و أنواع الكفر والبراءة منها فهو شرط صحة لا يتحقق الإيمان إلا به .
و أما ترك سائر الذنوب فهو شرط لكمال الإيمان الواجب .
وأما انقياد القلب – وهو إذعانه لمتابعة الرسول صلى الله عليه و سلم و ما لابد منه لذلك من عمل القلب كمحبة الله ورسوله ، و خوف الله و رجائه – و إقرار اللسان – و هو شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمد رسول الله – فهو كذلك شرط صحة لا يحقق الإيمان بدونهما .
وأما أركان الإسلام بعد الشهادتين فلم يتفق أهل السنة على أن شيئاً منها شرط لصحة الإيمان ؛ بمعنى أن تركه كفر ، بل اختلفوا في كفر من ترك شيئاً منها ، و إن كان أظهر و أعظم ما اختلفوا فيه الصلوات الخمس ، لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ، و لما ورد في خصوصها مما يدل على كفر تارك الصلاة ؛ كحديث جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( بين الرجل و بين الشرك و الكفر ترك الصلاة ) أخرجه مسلم في صحيحه و غيره ، و حديث بريده بن الحصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه نو سلم ( إن العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) أخرجه أصحاب السنن .
وأما سائر الواجبات بعد أركان الإسلام الخمسة فلا يختلف أهل السنة أن فعلها شرط لكمال إيمان العبد ، و تركها معصية لا تخرجه من الإيمان .

و ينبغي أن يعلم أن المراد بالشرط هنا معناه الأعم ، و هو ما تتوقف الحقيقة على وجوده سواء كان ركناً فيها أو خارجاً عنها ، فما قيل فيه هنا أنه شرط للإيمان هو من الإيمان .
و هذا التفصيل كله على مذهب اهل السنة ، والجماعة فلا يكون من قال بعدكم كفر تارك الصلاة كسلاً أو غيرها من الأركان مرجئاً ، كما لا يكون القائل بكفره حرورياً .
و إنما يكون الرجل من المرجئة بإخراج أعمال القلوب و الجوارح عن مسمى الإيمان فإن قال بوجوب الواجبات ، و تحريم المحرمات ، و ترتب العقوبات فهو قول مرجئة الفقهاء المعروف و هو الذي أنكره الأئمة ، و بينوا مخالفته لنصوص الكتاب و السنة .

و إن قال : لا يضر مع الإيمان ذنب ، و الإيمان هو المعرفة ، فهو قول غلاة المرجئة الجهمية و هم كفار عند السلف .
و بهذا يظهر الجواب عن مسألة العمل في الإيمان هل هو شرط صحة أو شرط كمال ، و مذهب المرجئة في ذلك و هذا و لا أعلم أحداً من الأئمة المتقدمين تكلم بهذا ، و إنما ورد في كلام بعض المتأخرين .

و بهذا التقسيم و التفصيل يتهيؤ الجواب عن سؤالين :
أحدهما : بم يدخل الكافر الأصلي في الإسلام ، و يثبت له حكمه ؟
والثاني : بم يخرج المسلم عن الإسلام ، بحيث يصير مرتداً ؟

فأما الجواب عن الأول :
فهو أن الكافر يدخل في الإسلام ، ويثبت له حكمه بالإقرار بالشهادتين ( شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ) فمن أقر بذلك بلسانه دون قلبه ثبت له حكم الإسلام ظاهراً ، و إن أقر بذلك ظاهراً و باطناً كان مسلماً على الحقيقة و معه أصل الإيمان ، إذ لا إسلام إلا بإيمان ، و لا إيمان إلا بإسلام .
و هذا الإقرار الذي تثبت به حقيقة الإسلام يشمل ثلاثة أمور : تصديق القلب ، وانقياده ، ونطق اللسان ؛ و بانقياد القلب و نطق اللسان يتحقق الإقرار ظاهراً و باطناً ، و ذلك يتضمن ما يعرف عن أهل العلم بالتزام شرائع الإسلام ؛ و هو الإيمان بالرسول صلى الله عليه و سلم و بما جاءه به و عقدُ القلب على طاعته ، فمن خلا عن هذا الالتزام لم يكن مقراً على الحقيقة .
فأما التصديق : فضده التكذيب و الشك و الإعراض .
وأما الإنقياد : فإنه يتضمن الاستجابة ، والمحبة ، والرضا والقبول ، وضد ذلك الإباء ، و الاستكبار و الكراهة لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم .
و أما النطق باللسان : فضده التكذيب و الإعراض ، فمن صدق بقلبه و كذب بلسانه فكفره كفر جحود ، و من أقر بلسانه دون قلبه فكفره كفر نفاق .
فنتج عن هذا ستة أنواع من الكفر كلها ضد ما يتحقق به أصل الإسلام و هذه الأنواع هي :
1- كفر التكذيب .
2- كفر الشك .
3- كفر الإعراض .
4- كفر الإباء .
5- كفر الجحود .
6- كفر الإعراض .
و من كفر الإباء و الاستكبار : الامتناع عن متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و الاستجابة لما يدعو إليه ، و لو مع التصديق بالقلب و اللسان ، و ذلك ككفر أبي طالب ، و كفر من أظهر الاعتراف بنبوة النبي صلى الله عليه و سلم من اليهود و غيرهم .

وأما جواب السؤال الثاني :
وهو ما يخرج به المسلم عن الإسلام بحيث يصير مرتداً ، فجماعه ثلاثة أمور :
الأول : ما يضاد الإقرار بالشهادتين ، و هو أنواع الكفر الستة المتقدمة ، فمتى وقع من المسلم واحد منها نقض إقراره و صار مرتداً .

الثاني : ما يناقض حقيقة الشهادتين ( شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ) :
أ- فحقيقة شهادة أن لا إله إلا الله : الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله ، و هذا يشمل التوحيد بأنواعه الثلاثة :
توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء و الصفات .
و هذا يتضمن الإيمان بأنه تعالى رب كل شيء و مليكه ، و أنه ما شاء كان ، و ما لم يشأ لم يكن ، و انه الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه ، و أنه الموصوف بكل كمال والمنزه عن كل نقص ، وأنه كما وصف نفسه و كما وصفه رسوله صلى الله عله و سلم من غير تعطيل ولا تمثيل ، على حق قوله تعالى ( ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ) الشورى:11 .
و إقراده مع ذلك بالعبادة ، و البراءة من كل ما يعبد من دونه .
و جملة ما يناقض التوحيد امور :
1- جحد وجود الله ، وهذا شر الكفر و الإلحاد و هو مناقض للتوحيد جملة ، و منه القول بوحدة الوجود .
2- اعتقاد أن مع الله خالقاً ، ومدبراً ، و مؤثراً مستقلاً عن الله في التأثير و التدبير ، و هذا هو الشرك في الربوبية .
3- اعتقاد أن لله مثلاً في شيء من صفات كماله ، كعلمه ، وقدرته .
4- تشبيهه تعالى بخلقه في ذاته أو صفاته أو أفعاله ، كقول المشبه : له سمع كسمعي ، وبصر كبصري ، ويدخل في ذلك وصفه بالنقائص كالفقر و البخل و العجز ، و نسبة الصاحبة و الولد إليه .
5- اعتقاد أن أحداً من الخلق يستحق العبادة مع الله ، و هذا هو اعتقاد الشرك في الألهية ، و لو لم يكن معه عبادة لغير الله .
و هذه الأمور الخمسة كلها تدخل في كفر الاعتقاد و شرك الاعتقاد .
6- عبادة أحد مع الله بنوع من أنواع العبادة ، و هذا هو الشرك في العبادة سواء اعتقد أنه ينفع و يضر ، أو زعم أنه واسطة يقربه إلى الله زلفى ، و من ذلك السجود للصنم .
و الفرق بين هذا و الذي قبله أن هذا من باب الشرك العملي المناقض لتوحيد العمل الذي هو إفراد الله بالعبادة ، و ذاك من باب الشرك في الاعتقاد المنافي لاعتقاد تفرد الله بالإلهية و استحقاق العبادة .
و لما بين الاعتقاد و العمل من التلازم صار يعبر عن هذا التوحيد بتوحيد الإلهية ، وتوحيد العبادة ، وعن ضده بالشرك في الإلهية ، أو الشرك في العبادة .
7- جحد أسماء الله و صفاته أو شيء منها .
8- السحر ، و يشمل :
* ما يفرَّق به بين المرء و زوجه كسحر أهل بابل .
* ما يسحل أعين الناس حتى ترى الأشياء على غير حقيقتها كسحر سحرة فرعون .
* ما يكون بالنفث في العقد كسحر لبيد بن الأعصم و بناته .
و هذه الأنواع تقوم على الشرك بالله بعبادة الجن أو الكواكب .
و أما السحر الرياضي و هو : ما يرجع إلى خفة اليد و سرعة الحركة ، و السحر التمويهي و هو : ما يكون بتمويه بعض المواد بما يظهرها على غير حقيقتها فهذان النوعان من الغش و الخداع و ليسا من السحر الذي هو كفر .

ب - حقيقة شهادة أنَّ محمداً رسول الله : أن الله أرسله إلى جميع الناس بالهدى و دين الحق ، وأنه خاتم النبيين ، وأنه الصادق المصدوق في كل ما أخبر به ، وأن هديه صلى الله عليه و سلم خير الهدي ، و أن الإيمان به ، وطاعته ، ومحبته ، وأتباعه واجب على كفر أحد .
و جملة ما يناقض حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله أمور :
1- جحد رسالته صلى الله عليه و سلم ، أو تكذيبه ، أو الشك في صدقه .
2- جحد ختمه للنبوة ، أو دعوى النبوة بعده صلى الله عليه و سلم ، أو تصديق مدعيها ، أو الشك في كذبه .
3- جحد عموم رسالته صلى الله عليه و سلم ، و من ذلك اعتقاد أنه رسولٌ للعرب خاصة ، أو دعوى ذلك ، أو أن اليهود و النصارى لا يجب عليهم اتباعه ، أو أن أحداً يسعه الخروج عن شريعته صلى الله عليه و سلم كالفيلسوف أو العارف من الصوفية و نحوهما .
4- تنقص الرسول صلى الله عليه و سلم ، و عيبه في شخصه ، أو في هديه و سيرته .
5- السخرية من الرسول صلى الله عليه و سلم ، والاستهزاء به ، او بشيء مما جاء به من العقائد ، والشرائع .
6- تكذيبه صلى الله عليه و سلم في شيء مما أخبر به من الغيب مما يتعلق بالله ، أو يتعلق بالملائكة ، والكتب و الرسل و المبدأ و المعاد و الجنة و النار .

ج – ما يناقض حقيقة الشهادتين جميعاً ، و يشمل أموراً :
1- التكذيب بأن القرآن من عند الله ، أو جحد سورة ، أو آية ، أو حرف منه ، أو أنه مخلوق ، أو أنه ليس كلام الله .
2- تفضيل حكم القانون الوضعي على حكم الله ، ورسوله ، أو تسويته به ، أو تجويز الحكم به و لو مع تفضيل حكم الله و رسوله .
3- تحريم ما أحل الله ، ورسوله ، و تحليل ما حرم الله ، ورسوله ، أو الطاعة في ذلك .

تنبيه : ينبغي أن يعلم :
أولاً : أن ما تقدم من أنواع الردة منه ما لا يحتمل العذر كجحد وجود الله ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه و سلم ، فهذا يكفر به المعين بكل حال .
و منه ما يحتمل العذر بالجهل ، أو التأويل ..
مثل : جحد شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم من الأخبار و الشرائع ، و هذا لا يكفر به المعين إلا بعد إقامة الحجة عليه .
ثانياً : أن من أظهر شيئاً مما تقدم من أنواع الردة جاداً أو هازلاً أو مداهناً أو معانداً في خصومة – أي غير مكره – كَفَرَ بذلك لقوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 .
و من ذلك : إظهار السجود للصنم مجاملة للمشركين ، وطلباً للمنزلة لديهم ، والنيل من دنياهم ، مع دعوى أنه يقصد بذلك السجود لله أو لا يقصد السجود للصنم ، فإنه بذلك مظهرٌ لكفر من غير إكراه ، فيدخل في عموم قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 .

الثالث : ما يلزم منه لزوماً ظاهراً و يدل دلالة ظاهرة على عدم الإقرار بالشهادتين باطناً ن و لو أقر بهما ظاهراً و ذلك يشمل أمور :
1- الإعراض عن دين الإسلام ، لا يتعلمه ، و لا يعمل به ، ولا يبالي بما ترك من الواجبات ، و ما يأتي من المحرمات ، و لا بما يجهل من أحكام .
و ينبغي أن يعلم أن المكلف لا يخرج من كفر الإعراض – المستلزم لعدم إقراره – بفعل أي خصلة من خصال البر ، وشعب الإيمان ، فإن من هذه الخصال ما يشترك الناس في فعله – كافرهم و مؤمنهم – كإماطة الأذى عن الطريق ، وبر الوالدين ، و أداء الأمانة .
و إنما يتحقق عدم هذا الإعراض ، و السلامة منه بفعل شيء من الواجبات التي تختص بها شرعية الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه و سلم – كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج – إذا فعل شيئاً من ذلك إيماناً واحتساباً ، قال شيخ الإسلام بن تيمية ( فلا يكون الرجل مؤمناً بالله و رسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه و سلم ) من " مجموع الفتاوى " ( 7 / 621 ) .
ملاحظة : هكذا وردت العبارة في " الفتاوى " ، و لعل المناسب للسياق ( مع عدم فعل شيء ) .
2- أن يضع الوالي قانوناً يتضمن أحكاماً تناقض أحكام قطعية من أحكام الشريعة معلومة من دين الإسلام بالضرورة ، و يفرض الحكم به ، و التحاكم إليه ، ويعاقب من حَكَمَ بحكم الشريعة المخالف له ، و يدعي مع ذلك الإقرار بوجوب الحكم بالشريعة – شريعة الإسلام – التي هي حكم الله و رسوله .
و من ذلك هذه الأحكام الطاغوتية المضادة لحكم الله و رسوله :
أ) الحكم بحرية الاعتقاد فلا يقتل المرتد ، ولا يستتاب .
ب) حرية السلوك ، فلا يجبر أحد على فعل الصلاة ، و لا الصيام ، و لا يعاقب على ترك ذلك .
ج) تبديل حد السرقة – الذي هو قطع اليد – بالتعزير و الغرامة .
د) منع عقوبة الزانيين بتراضيهما إلا لحق الزوج أو نحو ذلك مما يتضمن إباحة الزنا و تعطيل حدِّه من الجلد و الرجم .
هـ) الإذن بصناعة الخمر ، و المتاجرة فيه ، و منع عقوبة شاربه .
3- تولي الكفار من اليهود و النصارى ، و المشركين ، بمناصرتهم على المسلمين ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض و من يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) المائدة : 51 .
4- أن يترك المسلم الصلاة دائماً بحيث لا يصلى إلا مجاملة للناص إذا كان بينهم ، و لو بغير طهارة ، فإن ترك الصلاة على هذا الوجه لا يصدر ممن يقر بوجوبها في الباطن ، فكفر بترك الإرار بوجوب الصلاة ؛ لا بمطلق ترك الصلاة الذي اختلف فيه أهل السنة ، و لهذا يجب أن يفرق بين هذا و بين من يصلي لكنه لا يحافظ عليها فيتركها أحياناً و يقص في واجباتها ، كما يدل على ذلك حديث عبادة بن الصامت ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد ، من أتى بهن و لم يضيع من حقهن شيئاً – استخفافاً بحقهن – كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، و من لم يأت بهن جاء و ليس عنده له عند الله عهد ، إن شاء عذبه ، و إنشاء أدخله الجنة ) .

قال شيخ الإسلام بن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 22 / 49 ) :
( فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط ، و يموت على هذا لا إصرار ، والترك ، فهذا لا يكون مسلماً ، لكن أكثر الناس يصلون تارة ، و يتركونها تارة ، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها ، و هؤلاء تحت الوعيد ، و هم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت .... – و ذكر الحديث – فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى ، و الذي يؤخرها أحياناً عن وقتها ، أو يترك واجباتها ، فهذا تحت مشيئة الله تعالى ، و قد يكون لهذا نوافل يكـمل بعها فرائضه كما جاء في الحديث ) .
و قال – رحمه الله – في الأمراء الذين أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها كما في " مجموع الفتاوى 22 / 61 " ( و إن قيل – و هو الصحيح – أنهم كانوا يفوتونها فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم الأمة بالصلاة في الوقت ، و قال : أجعلوا صلاتكم معهم نافلة ، و نهى عن قتالهم .. و مؤخرها عن وقتها فاسق و الأمة لا يقاتلون بمجرد الفسق .. و هؤلاء الأئمة فساق و قد أمر بفعلها خلفهم نافلة ) اهـ بتصرف .
5 – و منها تعمد إلقاء المصحف في الحش أو البول عليه ، أو كتابته بالنجاسة ، لا يصدر عمن يقر بأنه كلام الله – عز وجل – قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في " مجموع الفتاوى 7 / 616 " ( و لا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه ، مقر بأن الله أوجب عليه الصلاة ، مقرا بأن الله أوجب عليه الصالة ، ملتزماً لشرعية النبي صلى الله عليه و سلم وما جاء به ، يأمره ولي الأمر بالصلاة ، فيمتنع حتى يقتل ، و يكون مع ذلك مؤمناً في الباطن ، قد لا يكون إلا كافراً ، و لو قال : أنا مقر بوجوبها ، غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه ، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش و يقول : أشهد أن ما فيه كلام الله ، أو جعل يقتل نبياً من الأنبياء و يقول : اشهد أنه رسول الله ، و نحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب ، فإذا قال : أنا مؤمن بقلبي ، مع هذه الحال كان كاذباً فيما أظهره من القول ) .

أما قول السائل : ( و هل سوء التربية عذراً في كفر من سب الله أو رسوله ؟ )
فالجواب :
أن سب الله و رسوله من نواقض الإسلام البينة ، لأنه استهانة بالله و رسوله ، و ذلك من يناقض ما تقتضيه الشهادتين من تعظيم لله و رسوله .
و سوء التربية ليس عذراً للمكلف في ترك واجب ، و لا فعل محرم من سائر المحرمات فضلاً عما هو من أنواع الكفر بالله .
و لو صح ان سيء التربية عذر في شيء من ذلك لكان أولاء اليهود و النصارى و غيرهم معذورين في تهودهم ، و تنصرهم ، و هذا لا يقوله مسلم ، و من قال ذلك فهو كافر يُعرّف و يستتاب ، فإن تاب و إلا وجب قتله مرتداً .
و في الصحيحن عن أبي هريرة أنه كان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، و ينصرانه ، و يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، فهل تحسون فيها من جدعاء ؟ ) ثم يقول أبو هريرة : و أقرؤوا إن شئتم ( فِطْرَتَ الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) الروم : 30 .
و قال تعالى ( بل قالوا إنا جدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون ) الزخرف : 22 .
هذا و أسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه ، و أن يحبب غلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا ، و يكره إلينا الكفر و الفسوق و العصيان ، و يجعلنا من الراشدين ، إنه تعالى سميع الدعاء ، و صلى الله على نبينا محمد ، و على آله و صحبه و سلم .

منقوووووووول

والسلام