المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لما يتعلق بالمسافر من أحكام الطهارة



moKatel
21-03-2003, 03:31 AM
أولاً: المسح على الخفين:

مشروعيته للمسافر:

المسح على الخفين مشروع في حق المسافر، وكذلك في حق المقيم، ودليل مشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ} [المائدة: 6]، قرأ نافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب: {وأرجلَكم} بالنصب، وقرأ الباقون: {وأرجلِكم} بالخفض([1]).

قال بعض أهل العلم: "إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيدًا لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفّان، وتلقينا هذا القيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يصح أنه مسح رجليه إلا وعليهما خفان، فبين صلى الله عليه وسلم بفعله الحال التي تغسل فيه الرجل، والحال التي تمسح فيه"، قال القرطبي بعدما نقل هذا الكلام: "وهذا حسن"([2]).

وقال ابن تيمية رحمه الله: "فقوله تعالى: {وأرجلَكم} بالنصب خطاب لمن رجله في غير الخفين المشروطين، وقراءة الخفض خطاب للابس الخفاف"([3]).

وأما السنة: فقد تواتر المسح على الخفين عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر رحمه الله: "وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة، وفي ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري: حدثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين"([4]).

ولذا مثَّل به بعضهم للمتواتر فقال:

مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتا واحتسب

ورؤية شفـاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض

فمن أحاديثه ما رواه الشيخان عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا.

قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة([5]).

أي أن جريرًا أسلم بعد نزول آية الوضوء التي في سورة المائدة، وهي تفيد وجوب غسل الرجلين، فيكون حديثه دالاً على أن المسح على الخفين محكم غير منسوخ، وأن الأمر بغسل الرجلين في الآية هو لغير صاحب الخف، أما صاحب الخف ففرضه المسح عليهما.

وأما الإجماع: فقد قال النووي رحمه الله: "أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو غيرها"([6]).

ولذا ذكره بعض أئمة السنة ممن صنف في العقيدة فاعتبروا القول بالمسح على الخفين من أصول أهل السنة، وترك المسح عليهما لاعتقاد عدم الإجزاء من علامات أهل البدع.

شروطه ومدته للمسافر:

للمسح على الخفين شروط يجب مراعاتها:

أول هذه الشروط: أن يكون لَبِسهما وهو على طهارة.

وثانيها: أن يكونا طاهرين غيرَ نجسين.

وثالثها: أن يكون مسْحُهما في الحدث الأصغر لا في الجنابة أو ما يوجب الغسل.

ورابعها: أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعًا، وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم([7])، يعني في المسح على الخفين.

وتبدأ هذه المدة من أول مسح بعد الحدث، وتنتهي بالنسبة للمسافر بمُضيِّ اثنتين وسبعين ساعة، فلو أن مسافرًا توضأ لصلاة الفجر يوم الأحد ثم لبس خفيه، وبقي على طهارته حتى صلى العشاء من ليلة الاثنين ونام، ثم قام لصلاة الفجر يوم الاثنين، ومسح على خفيه في الساعة الخامسة صباحًا، فإن ابتداء مدة المسح يكون من هذا الحين إلى الساعة الخامسة صباحًا من يوم الخميس، فإذا قام يوم الخميس ليصلي صلاة الفجر ومسح على خفيه قبل الساعة الخامسة صباحًا، فإن له أن يصلي الفجر، ويصلي أيضاً ما شاء من الفرائض والنوافل ما دام على طهارته، فإن وضوءه لا ينتقض بتمام المدة على القول الراجح، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت الطهارة، وإنما وقت المسح، فإذا تمت المدة فلا مسح، ولكن إذا كان على طهارة فطهارته باقية، لأن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يرتفع إلا بدليل شرعي، ولا دليل على انتقاض الوضوء بتمام مدة المسح، ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يتبين زواله([8]).

إذا تغيرت حال اللابس من مقيم إلى مسافر أو العكس:

فهذا له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون التغير قبل الحدث:

بأن يلبس الخفين وهو مقيم، ثم يسافر قبل الحدث، فهذا يمسح مسح مسافر باتفاق العلماء.

أو بأن يلبس الخفين وهو مسافر، ثم يقدم محل إقامته قبل أن يحدث، فهذا يمسح مسح مقيم.

الحالة الثانية: أن يكون التغير بعد الحدث وقبل المسح:

بأن يلبس الخفين ثم يحدث وهو مقيم ثم يسافر قبل أن يمسح، فهذا يمسح مسح مسافر، قال ابن قدامة: "لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن من لم يمسح حتى سافر أنه يتم مسح المسافر"([9]).

أو بأن يلبس الخفين ثم يحدث وهو مسافر، ثم يقدم بلده قبل أن يمسح، فهذا يمسح مسح مقيم، قال الشيخ ابن عثيمين: "لم أر في ذلك خلافًا"([10]).

الحالة الثالثة: أن يكون التغير بعد الحدث والمسح:

بأن يلبس الخفين ويمسح عليهما مقيمًا ثم يسافر، فإن انتهت مدة المسح قبل أن يسافر وجب عليه عند الوضوء خلعهما وغسل الرجلين، وإن كانت مدة مسح المقيم باقية فذهب جمهور العلماء إلى أنه يتم مسح مقيم، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يتم مسح مسافر، وهو الرواية الأخيرة عن أحمد، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

أو بأن يلبس الخفين ويمسح عليهما وهو مسافر ثم يقدم بلده بعد ذلك، فإن كانت مدة مسح المقيم قد انتهت بأن يكون مسح يومًا وليلة فصاعدًا فليس له المسح، وإن كانت باقية بأن يكون قد مسح أقل من يوم وليلة أتم مسح مقيم. قال ابن قدامة: "لا أعلم فيه مخالفًا"([11]).

قال ابن المنذر: "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ممن يقول بالتحديد في المسح على الخفين على أن من مسح ثم قدم الحضر، خلع نعليه إن كان مسح يومًا وليلة مسافرًا، ثم قدم فأقام، أن له ما للمقيم، وإن كان مسح في السفر أقل من يوم وليلة، مسح بعد قدومه تمام يوم وليلة"([12]).





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) القراءات العشر المتواترة للشيخ محمد كريِّم راجح (ص 108).

([2]) الجامع لأحكام القرآن (6/93)، وانظر: القراءات وأثرها في التفسير والأحكام (2/ 522 ـ 529) للدكتور محمد بن عمر بازمول.

([3]) شرح العمدة (1/248).

([4]) فتح الباري (1/306).

([5]) أخرجه البخاري في الصلاة [387]، ومسلم في الطهارة [272].

([6]) شرح صحيح مسلم (3/ 164).

([7]) أخرجه مسلم في الطهارة [276].

([8]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، جمع وإعداد حمود عبد الله المسطر (ص 11 ـ 12). وانظر: تمام النصح في أحكام المسح للألباني (ص 89 ـ93) في آخر كتاب المسح على الجوربين للقاسمي.

([9]) المغني (1/370).

([10]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 17).

([11]) المغني (1/370)، وانظر: رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 16 ـ 18، 21).

([12]) الأوسط (1/446).


ثانيًا: التيمم:

مشروعيته للمسافر:

يشرع للمسافر إذا لم يجد الماء أن يتيمم، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب: فقال الله تعالى: {وَإِنْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء: 43].

وقال تعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُم مّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ} [المائدة: 6].

وثبت في سبب نزول آية التيمم ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عِقد لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التِماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟! أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا. فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا أهل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فأصبنا العقد تحته([1]).

وأما السنة: فعن عبد الرحمن بن أبزى أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماءً، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر ـ يا أمير المؤمنين ـ إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك))([2]).

وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على مشروعية التيمم للمسافر إذا عدم الماء([3]).

هل يجب عليه طلب الماء قبل التيمم؟

اتفق العلماء على أن المسافر إذا تيقَّن عدم وجود الماء فإنه لا يلزمه الطلب، لأن الطلب والحالة هذه لا فائدة منه، مع ما يحلقه من الحرج بذلك، والتيمم إنما شرع لدفع الحرج.

واتفقوا أيضًا على أنه إذا تيقن وجود الماء، أو غلب على ظنه فإنه يلزمه الطلب.

واختلفوا فيما إذا تردد وشك بين الوجود وعدمه، فذهب جمهور العلماء إلى أنه يجب عليه الطلب، وأنه لا يباح له التيمم إلا بعد الطلب، لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً}، ولا يقال: لم يجد الماء إلا لمن طلب فلم يصب، أما من لم يطلب فلا يقال في حقه: لم يجد، كما أنك إذا قلت لوكيلك: اشتر لي رطبًا، فإن لم تجد فعنبًا، لم يجز له أن يشتري العنب إلا بعد البحث عن الرطب وفقدها([4]).

سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن المسافر يدخل عليه وقت الصلاة، فهل له أن يتيمم ويصلي وهو يغلب على ظنه أنه سيجد الماء بعد مائة كيلو؟

فأجاب رحمه الله: "نعم، إذا دخل الوقت على المسافر، وليس عنده ماء فلا حرج أن يتيمم، لكن العلماء يقولون: إذا كان يرجو وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل أن يؤخر"([5]).

هل يلزم المسافرَ حملُ الماء؟

أجاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن هذا السؤال فقال: "من العلماء من قال: يُلزم بحمل الماء إذا لم يضره، والآن ما يضرُّه في الواقع حمل الماء؛ لأنه يمكن أن يأخذه في جالون([6]) أو جالونين في السيارة الصغيرة"([7]).

إذا عدم المسافر الماء والتراب:

اختلف العلماء في هذه المسألة:

فقال بعضهم: لا يصلي حتى يجد أحد الطهورين وإن خرج الوقت؛ لأن الله تعالى لا يقبل صلاة بغير طهور.

وقال آخرون: يصلي على حسب حاله ويعيد الصلاة متى ما وجد أحد الطهورين.

وقال جمهور العلماء: يصلي على حسب حاله، وليس عليه إعادة؛ لأنه أدَّى ما أُمر به على الوجه الذي يطيقه.

وهذا القول هو الذي رجحه ابن تيمية رحمه الله، فقال: "إذا لم يقدر على استعمال الماء ولا على التمسح بالصعيد، فإنه يصلي بلا ماء ولا تيمم عند الجمهور، وهذا أصح القولين.

وهل عليه الإعادة؟ على قولين: أظهرهما أنه لا إعادة عليه؛ فإن الله يقول: {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))([8])، ولم يأمر العبد بصلاتين، وإذا صلى قرأ القراءة الواجبة، والله أعلم"([9]).

هل يؤخر الصلاة رجاء وجود الماء؟

سئل الشيخ ابن عثيمين عن ذلك فأجاب: "هذا فيه تفصيل:

أولاً: يترجَّح تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في حالين:

الأولى: إذا علم وجود الماء، فالأفضل أن يؤخر الصلاة ولا يقال بالوجوب؛ لأن علمه بذلك ليس أمرًا مؤكدًا؛ لأنه قد يتخلف المعلوم.

الثاني: إذا ترجح عنده وجود الماء، فيؤخر الصلاة؛ لأن في ذلك محافظة على شرط من شروط الصلاة، وهو الطهارة بالماء، وفي الصلاة أول الوقت محافظة على فضيلة فقط، وعلى هذا يكون التأخير والطهارة بالماء أفضل.

ثانيًا: يترجح تقديم الصلاة في أول وقتها في ثلاث حالات:

الأولى: إذا علم أنه لن يجد الماء.

الثانية: إذا ترجع أنه لن يجد الماء.

الثالثة: إذا تردد فلم يترجح عنده شيء"([10]).

المسافر إذا تيمم ثم وجد الماء:

اتفق العلماء على أن المسافر إذا تيمم ثم وجد الماء قبل الشروع في الصلاة أن تيممه يبطل، ويلزمه الوضوء للصلاة([11]).

واتفقوا أيضًا على أنه إذا تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد خروج الوقت أنه لا إعادة عليه([12]).

واختلفوا فيما إذا وجد الماء أثناء الصلاة أو بعد انقضائها وقبل خروج الوقت:

فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا وجد المتيمم الماء في الصلاة، فهذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.

فمنهم من قال: إن التيمم لا يبطل بوجود الماء حينئذ لأنه شرع في الصلاة على وجه مأذون فيه شرعًا، فلا يخرج منها إلا بدليل شرعي.

ومنهم من قال: إنه يبطل التيمم بوجود الماء في الصلاة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء}، وهذا قد وجد الماء فيبطل تيممه، وإذا بطل التيمم بطلت الصلاة، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته))([13])، ولأن التيمم بدل عن طهارة الماء عند فقده، فإذا وجد الماء زالت البدلية فيزول حكمها، فحينئذ يخرج من الصلاة ويتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد.

والذي يظهر لي ـ والعلم عند الله تعالى ـ أن القول الثاني أقرب للصواب.

أما إذا وجد الماء بعد الصلاة، فإنه لا يلزمه أن يعيد الصلاة، لما رواه أبو داود وغيره في قصة الرجلين اللذين تيمما ثم صليا وبعد صلاتهما وجدا الماء في الوقت، فأما أحدهما فلم يعد الصلاة، وأما الآخر فتوضأ وأعاد الصلاة، فلما قدما أخبرا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام للذي لم يعد: ((أصبت السنة))، وقال للذي أعاد: ((لك الأجر مرتين))([14]).

فإن قال قائل: أنا أريد الأجر مرتين.

قلنا: إنك إذا علمت بالسنة فخالفتها فليس لك الأجر مرتين، بل تكون مبتدعًا، والذي في الحديث لم يعلم بالسنة، فهو مجتهد فصار له أجر العملين، العمل الأول والثاني.

فإن قيل: المجتهد إذا أخطأ فليس له إلا أجر واحد كما جاء في الحديث: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر))([15])، فكيف كان لهذا المخطئ في إعادة الصلاة الأجر مرتين؟! فالجواب: أن هذا عمل عملين بخلاف الحاكم المخطئ، فإنه لم يعمل إلا عملاً واحدًا، فلم يحكم مرتين.

بهذا يتبين لنا أن موافقة السنة أفضل من كثرة العمل"([16]).





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) أخرجه البخاري في التيمم [334]، ومسلم في الحيض [367].

([2]) أخرجه البخاري في التيمم [338]، ومسلم في الحيض [368].

([3]) انظر تفسير القرطبي (5/218) وبداية المجتهد (1/167).

([4]) انظر: المغني (1/150).

([5]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 69).

([6]) الجالون في الأصل كلمة أعجمية، وهو مقياس للسوائل، والمراد به هنا الإناء الذي يحمل فيه الماء.

([7]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 69).

([8]) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام [7288]، ومسلم في كتاب الحج [1337] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([9]) مجموع الفتاوى (21/467).

([10]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 87).

([11]) انظر: الأوسط لابن المنذر (2/65).

([12]) انظر: الأوسط لابن المنذر (2/63).

([13]) أخرجه أحمد في المسند (5/146، 155)، وأبو داود في كتاب الطهارة [332]، والترمذي في كتاب الطهارة [124] من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان [1311]، والحاكم (1/170)، ووافقه الذهبي، وهو في صحيح الجامع [1663].

([14]) أخرجه أبو داود في الطهارة [338]، والدارمي [744] من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الحاكم (1/178)، وذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود [327].

([15]) أخرجه البخاري في الاعتصام [7352]، ومسلم في الأقضية [1716] من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.

([16]) رسائل وفتاوى في المسح على الخفين والتيمم (ص 79، 80).

The Blue Dream
21-03-2003, 08:25 AM
جزاك الله خير :) :)