المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحروب الصليبية في القرون الحديثة



سيف الأسلام
30-03-2003, 02:01 AM
الحروب الصليبية في القرون الحديثة:

في عام (1499م) توصّل فاسكودي جاما إلى طريق رأس الرجاء الصالح، فوصل البرتغاليون إلى الشواطئ الهندية بعيداً عن المرور في الأراضي الواقعة في سلطة الخلافة العثمانية.

وشرع البرتغاليون يؤسّسون مستعمرات ومراكز تجارية في أماكن مختلفة من السواحل التي وصلوا إليها، ولم يكد النصف الأول من القرن السادس عشر ينقضي حتى كان البرتغاليون قد أحكموا السيطرة على شواطئ شرق أفريقيا وغربها إضافة إلى شواطئ الخليج وفارس والهند. [انظر: أجنحة المكر الثلاثة (ص165-167)، الفكر الإسلامي الحديث (29–30)].

وفي عام (1600م) أنشأت بريطانيا الصليبية جهازاً استعمارياً تحت مسمّى شركة الهند الشرقية البريطانية، ومثله صنعت فرنسا عام (1664م) فأنشأت ما أسمته بشركة الهند الشرقية الفرنسية.

وفي عام (1798م/ 1213هـ) قاد نابليون الحملة الفرنسية الصليبية الجديدة على مصر، ثم حاول السيطرة على بلاد الشام، فغادر وهو يحمل أدراج الخيبة لكثرة من قتل من جنوده هناك، ثم ما لبث أن عاد إلى فرنسا ولحقته جيوشه عام (1801م).

وفي عام (1827م) أعلن الملك شارل العاشر اعتزام فرنسا إنشاء مستعمرة ذات شأن في شمال أفريقيا، وزحفت الجيوش الفرنسية لاحتلال الجزائر عام (1830م)، واستتبّ الوضع لهم عام (1857م) وهو نفس العام الذي قضت فيه بريطانيا على الإمارة الإسلامية المنغولية في الهند، وقد ألحقت فرنسا الجزائر بها عام (1881م)، وهي نفس السنة التي أعلنت فرنسا وضعها تونس تحت الحماية الفرنسية بموجب ميثاق باردو، ثم السنغال ومدغشقر عام (1882م).

في عام (1887م/ 1295هـ) وقع مؤتمر برلين لاقتسام مواقع النفوذ في الوطن العربي. وتوالى بعد ذلك سقوط البلاد العربية والإسلامية في قبضة الاستعمار الذي أذاق المسلمين صنوف الأذى والاضطهاد.

وفي المشرق الإسلامي انقضّ الروس الأرثوذكس على بلاد المسلمين، فأخذوا ما يحاذيهم منها، وضمّوه إلى بلادهم، ففي سنة (1670م) دخل الروس بلاد الأورال، وأحكموا السيطرة على مسلميها، وفي عـام (1859م) ضمّت روسـيا طشقند، ثم القوقاز عـام (1864م)، ثم بخارى عام (1882م)، فيما دخلت بلاد التركستان تحت سيطرة الروس عام (1884م). [انظر: التبشير والاستعمار (ص 148)].

ولم يكن حال الصليبيين الجدد أحسن حالاً من أسلافهم، إذ أعادوا صور الوحشية الصليبية القديمة، فقد ارتكب المستعمرون مجازر بحق الشعوب التي قامت تدافع عن دينها وخيراتها، فقد بلغت أعداد قتلى المسلمين في الهند حتى عام (1880م) مليون مسلم سقطوا على يد الإنجليز، ومثله كانت الجزائر بلد المليون والنصف مليون شهيد.

وكان البرتغاليون أيضاً قد أحدثوا مجازر مفجعة عند سيطرتهم على الشواطئ الهندية، ويسجل القائد البرتغالي البوكيرك بفخر بعضاً منه وهو يخاطب ملك البرتغال مهنئاً إياه بالسيطرة على مقاطعة جوا الهندية فيقول: "وبعد ذلك أحرقت المدينة، وأعملتُ السيف في كلّ الرقاب، وأخذت دماء الناس تراق أياماً عدة... وحيثما وجدنا المسلمين لم نوقر معهم نفساً، فكنا نملأ بهم مساجدهم، ونشعل فيها النار، حتى أحصينا ستة آلاف روح هلكت، وقد كان ذلك يا سيدي عملاً عظيماً رائعاً أجدنا بدايته وأحسنَّا نهايته".

وفي مدغشقر قتلت القوات الفرنسية ثمانين ألف في ضربة واحدة للثائرين من سكان الجزيرة.

وفي الجزائر يقول الجنرال الفرنسي شان: "إن رجاله وجدوا التسلية في جزّ رقاب المواطنين من رجال القبائل الثائرة في بلدتي الحواش وبورقيبه".

ويخط الماريشال سانت أرنو إلى زوجته بعض ما صنعه وجنوده في الجزائر فيقول: "إن بلاد بني منصر بديعة، وهي من أجمل ما رأيت في أفريقيا، فقُراها متقاربة، وأهلها متحابون، لقد أحرقنا فيها كل شيء، ودمرنا كل شيء... أكتب إليك يحيط بي أفق من النيران والدخان، لقد تركتني عند قبيلة البزار فأحرقتهم جميعاً، ونشرت حولهم الخراب، وأنا الآن عند السنجاد أعيد فيهم الشيء نفسه ولكن على نطاق أوسع".

ويقول مونتياك في كتابه "رسائل جندي" وهو يصف إحدى المذابح التي حضرها: "لقد كانت مذبحة شنيعة حقاً، كانت المساكن والخيام في الميادين والشوارع والأفنية التي انتشرت عليها الجثث في كل مكان، وقد أحصينا في جوّ هادئ بعد الاستيلاء على المدينة عدد القتلى من النساء والأطفال فألفيناهم ألفين وثلاثمائة، وأما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر، لسبب هو أننا لم نترك جرحاهم على قيد الحياة".

وقد بلغ عدد القتلى في مدينة سطيف الجزائرية في مايو (1945م) ما يقرب الأربعين ألفاً.

ويشنع الكونت هيريسيون على هذه القبائح التي لا مبرر لها فيقول: "فظائع لا مثيل لها، أوامر الشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالحجر... في أناس مساكين جُلُّ ذنبهم أنهم لا يستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه".

وفي النصف الثاني من القرن العشرين عادت المجازر الصليبية من جديد، وذلك في بلاد عدة منها الشيشان والبوسنة وكوسوفا وأفغانستان، ورافق ذلك ما يسوء ذكره من القتل والدمار وانتهاك الأعراض.

هذا كلّه غيض من فيض، من خلاله نستطيع أن نستشرف المستقبل الذي ينتظر أمة الإسلام مع بداية الحملة الصليبية الجديدة، إلا أن يتداركنا الله برحمته وفضله، وصدق الله إذ يقول: {قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118].


منقول ....