ستاك
30-03-2003, 05:06 PM
عمر المختار
التمهيد :
مساء الخميس 10 أيلول 1931 أسر شيخ المجاهدين عمر المختار . وكان \\\' الجنرال غراتسياني \\\' سفاح ليبيا في روما يستعد للسفر إلى باريس زائراً , فلما بلغه أسر عمر المختار توجه بالطائرة يوم 13/9/1931 إلى طرابلس حيث اتفق مع \\\' المارشال بادوليو \\\' الحاكم العام لليبيا على إجراء محاكمة سريعة وخاطفة لعمر
المختار والحكم عليه بالإعدام , ثم تابع سفره إلى بنغازي فوصلها مساء 14/9/1931 , وفي صباح اليوم التالي التقى مع عمر المختار وفي المساء حكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً , وصباح يوم الأربعاء 16 أيلول 1931نفذ حكم الإعدام في شيخ المجاهدين , وكان عمره تسعة وستون عاماً , فأصبح منذ تلك اللحظة , \\\' شيخ الشهداء \\\' .
صباح يوم الثلاثاء , الخامس عشر من أيلول عام 1931 طلب \\\' الجنرال غراتسياني \\\' سفاح ليبيا أن يحضروا إليه \\\'عمر المختار\\\' , فأحضر إليه مكبلاً بالحديد , برغم الجروح والكسور التي أصيب بها , وكان يغطي رأسبه بـ (الجرد )(1) ويسحب خطواته بصعوبة . وقد روى \\\' الجنرال غراتسياني \\\' الحوار الذي دار بينه وبين عمر المختار في كتابه \\\' برقة هادئة \\\'(2) .
الجنرال غراتسياني : لماذا تحاربنا , دون هوادة ؟
عمر المختار: (بصوت هادئ ونبرة واضحة ) : من أجل وطني وديني .
ـ وهل دار في خلدك , في يوم من الأيام أنك مستطيع أن تطردنا من برقة , بإمكاناتك الضئيلة وعددك القليل ؟
ـ لا !
ـ إذن , ما الذي تسعى إلى تحقيقه ؟
ـ حربنا لكم فرض علينا , لأنكم مغتصبون. وما النصر إلا من عند الله .
ـ ولكن كتابك يقول : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ أي لا تجلبوا الضرر لأنفسكم ولغيركم من الناس . ألا يقول القرآن ذلك ؟
ـ بلى .
ـ فلماذا تحارب إذن ؟
ـ من أجل وطني وديني , كما قلت .
دنا من الأسير , وجلس على كرسي قريب من مكتبه , فاتضحت له إذا ذاك , ملامح هذا المحيا ... أخذ يتأمله ملياً : الوجه قد لوحته الشمس , فهو أسمر مشرب بالحمرة ...... وحدّث الجنرال نفسه :
ـ هوذا القائد الذي طالما رهبنا جانبه ! وفكر : تُرى كيف كان يخطط معاركه ؟ ثم فكّر إن كلامه يدل بكل تأكيد على أنه مؤمن صادق .
ثم توجه إليه بالسؤال :
ـ بما لك من نفوذ وجاه على جماعتك , بكم يوم ترى أن \\\' العصاة \\\' ـ إذا أنت أمرتهم ـ يمكن أن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم وينهوا الحرب ؟
فأجاب \\\' عمر المختار \\\' :
ـ لا يمكنني أن أفعل ذلك . إننا , نحن المجاهدين , أقسمنا أن نموت جميعاً , الواحد بعد الآخر , ولا نلقي السلاح .
ثم عرض \\\' غراتسياني \\\' على \\\' عمر المختار \\\' نظارة كان الجند قد عثروا عليها في إحدى المعارك السابقة , وسأله :
ـ هل تعرف هذه النظارة ؟
ـ نعم ! إنها لي , وقد وقعت مني في معركة \\\' وادي السانية \\\' .
ـ منذ ذلك اليوم , وأنا أعتقد بأنك ستقع أسيراً بين يدي !
ـ مكتوب !
ـ حسناً , أنت تعتبر نفسك محمياً من الله , وتحارب من أجل قضية مقدسة وعادلة .
ـ لا شك .
ـ أليس من العجيب أن يقع أسيراً من كان يُعتبر أسطورة , وأنه لا يغلب أبداً , وأنه المحمي من الله ! ؟
أجاب \\\' عمر المختار \\\' بصوت ـ كما وصفه \\\' غراتسياني \\\' ـ يدل على القوة والعزم :
ـ تلك مشيئة الله .
ـ لقد اعتقدت أنك كنت دائماً قوياً , وإني أتمنى أن تكون كذلك مهما حدث لك , ومهما تكن الظروف !
ـ إن شاء الله .
ويقول \\\' الجنرال غراتسياني \\\' مختتماً حديثه عن ذلك اللقاء التاريخي بينه وبين \\\' عمر المختار\\\' :
\\\' وعندما وقف ليتهيأ للانصراف , كان جبينه وضاء , كأن هالة من نور تحيط به , فارتعش قلبي لجلال الموقف , وأنا الذي خاض معارك الحروب العالمية , والصحراوية , ولقبت بأسد الصحراء , ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان , ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد .
هو... عمر بن المختار بن فرحات , وأمه هي عائشة بنت محارب، وقد ولد في البطنان ببرقة عام 1862 . التحق وهو ابن 16 عاما بمعهدٍ للعلوم الشرعية وقد كان نهج التعليم في المعهد أن يقوم الدارس بأداء بعض المهن اليدوية مثل: النجارة والحدادة، وقد تميز عمر المختار في هذه الحرف وفي ركوب الخيل على سائر إخوانه بالمعهد، وتميز أيضًا بشخصيته القيادية واتزان كلامه وجاذبيته، مع تواضع وبساطة .
انقطع عمر المختار عن مواصلة تعليمه حوالي سنة 1886، وذلك بسبب إحساسه بأن وطنه وقومه في حاجة إلى عمله وجهاده. إذ إن البلاد المجاورة كلها قد وقعت تحت الاحتلال الأجنبي، مصر والسودان تحت الاحتلال الإنجليزي، وتونس والجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، مما يعني أن ليبيا هي البقعة الوحيدة التي بقت من الدولة العثمانية التي لم تخضع بعد لأجنبي، وقد بدأت إرهاصات الزحف الإيطالي في هذه الفترة. وفي عام 1911م عندما هاجمت القوات الإيطالية الغازية ليبيا ودخلت المدن الساحلية ، نهض الشيخ مع المجاهدين الليبيين في كل بقعة من تراب الوطن للدفاع عن البلاد . وتقدم عمر المختار الصفوف ليقود حركة الجهاد من عام 1922.
كان عمر المختار معلما وبارعا استراتيجيا في تكتيك الصحراء. وهو يعرف جغرافية البلد جيدا، ويعرف كيف يستغل امتيازه في معاركه مع الطليان الذين لم يتعودوا على البيئة الصحراوية. وبدأ بألف رجل ، وقاد رجاله مجموعاته المتحركة في معارك ناجحة مع الطليان. وهاجم عمر المختار وقواته القواعد الامامية وقطعوا خطوط التموين والاتصال تاركين الطليان مذهولين وتركوهم محبطين , وجعل من الجبل الأخضر معقله، ولكن ضرباته كانت تطارد الإيطاليين في كل أرض ليبيا، وعاش المجاهدون حياتهم مع السيد عمر بين كر وفر، بين نصر وهزيمة، ولكنهم لم يعرفوا معه معنى الضعف أو الاستسلام لهزيمة أو حصار من أعدائهم، وظل كذلك حتى في أحرج اللحظات، سواء في أثناء الفتنة الداخلية التي كادت تشتعل الحرب الأهلية، وكذلك أثناء الحصار، ثم المحاكمة قبل إعدامه، عندما سئل: لماذا قاتلت الدولة الإيطالية؟ فيجيب: دفاعاً عن ديني ووطني.
نحن لن نستسلم ننتصر او نموت
سوف تاتي اجيال من بعدي تقاتلكم
اما انا فحياتي سوف تكون اطول من حياة شانقي
عمر المختار
التمهيد :
مساء الخميس 10 أيلول 1931 أسر شيخ المجاهدين عمر المختار . وكان \\\' الجنرال غراتسياني \\\' سفاح ليبيا في روما يستعد للسفر إلى باريس زائراً , فلما بلغه أسر عمر المختار توجه بالطائرة يوم 13/9/1931 إلى طرابلس حيث اتفق مع \\\' المارشال بادوليو \\\' الحاكم العام لليبيا على إجراء محاكمة سريعة وخاطفة لعمر
المختار والحكم عليه بالإعدام , ثم تابع سفره إلى بنغازي فوصلها مساء 14/9/1931 , وفي صباح اليوم التالي التقى مع عمر المختار وفي المساء حكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً , وصباح يوم الأربعاء 16 أيلول 1931نفذ حكم الإعدام في شيخ المجاهدين , وكان عمره تسعة وستون عاماً , فأصبح منذ تلك اللحظة , \\\' شيخ الشهداء \\\' .
صباح يوم الثلاثاء , الخامس عشر من أيلول عام 1931 طلب \\\' الجنرال غراتسياني \\\' سفاح ليبيا أن يحضروا إليه \\\'عمر المختار\\\' , فأحضر إليه مكبلاً بالحديد , برغم الجروح والكسور التي أصيب بها , وكان يغطي رأسبه بـ (الجرد )(1) ويسحب خطواته بصعوبة . وقد روى \\\' الجنرال غراتسياني \\\' الحوار الذي دار بينه وبين عمر المختار في كتابه \\\' برقة هادئة \\\'(2) .
الجنرال غراتسياني : لماذا تحاربنا , دون هوادة ؟
عمر المختار: (بصوت هادئ ونبرة واضحة ) : من أجل وطني وديني .
ـ وهل دار في خلدك , في يوم من الأيام أنك مستطيع أن تطردنا من برقة , بإمكاناتك الضئيلة وعددك القليل ؟
ـ لا !
ـ إذن , ما الذي تسعى إلى تحقيقه ؟
ـ حربنا لكم فرض علينا , لأنكم مغتصبون. وما النصر إلا من عند الله .
ـ ولكن كتابك يقول : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾ أي لا تجلبوا الضرر لأنفسكم ولغيركم من الناس . ألا يقول القرآن ذلك ؟
ـ بلى .
ـ فلماذا تحارب إذن ؟
ـ من أجل وطني وديني , كما قلت .
دنا من الأسير , وجلس على كرسي قريب من مكتبه , فاتضحت له إذا ذاك , ملامح هذا المحيا ... أخذ يتأمله ملياً : الوجه قد لوحته الشمس , فهو أسمر مشرب بالحمرة ...... وحدّث الجنرال نفسه :
ـ هوذا القائد الذي طالما رهبنا جانبه ! وفكر : تُرى كيف كان يخطط معاركه ؟ ثم فكّر إن كلامه يدل بكل تأكيد على أنه مؤمن صادق .
ثم توجه إليه بالسؤال :
ـ بما لك من نفوذ وجاه على جماعتك , بكم يوم ترى أن \\\' العصاة \\\' ـ إذا أنت أمرتهم ـ يمكن أن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم وينهوا الحرب ؟
فأجاب \\\' عمر المختار \\\' :
ـ لا يمكنني أن أفعل ذلك . إننا , نحن المجاهدين , أقسمنا أن نموت جميعاً , الواحد بعد الآخر , ولا نلقي السلاح .
ثم عرض \\\' غراتسياني \\\' على \\\' عمر المختار \\\' نظارة كان الجند قد عثروا عليها في إحدى المعارك السابقة , وسأله :
ـ هل تعرف هذه النظارة ؟
ـ نعم ! إنها لي , وقد وقعت مني في معركة \\\' وادي السانية \\\' .
ـ منذ ذلك اليوم , وأنا أعتقد بأنك ستقع أسيراً بين يدي !
ـ مكتوب !
ـ حسناً , أنت تعتبر نفسك محمياً من الله , وتحارب من أجل قضية مقدسة وعادلة .
ـ لا شك .
ـ أليس من العجيب أن يقع أسيراً من كان يُعتبر أسطورة , وأنه لا يغلب أبداً , وأنه المحمي من الله ! ؟
أجاب \\\' عمر المختار \\\' بصوت ـ كما وصفه \\\' غراتسياني \\\' ـ يدل على القوة والعزم :
ـ تلك مشيئة الله .
ـ لقد اعتقدت أنك كنت دائماً قوياً , وإني أتمنى أن تكون كذلك مهما حدث لك , ومهما تكن الظروف !
ـ إن شاء الله .
ويقول \\\' الجنرال غراتسياني \\\' مختتماً حديثه عن ذلك اللقاء التاريخي بينه وبين \\\' عمر المختار\\\' :
\\\' وعندما وقف ليتهيأ للانصراف , كان جبينه وضاء , كأن هالة من نور تحيط به , فارتعش قلبي لجلال الموقف , وأنا الذي خاض معارك الحروب العالمية , والصحراوية , ولقبت بأسد الصحراء , ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان , ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد .
هو... عمر بن المختار بن فرحات , وأمه هي عائشة بنت محارب، وقد ولد في البطنان ببرقة عام 1862 . التحق وهو ابن 16 عاما بمعهدٍ للعلوم الشرعية وقد كان نهج التعليم في المعهد أن يقوم الدارس بأداء بعض المهن اليدوية مثل: النجارة والحدادة، وقد تميز عمر المختار في هذه الحرف وفي ركوب الخيل على سائر إخوانه بالمعهد، وتميز أيضًا بشخصيته القيادية واتزان كلامه وجاذبيته، مع تواضع وبساطة .
انقطع عمر المختار عن مواصلة تعليمه حوالي سنة 1886، وذلك بسبب إحساسه بأن وطنه وقومه في حاجة إلى عمله وجهاده. إذ إن البلاد المجاورة كلها قد وقعت تحت الاحتلال الأجنبي، مصر والسودان تحت الاحتلال الإنجليزي، وتونس والجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، مما يعني أن ليبيا هي البقعة الوحيدة التي بقت من الدولة العثمانية التي لم تخضع بعد لأجنبي، وقد بدأت إرهاصات الزحف الإيطالي في هذه الفترة. وفي عام 1911م عندما هاجمت القوات الإيطالية الغازية ليبيا ودخلت المدن الساحلية ، نهض الشيخ مع المجاهدين الليبيين في كل بقعة من تراب الوطن للدفاع عن البلاد . وتقدم عمر المختار الصفوف ليقود حركة الجهاد من عام 1922.
كان عمر المختار معلما وبارعا استراتيجيا في تكتيك الصحراء. وهو يعرف جغرافية البلد جيدا، ويعرف كيف يستغل امتيازه في معاركه مع الطليان الذين لم يتعودوا على البيئة الصحراوية. وبدأ بألف رجل ، وقاد رجاله مجموعاته المتحركة في معارك ناجحة مع الطليان. وهاجم عمر المختار وقواته القواعد الامامية وقطعوا خطوط التموين والاتصال تاركين الطليان مذهولين وتركوهم محبطين , وجعل من الجبل الأخضر معقله، ولكن ضرباته كانت تطارد الإيطاليين في كل أرض ليبيا، وعاش المجاهدون حياتهم مع السيد عمر بين كر وفر، بين نصر وهزيمة، ولكنهم لم يعرفوا معه معنى الضعف أو الاستسلام لهزيمة أو حصار من أعدائهم، وظل كذلك حتى في أحرج اللحظات، سواء في أثناء الفتنة الداخلية التي كادت تشتعل الحرب الأهلية، وكذلك أثناء الحصار، ثم المحاكمة قبل إعدامه، عندما سئل: لماذا قاتلت الدولة الإيطالية؟ فيجيب: دفاعاً عن ديني ووطني.
نحن لن نستسلم ننتصر او نموت
سوف تاتي اجيال من بعدي تقاتلكم
اما انا فحياتي سوف تكون اطول من حياة شانقي
عمر المختار