المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسرار وألغاز تلف ملابسات سقوط بغداد



aseer_plastine
24-04-2003, 09:14 PM
*بقلم : جيرالد مونستيراس (*)

ترجمة وإعداد : ياسمينة صالح:

ثمان وأربعون ساعة منحها «جورج بوش» إلى النظام العراقي ليغادر فيها صدام حسين، ومن معه العراق إلى الأبد، وإلا... ستندلع الحرب الضروس.. جورج بوش كان مصمما على الحرب، حتى وهو يختار توقيتا سيئا، ومهلة قصيرة بالنسبة للعالم، وللأمريكيين بالخصوص، لكن «بوش» كان يعرف أن الرئيس العراقي سيرفض تلك المهلة، وسيختار البقاء، ليس لأنه سيتحدى القوة الأمريكية، وليس لأن المهلة كانت محدودة، أو حتى مهينة كما اعتبرها بعض الأمريكيين من الحزب الديمقراطي حتى، جونس سميث قال في تصريح لتلفزيون «فوكس نيوز»: «ليس هنالك من يقبل على نفسه الرحيل عن بلده في ظرف ثمان واربعين ساعة»، كان الأمر أكبر من مجرد رأي، لأن الصقور هذه المرة تجاوزوا الحدود، لعلمهم أنهم سيجعلون من صدام حسين مهزلة عالمية.. وأنهم لن يستغرقوا وقتا طويلا للقضاء على النظام..
يقول جيرالد مونستيراس في مقال نشر بصحيفة «اللموند» الفرنسية إن خطة «الصدمة والترويع» التي رسمها «دونالد رامسفيلد» كانت تبدو الأفضل، لأنها اعتمدت على الوقت، باعتبار أن النصر السريع يحقق أفضل النتائج.
جريدة «الواشنطن بوست»، نشرت قبل يوم واحد من اندلاع الحرب، تصريحا آخر «لفرانكس وولف» يقول فيه بالحرف الواحد: «حربنا في العراق لن تستغرق بضعة أيام على أكثر تقدير»، طبعا لم تكن فكرته لوحده كانت فكرة الجميع، بمن فيهم الرئيس الأمريكي..
التقارير التي كشفتها بعض الصحف الأمريكية، قبل الحرب، تؤكد أن المعلومات التي على أساسها صممت خطة رامسفيلد المعنونة «الصدمة والترويع» كانت معلومات مخابراتية غير صحيحة في مجملها، ويضيف مونستيراس قائلا: برايان هرمان مدير الفرع السياسي الثاني في مكتب الاستخبارات الأمريكية وصل من «تل أبيب» قبل عشرة أيام من الحرب.. تقرير سري نشره موقع «إسرائيل كوم» عن «قمة» مخابراتية ثلاثية أمريكية إسرائيلية وبريطانية انعقدت في مدينة أوسلو التي شهدت أكثر من حركة غير عادية من جانب سفارات الدول الثلاث، وأن آخر اجتماع دام 9 ساعات في فندق «المرج الأخضر» الذي يبعد 2 كيلو متر عن العاصمة النرويجية.
نفس التقرير كشف عن تواجد شخصيات أمريكية مهمة في أوسلو، منها الرقم الثاني في البنتاجون «بول وولفويتز».. هذا الشخص بالذات الذي يقال عنه في البيت الأبيض: «الذئب الأبيض» لا يمكنه مغادرة مكتبه إلا إذا تعلق الأمر بالحرب.. لا يمكن القول إن الرئيس الأمريكي كان مهما في قرار الحرب على العراق.. الدور الذي كان عليه أن يلعبه هو أن يكون إلى جانب المحاربين ساعة يدق فيها الجرس وتدوي الطلقة الأولى..الصحف الأمريكية اتهمت رئيسها بأنه كان يجهل التاريخ المحدد للحرب، حتى حين كلم رئيس وزراء إسرائيل، كان يقول له: الحرب ستكون حتمية.. لكنه على غير ما جاء في بعض التصريحات، لم يكن يعلم هو نفسه بالوقت المحدد، قبل أن يلقي لشعبه خطابا يقول لهم فيه «في هذه اللحظة التي بدأت فيها الحرب على العراق».. لكن على عكسه تماما، كان أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل يعلم بالتوقيت، قبل يومين كاملين من الحرب.. فثمة من هو في الكونغرس، من أعلى مسؤول في وزارة الدفاع، من حمل على عاتقه مهمة إعلام رئيس وزراء الدولة العبرية بتاريخ وساعة الحرب..
كم ستدوم الحرب؟
ساعات، وربما أيام لن تتجاوز الأسبوع، هي المدة التي كان الجميع يراهن عليها.. إسرائيل نفسها رتبت خطة قمعية لمقاومة الفلسطينيين تتحدد في الأيام الأولى من الحرب مركزة على العنصر الأهم : انشغال العالم بالعراق.. لكن الحسابات لم تأت كما خطط لها!يجب القول إن النظام العراقي نفسه ساهم في إيصال التقارير الكاذبة إلى البيت الأبيض.. وزير الإعلام العراقي «محمد سعيد الصحاف» قال بتاريخ 14 فبراير: «العراق يوصل ما يريد إيصاله إلى الخارج، لن يحظى الآخرون بأكثر مما يريده العراقيون» طبعا كان الكلام موجها إلى الإدارة الأمريكية بعد أن تم اكتشاف شبكة عراقية تعمل لصالح الأمريكيين، وكان بعض أعضائها من ضباط الجيش.. الغريب في الأمر أن العراق تكتمت على القضية أول الأمر واعتبرت القبض على «الخونة» درسا جيدا للأمريكيين..
جريدة «القادسية العراقية» كتبت في 25 فبراير، أي بعد أسبوعين تقريبا من كشف الشبكة العميلة تلك، تقول: «لن يهزنا نظام أمريكا الرجعي، ولن يثنينا عن القيام بدورنا في عراق لا يستسلم لأحد»، وكان المقال بقلم «محمد سعيد الصحاف» نفسه.. في الحقيقة كانت القوة العراقية تكمن في قدرتها على التعامل مع الظروف المتغيرة..
صدام حسين قبل أسابيع من الحرب قام ببعض التغييرات «المهمة» في الجيش.. ربما أبشع ما ارتكبه الرئيس العراقي أنه ترك ابن عمه الجنرال المكلف بتحركات الحرس الجمهوري داخل بغداد مسؤولا ثانيا للحرس الجمهوري.
تقرير بثته السي إن إن، تحدث لمدة ربع ساعة عن «ابن عم الرئيس العراقي ماهر التكريتي» قبيل سقوط بغداد بساعات.. ربما لم يستوعب أحد لماذا تركز شبكة بمستوى السي إن إن على ابن عم الرئيس مثلا، وليس على الرئيس نفسه، أو ابنيه.. أو الذين يقال إنهم أذرعته اليمنى على الأرض.. الجواب جاء في 21 مارس الماضي.
حين خرج «دونالد رامسفيلد» يقول في ندوته الصحفية اليومية إن ثمة اتصالات سرية مع الحرس الجمهوري، وإنه يحاول إقناعهم أن الموت لأجل شخص مثل صدام حسين إهانة لهم! كان الربط سهلا في هذه الحالة..
شيء آخر أكثر غرابة وهو أن جريدة إسرائيلية كشفت عن اتصالات أمريكية مع ضباط من الجيش العراقي، بالذات من الحرس الجمهوري الذي كان يشكل خطرا حقيقيا على الجنود الأمريكيين بخلاف فدائيي صدام الذين في النهاية كانوا ينتظرون أوامر العمليات الفدائية، على الرغم من أنهم كانوا يشكلون غطاء جيدا للحرس الجمهوري.. كان «ماهر التكريتي» واحدا من الذين جاء اسمهم في التقرير الذي نشرته الجريدة الإسرائيلية، نقلا عن تصريح «ليفي بلمار» مستشار سابق في مكتب المخابرات الإسرائيلية «الموساد».. لعل الشيء المدهش في الأمر أن تلك التقارير والتصريحات بدت للعراقيين وكأنها «مؤامرة» أو كأنها دعوة أمريكية إلى الفتنة.. العراقيون رفضوا الأخذ بها، معتبرين أن المعركة تحددها العمليات على أرض الواقع وأن النتيجة هي التي تأتي في الأخير.. ولعل الذي شجعهم على رفض تلك التصريحات هو التوافد العربي على بغداد.. آلاف من المتطوعين العرب تركوا كل شيء وجاءوا إلى بغداد للدفاع عنها، بعضهم لم يكن يعرف كيف يحمل البندقية بشكل صحيح، ومع ذلك كانت بغداد بالنسبة لهم وطنا آخر، وكان الدفاع عنها واجباً حقيقياً.. هذا التوافد المدهش كان من الأسباب الذي حمل القيادة العسكرية على اعتبار أن ما صرح به رامسفيلد ليس صحيحا.. إذ كيف يمكن تصديق أن البلد الذي جاء إليه الآلاف من المتطوعين للموت فيه، سيخونه أبناؤه؟
دور الصحاف
النقطة الثانية التي زعزعت الثقة الأمريكية في حربها على العراق هو التنظيم المدهش بين الآلية العسكرية والإعلامية.. ربما لأن «محمد سعيد الصحاف» الذي قال مرة للأمريكيين أنه يجيد الأمريكية أحسن من جورج بوش نفسه.. «لم يكن مدنيا، كان عسكريا في زي إعلامي، وبالتالي ثقافته العسكرية صنعت منه إعلاميا رهيبا.. وأن خروجه المستمر للكلام عن الحرب أثار ليس غضب الأمريكيين بل حنقهم.. كان «الصحاف» من أكثر المقربين إلى الرئيس العراقي دفاعا عن النظام، بأسلوب لا يخلو من الكراهية للأمريكيين، وبالتالي بالتحدي لهم إلى حد استعمال بعض الكلمات السوقية في وصف «دونالد رامسفيلد»..
هذا الأخير قال عن الصحاف يوم 25 فبراير: «النصر في الحرب لن يكفيني دون حصولي على لسان الصحاف»!
اللسان الذي كان خطيرا على الأمريكيين الذين اعتبروا المعركة الإعلامية ضد «الصحاف» مشابهة في ضراوتها المعركة العسكرية.
اليوم الكارثي
واليوم العاشر من الحرب كان كارثيا بالنسبة للأمريكيين.. عدد القتلى في صفوف المارينز كان أكثر من المتوقع والصمود العراقي كان أقوى بكثير مما حملته تقارير ما قبل الحرب عنهم.. حتى العدد الإجمالي للحرس الجمهوري ولفدائيي صدام، ولجيش الأقصى كان متناقضا.. «أبراهام أرابيتش» المنسق العسكري في المخابرات الإسرائيلية وصل إلى واشنطن، في صباح كانت فيه العاصمة السياسية الأمريكية تعيش حالة من الفوبيا الحقيقية..
مجلة «نوتر إسرائيل» الصادرة في فرنسا كتبت في مقال لا يبدو مهما أن زيارة «أبراهام أرابيتش» إلى واشنطن جاءت في ظل الإحساس بالورطة الأمريكية في العراق، وأن «أبراهام» حمل إلى الصقور الأمريكيين مساعدات إسرائيلية.. لكنها لم تشر إلى نوع تلك المساعدات..جريدة «الغارديان» البريطانية كتبت دون أن تذكر اسم الشخص الإسرائيلي الموجود في واشنطن أن ثمة تنسيق بين إسرائيل والولايات الأمريكية فيما يخص الحرب على العراق..الخبر الأول لم يناقض الخبر الثاني.. وبالفعل إسرائيل حملت إلى أمريكا تقريرا سريا عن الجيش العراقي، وعن نقاط ضعفه وعن الأسماء التي يمكن التعاون معها، قائلة: «تلك التقارير جمعتها من بعض العسكريين العراقيين أنفسهم !»
رامسفيلد على المحك!
ويتابع مونيستيراس قائلا إن «رامسفيلد» الرجل القوي، بعد عشرة أيام من الحرب، بدا في أسوأ حالاته، كان شاحبا لحد المرض، وهو يحاول كل مرة تبريرالحرب.. جهات كثيرة بدأت بالضغط عليه.. هو الذي خطط لحرب الصدمة والترويع.. وصل به الأمر إلى حد التهديد بالاستقالة.. الكل اعتبره السبب في فشل الخطة وبالتالي فشل الحرب.. بعض الجنرالات الأمريكيين قالوا إنه لم يؤخذ برأيهم في الخطة.. طبعا ليس صحيحا، لأن الخطة لم تكن خارج اجتماعاتهم اليومية قبل الحرب، إنما كانت تلك طريقة للتنصل من مسؤولية السقوط التي كانت تلوح في الأفق..
الواشنطن بوست ذهبت إلى حد توجيه نصيحة إلى «رامسفيلد» بإطلاق رصاصة على رأسه إن فشل في حربه تلك.. كانت الحقائق كلها تتوجه إلى الخسارة الأمريكية.لم يخف أحد مقارنة الحرب على العراق بالحرب على الفيتنام.. فيتنام أخرى ستجرد الأمريكيين من قوتهم إلى الأبد.. وهذا كان أفظع ما يمكن تحقيقه الدخول إلى الحرب بالعنجهية الأمريكية التي دخلت بها.الحرس الجمهوري ظل يقاتل بشراسة، والشعور الأمريكي بالرعب جعلهم يطلقون النار على المدنيين انتقاما من كل جندي أمريكي كانت جثته تهرب ليلا إلى قاعدة عسكرية بألمانيا، أو إسبانيا..
موقع «دوتش كوم» الألماني، في تقرير نشره في اليوم الحادي عشر من الحرب، كشف عن مصادر عسكرية موثوق منها داخل القاعدة العسكرية الأمريكية أن عشرات جثث الأمريكيين تصل بشكل سري إلى القاعدة الألمانية، منذ بداية الحرب، وهذا يتناقض مع الأرقام الضئيلة التي كانت تبثها وزارة الدفاع الأمريكية عن القتلى في صفوفها.. وهو تأكيد كشفه الديمقراطي «فرانس كورتس» بأن الجنود الأمريكيين ضحية «دمويين داخل البيت الأبيض» (كان فرانس كورتس من أشد خصوم رامسفيلد).. كل هذا يؤكد أن التفوق العراقي كان ملحوظا، على الرغم من المنحنى الخطير الذي اتخذته الحرب باستهداف المدنيين.. فما الذي جرى كي تنقلب الأوضاع رأسا على عقب؟ سوف نعود إلى نفس الكلام الذي أدلى به رامسفيلد بأن ثمة اتصالات بين البنتاجون والحرس الجمهوري.. لم يكشف ما نوع الاتصالات تلك، وبالتالي هل هي على مستوى عال من الجيش؟ لكن المؤكد أنها كانت حقيقية..
اليوم الحاسم للمعركة كان بغداد نفسها.. بغداد التي توعد رئيسها بأنها ستكون «مقبرة» للمغول (الخطاب قبل الحرب)، كانت العاصمة العراقية في غاية الأهمية في مستقبل الحرب كلها.. لهذا كان الرهان كبيرا.. وزير الإعلام العراقي قال إن الأمريكيين سيدخلون بغداد على جثته.. كان واثقا من نفسه وهو يرد على الأمريكيين الذين استولوا على مطار صدام.. كيف يحدث ذلك؟
شهادات من الحرب
«جمال» جزائري مقيم في ضاحية «سانت إتيان» بباريس.. عاد إلى أسرته قادما من بغداد الذي ذهب إليها متطوعا، كان يعمل مع أخيه في متجر خاص بهما، وحين بدأت تلوح وجه الحرب الأمريكية على العراق قرر التطوع لمساعدة إخوانه كما يقول.. في البداية رفض الكلام معنا، ولكن مع إلحاحنا عليه قبل، مشترطا علينا عدم أخذ صورته، وألا ينشر اسمه كاملا، ووعدناه بذلك.. قال: «ذهبت إلى بغداد قبل أسبوعين من بداية الحرب.. كان واجبا علي أن أساعد إخواني ضد التهديد الأمريكي الصهيوني.. تدربنا على حمل السلاح، بسرعة خيالية.. كنا نتدرب تسع ساعات يوميا.. في المكان الذي كنت فيه وجدت العديد من العرب.. من جنسيات كثيرة.. وكانت مهمتنا الأولى عدم الابتعاد عن بعضنا، وأن نتوزع على مناطق معينة في بغداد..» سألناه هل كان موجودا يوم استولى الأمريكيون على المطار؟ فرد ساخرا: «لا تصدق كلام الجرائد، لم يستولوا على المطار إلا حين انسحب منه الجنود.. لقد كنا ضمن فرقة تغطي جنوداً عراقيين.. وكان هدفنا هو منع أي تقدم نحو المطار..» قلت له: «لكنهم استولوا على المطار حقا..» قال غاضبا: «حين انسحبنا نعم!»
لماذا حدث الانسحاب إذن؟
تقارير الدفاع الأمريكية تكلمت عن «صفقة».. ربما ذهب ظن أغلبية المحللين إلى أنها كانت مع الرئيس العراقي صدام حسين.. ولكن.. كيف يمكن إبرام صفقة مع جيش ينتصر في المعركة؟
الجواب أن الصفقة لم تكن مع الرئيس العراقي إنما مع ابن عمه الذي لم يستجب لعدة أوامر أعطيت له.. وربما أهمها نشر الفيلق الثالث والرابع على مشارف المطار.. وتدمير الجسور المؤدية منه وإليه.. كانت تلك أبرز المراحل التي من خلالها كانت الصفقة تسير إلى الأفضل.. أمريكا كانت تخشى تدمير الجسور، وبالتالي عدم تدميرها بمثابة رغبة لجنود أرادوا أن ينتصروا لوحدهم وخارج تفاصيل الحرب، على نظام صدام حسين.. كيف؟
تأمين حياتهم وحياة أسرهم عبر نقلهم إلى مناطق أخرى، خارج العراق..
التعهد لهم بأن يكون لهم دور عسكري في العراق المحررة..
عدم التعرض إلى منازلهم وممتلكاتهم الخاصة إلى حين الرجوع إليها.. هذا يؤكده أن منازل ضباط في الحرس الجمهوري لم يمسسها القصف.. وأن الجنود تواجدوا (ليس صدفة) في شارع الروضة الذي يضم منازل العسكريين الهاربين من المعركة..
الاثنين 7 ابريل، انفجار مهول هز أحد الأحياء البغدادية، كان الهدف: مطعم قيل إن الرئيس العراقي ونجليه كانا فيه.. كانت الصورة المفجعة لما تبقى من المطعم، وتقارير المخابرات تتسرب إلى الجيش العراقي قائلين له: صدام حسين قتل، فلن يكون هنالك داع لمقاومتكم».. النتيجة: حادثة المطعم الذي يعرف المقربون من صدام أنه كان يرتاد مخبأ كان مبنيا تحته، صدقوها مقتنعين برواية «الموت» ومن هنا كانت عملية الهروب أكثر حدة من ذي قبل..
ابن عم الرئيس أدى دورا كبيرا في تنسيق العملية الأخطر: عدم المقاومة والسماح للجيش الأمريكي بالدخول إلى بغداد.. الثمن؟ ضمانات حقيقية.. الخروج من العراق!.الأمريكيون بعد الحرب اعترفوا أنهم هزموا الجيش العراقي بالحيلة.. وأن النتيجة كانت أهم من كل الحسابات الأخرى.. هذا يؤكد أن الحيلة ما هي إلا تسريب معلومات خاطئة عن اغتيال الرئيس العراقي مع نجليه في حادثة المطعم.. لهذا بالنسبة لهؤلاء الذين خاضوا معارك كثيرة، لم يكن هنالك سبب لمواصلة المقاومة طالما القائد الأعلى قد مات!
حادثة خطيرة وقعت لم تكن أكثر من خطة لتهريب هؤلاء إلى جهة «آمنة».. القصف الذي تعرض له فندق فلسطين كان بمثابة الحيلة الأمريكية الأخرى، كي تشد أنظار العالم إلى مجزرة رهيبة.. لكن لأجل ماذا؟ لأجل عملية إنزال وشحن في الوقت نفسه في مطار صدام حسين الذي بثت القنوات التلفزيونية صوراً عن «وصول المارينز» إليه حقا، مكذبة كل الدفاعات التي كان يقوم بها «محمد سعيد الصحاف» ساعات قبل سقوط بغداد.. كانت عملية «فندق فلسطين» محضرة، بدقة متناهية.. قناة «فرانس دو» بثت صورة القصف.. حيث استدارت دبابة أمريكية نحو الفندق، وانتظرت بضعة ثوان قبل أن تطلق النار نحو المصورين الذين كانوا على سطح الفندق.. الإصابات كانت مهولة، ولم يتوقف ذلك على القصف.. كانت ثمة أوامر أخرى صارمة من الأمريكيين كي يحدوا من تحرك الصحفيين خارج الفندق.. كل الصحافيين والمصورين كانوا في سجن أمريكي حقيقي.. ليس هذا فقط، بل حدث أن حاصر الجنود مقرات لبعض التلفزيونات الدولية، والعربية.. كانت العملية منسقة مع الطيران الذي لم يتوقف ذلك اليوم من القصف على مقربة من الفندق.. الصحافيون وجدوا أنفسهم غير قادرين على التحرك.. الصدمة والحرب التي وجهت نحوهم.. لماذا؟ لأنه كان ثمة ما يحدث في الجهة الأخرى.«جمال» الذي قال إن سقوط المطار كان نتيجة هرب الحرس الجمهوري وليس العكس.
قال لنا أيضا: «كنا خمسة، أنا وأخ من سورية وثلاثة مصريين، ولم ندر ما الذي يجري، فجأة وجدنا أنفسنا لوحدنا.. رأينا بعض العراقيين الذين بقوا، وهم يغيرون ثيابهم، يلبسون ثيابا عربية، ويهربون تاركين أسلحتهم.. لم نكن نعرف ماذا يجري، ولا ماذا كان علينا فعله.. لكننا ركضنا بدورنا بعيدا..» يقول أيضا: «كنا نجري، ولكن الذي لا يمكن نسيانه هو أزيز تلك الطائرة الكبيرة التي حطت في المطار، كان ثمة من يخرج منها ومن يدخل إليها.. رأينا النساء والأطفال يركبون على متن الطائرة، ورأينا بعض الضباط العراقيين بلباسهم العسكري يدخلون على متن الطائرة..» هذا الكلام جاء في تقرير بثته «فوكس نيوز» لكن لسبب غامض توقف المذيع عن مواصلة تقريره من بغداد.
جثة البلغاري
حادثة أخرى، لا تقل أهمية وهي العثور على جثة مصور بلغاري قريبة من مطار صدام حسين، كيف وصل المصور إلى ذلك المكان؟ الجنود الأمريكيون قالوا إنه راح ضحية القصف المكثف على المطار.. ولكن أي قصف؟ كان القصف موجه إلى المنطقة المحاذية لفندق فلسطين.الإجابة الوحيدة هي أن المصور لم يكن موجودا في الفندق لحظة بداية القصف.. وأنه كان يصور العاصمة، وبالذات منطقة المطار.. عثر على كاميرا المصور خالية من أي شريط للتصوير.. كيف يغامر صحفي بحياته بكاميرا خالية من أي شريط ؟ لا أحد أراد الرد على هذا السؤال.. لكن الإجابة الواضحة قالها زملاء الضحية الذين أكدوا أن زميلهم محترف، وأنه يحمل معه دائما أشرطة تصوير احتياطية، ولا يمكن أبدا استيعاب فكرة ما قيل أنه راح ضحية الغارة..شيء آخر، وهو أن الذين رأوا جثة المصور لاحظوا آثار طعنات.. هذا يدل على أن ثمة من اكتشف أمره، فقتله.. مساحة المطار كانت مفتوحة لطائرتين أمريكيتين حطتا فيه، باعتراف من البنتاجون نفسه.. وهذا يؤكد أن الأمريكيين ظلوا يحمون جوانب المطار من أي طارئ مهما كان نوعه.. بمعنى أن المصور كان ضحية الأمريكيين وليس العراقيين الذين فروا جماعات..
ثانيا أن الكاميرا بلا أدنى شك لم تكن خالية، بل كان فيها شيء خطير، بدليل أن النهاية كانت القتل، أي محو أي حقيقة يمكن العثور عليها.. بالخصوص فيما يخص قيادات الجيش العراقيين الذين قال أكثر من شاهد عيان إنهم هربوا مع عائلاتهم على متن الطائرتين اللتين حطتا، والتي كانت تفصل بينهما ساعة من الزمن..نهاية أزمة فندق فلسطين كانت نهاية قصة أخرى.. بغداد التي سقطت «طواعية»، لا شيء يدل على وجود مقاوم واحد فيها يمكنه الدفاع عنها.. الكل هرب، وذاب خلف الضباب.. الصدمة ثم الفرحة !
الأمريكيون يبحثون بعد سقوط بغداد على صدام حسين، للإعلان بطريقة مباشرة أن صدام حسين لم يمت.. وأن البحث عنه ما زال جاريا.. «محمد سعيد الصحاف» اختفى صباح سقوط بغداد.. والذين كانوا يشكلون ركيزة النظام العراقي لم يعدلهم وجود.. ثمة اعتقاد له مصادره يؤكد أن الذين يجري البحث عنهم سيقعون تحت قبضة الأمريكيين قريبا بمن فيهم الرئيس العراقي المخلوع نفسه، لأن الذين خانوا بغداد، لن يتورعوا عن خيانة رئيس يعرفون أنه كان ديكتاتوريا ومجرما.. ولن يتورعوا عن التبرؤ منه يوم يأتي وقت المحاكمة.. كأن يقولوا للأمريكيين: أعطيناكم العراق لأجل ضمان حياتنا..! سيكون الأمر بشعا يومها، لأن تاريخ العراق الجديد أصبح متورطا بالخيانة التي سمحت للاحتلال أن يكون تحريريا.. سمحت للديمقراطية أن تأتي على متن القنابل العنقودية.. تناقض قد يفهمه أحدنا ذات يوم، لكن الآن... لا أحد يفهم الحقيقة الأخرى التي ربما، سيراها الناس ذات يوم على شكل شهادات من أصحابها، الذين سينعمون بالدفء الأمريكي قليلا، قبل أن يكتشفوا اللعبة المرة التي لعبوها، ليس ضد رئيس فاشي وديكتاتوري، بل ضد شعب صدمه
السقوط الرهيب والسهل لعاصمة كانت ذات يوم عاصمة للتاريخ كله!


(*) كاتب وصحفي ومؤرخ فرنسي
المصدر مجلة «لافيريتي» الفرنسية