بن مثنى
25-04-2003, 08:18 PM
الاتحاد :لم يسبق أن ظهر مدير وكالة الأمن القومي الأميركي الجنرال مايكل هايدن أمام أجهزة الإعلام الأميركية قبل ادلائه بشهادته منذ أيام أمام الكونجرس حول الإجراءات الأمنية المطبقة في مواجهة منظمة القاعدة، بل ان اسم الجنرال لم يكن معروفاً من قبل لأحد، فقد كانت البيانات الحكومية الأميركية تكتفي بالقول ان مدير وكالة الأمن القومي - دون ذكر اسمه - التقى بالرئيس أو اجتمع مع قادة أجهزة المخابرات الأميركية، فضلاً عن ذلك فإن ظهور الجنرال هايدن كان حادثاً تاريخياً، فهذه هي المرة الثالثة التي يدلي فيها أي مدير لوكالة الأمن القومي بشهادة أمام الكونجرس خلال الخمسين عاماً الأخيرة·
ويبدو أن السماح بتسليط الضوء على شهادة الجنرال كان يهدف الى طمأنة الرأي العام الأميركي الى مدى الجهد الذي يبذل لحماية الجبهة الداخلية وتعقب منظمة القاعدة، والتنصت على اتصالات أعضائها، بل وعلى أي اتصالات أخرى بين عناصر معادية للولايات المتحدة في أي مكان، وفي أي وقت·
والمؤكد أن الجنرال هايدن لم يكن يشعر بالراحة خلال إجابته على أعضاء الكونجرس أثناء جلسات الاستماع التي تحقق في أسباب إخفاق أجهزة الأمن الأميركية في توقع حدوث هجوم 11 سبتمبر· ذلك ان وكالة الأمن القومي تسمى في الولايات المتحدة القلعة السرية ثم انها مسؤولة عن كل عمليات التجسس الالكتروني التي تضخ الى أجهزة المخابرات كل يوم أطناناً من التسجيلات والرسائل المتبادلة، ليصبح على هذه الأجهزة تحليلها وتحديد مغزاها·
شهادة الجنرال
ولكن الوكالة لا تستطيع بطبيعة الحال معرفة الرسائل التي ينقلها رسول من شخص الى آخر شفاهة، ويبدو - من شهادة الجنرال هايدن - ان هذا هو الأسلوب المتبع الآن في الاتصالات بين قيادات القاعدة، إذ قال الجنرال ان الوكالة لم يكن لديها علم بقرب وقوع حادث 11 سبتمبر قبل وقوعه، وانها لم تعرف ان مختطفي الطائرات يعيشون في الولايات المتحدة، كما أنها لم تتمكن من رصد أي إشارة تدل على التخطيط لحادث جزيرة فيلكا في الكويت، أو انفجار الناقلة الفرنسية في اليمن، أو انفجار بالي الأخير·
ولكن هل التقطت الوكالة اتصالات بين أعضاء القاعدة وسجلتها حقاً؟ أحد الضباط الكبار في وكالة المخابرات المركزية صرح لأجهزة الإعلام الأميركية قائلاً: الخبر الطيب أننا سجلنا بعض اتصالاتهم، والخبر السيئ أن هذه الاتصالات كانت خالية من أي شيء له معنى· وأضاف الضابط قائلاً: لقد كان لي حظ الاستماع للتسجيلات، ولكنها لم تتضمن شيئاً يمكن فهمه· انها كلام فارغ لا يدل على شيء·
ثرثرة وفعل!
ورغم أن أحداً لم يعرف تفصيلات ما قاله الجنرال هايدن، إذ جرت أغلب وقائع شهادته خلف باب مغلق، فإن التعليقات العامة تفيد أنه أوضح أن أعضاء القاعدة تعلموا مهارات تجنب الاتصالات الهاتفية أو الإلكترنية، وانهم إما يعتمدون على أجهزة هاتف نقال تستخدم لمرة واحدة، أو لفترة قصيرة للغاية، وإما يعتمدون على الاتصالات الشخصية عبر الرسائل·ولكن أليس من المحتمل أن تكون أي ثرثرة بين عضوين في المنظمة تحمل كلماتها أموراً لها دلالات لا يعرفها إلا هذان العضوان، ومن ثم فإنها تتضمن رسالة من نوع ما يستحيل فهمها على الآخرين؟ كما يمكن لأي شخص عادي أن يستنتج ذلك، فقد استنتجه أيضاً خبراء وكالة الأمن القومي والمخابرات المركزية· وهكذا فقد استدعوا عرباً للاتصالات الى هذه الثرثرات لتحديد ما إذا كان بها أي جزء يحتمل هذا التفسير، ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال·ويقال إن الجنرال هايدن شرح لأعضاء لجنة الكونجرس أن أعضاء القاعدة لم يتعلموا فقط ضرورة تجنب الاتصالات الإلكترونية، ولكنهم تعلموا أيضاً محاولة استخدامها لتحقيق هدف مزدوج، الأول هو تضليل أجهزة الأمن الأميركية، والثاني هو معرفة ما إذا كانت هذه الأجهزة قد اخترقت إحدى خلايا التنظيم في مكان ما·
أما تضليل الأجهزة فإنه يعتمد على تمرير عبارات عابرة تشير الى احتمال حدوث شيء في مكان ما وذلك خلال مكالمات يعلم الأعضاء أنها ملتقطة· ويهدف ذلك الى توجيه هذه الأجهزة الى ذلك المكان لتشتيت انتباهها وبعثرة قدراتها· وأما معرفة الاختراقات فإنه يعتمد على قيام خلية ما بتبادل معلومات يعلم واحد منها فقط أنها خاطئة، فإذا كانت هذه المعلومات تشير الى قرب وقوع عملية ما في مكان محدد، وإذا ما ذهبت أجهزة الأمن الى ذلك المكان، في ذلك الوقت، فإن هذا يعني أن الخلية مخترقة، وان هذا الاختراق قد تم عن طريق اختراق طرق اتصالاتها، أو عن طريق وجود عين بداخلها·
وطبقاً لما قيل عن شهادة جنرال القلعة السرية فإن مخازن القلعة تخلو من أي تسجيل - ولو واحد فقط - لمكالمات هاتفية تمت بين مختطفي الطائرات الـ 19 الذين نفذوا عملية 11 سبتمبر· وفسر الجنرال ذلك بأن القانون يمنعه من تسجيل المكالمات داخل الولايات المتحدة إلا إذا كانت مكالمات إرهابي محتمل· ولا تستطيع الوكالة بطبيعة الحال أن تحدد من هم الإرهابيين المحتملين داخل الولايات المتحدة، إذ أنها تتلقى الأسماء والمعلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي لتقوم هي بالجزء الإلكتروني من العملية· ولكن الوكالة لم تتلق من المكتب أي اسم من أسماء المختطفين·
وتلتقط الوكالة نحو 4 ملايين مكالمة في الساعة الواحدة، أي نحو 100 مليون في اليوم· وليس بالإمكان بطبيعة الحال توفير عدد كاف من الخبراء لفرز هذه المكالمات والإنصات إليها وتحليلها وتقديم تقرير عنها، ولذا فإن الوكالة تعتمد على أجهزة كمبيوتر مدربة على الاتصالات للمكالمات وتحديد ما إذا كان يتعين على خبير - بشري هذه المرة - أن يراجعها·
العملية·· والموعد
وتستخدم هذه الأجهزة مفاتيح معينة لفرز هذه المكالمات التي تستحق المراجعة، أي كلمات مثل بن لادن، الشيخ، العملية، الموعد، وما إلى ذلك· ولكنها لا تفرز كل المكالمات التي ترد فيها - مثلاً - كلمة الموعد، إذ أن بوسعها تحديد السياق الذي تستخدم فيه، كأن يكون سياقاً مالياً أو أسرياً، فإن كان فإن الأجهزة تمرر المكالمة دون أن توصي بمراجعتها· كما أن بوسع تلك الأجهزة أيضاً أن تحدد ما إذا كان سياق المكالمة يمضي بصورة منطقية، أم أنه تم الانتقال بصورة مفاجئة من قضية الى أخرى·· وهكذا·ولأن أجهزة الالتقاط تركز على مناطق جغرافية معينة فإن المكالمات التي تأتي من هذه المناطق تتعرض لمراجعة أدق أجهزة الكمبيوتر، ثم من الخبراء، إلا أن الكم الهائل يحول دون تحقيق أي استجابة سريعة·فقد رصدت الوكالة مثلاً مكالمات بين بعض الأعضاء المحتملين في القاعدة يوم 10 سبتمبر 2001 يقولون فيها ستبدأ المباراة غداً و غداً هو ساعة الصفر وما الى ذلك· ولكن ترجمة تلك المكالمات ونصوصها وصلت الى أجهزة الأمن المعنية يوم 12 سبتمبر، أي بعد وقوع الكارثة وليس قبل ذلك·ولعل حساسية أعضاء القاعدة القيادية لذلك هو ما جعلهم يختفون تماماً من على شاشة رادار وكالة الأمن القومي، بل ان محمد عطا الذي تحدث مع واحد من المشاركين في عملية 11 سبتمبر لاعطائه موعد القيام بالعملية قال لهذا المشارك على الهاتف عصا وعصا ثم كعكة بها عصا الى أسفل، وذلك - إذا ما ترجمناه الى لغة مفهومة - يعني 11/9!
وليس من الواضح إذا ما كان الجنرال هايدن قد قدم الى أعضاء الكونجرس الذين أنصتوا لشهادته تقييماً واقعياً لمدى خطورة منظمة القاعدة بعد كافة التطورات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر· إلا أنه لو كان قدم مثل هذا التقييم فإنه لم يكن ليتسرب من خلف أبواب القاعة التي أدلى فيها بشهادته على أي حال·
ذلك ان الإدارة الأميركية ترى أن بعبع القاعدة يجب أن يظل بعبعاً ولو كانت تدرك أنه بلا أسنان· إذ أن من المفيد دائماً استخدام المنظمة والتلويح بأخطارها أمام الأميركيين لاقناعهم بأن من حق الإدارة أن تجردهم من قدر من الحريات العامة، ومن حقها أن تطبق إجراءات داخلية استثنائية، وأن تشن حروباً خارجية، كل ذلك بدعوى حمايتهم من الإرهاب، الذي تجسده منظمة القاعدة، والتي لا يريد الرئيس بوش أن ينساها الأميركيون حتى إذا لم تكن تمثل خطراً حقيقياً الآن يهدد أمنه·
المراجع الأميركية
وقد أكدت ذلك الدكتورة إيثر بيرسون أستاذة علم الأديان المقارنة في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا في محاضرة ألقتها قبل أيام في مركز الصحافة الوطني بواشنطن حين أوضحت مدى الضعف الذي لحق بالمنظمة بعد 11 سبتمبر· والدكتورة بيرسون أحد أبرز المراجع الأميركية في شؤون القاعدة ومراحل تطورها وما حدث لهيكلها التنظيمي وقدراتها الميدانية بعد 11 سبتمبر· ويمكن تلخيص أبرز ما قالته الدكتورة في النقاط التالية:
ü تعرضت القاعدة لانتكاسة كبيرة بسبب عملية 11 سبتمبر وليس من الصحيح القول إن المنظمة زادت من قدراتها العملية بعد ذلك الهجوم الكبير، إذ تبرهن الوقائع على عكس ذلك تماماً· فقد أسفر الهجوم وتداعياته عن اندحار حركة طالبان وسقوط حكومتها في أفغانستان، وأدى ذلك الى حرمان القاعدة من مرتكزها الجغرافي والمالي والتنظيمي الأهم على الإطلاق·
فضلاً عن ذلك فإن هيكل المنظمة تعرض لإصابات جوهرية، بل انه انهار تماماً من الوجهة الفعلية بعد انهيار طالبان، إذ فقدت القيادات اتصالاتها بالصف الثاني، وقتل عدد كبير من الكوادر الأساسيين، وتشرذم الأعضاء في كل مكان من أفغانستان· وكان بعض الأفغان يجدونهم أحياناً هائمين على وجوههم في المرتفعات القريبة من تجمعات سكنية فكانوا يسلمونهم الى الأميركيين للحصول على المكافآت المالية السخية التي عرضتها القوات المشتركة لقاء كل عضو يسلم إليها·
ü وفضلاً عن فقرات معسكرات التدريب ووسائل الاتصال وإعاشة الأعضاء الجدد فإن القاعدة فقدت أيضاً قسماً كبيراً من مصادر تمويلها بعد الملاحقة الأمنية المتصلة بقنوات التمويل· ولا يعني ذلك أن قيادات القاعدة لا يتسلمون الآن أموالاً ممن يتبرعون للمنظمة، إلا أن هذه الأموال باتت الآن أقل كثيراً مما كانوا يتلقونه في السابق، أي قبل 11 سبتمبر، بسبب تضييق الخناق على منابعها وقنوات نقلها·
ü رغم ذلك فإن القاعدة نجحت في دعم معنويات قوى التطرف المحلية التي تشاركها في موقفها الديني وفي نظرتها الى ضرورة بدء المواجهة مع الغرب، كما أنها نجحت في جعل ذلك، أي موقفها العقيدي وخطها العملي، قضية عامة فرضت نفسها على التيارات الدينية وغير الدينية في العالم الإسلامي·
وترافق ذلك مع زيادة عامة في مشاعر العداء للغرب، وخاصة للولايات المتحدة، في ذلك العالم، مما جعل أعداداً من الناقمين على السياسة الأميركية الخارجية يجدون في أحداث 11 سبتمبر متنفساً نفسياً لهذه المشاعر رغم أنهم لا يوافقون على مبدأ الهجوم على مدنيين، بل ويشعرون بالتعاطف مع الضحايا، وهو أمر يظهر عند مناقشتهم بصورة عقلانية·
الأغلبية الساحقة
ويظهر ذلك بصورة واضحة من نتائج استطلاعات الرأي العام التي قامت بها هيئات أميركية ودولية متخصصة لرصد آراء ما يسمى بالشارعين العربي والإسلامي· فقد أعربت الأغلبية الساحقة عن رأيها بأن أحداث 11 سبتمبر هي ردة فعل للسياسات الأميركية الخارجية، ولكنها في نفس الوقت اتهمت المخابرات الاسرائيلية بالوقوف خلف تلك الأحداث· إن هذا التناقض يوضح أن المسلمين يشعرون بفظاعة ما حدث ويرفضون، ولكنهم يدينون سياسات واشنطن في نفس الوقت·
ü وهكذا فإن القاعدة - بقيامها بهجوم 11 سبتمبر - أدت الى انهيارها تنظيمياً تقريباً، وانهيار طالبان أيضاً، ولكنها عمقت من حالة الاستقطاب والنقاش الداخلي في الدول العربية والإسلامية·
ونظراً لانهيارها تنظيمياً فإنها لم تتمكن من حصد ثمار ما قامت به، أي لم تتمكن من تجنيد مئات ممن رغبوا في الانضمام إليها بعد 11 سبتمبر نتيجة للاستقطاب المنطقي الذي أسفر عن الهجوم·
ويعني ذلك أن ما نراه الآن يتلخص في وجود أعداد من المتعاطفين التائهين، ومن الخصوم الجدد أيضاً، خاصة أولئك الذين شعروا أن سياسة قتل المدنيين تسيئ الى الإسلام والمسلمين· وفي وضع كهذا لابد أن يتجه هؤلاء المتعاطفون الجدد الى المنظمات الدينية المحلية التي تشارك القاعدة في موقفها ونظرتها، أو لابد أن يكونوا منظمات جديدة ومحلية متناثرة هنا وهناك·
بعبارة أخرى انني أعتقد أن وزن القاعدة قد تضاءل كثيراً بعد 11 سبتمبر على عكس التصريحات الرسمية· ويعزز من اعتقادي هذا ان أغلب العمليات الإرهابية التي وقعت بعد 11 سبتمبر كانت عمليات محلية صغيرة نسبياً·
إلا أن ذلك لا يعني بحال ان القاعدة - كمنظمة - لم تقطع شوطاً في التقاط أنفاسها وجمع أطرافها المتناثرة ومحاولة إعادة بناء هيكلها الذي لحقت بعض الإنجازات في هذا المضمار· فنحن نرى الآن قادة من الصف الثاني تحركوا لشغل مواقع مؤثرة، منهم مثلاً المسؤول المالي عبدالله أحمد عبدالله، ومسؤول التدريب أبو مصعب الزرقاوي وتوفيق عطاس
والأندونيسي رضوان عصام الدين والقائد العسكري الجديد المصري سيف العد
ويبدو أن السماح بتسليط الضوء على شهادة الجنرال كان يهدف الى طمأنة الرأي العام الأميركي الى مدى الجهد الذي يبذل لحماية الجبهة الداخلية وتعقب منظمة القاعدة، والتنصت على اتصالات أعضائها، بل وعلى أي اتصالات أخرى بين عناصر معادية للولايات المتحدة في أي مكان، وفي أي وقت·
والمؤكد أن الجنرال هايدن لم يكن يشعر بالراحة خلال إجابته على أعضاء الكونجرس أثناء جلسات الاستماع التي تحقق في أسباب إخفاق أجهزة الأمن الأميركية في توقع حدوث هجوم 11 سبتمبر· ذلك ان وكالة الأمن القومي تسمى في الولايات المتحدة القلعة السرية ثم انها مسؤولة عن كل عمليات التجسس الالكتروني التي تضخ الى أجهزة المخابرات كل يوم أطناناً من التسجيلات والرسائل المتبادلة، ليصبح على هذه الأجهزة تحليلها وتحديد مغزاها·
شهادة الجنرال
ولكن الوكالة لا تستطيع بطبيعة الحال معرفة الرسائل التي ينقلها رسول من شخص الى آخر شفاهة، ويبدو - من شهادة الجنرال هايدن - ان هذا هو الأسلوب المتبع الآن في الاتصالات بين قيادات القاعدة، إذ قال الجنرال ان الوكالة لم يكن لديها علم بقرب وقوع حادث 11 سبتمبر قبل وقوعه، وانها لم تعرف ان مختطفي الطائرات يعيشون في الولايات المتحدة، كما أنها لم تتمكن من رصد أي إشارة تدل على التخطيط لحادث جزيرة فيلكا في الكويت، أو انفجار الناقلة الفرنسية في اليمن، أو انفجار بالي الأخير·
ولكن هل التقطت الوكالة اتصالات بين أعضاء القاعدة وسجلتها حقاً؟ أحد الضباط الكبار في وكالة المخابرات المركزية صرح لأجهزة الإعلام الأميركية قائلاً: الخبر الطيب أننا سجلنا بعض اتصالاتهم، والخبر السيئ أن هذه الاتصالات كانت خالية من أي شيء له معنى· وأضاف الضابط قائلاً: لقد كان لي حظ الاستماع للتسجيلات، ولكنها لم تتضمن شيئاً يمكن فهمه· انها كلام فارغ لا يدل على شيء·
ثرثرة وفعل!
ورغم أن أحداً لم يعرف تفصيلات ما قاله الجنرال هايدن، إذ جرت أغلب وقائع شهادته خلف باب مغلق، فإن التعليقات العامة تفيد أنه أوضح أن أعضاء القاعدة تعلموا مهارات تجنب الاتصالات الهاتفية أو الإلكترنية، وانهم إما يعتمدون على أجهزة هاتف نقال تستخدم لمرة واحدة، أو لفترة قصيرة للغاية، وإما يعتمدون على الاتصالات الشخصية عبر الرسائل·ولكن أليس من المحتمل أن تكون أي ثرثرة بين عضوين في المنظمة تحمل كلماتها أموراً لها دلالات لا يعرفها إلا هذان العضوان، ومن ثم فإنها تتضمن رسالة من نوع ما يستحيل فهمها على الآخرين؟ كما يمكن لأي شخص عادي أن يستنتج ذلك، فقد استنتجه أيضاً خبراء وكالة الأمن القومي والمخابرات المركزية· وهكذا فقد استدعوا عرباً للاتصالات الى هذه الثرثرات لتحديد ما إذا كان بها أي جزء يحتمل هذا التفسير، ولكن النتيجة كانت مخيبة للآمال·ويقال إن الجنرال هايدن شرح لأعضاء لجنة الكونجرس أن أعضاء القاعدة لم يتعلموا فقط ضرورة تجنب الاتصالات الإلكترونية، ولكنهم تعلموا أيضاً محاولة استخدامها لتحقيق هدف مزدوج، الأول هو تضليل أجهزة الأمن الأميركية، والثاني هو معرفة ما إذا كانت هذه الأجهزة قد اخترقت إحدى خلايا التنظيم في مكان ما·
أما تضليل الأجهزة فإنه يعتمد على تمرير عبارات عابرة تشير الى احتمال حدوث شيء في مكان ما وذلك خلال مكالمات يعلم الأعضاء أنها ملتقطة· ويهدف ذلك الى توجيه هذه الأجهزة الى ذلك المكان لتشتيت انتباهها وبعثرة قدراتها· وأما معرفة الاختراقات فإنه يعتمد على قيام خلية ما بتبادل معلومات يعلم واحد منها فقط أنها خاطئة، فإذا كانت هذه المعلومات تشير الى قرب وقوع عملية ما في مكان محدد، وإذا ما ذهبت أجهزة الأمن الى ذلك المكان، في ذلك الوقت، فإن هذا يعني أن الخلية مخترقة، وان هذا الاختراق قد تم عن طريق اختراق طرق اتصالاتها، أو عن طريق وجود عين بداخلها·
وطبقاً لما قيل عن شهادة جنرال القلعة السرية فإن مخازن القلعة تخلو من أي تسجيل - ولو واحد فقط - لمكالمات هاتفية تمت بين مختطفي الطائرات الـ 19 الذين نفذوا عملية 11 سبتمبر· وفسر الجنرال ذلك بأن القانون يمنعه من تسجيل المكالمات داخل الولايات المتحدة إلا إذا كانت مكالمات إرهابي محتمل· ولا تستطيع الوكالة بطبيعة الحال أن تحدد من هم الإرهابيين المحتملين داخل الولايات المتحدة، إذ أنها تتلقى الأسماء والمعلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي لتقوم هي بالجزء الإلكتروني من العملية· ولكن الوكالة لم تتلق من المكتب أي اسم من أسماء المختطفين·
وتلتقط الوكالة نحو 4 ملايين مكالمة في الساعة الواحدة، أي نحو 100 مليون في اليوم· وليس بالإمكان بطبيعة الحال توفير عدد كاف من الخبراء لفرز هذه المكالمات والإنصات إليها وتحليلها وتقديم تقرير عنها، ولذا فإن الوكالة تعتمد على أجهزة كمبيوتر مدربة على الاتصالات للمكالمات وتحديد ما إذا كان يتعين على خبير - بشري هذه المرة - أن يراجعها·
العملية·· والموعد
وتستخدم هذه الأجهزة مفاتيح معينة لفرز هذه المكالمات التي تستحق المراجعة، أي كلمات مثل بن لادن، الشيخ، العملية، الموعد، وما إلى ذلك· ولكنها لا تفرز كل المكالمات التي ترد فيها - مثلاً - كلمة الموعد، إذ أن بوسعها تحديد السياق الذي تستخدم فيه، كأن يكون سياقاً مالياً أو أسرياً، فإن كان فإن الأجهزة تمرر المكالمة دون أن توصي بمراجعتها· كما أن بوسع تلك الأجهزة أيضاً أن تحدد ما إذا كان سياق المكالمة يمضي بصورة منطقية، أم أنه تم الانتقال بصورة مفاجئة من قضية الى أخرى·· وهكذا·ولأن أجهزة الالتقاط تركز على مناطق جغرافية معينة فإن المكالمات التي تأتي من هذه المناطق تتعرض لمراجعة أدق أجهزة الكمبيوتر، ثم من الخبراء، إلا أن الكم الهائل يحول دون تحقيق أي استجابة سريعة·فقد رصدت الوكالة مثلاً مكالمات بين بعض الأعضاء المحتملين في القاعدة يوم 10 سبتمبر 2001 يقولون فيها ستبدأ المباراة غداً و غداً هو ساعة الصفر وما الى ذلك· ولكن ترجمة تلك المكالمات ونصوصها وصلت الى أجهزة الأمن المعنية يوم 12 سبتمبر، أي بعد وقوع الكارثة وليس قبل ذلك·ولعل حساسية أعضاء القاعدة القيادية لذلك هو ما جعلهم يختفون تماماً من على شاشة رادار وكالة الأمن القومي، بل ان محمد عطا الذي تحدث مع واحد من المشاركين في عملية 11 سبتمبر لاعطائه موعد القيام بالعملية قال لهذا المشارك على الهاتف عصا وعصا ثم كعكة بها عصا الى أسفل، وذلك - إذا ما ترجمناه الى لغة مفهومة - يعني 11/9!
وليس من الواضح إذا ما كان الجنرال هايدن قد قدم الى أعضاء الكونجرس الذين أنصتوا لشهادته تقييماً واقعياً لمدى خطورة منظمة القاعدة بعد كافة التطورات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر· إلا أنه لو كان قدم مثل هذا التقييم فإنه لم يكن ليتسرب من خلف أبواب القاعة التي أدلى فيها بشهادته على أي حال·
ذلك ان الإدارة الأميركية ترى أن بعبع القاعدة يجب أن يظل بعبعاً ولو كانت تدرك أنه بلا أسنان· إذ أن من المفيد دائماً استخدام المنظمة والتلويح بأخطارها أمام الأميركيين لاقناعهم بأن من حق الإدارة أن تجردهم من قدر من الحريات العامة، ومن حقها أن تطبق إجراءات داخلية استثنائية، وأن تشن حروباً خارجية، كل ذلك بدعوى حمايتهم من الإرهاب، الذي تجسده منظمة القاعدة، والتي لا يريد الرئيس بوش أن ينساها الأميركيون حتى إذا لم تكن تمثل خطراً حقيقياً الآن يهدد أمنه·
المراجع الأميركية
وقد أكدت ذلك الدكتورة إيثر بيرسون أستاذة علم الأديان المقارنة في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا في محاضرة ألقتها قبل أيام في مركز الصحافة الوطني بواشنطن حين أوضحت مدى الضعف الذي لحق بالمنظمة بعد 11 سبتمبر· والدكتورة بيرسون أحد أبرز المراجع الأميركية في شؤون القاعدة ومراحل تطورها وما حدث لهيكلها التنظيمي وقدراتها الميدانية بعد 11 سبتمبر· ويمكن تلخيص أبرز ما قالته الدكتورة في النقاط التالية:
ü تعرضت القاعدة لانتكاسة كبيرة بسبب عملية 11 سبتمبر وليس من الصحيح القول إن المنظمة زادت من قدراتها العملية بعد ذلك الهجوم الكبير، إذ تبرهن الوقائع على عكس ذلك تماماً· فقد أسفر الهجوم وتداعياته عن اندحار حركة طالبان وسقوط حكومتها في أفغانستان، وأدى ذلك الى حرمان القاعدة من مرتكزها الجغرافي والمالي والتنظيمي الأهم على الإطلاق·
فضلاً عن ذلك فإن هيكل المنظمة تعرض لإصابات جوهرية، بل انه انهار تماماً من الوجهة الفعلية بعد انهيار طالبان، إذ فقدت القيادات اتصالاتها بالصف الثاني، وقتل عدد كبير من الكوادر الأساسيين، وتشرذم الأعضاء في كل مكان من أفغانستان· وكان بعض الأفغان يجدونهم أحياناً هائمين على وجوههم في المرتفعات القريبة من تجمعات سكنية فكانوا يسلمونهم الى الأميركيين للحصول على المكافآت المالية السخية التي عرضتها القوات المشتركة لقاء كل عضو يسلم إليها·
ü وفضلاً عن فقرات معسكرات التدريب ووسائل الاتصال وإعاشة الأعضاء الجدد فإن القاعدة فقدت أيضاً قسماً كبيراً من مصادر تمويلها بعد الملاحقة الأمنية المتصلة بقنوات التمويل· ولا يعني ذلك أن قيادات القاعدة لا يتسلمون الآن أموالاً ممن يتبرعون للمنظمة، إلا أن هذه الأموال باتت الآن أقل كثيراً مما كانوا يتلقونه في السابق، أي قبل 11 سبتمبر، بسبب تضييق الخناق على منابعها وقنوات نقلها·
ü رغم ذلك فإن القاعدة نجحت في دعم معنويات قوى التطرف المحلية التي تشاركها في موقفها الديني وفي نظرتها الى ضرورة بدء المواجهة مع الغرب، كما أنها نجحت في جعل ذلك، أي موقفها العقيدي وخطها العملي، قضية عامة فرضت نفسها على التيارات الدينية وغير الدينية في العالم الإسلامي·
وترافق ذلك مع زيادة عامة في مشاعر العداء للغرب، وخاصة للولايات المتحدة، في ذلك العالم، مما جعل أعداداً من الناقمين على السياسة الأميركية الخارجية يجدون في أحداث 11 سبتمبر متنفساً نفسياً لهذه المشاعر رغم أنهم لا يوافقون على مبدأ الهجوم على مدنيين، بل ويشعرون بالتعاطف مع الضحايا، وهو أمر يظهر عند مناقشتهم بصورة عقلانية·
الأغلبية الساحقة
ويظهر ذلك بصورة واضحة من نتائج استطلاعات الرأي العام التي قامت بها هيئات أميركية ودولية متخصصة لرصد آراء ما يسمى بالشارعين العربي والإسلامي· فقد أعربت الأغلبية الساحقة عن رأيها بأن أحداث 11 سبتمبر هي ردة فعل للسياسات الأميركية الخارجية، ولكنها في نفس الوقت اتهمت المخابرات الاسرائيلية بالوقوف خلف تلك الأحداث· إن هذا التناقض يوضح أن المسلمين يشعرون بفظاعة ما حدث ويرفضون، ولكنهم يدينون سياسات واشنطن في نفس الوقت·
ü وهكذا فإن القاعدة - بقيامها بهجوم 11 سبتمبر - أدت الى انهيارها تنظيمياً تقريباً، وانهيار طالبان أيضاً، ولكنها عمقت من حالة الاستقطاب والنقاش الداخلي في الدول العربية والإسلامية·
ونظراً لانهيارها تنظيمياً فإنها لم تتمكن من حصد ثمار ما قامت به، أي لم تتمكن من تجنيد مئات ممن رغبوا في الانضمام إليها بعد 11 سبتمبر نتيجة للاستقطاب المنطقي الذي أسفر عن الهجوم·
ويعني ذلك أن ما نراه الآن يتلخص في وجود أعداد من المتعاطفين التائهين، ومن الخصوم الجدد أيضاً، خاصة أولئك الذين شعروا أن سياسة قتل المدنيين تسيئ الى الإسلام والمسلمين· وفي وضع كهذا لابد أن يتجه هؤلاء المتعاطفون الجدد الى المنظمات الدينية المحلية التي تشارك القاعدة في موقفها ونظرتها، أو لابد أن يكونوا منظمات جديدة ومحلية متناثرة هنا وهناك·
بعبارة أخرى انني أعتقد أن وزن القاعدة قد تضاءل كثيراً بعد 11 سبتمبر على عكس التصريحات الرسمية· ويعزز من اعتقادي هذا ان أغلب العمليات الإرهابية التي وقعت بعد 11 سبتمبر كانت عمليات محلية صغيرة نسبياً·
إلا أن ذلك لا يعني بحال ان القاعدة - كمنظمة - لم تقطع شوطاً في التقاط أنفاسها وجمع أطرافها المتناثرة ومحاولة إعادة بناء هيكلها الذي لحقت بعض الإنجازات في هذا المضمار· فنحن نرى الآن قادة من الصف الثاني تحركوا لشغل مواقع مؤثرة، منهم مثلاً المسؤول المالي عبدالله أحمد عبدالله، ومسؤول التدريب أبو مصعب الزرقاوي وتوفيق عطاس
والأندونيسي رضوان عصام الدين والقائد العسكري الجديد المصري سيف العد