Kubaj
08-08-2003, 06:42 PM
وجدت هذا الموضوع الممتع والرائع في أحدى المنتديات اليوم
ووجدت أنه من المناسب أن انقله الى هنا -___- " تراه طويل حبتين "
.....................................
تاكيو أوساهيرا
يقول الياباني تاكيو أوساهيرا :
ابتعثتني حكومتي للدراسة في جامعة هامبورغ بألمانيا ، لأدرس أصول الميكانيكا العلمية ، ذهبت إلى هناك و أنا أحمل حلمي الخاص الذي لا ينفك عني أبداً ، والذي خالج روحي وعقلي وسمعي وبصري وحسي ، كنت أحلم بأن أتعلم كيف أصنع محركاً صغيراً.
كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية أو ما يسمى موديلاً وهو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفت كيف تصنعه وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها .
وبدلاً من أن يأخذني الأساتذة إلى المعمل أو مركز تدريب عملي ، أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها ، وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها ، ولكنني ظللت أمام المحرك ، أياً كان قوته ، وكأنني أقف أمام لغز لا يحل ، كأني طفل أمام لعبة جميلة لكنها شديدة التعقيد لا أجرؤ على العبث بها .
كم تمنيت أن أداعب هذا المحرك بيدي ، كم أشتاق إلى لمسه والتعرف على مفرداته وأجزائه ، كم تمنيت لمه وضمه وقربه وشمه ، كم تمنيت أن أعطر يدي بزيته ، وأصبغ ثيابي بمخاليطه ، كم تمنيت وصاله ومحاورته والتقرب إليه ، لكنها ظلت أمنيات .. أمنيات حية تلازمني وتراودني أياماً وأياماً .
وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي ، وجدت في المعرض محركاً بقوة حصانين ، ثمنه يعادل مرتبي كله ، فأخرجت الراتب ودفعته ، وحملت المحرك وكان ثقيلا جداً ، وذهبت إلى حجرتي ووضعته على المنضدة ، وجعلت أنظر إليه كأنني أنظر إلى تاج من الجواهر ، وقلت لنفسي : هذا هو سر قوة أوروبا.. لو استطعت أن اصنع محركاً كهذا لغيرت اتجاه تاريخ اليابان ، وطاف بذهني خاطر إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى ، مغناطيس كحدوة الحصان ، وأسلاك وأذرع دافعة ، وعجلات وتروس وما إلى ذلك ، لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقه نفسها التى ركبوها بها ثم شغلته فاشتغل .. أكون قد خطوت خطوة نحو سر موديل الصناعة الأوروبيه .
بحثت في رفوف الكتب التى عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات ، وأخذت ورقاً كثيراً ، وأتيت بصندوق أدوات العمل ، ومضيت أعمل .. رسمت منظر المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاءه ، ثم جعلت أفكك أجزاءه ، قطعة قطعة ، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقه وأعطيتها رقماً ، وشيئاً فشيئاُ فككته كله ، ثم أعدت تركبيه وشغلته فاشتغل ، كاد قلبي يقف من الفرح ، واستغرقت العمليه ثلاثة أيام ، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة ، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل .
وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال : حسناً ما فعلت ، الآن لابد ان أختبرك سآتيك بمحرك متعطل ، وعليك أن تفككه وتكتشف موضع الخطأ وتصححه وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل ، وكلفتني هذه العمليه عشرة أيام ، عرفت أثناءها مواضع الخلل ، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة صنعت غيرها بيدي .. صنعتها بالمطرقة والمبرد ، لقد كانت هذه اللحظات من أسعد لحظات حياتي ، فأنا مع المحرك جنباً إلى جنب ، ووجهاً إلى وجه ، لقد كنت سعيداً جداً رغم المجهود الكبير الذي بذلته في إصلاح هذا المحرك .. قربي من هذا المحرك أنساني الجوع والعطش .. لا أأكل في اليوم إلا وجبة واحده ، ولا أصيب من النوم إلا القليل ، ثم تأتي اللحظات الحاسمة لاختبار أداء عملي لإصلاح هذا المحرك بعدما جمعت أجزاء المحرك من جديد .. وبعد قضاء عشرة أيام من العمل الشاق ، أخذت يدي تقترب لإداء المحرك .. وكم كنت أحمل من القلق والهم في تلك اللحظات العصيبة ..هل سيعمل هذا المحرك؟ هل سأنجح بعدما أدخلت فيه بعض القطع التى صنعتها ؟! وكم كانت سعادتي واعتزازي بعدما سمعت صوت المحرك وهو يعمل .. لقد أصلحته .. لقد نجحت .
بعد ذلك قال رئيس البعثة عليك الآن أن تصنع قطع المحرك بنفسك ، ثم تركبها محركاً ، ولكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس والألمونيوم ، بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد أستاذي الألمان ، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر معادن ، كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت أخدمه وقت الأكل ، مع أنني من أسرة ساموراي .. والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان ، لكنني كنت أخدم اليابان ، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء .
قضيت في هذه الدراسة والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشر ساعة في اليوم ، بعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة ، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
وعلم الميكادو ( إمبراطور اليابان ) بأمري ، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهباً، اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات وآلات وعندها أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد نفذت ، فوضعت راتبي وكل ما ادخرته خلال تلك السنوات الماضيه لاستكمال إجراءات الشحن .
وعندما وصلنا إلى ناجازاكي قيل لي إن الميكادو يريد أن يراني ، قلت لن أستحق مقابلة إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً استغرق ذلك تسع سنوات .. تسع سنوات من العمل الشاق والجهد المتواصل.
وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات " صُنعت في اليابان " قطعة قطعة ، حملناها إلى القصر ، ووضعناها في قاعدة خاصة بنوها لنا قريباً منه ، ثم أدرنا جميع المحركات العشرة ، دخل الميكادو وانحنينا نحييه وابتسم ، وقال : هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي ، صوت محركات يابانيه خالصة .. هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب ، نقلناه إلى اليابان ، نقلنا قوة أوربا إلى اليابان ، ونقلنا اليابان إلى الغرب ، وبعد ذلك الحدث السعيد ذهبت إلى البيت فنمت عشر ساعات كامله لأول مرة في حياتي منذ خمس عشر سنة .
كيف أصبح تاكيو أوساهيرا عظيماً ؟
كانت لتاكيو رؤية واضحة وأهداف محددة عما يريد ، وذلك منذ اللحظه التى اغترب عن بلده إلى ألمانيا ، أكثر من ثماني عشر سنه وهذه الرؤية واضحة لديه لا لبس فيها ، عاشت معه تلازمه كأنفاسه التى تتردد بين جنبيه ، قلّ لها نومه ، وكثر معها سهره ، و زَهَدَ في أكله وشرابه ، وترك من أجلها شهادة الدكتوراه .. ترك كلمات التفخيم والإجلال .
تضحيات وقراءة وعمل مستمر لأكثر من ثماني عشر سنة ، إلا أنه مطمئن لقراراته ، مستمتع بما يفعل ، إنه يرى دنو أحلامه .. أحلامه التى نسجت في خياله بدأت تظهر في واقعة ، إنه يراها .. فأسرع لها الخطي وهانت من أجلها كل العقبات .. إن مضمار سابق الجري ليشهد بصحة ما أقول ، فمجرد أن تقع عيني اللاعب على خط النهاية إلا وتراه قد نسي تعبة وانطلق سريعا كالسهم .
كنت أحد المشاركين في دورة بناء الذات الوالدية التي نظمتها مدرسة التكامل العالمية لأولياء الأمور ، والتى قدمها الدكتور إبراهيم محمد الخليفي ، لقد قسم الدكتور إبراهيم المشاركين المائة على أربع وعشرين طاولة ، فأصبح تقريبا كل أربعة مشاركين يشكلون فريقاً واحداً .. وفي بداية الدورة وزع الدكتور على المجاميع نوع من ألعاب التركيب ، وهي عبارة عن صورة مفككة إلى أجزاء كرتونية سميكة يقوم المتدربون بإعادة تشكيل الصورة بناءاً على الصورة الورقية المرقفة مع اللعبة ، لكن لم يكن هذا هو الحال عند كل المجاميع ، لقد قام الدكتور بسجب الصورة الورقية من اثنى عشر مجموعة وأبقى الصورة الورقية عند المجاميع الأخرى ، حدد الدكتور زمن الإنطلاق ثم أطلق صافرة البداية فهبت المجاميع للعمل لتركيب الصورة المطلوبة .. فماذا تتوقع أن يحدث ؟
لقد أصبح المشاركون على حالين ، المشاركون الذين يملكون الصورة الورقية والتى تمثل ورقة الحل ، وكان عملهم منظماً وسريعاً ومثمراً ، أما المجاميع التى حرمت من ورقة الحل ، كان عملهم متخبطاً فوضوياً وبطيئاً .. ولعلك الآن أن أدركت ماذا حدث .
المجاميع التى تملك ورقة الحل ترى الصورة المطلوب تنفيذها ، إنها تراها بوضوح ، فأصبح عملهم سريعاً منظماً هادئاً قلتّ فيه التساؤلات والإعتراضات ، أما المجاميع التى حرمت ورقة الحل فقد رأيتها في حيص بيص ، هذا يقترح وهذا يعترض وهذا يسأل ، وهذا ملّ واكتفى بالمراقبة وشرب الشاي ، إنهم مجتهدون في العمل ولكن لا يعرفون ماذا يريدون ، لقد فقدوا الرؤية الواضحة ، لقد فقدوا سر النجاح .
كل العظماء والناجحين كانت لديهم رؤية واضحة عمّا يريدون ، كانت لديهم أهداف واضحة ومحددة بِكَمٍّ وزمن .. ما المنصب الذي أسعى إليه ؟ ما مقدار المال الذي سوف أجمعه ؟ متى يقع ما أخطط له بعد سنه ، أم بعد خمس ، أم بعد عشرين سنه ؟
اجتمع عبدالله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، وعبدالملك بن مروان بفناء الكعبة ، فقال لهم مصعب تمنوا .
فقالوا : إبدأ أنت .
فقال : ولاية العراق ، وتزوج سكينة ابنة الحسين ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله .. فنال ذلك وأصدق كل واحدة خسمائة ألف درهم ، وجهزها بمثلها .
وتمنى عورة بن الزبير الفقة ، وأن يحمل عنه الحديث ، فنال ذلك .
وتمنى عبدالملك الخلافة فنالها.
وتنمى عبدالله بن عمر الجنة .
العجيب أنهم كانوا يجدون ما تمنوا وزيادة ، يقول ستيفن كوفي في كتابة إدارة الأوليات :
ويمكن القول ان الواقع أثبت أن الأفراد والمنظمات التى تضع أهدافاً واضحة للوصول إليها تحقق نتائج أفضل ، وأن الواقع يثبت أيضاً أن القادرين على وضع الأهداف ، والقادرين على الوصول إليها ، يحققون ما يحلمون بالوصول إليه ".
حدثني الدكتور بشير الرشيدي - أستاذ علم النفس بجامعة الكويت - بقصة رجل إنجلزي اسمه جراهام ، كان المستر جراهام مديراً لإحدى الجامعات البريطانيه ، في عام 1978 م كان المستر جراهام قد بلغ الستين من عمره ، ولذلك لابد أن يحال إلى التقاعد ويترك العمل في الجامعة ، وبهدذه المناسبة فإن الجامعة نظمت لمديرها السابق المستر جراهام حفلاً وداعياً دُعي له العمداء وأساتذه الجامعة والشخصيات التربوية ، وفي يوم الحفل والذي كان مكتظاً بالأساتذه الأكاديميين ، وبعض الشخصيات التربوية البارزة ، دُعي المستر جراهام لإلقاء كلمة ، كعادة مثل هذه الاحتفالات.
صعد المستر جراهام إلى الخشبة المسرح الكبير ، ووقف أمام اليكروفون بكل ثقة الدنيا فقال : وضعت لنفسي عشرين هدفاً لابد أن أحققها خلال العشر سنوات القادمة - ما أن قال ذلك حتى كثر الهمس والإبتسامات الساخرة من بعض الحضور - .. أكلم المستر جراهام حديثه بكل ثقة فقال : الهدف الأول : أريد بيتاً مساحتة عشرة آلاف متر مربع ، والهدف الثاني : أريد تذاكر سفر لمدة عشر سنوات قادمة .. أريدها لبناتي الثلاث وأزواجهن وأطفالهم ، لكي تزورني كل بنت منهم مع زوجها وأطفالها ثلاثة أشهر بالسنه .. الهدف الثالث .. ثم عد المستر جراهام ثمانيه عشر هدفا أخرى يسعى لتحقيقها .
وبعد عام واحد فقط ، عام 1979م تولد تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا ، فشكلت وزارة جديدة كعادة الساسة الذين يتولون هذا المنصب ، يأمل بهم رئيس الوزراء تطوير البلاد وإصلاح الفساد ، وإرضاء العباد ، وكان من ضمن الناس الذين استدعتهم تاتشر بعد توليها لمنصبها هو المستر جراهام ، وذلك لتعيينه مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانبه ، آملةً أن يقول بإصلاح التعليم وتطويره .
رفض المستر جراهام العرض المغري معتذراً بأهداف العشرين التى لم يحققها .. هذا المنصب سيمنعه عن تحقيق أهدافة ، هذا العمل سيأخذ الكثير من وقتي ، ولابد أن أفكر بتحقيق أهدافي قبل أن أفكر بتحقيق أهداف الآخرين ، إنك يا سيدة تاتشر إن حققتي لي هذه الأهداف فأنا لا أمانع من أن أتولى هذا المنصب.
فقالت السيدة تاتشر : ما أهدافك ، هل أستطيع أن أسمعها منك ؟
فقال المستر جراهام : الهدف الأول : بيت مساحته عشرة آلاف متر مربع ، والهدف الثاني .. والهدف الثالث .... وهكذا حتى استعرض أهدافه العشرين كلها .
قالت تاتشر : لا مانع عندي أن أحقق جميع أهدافك العشرين ، ولكن على شرط واحد ، أن ترجع مليكه البيت بعد موتك إلى الدولة البريطانيه .
يتبع
ووجدت أنه من المناسب أن انقله الى هنا -___- " تراه طويل حبتين "
.....................................
تاكيو أوساهيرا
يقول الياباني تاكيو أوساهيرا :
ابتعثتني حكومتي للدراسة في جامعة هامبورغ بألمانيا ، لأدرس أصول الميكانيكا العلمية ، ذهبت إلى هناك و أنا أحمل حلمي الخاص الذي لا ينفك عني أبداً ، والذي خالج روحي وعقلي وسمعي وبصري وحسي ، كنت أحلم بأن أتعلم كيف أصنع محركاً صغيراً.
كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية أو ما يسمى موديلاً وهو أساس الصناعة كلها ، فإذا عرفت كيف تصنعه وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها .
وبدلاً من أن يأخذني الأساتذة إلى المعمل أو مركز تدريب عملي ، أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها ، وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها ، ولكنني ظللت أمام المحرك ، أياً كان قوته ، وكأنني أقف أمام لغز لا يحل ، كأني طفل أمام لعبة جميلة لكنها شديدة التعقيد لا أجرؤ على العبث بها .
كم تمنيت أن أداعب هذا المحرك بيدي ، كم أشتاق إلى لمسه والتعرف على مفرداته وأجزائه ، كم تمنيت لمه وضمه وقربه وشمه ، كم تمنيت أن أعطر يدي بزيته ، وأصبغ ثيابي بمخاليطه ، كم تمنيت وصاله ومحاورته والتقرب إليه ، لكنها ظلت أمنيات .. أمنيات حية تلازمني وتراودني أياماً وأياماً .
وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع ، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي ، وجدت في المعرض محركاً بقوة حصانين ، ثمنه يعادل مرتبي كله ، فأخرجت الراتب ودفعته ، وحملت المحرك وكان ثقيلا جداً ، وذهبت إلى حجرتي ووضعته على المنضدة ، وجعلت أنظر إليه كأنني أنظر إلى تاج من الجواهر ، وقلت لنفسي : هذا هو سر قوة أوروبا.. لو استطعت أن اصنع محركاً كهذا لغيرت اتجاه تاريخ اليابان ، وطاف بذهني خاطر إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى ، مغناطيس كحدوة الحصان ، وأسلاك وأذرع دافعة ، وعجلات وتروس وما إلى ذلك ، لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقه نفسها التى ركبوها بها ثم شغلته فاشتغل .. أكون قد خطوت خطوة نحو سر موديل الصناعة الأوروبيه .
بحثت في رفوف الكتب التى عندي ، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات ، وأخذت ورقاً كثيراً ، وأتيت بصندوق أدوات العمل ، ومضيت أعمل .. رسمت منظر المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاءه ، ثم جعلت أفكك أجزاءه ، قطعة قطعة ، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقه وأعطيتها رقماً ، وشيئاً فشيئاُ فككته كله ، ثم أعدت تركبيه وشغلته فاشتغل ، كاد قلبي يقف من الفرح ، واستغرقت العمليه ثلاثة أيام ، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة ، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل .
وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال : حسناً ما فعلت ، الآن لابد ان أختبرك سآتيك بمحرك متعطل ، وعليك أن تفككه وتكتشف موضع الخطأ وتصححه وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل ، وكلفتني هذه العمليه عشرة أيام ، عرفت أثناءها مواضع الخلل ، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة صنعت غيرها بيدي .. صنعتها بالمطرقة والمبرد ، لقد كانت هذه اللحظات من أسعد لحظات حياتي ، فأنا مع المحرك جنباً إلى جنب ، ووجهاً إلى وجه ، لقد كنت سعيداً جداً رغم المجهود الكبير الذي بذلته في إصلاح هذا المحرك .. قربي من هذا المحرك أنساني الجوع والعطش .. لا أأكل في اليوم إلا وجبة واحده ، ولا أصيب من النوم إلا القليل ، ثم تأتي اللحظات الحاسمة لاختبار أداء عملي لإصلاح هذا المحرك بعدما جمعت أجزاء المحرك من جديد .. وبعد قضاء عشرة أيام من العمل الشاق ، أخذت يدي تقترب لإداء المحرك .. وكم كنت أحمل من القلق والهم في تلك اللحظات العصيبة ..هل سيعمل هذا المحرك؟ هل سأنجح بعدما أدخلت فيه بعض القطع التى صنعتها ؟! وكم كانت سعادتي واعتزازي بعدما سمعت صوت المحرك وهو يعمل .. لقد أصلحته .. لقد نجحت .
بعد ذلك قال رئيس البعثة عليك الآن أن تصنع قطع المحرك بنفسك ، ثم تركبها محركاً ، ولكي أستطيع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس والألمونيوم ، بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد أستاذي الألمان ، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر معادن ، كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت أخدمه وقت الأكل ، مع أنني من أسرة ساموراي .. والأسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق الأسر في اليابان ، لكنني كنت أخدم اليابان ، وفي سبيل اليابان يهون كل شيء .
قضيت في هذه الدراسة والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشر ساعة في اليوم ، بعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة ، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
وعلم الميكادو ( إمبراطور اليابان ) بأمري ، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهباً، اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات وآلات وعندها أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد نفذت ، فوضعت راتبي وكل ما ادخرته خلال تلك السنوات الماضيه لاستكمال إجراءات الشحن .
وعندما وصلنا إلى ناجازاكي قيل لي إن الميكادو يريد أن يراني ، قلت لن أستحق مقابلة إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً استغرق ذلك تسع سنوات .. تسع سنوات من العمل الشاق والجهد المتواصل.
وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات " صُنعت في اليابان " قطعة قطعة ، حملناها إلى القصر ، ووضعناها في قاعدة خاصة بنوها لنا قريباً منه ، ثم أدرنا جميع المحركات العشرة ، دخل الميكادو وانحنينا نحييه وابتسم ، وقال : هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي ، صوت محركات يابانيه خالصة .. هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب ، نقلناه إلى اليابان ، نقلنا قوة أوربا إلى اليابان ، ونقلنا اليابان إلى الغرب ، وبعد ذلك الحدث السعيد ذهبت إلى البيت فنمت عشر ساعات كامله لأول مرة في حياتي منذ خمس عشر سنة .
كيف أصبح تاكيو أوساهيرا عظيماً ؟
كانت لتاكيو رؤية واضحة وأهداف محددة عما يريد ، وذلك منذ اللحظه التى اغترب عن بلده إلى ألمانيا ، أكثر من ثماني عشر سنه وهذه الرؤية واضحة لديه لا لبس فيها ، عاشت معه تلازمه كأنفاسه التى تتردد بين جنبيه ، قلّ لها نومه ، وكثر معها سهره ، و زَهَدَ في أكله وشرابه ، وترك من أجلها شهادة الدكتوراه .. ترك كلمات التفخيم والإجلال .
تضحيات وقراءة وعمل مستمر لأكثر من ثماني عشر سنة ، إلا أنه مطمئن لقراراته ، مستمتع بما يفعل ، إنه يرى دنو أحلامه .. أحلامه التى نسجت في خياله بدأت تظهر في واقعة ، إنه يراها .. فأسرع لها الخطي وهانت من أجلها كل العقبات .. إن مضمار سابق الجري ليشهد بصحة ما أقول ، فمجرد أن تقع عيني اللاعب على خط النهاية إلا وتراه قد نسي تعبة وانطلق سريعا كالسهم .
كنت أحد المشاركين في دورة بناء الذات الوالدية التي نظمتها مدرسة التكامل العالمية لأولياء الأمور ، والتى قدمها الدكتور إبراهيم محمد الخليفي ، لقد قسم الدكتور إبراهيم المشاركين المائة على أربع وعشرين طاولة ، فأصبح تقريبا كل أربعة مشاركين يشكلون فريقاً واحداً .. وفي بداية الدورة وزع الدكتور على المجاميع نوع من ألعاب التركيب ، وهي عبارة عن صورة مفككة إلى أجزاء كرتونية سميكة يقوم المتدربون بإعادة تشكيل الصورة بناءاً على الصورة الورقية المرقفة مع اللعبة ، لكن لم يكن هذا هو الحال عند كل المجاميع ، لقد قام الدكتور بسجب الصورة الورقية من اثنى عشر مجموعة وأبقى الصورة الورقية عند المجاميع الأخرى ، حدد الدكتور زمن الإنطلاق ثم أطلق صافرة البداية فهبت المجاميع للعمل لتركيب الصورة المطلوبة .. فماذا تتوقع أن يحدث ؟
لقد أصبح المشاركون على حالين ، المشاركون الذين يملكون الصورة الورقية والتى تمثل ورقة الحل ، وكان عملهم منظماً وسريعاً ومثمراً ، أما المجاميع التى حرمت من ورقة الحل ، كان عملهم متخبطاً فوضوياً وبطيئاً .. ولعلك الآن أن أدركت ماذا حدث .
المجاميع التى تملك ورقة الحل ترى الصورة المطلوب تنفيذها ، إنها تراها بوضوح ، فأصبح عملهم سريعاً منظماً هادئاً قلتّ فيه التساؤلات والإعتراضات ، أما المجاميع التى حرمت ورقة الحل فقد رأيتها في حيص بيص ، هذا يقترح وهذا يعترض وهذا يسأل ، وهذا ملّ واكتفى بالمراقبة وشرب الشاي ، إنهم مجتهدون في العمل ولكن لا يعرفون ماذا يريدون ، لقد فقدوا الرؤية الواضحة ، لقد فقدوا سر النجاح .
كل العظماء والناجحين كانت لديهم رؤية واضحة عمّا يريدون ، كانت لديهم أهداف واضحة ومحددة بِكَمٍّ وزمن .. ما المنصب الذي أسعى إليه ؟ ما مقدار المال الذي سوف أجمعه ؟ متى يقع ما أخطط له بعد سنه ، أم بعد خمس ، أم بعد عشرين سنه ؟
اجتمع عبدالله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، وعبدالملك بن مروان بفناء الكعبة ، فقال لهم مصعب تمنوا .
فقالوا : إبدأ أنت .
فقال : ولاية العراق ، وتزوج سكينة ابنة الحسين ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله .. فنال ذلك وأصدق كل واحدة خسمائة ألف درهم ، وجهزها بمثلها .
وتمنى عورة بن الزبير الفقة ، وأن يحمل عنه الحديث ، فنال ذلك .
وتمنى عبدالملك الخلافة فنالها.
وتنمى عبدالله بن عمر الجنة .
العجيب أنهم كانوا يجدون ما تمنوا وزيادة ، يقول ستيفن كوفي في كتابة إدارة الأوليات :
ويمكن القول ان الواقع أثبت أن الأفراد والمنظمات التى تضع أهدافاً واضحة للوصول إليها تحقق نتائج أفضل ، وأن الواقع يثبت أيضاً أن القادرين على وضع الأهداف ، والقادرين على الوصول إليها ، يحققون ما يحلمون بالوصول إليه ".
حدثني الدكتور بشير الرشيدي - أستاذ علم النفس بجامعة الكويت - بقصة رجل إنجلزي اسمه جراهام ، كان المستر جراهام مديراً لإحدى الجامعات البريطانيه ، في عام 1978 م كان المستر جراهام قد بلغ الستين من عمره ، ولذلك لابد أن يحال إلى التقاعد ويترك العمل في الجامعة ، وبهدذه المناسبة فإن الجامعة نظمت لمديرها السابق المستر جراهام حفلاً وداعياً دُعي له العمداء وأساتذه الجامعة والشخصيات التربوية ، وفي يوم الحفل والذي كان مكتظاً بالأساتذه الأكاديميين ، وبعض الشخصيات التربوية البارزة ، دُعي المستر جراهام لإلقاء كلمة ، كعادة مثل هذه الاحتفالات.
صعد المستر جراهام إلى الخشبة المسرح الكبير ، ووقف أمام اليكروفون بكل ثقة الدنيا فقال : وضعت لنفسي عشرين هدفاً لابد أن أحققها خلال العشر سنوات القادمة - ما أن قال ذلك حتى كثر الهمس والإبتسامات الساخرة من بعض الحضور - .. أكلم المستر جراهام حديثه بكل ثقة فقال : الهدف الأول : أريد بيتاً مساحتة عشرة آلاف متر مربع ، والهدف الثاني : أريد تذاكر سفر لمدة عشر سنوات قادمة .. أريدها لبناتي الثلاث وأزواجهن وأطفالهم ، لكي تزورني كل بنت منهم مع زوجها وأطفالها ثلاثة أشهر بالسنه .. الهدف الثالث .. ثم عد المستر جراهام ثمانيه عشر هدفا أخرى يسعى لتحقيقها .
وبعد عام واحد فقط ، عام 1979م تولد تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا ، فشكلت وزارة جديدة كعادة الساسة الذين يتولون هذا المنصب ، يأمل بهم رئيس الوزراء تطوير البلاد وإصلاح الفساد ، وإرضاء العباد ، وكان من ضمن الناس الذين استدعتهم تاتشر بعد توليها لمنصبها هو المستر جراهام ، وذلك لتعيينه مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانبه ، آملةً أن يقول بإصلاح التعليم وتطويره .
رفض المستر جراهام العرض المغري معتذراً بأهداف العشرين التى لم يحققها .. هذا المنصب سيمنعه عن تحقيق أهدافة ، هذا العمل سيأخذ الكثير من وقتي ، ولابد أن أفكر بتحقيق أهدافي قبل أن أفكر بتحقيق أهداف الآخرين ، إنك يا سيدة تاتشر إن حققتي لي هذه الأهداف فأنا لا أمانع من أن أتولى هذا المنصب.
فقالت السيدة تاتشر : ما أهدافك ، هل أستطيع أن أسمعها منك ؟
فقال المستر جراهام : الهدف الأول : بيت مساحته عشرة آلاف متر مربع ، والهدف الثاني .. والهدف الثالث .... وهكذا حتى استعرض أهدافه العشرين كلها .
قالت تاتشر : لا مانع عندي أن أحقق جميع أهدافك العشرين ، ولكن على شرط واحد ، أن ترجع مليكه البيت بعد موتك إلى الدولة البريطانيه .
يتبع