المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نعامل المخالف لمنهج السلف الصالح؟للشخ مختار طيباوي



شاهد حق
09-08-2003, 02:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نعامل المخالف لمنهج السلف الصالح؟
"السنة بين ضرورة نشرها و الدعوة إليها
ووجوب حفظها من ضرر المخالفين لها"
و يليه
الهجر الشرعي ضوابطه و مقاصده
لشيخ الإسلام
تقي الدين احمد بن تيمية ـ رحمه الله



الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
أما بعــد؛
ذكر أبو نعيم في "حلية الأولياء"{16/7}، و ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل"{99/1}:" كان رجل ضرير يجالس سفيان الثوري، فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى و يعطى، فقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم و يقال لمثل هذا: قد تعجلت ثوابك في الدنيا، فقال: يا أبا عبد الله تقول لي هذا و أنا جليسك، قال: أخاف أن يقال لي يوم القيامة:كان هذا جليسك أفلا نصحته0"
قال تعالى:{ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا و إن يأتيهم عرض مثله يأخذوه ألم يأخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه و لدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}"0
فمن آثر الحياة الدنيا و آثر أصحابه و طائفته فلابد يوما ما أن يقول على الله غير الحق، لأن الحق كثيرا ما يأتي على خلاف غرضه، وفي الذين يُحِب يُمتحَن، و لا سيما إذا كان يصبو إلى رئاسة، أو عرض زائل، فإنهم حينئذ أتبع للشبهات من الكلاب للجيف، فإن عبيد الرئاسة الباطلة، لا تتم لهم إلا بمخالفة الحق و دفعه موافقة لمن يرئسهم على الناس 0
فإذا اتفقت الشبهة العلمية و الشهوة النفسية ثار الهوى في القلب، فيخفى الصواب عليهم، و ينطمس وجه الحق فلا يروه فيخالفوه، ثم يقولون:سيغفر لنا الله، أو إذا وصلنا وتم لنا المراد استقمنا على الطريقة، ولزمنا الجادة، ولم نخش في الله لومة لائم، فتارة يقولون على الله مالا يعلمون، و تارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه0
فإذا كان من هاجمني، و أثار زوابع الرمل في أعين أصحابه، قد أنس بدفء بعض من يوافقه من الشيوخ، فالواجب على المؤمن أن يأنس بالله، و إذا تعرف للرجال الزائلين الفانيين لينال بهم العزة و الرفعة، فالواجب على المؤمن أن يتعرف إلى الله، و يتودد إليه بمخالفة الجاهلين و الظالمين والخاطئين، و بنوره يستضيء في ظلمات الشبهات و الشهوات، وبه يتسلى عن كل فائت و يتعزى عن كل مصيبة، قد استغني بالله عن مناصرة الجاهلين و الحاقدين الظالمين، و التائهين0
رب غالط لا تأخذه العزة بالإثم خير من مصيب ينظر إلى النصيحة أنها تنقص قدر المنصوح،لم يعلم أن الناس يخطئون في حقه سواء مدحوه أو ذموه، وكما قيل:
كفى ثمنا لما أسديت أني**** نصحتك في الصديق وفي عدائي
و إن من حق إخواننا و أصحابنا أن نصحبهم بالإيثار و الصفح و القيام عليهم بالنصح فلا نطالبهم بحق لأنفسنا و إنما نطالبهم بحق الله و حق رسوله وحق المؤمنين0
و أظهر أسباب السعادة : الصحبة الصالحة الصادقة ،التي لا تصلح إلا بصدق المودة و صدق اللهجة وصدق المشاعر،فمن تأول لأصحابه و اعتذر لهم، وترك مخالفتهم و منا فرتهم فيما لا يمس الحق بشعرة فقد صدق في صحبته ، ومن تملق لأصحابه و صعر خده للحق فعداوته خير من صحبته0
فخير الأصحاب من لم يخاصم على حض نفسه، ولم يصانع في النصيحة، و إنما يختبر ود الرجال و معدنهم عند الفاقة و الحاجة، وعند المحن تظهر مكامن القلوب0
و القلب إذا داخلته الأحقاد و خامرته الكراهية تضعضع و تزعزع وزلزل أشد الزلزال0
ومن حسن فقه المؤمن أن لا يحاسب إخوانه على الكبير و الصغير، ويطالبهم بالنقير و القطمير، و إلا لم تدم أخوة،و من عجز عن حفظ إخوانه فهو أعجز الخلق0
و المسلم تدور حياته بين أمر أمر بفعله،فعليه أن يفعله و يحرص عليه ، ويستعين بالله ولا يعجز، و أمر أصيب به من غير فعله ،فعليه أن يصبر عليه ولا يجزع منه، و أمر أصيب به بسبب منه، فعليه أن يتوب منه و يستغفر الله ،و يسأل الله العفو و العافية في الدنيا و الآخرة0
فإن أصابك من إخوانك و جماعتك أذى فإما هو بسبب فعلك و إما هو من غير فعلك، وفي الحالتين قد أمرت بأن تفعل ما أمرت به، و قد أمرت بالوصل و العطاء و الصبر و البذل و العفو والصفح و السماحة، و أخلاق الفاضل ثلاثة: علم و حلم و صبر0
ومن نظر في أسباب الفرقة بين الإخوان وجدها تحصل في غالب الأحيان على شيء من الدنيا يعظمه الشيطان في قلوب بعضهم، فتثور لذلك كوامن القلوب و قد ينسى احدنا حظه من ربه، فيحسد غيره باطنا أو ظاهرا، ويخفى عليه أن الباعث له على النفرة من إخوانه الصادقين الحسد وما شابه ذلك، ولكن طول الأمد و كثرة الساعين بالفتنة وكثرة العلل تنسيه السبب الأول الباعث لذلك، وهذا أمر لم ينج منه إلا من سلمه الله0
وقد ابتلي أهل العلم في هذا العصر ببعض جهلة العوام، الذين صاروا يتتبعونهم في كل ما يقولون ويفعلون ثم ينقلون كلام هذا إلى هذا ، وكلام هذا إلى هذا، و يسعون بين أهل العلم بالنميمة و الغيبة و البهتان ،ويوغرون صدور بعضهم على بعض، فمن تفطن لهم قرعهم ووبخهم ،ومن لم يفطن لهم جروه إلى نفرة إخوانه الصادقين و أصحابه الأوفياء0
وقد ابتلينا ببلدنا بعصبة من هؤلاء لا تمت للعلم بصلة ،أدخلت الناس في متاهات مظلمة،و أصبح المسلمون يعانون من أفاعيلها الو يلين و الأمر أدهى و أمَر0،فإنهم ينسبون لشيوخ الهدى الجهل و الظلم و يتأولون كلامهم بأفسد التأويلات،بل قد كرهوا الناس فيهم وفي السلفية بسبب سوء أخلاقهم ومعاملتهم و جهلهم وينسبون ذلك إلى الشيوخ0
إن الجاهل من هؤلاء قد يبلغ من نفسه مالا يبلغ العدو من عدوه ، فيضع نفسه في غير موضعه وتلك جهالة ، ويتشبع بما لم يعط و يلبس ثياب زور يحاكي بها أهل العلم ، ويمشي بها مشي الأنعام، إذا أقبلت الأخطار دست رأسها في التراب، إلا أن نعامتنا التي ابتلينا بها إذا أحست بالخطر يهدد كرسيها الذي تربعت عليه بسبب استهزاء الناس بالدين ، فزعت إلى بعض أهل العلم توغر صدورهم علهم يحفظوا لها ماء الوجه0
ودنيء الهمة لا يبالي فيجهل فوق جهل الجاهلين ، و إذا ضايق جهله العلم جنح إلى سفا سف الأمور وعدل عن معاليها،قد قيدته الشهوة و أسره الجهل المطبق ،لا يبالي أن يسقط في الخساسة أو يتدنس بالآثام، والخسيس من باع دينه بدنياه، و أخس منه من باع دينه بدنيا غيره0
فأول مصارعه التي جلبت له هذا الخزي :الجهل فإنه أول الداء ثم حب الدنيا وحب الخلود إليها،فإذا جمع قلة المبالاة بموافقة الحق إلى الجرأة على الباطل ركبه الشيطان بدون سرج و قاده بدون خطام، فهو مكار خداع يظهر لأهل العلم الذين اتخذهم وجاء بزي الصلحاء و يتسم بسمة الأتقياء، يظن الدين زخارف يتزوق بها في الأعراس و الختان، فإذا صادف بصير القلب ظهر على حقيقته "حمار" قد استوت عنده منفعة العلم ومضرة الجهل،فلم تبق لديه إلا حرية اللامبالاة أأطفأ علما أم أوقد نار للحرب يكون أول حطبها0
طلابا للشهوات وقافا على الشبهات0
ولولا النصح للمسلمين الغافلين لما استحق أجهل أهل بلدنا أن يذكر في مجالس اللهو واللعب بله أن يذكر في مقالات علمية ،ولكنها غربة الإسلام ودولة السفهاء ،أذهبت العقول و طاشت فيها الأفهام فباع السفهاء فيها الرأس بالذنب نسيئة0
فحقيق على من عرف الحق أن يبديه ولو كان في ذكر أحط الناس خلقا0
غير أن الأنس بالسلف الصالح والمواساة بمحنهم يجلي بعض الهم الذي يصيبنا عندما نضيع وقتنا في ذكر جاهل متجاهل،فإنهم ـ رضوان الله عليهم ـ قد ذكروا الجعد و الجهم و الحلاج بل و الشيطان،وحذروا منهم بالمقال ،وإن كانوا على الحقيقة أحط خلق الله شأنا ، لا يستحقون أن يذكروا وقد بال الشيطان في آذانهم وفرخ في قلوبهم0
ومن الناس من لا يؤمن على تعليم كلاب المسلمين الصيد، قد أمنه بعضهم على دين المسلمين و عقائدهم و أحوالهم فظهرت عليه[ مخايل] الجهل حتى أصبح كلامه في العلم من الطرائف و النوادر العجيبة 0
لقد جمع هذا الساقط و حاشيته كل خصال اللؤم و الخسة و الضعة 0
وقد يقول بعض الفضلاء: قد أسرفت في الطعن و الإنكار، فنقول لهم وكلنا أسى على ما أصاب الدين:لم أبلغ حد الإسراف، فإن الذي تركته أضعاف أضعاف ما أبديته، وكما قيل:
وَ نَصدُرُ عن زَيِ العَفَافِ وَرُبَمَا**** نَقَعنَا غَلِيلَ النَفسِ بِالَرشَفَانِ
و من استكبر عن اتباع الحق لهوى معمي للبصيرة سكن قلبه، و صادمته شبهات كالليل المظلم، كيف لا يعارض الحق:الأدلة المتواطئة و النقول المتواترة،وكيف لا يسعى في الأرض نشرا للفساد، و إن كانت الشبهات قد تدخل في قلوب قوم لهم دين و عندهم إيمان و خير عجزوا عن دفعها، فاتخذونها دينا و ظنوها تحقيقا لمنهج السلف الصالح، فحاربوا عليها و استحلوا ممن خالفهم فيها ما حرمه الله و رسوله، فهم مساكين وقعوا بين جاهل مقلد، و مجتهد مخطىء حسن القصد، و ظالم معتد متعصب، و القيامة موعدنا جميعا و الأمر يومئذ لله0
وكما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:"ومن قصر في العلم باعه، و طال في الجهل و الظلم ذراعه، يبادر إلى التجهيل والانتقاص والعقوبة جهلا منه و ظلما، ويحق له وهو الدعي في العلم و ليس منه أقرب رحما0"
قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان"{207/1}:" كان عبد الله بن حسن يكثر الجلوس إلى ربيعة، قال: فتذاكروا يوما السنن فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا ، فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام ،فهم الحجة على السنة"0
كلمة عن المحبة و الصداقة و الموالاة و المعاداة في العلم و الإمامة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ تحذيرا للعلماء من زيف محبة العوام في " المجموع"{338/10}:"وقد يحبونه لعلمه أو دينه أو إحسانه أو غير ذلك،فالفتنة في هذا أعظم،إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية وخشية وتوحيد تام،فإن فتنة العلم و الجاه و الصور فتنة لكل مفتون[هذه أعظم الفتن،ففتنة العلم يصاب بها العلماء، وفتنة الجاه يصاب بها الأمراء و العلماء و الوجهاء،وفتنة الصور الجميلة يصاب بها أصحاب النفوس الضعيفة]،وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم[ كموافقتهم على ما يرون رجحانه باعتقادهم،وموافقتهم على حب من يحبون و بغض من يبغضون]إن لم يفعلها و إلا نقص الحب،أو حصل نوع بغض، وربما زاد أو أدى إلى الانسلاخ من حبه، فصار مبغوضا بعد أن كان محبوبا[وقد وقع هذا لبعض أهل العلم إذا ابتلوا بأتباع يحبونهم لأغراضهم ولا يحبونهم لله، فهم يحبونك مادمت تحقق لهم مقاصدهم من الاجتماع حولك و الطمأنينة إلى زعامتك يواجهون بها آخرين، ويستطيلون بها عليهم،فإذا لم تستجب لهم في ذلك تحول حبهم إلى بغض ، وترقبوا على من تدور الدوائر، لأنهم لم يكونوا يحبونك لله بل لحظوظ أنفسهم]فأصدقاء الإنسان يحبون استخدامه و استعماله في أغراضهم،حتى يكون كالعبد لهم[يريدون منك أن تستجيب لهم في كل شيء،فإن أنت امتنعت0000]و أعداؤه يسعون في أذاه و إضراره، فأولئك يطلبون منه انتفاعهم، وإن كان مضرا له مفسدا لدينه،لا يفكرون في ذلك ،وقليل منهم الشكور0
فالطائفتان في الحقيقة لا يقصدون نفعه ولا دفع ضرره ، و إنما يقصدون أغراضهم به،فإن لم يكن الإنسان عابدا لله،متوكلا عليه، مواليا له ، ومواليا فيه و معاديا و إلا أكلته الطائفتان و أدى ذلك إلى هلاكه في الدنيا و الآخرة0
وهذا هو المعروف من أحوال بني آدم،وما يقع بينهم من المحاربات و المخاصمات و الاختلاف و الفتن،قوم يوالون زيدا،ويعادون عمرا،و آخرون بالعكس لأجل أغراضهم، إذا حصلوا على ألأغراضهم ممن يوالونه وماهم طالبونه من زيد انقلبوا إلى عمرو ، وكذلك أصحاب عمرو، كما هو الواقع بين أصناف الناس [ ولذلك كان على طالب العلم أن لا يفرح إذا أقبل الناس عليه ،ولا يحزن إن أدبروا عنه ، فإنهم في غالب الأحيان لا يقصدون إلا حظوظ أنفسهم ، والله خير و أبقى ،فما عليه إلا الحرص على ما يعلم أنه الحق و الصدع به ،ولو انصرف عنه الخلق أجمعين]0
وذلك الرأس[ الزعيم و القائد و الشيخ000] من الجانبين ، يميل إلى هؤلاء الذين يوالونه،وهم إذا لم تكن الموالاة لله أضر عليه من أولئك ، فإن أولئك إنما يقصدون إفساد دنياه إما بقتله ،أو أخذ ماله ، و إما بإزالة منصبه[مشيخته ومكانته] وهذا كله ضرر دنيوي،لا يعتد به إذا سلم العبد ، وهو عكس حال أهل الدنيا و محبيها الذين يعتدون بفساد دينهم مع سلامة دنياهم،فهم لا يبالون بذلك، و أما دين العبد الذي بينه و بين الله فهم لا يقدرون عليه [فاجعل قوتك دينك الذي بينك و بين الله ، تسلم من معارضة الأصدقاء و الخصوم]0
و أما أولياءه الذين يوالونه للأغراض، فإنما يقصدون منه فساد دينه بمعاونته على أغراضهم وغير ذلك[ كالطعن في فلان، أو الرد على فلان،أو الكلام في فلان 00إلا من رحم الله ]فإن لم يفعل انقلبوا أعداء، فدخل بذلك عليه الأذى من جهتين: من جهة مفارقتهم، ومن جهة عداوتهم[ لذلك فلا تدخل في أمر بطلب الناس إن لم تكن مقتنعا به،أو تدخل فيه لأنه قصد طائفتك و أصحابك،فإنهم إن كانوا مصيبين فأنت عليك وزر دخوله بالهوى]،وعداوتهم أشد عليه من عداوة أعدائه، لأنهم قد شاهدوا منه،وعرفوا مالم يعرفه أعداؤه، فاستجلبوا بذلك عداوة غيرهم ، فتتضاعف العداوة[ صدق شيخ الإسلام ـ نور الله قبره و رفع درجته في عليين ـ فإن عداوة الصديق أضر من عداوة العدو ، فإنه يستعمل ما يعرف عنك فيما لا يعرف، فيشتبه على الناس الأمر ،فيشربون مع الحق الذي يعرفه الباطل الذي لا يعرفه، فيشبه عليهم عداوته فتتغلظ]0
و إن لم يحب مفارقتهم احتاج إلى مداهنتهم، ومساعدتهم على ما يريدونه، و إن كان فيه فساد دينه،فإن ساعدهم على نيل مرتبة دنيوية ناله مما يعلمون فيها نصيبا وافرا وحظا تاما من ظلمهم وجورهم[فهم إذا اجتهدوا ليجعلوك إماما بالدعوة إليك، و إظهار مزاياك و علمك و تقواك،فإنهم إنما يريدون الإمامة لأنفسهم، ويريدون نصيبا منها، فباحتكارهم صحبتك ومودتك، و أنت إمام كبير يصيرون أئمة و زعماء على غيرهم من الناس، ممن ليس له حضوة عندك،فإن من الناس من صار إماما على منطقة تضم 10ملايين نسمة بمجرد زيارته لبعض أهل العلم ، يعود إلى بلده فيقول لهم : قال لي الشيخ كذا و قلت له كذا ،وهو في الحقيقة إذا قال : قلت فبمنزلة إذا قال: بلت، ولكن الجهل و قلة آثار الرسالة يجعل منه إماما بالزيارة] و طلبوا منه أيضا أن يعاونهم على أغراضهم، ولو فاتت أغراضه الدنيوية ، فكيف بالدينية إن وجدت فيه أو عنده،فإن الإنسان ظالم جاهل، لا يطلب إلا هواه[ و أخطر ما في الدنيا على طالب العلم أن يشتبه عليه الأمر بكثير من القرائن الشيطانية ،فيحسب هواه علما و نصحا، فتراه يجتهد في هواه وهو يظن أنه يجتهد في دينه،فلاحول ولا قوة إلا بالله]0
فإن لم يكن هذا في الباطن يحسن إليهم، ويصبر على أذاهم و يقضي حوائجهم لله ، وتكون استعانته عليهم بالله تامة ، وتوكله على الله تام، و إلا أفسدوا دينه و دنياه، كما هو الواقع المشاهد من الناس،وممن يطلب الرئاسة الدنيوية فإنه يطلب منه من الظلم و المعاصي ما ينال به تلك الرئاسة، ويحسن له هذا الرأي، ويعاديه إن لم يقع معه، كما قد جرى ذلك مع غير واحد0
و ذلك يجري فيمن يحب شخصا لصورته، فإنه يخدمه و يعظمه ، ويعطيه ما يقدر عليه، ويطلب منه من المحرم ما يفسد دينه0
و فيمن يحب صاحب بدعة، لكونه له داعية إلى تلك البدعة ، يحوجه إلى أن ينصر الباطل الذي يعلم أنه باطل، و إلا عاداه، ولهذا صار علماء الكفار و أهل البدع مع علمهم بأنهم على الباطل ينصرون ذلك الباطل،لأجل الأتباع و المحبين ، ويعادون أهل الحق و يهجنون طريقهم0
فمن أحب غير الله ووالى غيره، كره محب الله ووليه ، ومن أحب أحدا لغير الله كان ضرر أصدقائه عليه أعظم من ضرر أعدائه، فإن أعداءه غايتهم أن يحولوا بينه و بين هذا المحبوب الدنيوي، والحيلولة بينه و بينه رحمة في حقه،و أصدقاؤه يساعدونه على نفي تلك الرحمة و ذهابها عنه، فأي صداقة هذه؟ و يحبون بقاء ذلك المحبوب، ليستعملوه في أغراضهم و فيما يحبونه وكلاهما ضرر عليه0
قال تعالى:{إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب و تقطعت بهم الأسباب}، قال الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد:" هي المودات التي كانت لغير الله ، والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا،{وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار}0
فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم : هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع البعض في الدنيا، كانت لغير الله ومنها: الموالاة و الصحبة لغير الله، فالخير كله أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ،ولاحول ولا قوة إلا بالله0"
و إذا صار الكلام إلى هذه الدقائق العزيزة، فالواجب على أهل العلم وقد كثر الكذب و التلفيق و العداوات أن يتحروا و يقيسوا الكلام على ما يعلمون لا على ما يعلم غيرهم،فإن عقل الرجل يصدقه الحكم أكثر من عقل غيره0
و إذا كان كلام السلف أو بالأحرى إجماعهم حقا، كما أن القرآن حق و السنة حق، ولكن هذا إثبات مجمل لا يعين العبد إن لم يحصل له هدى مفصل في كل ما يأتيه من جزئيات، فالناس و إن بد ت منهم التقوى في أعمال الظاهر، فإن أكثرهم قد غلبته الشبهات و ركبته الشهوات
فكلام علماء أهل السنة حق لو صادف آذانا و اعية رشفت من مواعظ القرآن، ولكنه عند هؤلاء الظلمة صادف قلوبا خالية من التدبر و الخشوع، مملوءة بالحقد و الكراهية لمن يخالفها، قد ظنت نفسها على الحق من غير دليل ولا كتاب منير0
فلما عصفت على قلوب هؤلاء رياح الشبهات و الشهوات، لم تجد في كلام السلف في الرهبة إلا وسيلة لتطفىء مصابيح الرغبة، فأغلقت أبواب رشدها في بيت الغفلة و الجهالة، فلم ينفع فيها الدليل و الحجة و قد سكرت بشهوة الرياسة و الزعامة 0
ولو وعظت هؤلاء بمواعظ أنكى فيهم من الآسنة و السهام لما اتعظوا فما لجرح بميت إيلام0
ولعل المنصف يعرف أن من الناس من يكفر بمقالة و قد قالها شيوخه و أئمته، ومنهم من يبدع بمقالة وهي بالنقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم ثابتة، لأن الشبه قد تمكنت من القلوب صار الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه و سلم لا يخطر ببالهم و أغفلوا دقائق و ضعها السلف في كلامهم لم يفهموها، فمن السلف ممن وجهنا كلامهم نقلا ومعنى ،من فهم صحيحا، و لكنه عبر عنه بعبارات فيها إجمال و إيهام، وقع بسبها نزاع و خصام،فمن رد علي بمثل هذا الكلام و قد أتحفت مقالتي بالنقل عن السلف، وما قلت شيئا لم يقولوه،فذمه لي ذم لهم، و تعييره لي تعيير لهم، و الجاهل عدو نفسه0
و لعل هؤلاء الظلمة إذا كثرت عليهم الأدلة أصابهم الدوار، فلنحاورهم حوار الصابر للأطرش كلمة كلمة، فأول الغيث قطر ثم ينهمر:
صفات أهل العلم:
قال ابن القيم في"بدائع الفوائد"{392/2} واصفا العلماء الحقيقيين:" وهذا بين بحمد الله عند أهل العلم و الإيمان مستقر في فطرهم ثابت في قلوبهم، يشهدون انحراف المنحرفين في الطرفين، وهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل هم إلى الله تعالى ورسوله متحيزون، و إلى محض سنته منتسبون يدينون دين الحق أنى توجهت ركائبه، و يستقرون معه حيث استقرت مضاربه، لا تستفزهم بدوات آراء المختلفين، ولا تزلزلهم شبهات المبطلين، فهم الحكام على أرباب المقالات و المميزون لما فيها من الحق و الشبهات، يردون على كل باطله و يوافقونه فيما معه في الحق، فهم في الحق سلمه و في الباطل حربه، لا يميلون مع طائفة على طائفة، و لا يجحدون حقها لما قالته من باطل سواه، بل هم ممتثلون قول الله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}"المائدة"، فإذا كان قد نهى عباده أن يحملهم بغضهم لأعدائه أن لا يعدلوا عليهم مع ظهور عداوتهم و مخالفتهم و تكذيبهم لله ورسوله، فكيف يسوغ لمن يدعي الإيمان أن يحمله بغضه لطائفة منتسبة إلى الرسول تصيب و تخطيء على أن لا يعدل فيهم، بل يجرد لهم العداوة و أنواع الأذى، ولعله لا يدري أنهم أولى بالله و رسوله و ما جاء به منه علما وعملا، ودعوة إلى الله على بصيرة، و صبرا من قومهم على الأذى في الله، و إقامة لحجة الله، و معذرة لمن خالفهم بالجهل، لا كمن نصب معالمه صادرة عن آراء الرجال فدعا إليها و عاقب عليها و عادى من خالفها بالعصبية و حمية الجاهلية0"
قلت: فهذا ابن القيم من العلماء المحققين بشهادة إمام المسلمين في الجرح و التعديل: شمس الدين الذهبي يبين صفات العلماء بالله و العلماء بأمره، و أنهم يقبلون الحق حتى من المعتزلة، ولم يضطرهم باطل المعتزلة إلى إنكار ما معهم من الحق، بخلاف المعاصرين من إذا ذم طائفة ذمها برمتها، بقدها و قد يدها
فيأتي بعض المخذولين يقول لك: هذه موازنة، و الموازنة بدعة، فكيف تفعل مع من أكل عقله و استعار عقل غيره0؟
أسباب الاختلاف الوهمي:
" التعارض في الخطاب بين أهل العلم قد يقع لأسباب عديدة ، فإما يعجز المستدل عن نظم دليله، إما لعجزه عن تصوره، و إما لعجزه عن التعبير عنه ،فإنه ليس كل ما تصوره الإنسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان،وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل ،و إن أمكن نظم الدليل و فهمه، فقد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة إما من هذا ،و إما من هذا، و إما منهما،وهذا يقع في التصورات أكثر مما يقع في التصديقات"الدرء"{319/3}0
و أنا لم أقصِر في النقل عن السلف الصالح، و اخترت في نقلي النقل عن الأكابر و الأئمة المعروفين بالفقه و الفهم و الاجتهاد المطلق، لأنهم أعرف بالمقاصد الشرعية، و أعرف بأصول الإسلام ،ثم قيدت المنقول عنهم بما يستوجبه ، وذكرت قبل ذلك بعض القواعد الشرعية الجامعة التي تسير أحوال المسلمين باعتبار القدرة و الإمكان0
فإذا لم يفهم بعض الناس كلامي وعدوه ما عدوه، فإنهم قد عجزوا عن إزالة شبهات عارضت فهمهم أو أنهم لم يفهموا الكلام أصلا0
فمن الناس من لا يفهم إلا النفي المحض أو الإثبات المحض، أما أن تقول له : إن القاعدة غير مطردة ،أو إن الحكم يدور مع علته عدما ووجودا ،فتارة تثبت وتارة تنفي، فلا يقدر على فهم ذلك ،ولا على تطبيقه0ومن كان بمثل هذه المثابة فما نملك له من الله، ولم يهبه هذا الفضل؟
و بطبيعة الحال يجد من جعل طريقه في معرفة الحق الفرار من البدعة خوفا من الشبهات، نفسه عاجزا عن دفع الشبهات التي تعترض طريقه، فلا هو فهم أسباب وجود الشبهات، ولا هو فهم طريق التخلص منها ودفعها ،فلو انه اعتقد أن الله هو الذي يعيذ العبد و يجيره من الشبهات و الشهوات المغوية، ولهذا أمر العبد أن يستهدي ربه في كل صلاة، فيقول:"اهدنا الصراط المستقيم " ،لعلم أن الأمر بيد الله و ليس بيد غيره ، فالشبهات المغوية كالقتال: كثير من الناس دخله ومات على فراشه، و بعضهم كان مارا فأصيب برمية طائشة أردته قتيلا، قال الله في الحديث القدسي الصحيح :" يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهد وني أهدكم"0{311/3}"الدرء" بتصرف0
توطئة:
يحرص بعض الشيوخ الأفاضل على بيان منهج أهل السنة و الجماعة و توضيحه للمسلمين في عصر غلب عليه الابتداع و مخالفة منهج الأوائل من هذه الأمة، ولكن كلام هؤلاء المشائخ إن لم يقيد ويكرر بشكل مستمر يسيء فهمه بعض الأتباع، ومن قل نصيبه من الفطنة و البحث، فبينما نتوخى من تعريف الناس بهذا المنهج و محاولة تعميمه قطع الطريق أمام البدع و الفتن، و المفاسد التي تتصيد الأبرياء من أبناء هذه الأمة، نجد أنفسنا نتيجة سوء فهم هذا المنهج و سوء تطبيقه، نعين على انتشار البدعة و نسهل لها الطريق، و نفسح لها المجال لتنمو وتقوى وتخاطب الناس و توصل إليهم شبهاتها، ولا أحد يعارضها و يواجهها بالحجة و البيان ، لأنه فهم من هذا المنهج المقاطعة و المنابذة و الهجر بإطلاق ودون تفصيل 0
فتجد هؤلاء الأتباع لا يميزون بين الرؤوس المطاعين من المبتدعة ، و بين الأتباع العاديين من العوام و سائر المسلمين، فينزل حكم أهل السنة على رؤوس البدعة على غالبية المسلمين ، لأن غالبيتهم إما أشعري أو صوفي أو طرقي أو تبليغي أو إخواني و غير ذلك ، فتجده في الأخير قد هجر الأمة برمتها و أغلق على نفسه في هامش المجتمع لا يحاور أحدا ولو كان غلاما عمره 15 سنة، لأنه عنده مبتدع يجب هجره وعدم مخاطبته و مجالسته و غير ذلك0
فيعامله كما عامل أهل السنة الجعد بن درهم، و الجهم بن صفوان ،و الحلاج، و ابن عربي، و الغزالي و غيرهم،وفي هذا تجن على المسلمين وظلم لهم و إعانتهم على البقاء في البدعة 0
فإذا كان التابع للمبتدع يعتقد أن شيخه من كبار أهل السنة ،و أننا نحن مجسمة و خوارج و متخلفون و مبتدعون وظاهرية و حرفية،و أدعياء وغير ذلك، ويرى الأمة كأنها أطبقت على ذلك، فالعلماء في البلدان الإسلامية،و الأئمة في المساجد كلهم مخالفون لأهل السنة، و يجد طائفته كبيرة و عريضة ومنتشرة في العالم، ولها كتبها ومجلتها وقنواتها التلفزيونية، و علماء في التفسير و الحديث و الفقه و أصوله و الاعتقاد ،ولها جامعات و معاهد ، و أمثاله كثر ماذا يضره إذا هجرناه و قاطعناه؟
لا شك أننا سنريحه منا ،ومن انتقاداتنا، ومن تأنيب ضميره عندما نحسسه بأنه يخالف رسول الله صلى الله عليه و سلم، و يخالف أئمة السنة الذين يُشبِه عليه شيوخه بادعائهم إلى انفسهم0
لاشك أن الاعتقاد بأن هجر مثل هذا يضره و يغيضه و يميته كدما شعور باطل عقلا وواقعا 0
وعليه وجب إفهام أتباع أهل السنة بحقيقة منهج أهل السنة، وبضوابطه و مقاصده حتى لا يصدق عليهم المثل عندنا: جاء يسعى فودر[أضاع] تسع،أو جاء ليكحل لها فأعماها0
فهذه محاولة متواضعة مني تسلط الضوء على بعض المقاصد الشرعية في هذه المسألة، ففيها محاولة الإجابة عن عدة إشكالات منها:
1 ـ هل منهج المقاطعة و الهجر و عدم المجالسة و المخاطبة و المناكحة يطبق على أئمة المبتدعين و رؤوسهم و المطاعين فيهم وحدهم أم نطبقه كذلك على أتباعهم كل أتباعهم؟
2 ـ هل نهي السلف الصالح عن النظر في كتب المبتدعة في علم الكلام يتناول كذلك كتبهم في الفقه و أصوله و الحديث و علومه و غير ذلك من العلوم الشرعية خاصة إذا خلت من بدعهم؟
3 ـ هل هذا المنهج من باب سد الذرائع، ووسيلة لصد الضرر عن المسلمين، فهو معلق على الغاية منه و يزول بزوالها أم أنه أصل بحيث لا تنكح أخت المبتدع و بناته، ولا ينظر في كتبه ولا يجالس و لا يخاطب في جميع الأحوال و بدون استثناء؟
القواعد العلمية:
المسلم الحريص على إنزال الناس منازلهم ، الحريص على تحقيق المصالح الشرعية دون مفسدة راجحة عليها، يعلم أن القواعد الشرعية في معاملة المبتدع والفاسق ، سواء في الحدود أو العقوبات أو التعزيرات و ما إلى ذلك ، يجب المحافظة على فعلها، فإنها إنما شرعت لتحفظ الشريعة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أنه يجب كذلك المحافظة على قدرها و محلها و حالها ، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها ،فإن دم المسلم وعرضه و شرفه و كرامته وحرمته عظيمة فيجب مراعاته بكل ما أمكن"0
وقد فطر الله عقول عباده على استقباح وضع العقوبة و الانتقام في موضع الرحمة و الإحسان ، فإذا وضع العقوبة موضع ذلك استنكرته فطرهم وعقولهم أشد الاستنكار و استهجنته أعظم الاستهجان، وكذلك وضع الإحسان و الإكرام موضع العقوبة و الإنتقام0
فيجب التأني و الصبر في الدعوة إلى الله ، و أن لا يعجل بالعقوبة و الدعاء على العصاة و المبتدعين، بل يصبر ولا يلجأ إلى العقوبة حتى يستنفذ كل الطرق الشرعية، و يصير قادرا على عقوبتهم وردعهم0
فالبدء يكون بتعظيم شعائر الله ،و تعليم شرائعه،و جهاد أعدائه بالحجة و البيان ببصيرة في الدين تقتضي وضع الرهبة في مكانها و الرغبة في مكانها ، وهنا تكمن القوة على الدعوة إلى الله على بصيرة ، فالداعي يدرك بالبصيرة الحق و مواطن التشابه و الاختلاف ووجوه الترجيح بين المصالح و المفاسد، و بالقوة يتمكن من تبليغ الحق و تنفيذه و الدعوة إليه بكل السبل المشروعة، والله تعالى لم يترك دينه هملا تتقاذفه الأهواء و الرغبات و النزوات، وتقرره الشبهات و الشهوات،بل قد نصب أعلام الحق في كل مكان وفي كل حين ترد إلى الدين التائه و الزائغ، وترد عنه الشواذ ، قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ :"إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها و ينطق بعلاماتها فاغتنموا حضور تلك المواطن و توكلوا على الله0"
ولذلك لا يكفي أبدا إثبات القاعدة الشرعية و إطلاقها مجردة من كل قيد و شرط ،فيعم المنكر بها لأنها وضعت في غير موضعها ، ذكر الذهبي في " سير أعلام النبلاء"{88/15} وهو يتحدث عن التكفير ووجوب الاحتياط في إطلاقه على المسلم:" قلت : و بنحو هذا أدين و كذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة ، ويقول قال النبي صلى الله عليه و سلم :" لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم0"
ولم أكن أظن ولا كان يدور في خلدي أنه يمكن دفع التكفير بهذا الحديث، الذي لم يكن يخرج عندي من فقه الطهارة ،ولم أتوقع يوما أن يحتج به في الأسماء و الحكام0
فإذا كانت السنة لا تقوى ـ كما هو مشاهد اليوم في غالب البلدان الإسلامية ـ على توصيل خطابها الدعوى إلا بجهد جهيد ولم تُركز قواعدها التأسيسية في كثير من المجتمعات، فالأحرى بنا أولا توطيد قواعد السنة و تثبيت دعائمها،و رد الشارد عنها بالدعوة و الحكمة و التأليف، ثم إذا قدرت على رده وهو راغم فعلت0
وهذا سلوك منا لطريق استقراء المذاهب للنظر أيها أقرب إلى القصد و التوسط فنأخذ به، فإن النظر في مآلات الأفعال مقصود شرعا، فكل فعل واجب أو مباح آل إلى ما لم يقصد الشرع، أو آل إلى تعطيل أصل أهم منه فيجب الانكفاف عنه إلى حين يعلم تحقق المقصد الشرعي منه، وفي هذا يدخل كما قال علماء الأصول{الشاطبي في الموافقات}: قاعدة الذرائع [التي منها هجر المبتدع]، وقاعدة مراعاة الخلاف، وقاعدة الاستحسان، وقاعدة الحيل المشروعة، وقاعدة المعاريض، و قاعدة إقامة المصالح الشرعية و إن عرض في طريقها بعض المناكير0
هذا ما سنحاول الإجابة عنه بجمع المتماثلات من نصوص الأئمة، فنذكر المطلق من نصوصهم ونقيده بالمقيد مع توجيهه بحيث لا يظهر التناقض من نقل النصين ، و إن كان بعض الأفاضل قد ذكر طرفا كافيا من نصوص الأئمة و ذكر ما يقيدها و يخصصها، إلا أن عدم التصريح بمجال العمل بالمطلق ومجال العمل بالمقيد ولد إشكالا في فهم كلامهم0
الاتفاق المعتبر يكون في الكليات:
و إن كان من الناس من يأبى إلا الخصومة و العداوة، و قد يظن صديقه عدوا

والباقي في موقع الشيخ مختار الطيباوي الدي في حوار مع المشرف على موقع سحاب وانهم لا ينتهجون نهج السلف في معاملة المخالف


http://www.daluae.com/taybawye.html
والباقي في موقع الشيخ مختار الطيباوي الدي في حوار مع المشرف على موقع سحاب وانهم لا ينتهجون نهج السلف في معاملة المخالف