المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {قال إنما أُتيتُه على عِلم!! "بل هي فتنة"} . . مُستنقع الأدب !



كليلة ودمنة
13-08-2003, 08:56 PM
بسم الله السميع العليم والصلاة والسلام على النبي الأمي الأمين "محمد بن عبد الله"، وعلى آله وصحبه أجمعين..
خذها إليك سوائر أمثالٍ مُعطرةٍ :
"من كان" فوقَ محلِ الشمسِ موضِعُهُ فليس يرفَعُهُ شيئٌ ولا يضَعُ !
ومَثَلُ "من كان" - مصطفى صادق الرافعي - ( 1 )


وأقول...
قال كليلة: ( 1 )
وإنَ مما يُذهِبُ العقلَ ويٌفقِدُ الرُشد أن ترى في موطِن القوةِ ضعفاً وفي وقتِ العزمِ تخاذَلاً وعجزاً، وأبعَدَ من هذا
أن يُحكمَ الجهلُ على العلم . . وأن يكون المتعَلِمُ في الصفِ وراء الأُمي! وأن يُستبدَل الحكيم بالسقيم!
وذلك كالذي كان من تهميش "ساسان" لـِ "خمقان" . .
قال دمنة:
وكيف كان ذلك ؟
قال:
كان في وادي "سِنان" حِمارٌ آتاهُ الله من الفِطنةِ ما حرَمَهُ عن بني جِلدتِه! وكان ينعَمُ بالوادي من كُلِ فصيّلٍ جماعة..
فحكوا أن الحَميرَ عاشت في كنَفِ الجياد.. وكان بينهُم الضِباعُ والسِباع! وحكَمَ وادي سِنانَ "ساسانْ" وحكوا أن ملائكة
الرحمةِ أتت به من بلاد لا تغرُبُ فيها الشمس. . فحكم البلاد بالأمن والأمان وخلفهُ ذُرُيتهُ وتسموا باسمِ "ساسان" . .
قال دمنة: وماذا كان من شأنِ الحمار في بلادِ "سِنان" ؟
قال:
أجرى الله في هذهِ البلاد أن الذكاءَ من نسلِ الجياد وما كان من ضِده فهو في نسلِ الحمير..
وكان من سياسةِ "ساسان" في إدارةِ البلاد أن العِلمَ مِطيةُ العصيان والجهل أفيونُ العُصاة. . فالتفت الضِباعُ والسِباع حاشيةً
لـ "ساسان" وأوكل إليهم "تجهيل" الجياد على نصحٍ منهم ودهاء أما الحمير فـ "الله المُستعان" !
وكان من الجياد الحكيمُ "خمقان" . . ومن الحمير ذاك الذي آتاهُ الله ما حرَّمهُ على بني جلدته !
وصار اسمُهُ "حِمكان" - وهي كلمة من لغةِ الحمير يقال أنها منحوتة من "حمارٌ حكيم" - !
تشرب "حِمكان" في دمه مع الحكمة دناءة الأخلاق! والرضا بسفاسِفِ الأمور والبغي والعدوان.. فوافق شنٌ طبقه ! وأصبح
من أتباعِ "ساسان".. ووليَ على رؤوسِ الأشهاد ديوان التفتيش! ووضع "سانسوراً" ( 2 ) على ما ينشرُ وما لا يُنشر!
ورفع مَن مِن أدنى الدرجات على مَن بأعلى الدرجات.. فأصبحت الحمير بجهلِها تُملي ما تُملي على الجياد!
فبرزت مع الأجيال جيادٌ كالحمير! وحميرٌ دون الحمير. .
وكان "خمقان" يُردُ في كُل مناسبة بحجةِ أن النسل من الجياد! وأنهُ في هذه البلاد "من أُتِيَ الحكمةَ فقد صارَ بلاءً عظيما" !!
تفنن "حِمكان" وأجرى بأقلامه ما يشاء!
وشاء الله أن يتأهل من الجياد والحمير من هو أسمى وأحكَمُ من "حِمكان".. وأبى "حمكانُ" إلا الجلوس!!
ومِن شأنِهِ أن {قال إنما أوتيتُهُ على عِلمْ!! "بل هي فتنة"}
فانتدبت الجياد "خمقان" لإلانةِ رأسِ "حمكان"، وقال : ويحك أيها الجاهل المغرور! إن من بعض الحِكمةِ ما يُذهبُ العقل !
وما يفصِلُ بين الحكيمِ والجاهل إلا شعرة! وما هذه الشعرةُ إلا "الأخلاق" وما نراك اتبعك فالذي أنت فيهِ إلا الذينَ هم أراذلُنا
و أصبحت كالذي استهوتهُ الشياطينُ في الأرض حيران! في كل يوم على أتونٍ مُلتَهِب ! ترفعُ مَن بقلَمِك وتهوي بِمَن ؟
فما كان من "حمكان" إلا أن أجاب: هي لي خالِدةً مُخلَدة !!
وسكت كليلة . .
قال دمنة : ثم ماذا ؟
قال : ثم أنه ثبت بعد هذا أن المُستحِق "طماعُ جَشع" وأن المُرائي "عدلٌ حَكَم" !! ولا يكونُ هذا إلا في بلادِ "سِنان" . .




وبعد! فما أقولُ إلا ما قال كليلة "المُرائي عدلٌ حكم" وإنَ مِما يحَزَنُ لهُ القلب أن ترى أعمدةً في هذه الصُحف لا يكتُبُ بها
إلا جُهال. . ما أُتُها إلا عن مُرآءاةٍ أو أنساب!! أو ترى أعمِدَةً تصرُخُ من الشيخوخة وقد نأت بحملِها أكتافُ الصُحُف !!
أصبحت صُحُفنا كأوراق الشجر. . أوأدنى من ذلك! فتلك تسقَطُ خريفاً وأوراقُنا نهاراً نهاراً !!
وأصبح الإيمانُ بأن الكبير لا ينشئُ إلا صغيرا معدوماً لدى هؤلاء. .
وأصبحت ترى الصُحف تتبارى على مقالاتِ فُلانِ وفُلان!! وتستوردُ من أرجاء العالم!
وصدق أبو الطيب إذ قال:
وظُلمُ ذوي القربى أشدُ مضاضةً على النفس من وقعِ السهامِ المُهَندِ
سألتُ حكيماً يوماً ذات مرةٍ! فأخبرني بما فعل السفيهُ !! أخبرني كم من المواهب وإدت وكم من أخرى هُمِشت وكم وكم . . .
"قرأت في ذات مرة أربعةَ أعمِدة ! في يومٍ واحد لأربع كُتاب في يومٍ واحد ومنهم رئيس التحرير وكُلُهُم من نفسِ النسب !
فسُبحان من أجرى في هذا النسب الحِكمة والعلم !!!"

من العدالةِ تقريرُ أن هناك العديد من اللوامع ولكن غطى الرماد منهم ما غطى! وأصبحت تقرأ المقال فتقطعهُ قبل آخره !
والنفسُ بطبعِها ملولة، فما تقول إذا استلمَها قلَمٌ صُبحَ مساءْ! لا يعالجُ إلا طرحا واحِداً! وكأن الله مذ أن خلق الأرض ومن عليها
لم يُشكِل على خلقِه إلا هذا !
هناك من لا يؤمن بترك الطرحِ وتقديمِ ما هو أولى منه.. وأن كُلَ مُشكِلٍ وله وقتُه..
وهذا تراهُ جلياً على الساحاتِ هاهُنا مع صِغارِ من يكتُب ! ذاك تولى المذاهب وما بينها! وهذا مشغولُ بتحقيق ظلالِ فُلانَ
من اليسار! أو ذاك من اليمين! وهكذا دواليك دواليك . . .
وأعجب من هذا أن ترى هذا النهج فيمن يدعى العلمَ . . ويرى في عقلهِ مقياساً للأمور !
ويُعطى المجال ليُحَكِمَ ويقيس . . .
فتراهُ يقررُ الحكم من أداةِ قياسه - عقله - ويُجري حكمه على أنه صوابٌ "قطعي" ! ولم يعلم أنه كما هو رآه صوابا رآه غيرُهُ
خطأً !! ولم يعلم أن الصواب درجات! والخطأ كذلك . .
وأن أي أداة قياس لا تقيسُ إلا بمستواها! وما كُلُ ما يبحثُ هو فيه في مستوى أداتِه . .
وأجرَمَ من هذا أن ترى السارق اللئيم. . يُذيلُ التوقيع باسمه ولاهو كتب ولا درى ! بل قد سرق وافترى . .
وكم من أقلامٍ فتيه سُرِقتْ آرائُها ! "وكُلٌ يُغني على ليلاه" ! ولن تجدَ لِهذا الصوت رجعاً !

كم من أسماءٍ تضخمت وتضخمت حتى انفجرت من كثرةِ ما فيها من الهراء! وأصبحت رماداً تذروهُ الرياح . .
وكم من أخرى شارفت!
إن من واجب القلمِ الأمين . . أن يعالج ما يسطُرُ بموضوعية بعيدة كل البعد عن التحيز . . أن لا يسعى بالإكراه على تقرير فكره!
وأن لا يسفه من أقوال ضِده!! أن لا يكون كالحمار "حِمكان" ، وأن يضع - كبيرُهم الذي أقامهم على السطر - كُلَ مُستحقٍ في محَلِه
فوضعُ الندى في موضِعِ السيفِ بالعُلى مُضِرٌ كوضعِ السيفِ في موضِعِ الندى !!

إن في قصةِ كليلة وما رواه لدمنة لعِبرة لمن تمعن وتفكر، وقرأ ما بين السطورِ وتفهم !
لو أن كُل رئيس تحريرٍ ترك سياسة "ساسان" ! واستعاض عن "حِمكانَ" بِـ "خِمقان" لرأيت نعيماً ونعيما . .
ولكنك تنادي ولا مِن مُجيب!
ولقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي !

أرّجِع بصرَك إلى الوراء! وتفكر!
كان في زمنِ من سبقنا أقلامٌ ذهبية! أعطت هذه الأُمة عِزاً وأورثتها جاهً . .
كانت تتبارى على كُلِ الساحات أقلامُ كالسيوف تصطرعُ في كُلِ ميدان ! من صِحافة ورِواية وتأريخ ! وهلم جر . .
كان يقتلونَ بعضهم عِلماً وفِكراً ! كشهيدٍ في ميدانِ جهاد ! كانوا ! فيا رحمة الله إليهم . .
ذهب الذين يعاشُ في أكنافِهم وبقيتُ في جلدٍ كجلدِ الأجربِ

إن تمعنت في ما هاهُنا ! تجد قلماً يتيماً ! أو آخَرَ في عالمهِ هناك . . أو إن أراد اللهُ خيراً بميدان أورثهُ قلمان !
"ساسان" لا تَجِدهُ في الصحافة ! بل هو في كُلِ ميادين الأدب . . من أدناها لأعلاها !
زمن الروايةِ من ضعفٍ إلى ضعف !
كم من رواية تكفل صاحِبُها بطبعِها ! ونفخها بالحياةِ من حياتهِ !
زُمرةٌ من أمثال "ساسان" أحكمة قبضتها على الفِكر ! فمن لِهذا الأسيرِ الآن ؟!

ليت شِعري إلى كم يتنطَعُ هؤلاء المساكين في معنى الفِكرِ والأدبية . . فاسمع يا "ساسان" :
قال كليلة ( 3 ) :
ثم إن هذا المأفونَ "ساسان" كان يَزعُمُ لنفسِهِ مُطلق الحكمة والعِلم! وينسى أن ذو الحِكمة لا يؤتاها إلا بشروط! "ومن أوتي الحكمةَ فقد
أوتي خيراً كثيرا" فرأى ذات صباح أن جملاً كالقصرِ العظيم يقودهُ طفلٌ صغير من الأنس . .
فهالهُ ما رأى ! وظن أنه قادِرٌ على تسيسِ جيادِ "سِنان" كما ساس هذا الطِفل ذاك الجمل ! ووقع في نفسِه ما وقع . .
ولم يعلمْ أن من بعض الحكمةِ جهلاً ! وأن من الجهلِ ما قد أردى بأهلهِ . .
وأن زوال الجهلِ مُتَيقَنٌ ! وبقاء العلمِ آكد . .
"وأن سعيهُ سوف يُرى" !

كم يبكي القلب ويتألم ! وقد أصبح الأدب في جيلِنا "مستنقعاً" قلما تجِدُ فيهِ زهرَةً قادِرةً على الحياة !
وإن وجِدت فأبشِر بمن يقتليعُها !
فمن لك يا زمان ؟
إلا قولَ ناجي:
"هي صفحةٌ طوية وحانَ خِتام"





كــُــــلــيــلــة
2003 / 8 / 13
KAL_Q@hotmail.com



( 1 ) أُستاذي - ولي الفخر - مصطفى صادق الرافعي، ولي من أُسلوبهِ الكثير . .
ما جرى من مقالةِ كليلة لِدمنه هو من قلمي وليس من كتاب ابن المقفع وفيه
من وحي الرافعي . .
( 2 ) أخذتُها من أديبِ هذا الزمان، الأمير / شكيب أرسلان
وهذا من يحَقٌ لهُ أن يكون أميراً . .
وهي (فعلها) كالتصفية .
( 3 ) تحيَةً أُخرى إلى الرافعي، إقتبستُ منهُ هذانِ السطران "بتصرف".

يالطيف الطف
13-08-2003, 10:58 PM
رائعععععععععععععععععععععععع

ماشاءالله عليك مبدع بالكتابه موفق ان شاءالله

على فكرة يوجد بعض المعاني صعبه لم استطع معرفه معناها

من اجمل ما قرات في هذا الموضوع


وأجرَمَ من هذا أن ترى السارق اللئيم. . يُذيلُ التوقيع باسمه ولاهو كتب ولا درى ! بل قد سرق وافترى . .
وكم من أقلامٍ فتيه سُرِقتْ آرائُها ! "وكُلٌ يُغني على ليلاه" ! ولن تجدَ لِهذا الصوت رجعاً !

كم من أسماءٍ تضخمت وتضخمت حتى انفجرت من كثرةِ ما فيها من الهراء! وأصبحت رماداً تذروهُ الرياح . .
وكم من أخرى شارفت!
إن من واجب القلمِ الأمين . . أن يعالج ما يسطُرُ بموضوعية بعيدة كل البعد عن التحيز . . أن لا يسعى بالإكراه على تقرير فكره!
وأن لا يسفه من أقوال ضِده!! أن لا يكون كالحمار "حِمكان" ، وأن يضع - كبيرُهم الذي أقامهم على السطر - كُلَ مُستحقٍ في محَلِه
فوضعُ الندى في موضِعِ السيفِ بالعُلى مُضِرٌ كوضعِ السيفِ في موضِعِ الندى !!


كم يبكي القلب ويتألم ! وقد أصبح الأدب في جيلِنا "مستنقعاً" قلما تجِدُ فيهِ زهرَةً قادِرةً على الحياة !
وإن وجِدت فأبشِر بمن يقتليعُها !
فمن لك يا زمان ؟
إلا قولَ ناجي:
"هي صفحةٌ طوية وحانَ خِتام"


بارك الله فيك اخي وسر على ما انت عليه

كليلة ودمنة
15-08-2003, 09:01 PM
الأخ "يا لطيف",
أشكر لك مرورك و إطراءَك . . . أسعدتني في ما قد أسعدك.
وبالنسبة لأي كَلِمة قد أشكلَت عليك، فنحن بالخدمة..
فجُلَ ما أبغيه، أن تصل الرسالةُ كاملَةً إليك !

والسلامُ خِتام..


أخوك/ دِمــــنــــة ..

يالطيف الطف
09-06-2004, 02:10 AM
اولا نبارك لاخ كليلة على وضع موضوعه في المميزة...ما ادري مين لازم يفتخر بالثاني...الموضوع ام المميزه نفسها....
ثانيا: في امل اخوي كليلة ودمنة بالرجوع للمنتدى?:(