تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لا.. للمتكبرين الجدد.... (1)



عجبي
04-09-2003, 10:23 PM
لا .. للمتكبرين الجدد . . (1)
بسم الله الرحمن الرحيم

إن هذه الكلمة تتطرق لموضوع صراع العقائد ومستقبل الإنسانية في نهاية المطاف نظرا لاهتمام الناس بالحاضر المؤلم والمستقبل الغامض الذي هو من قبيل الغيب لا يعلم صورته الدقيقة إلا الله..

إن القرن العشرين يدعو إلى التساؤلات الشائكة والحائرة بسبب تضارب الأقوال والأفعال ، والتناقض المنتشر بين الادعاءات من جهة كعصر التقدم ولهيب الحروب المحلية المتوالية والعالمية التي لا يفصل بينها إلا فترات مسلحة أو هدنة متربصة على حد تعبير الغربيين أنفسهم ، أما ما يخص العالم الإسلامي فإنه لا ينجو من التطاحن القائم بين إخوان كان المفروض فيهم هو التضامن والتآزر لا المجابهة والتنازع.
إن رقعة الأرض قاطبة ملتهبة تأكلها نيران الحروب كما هو الحال اليوم...بحيث لا نشاهد استثناء واحدا يمكن أن ترتاح له النفس..
إننا إذا نظرنا في عمق الوجود نرى أن كل حركة فيه ، صراع دائم مستمر بين ضدين متعارضين ولا أقول متناقضين كما جاء في الفلسفة الهيجيلية والماركسية في المذهب الجدلي، ..
إن المسلم يتوق إلى العلم بحركة الوجود ويسعى إلى نزع الخلاف بين الإخوان واثبات الائتلاف بينهم متذكرا أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف بحسب التعاليم الإسلامية.. ولكنه مع غاية الأسف يلاحظ بكل مرارة أن الابتعاد عن الإسلام يسوق الغافلين إلى الدمار والألم والضياع بدلا من السعي وراء ارتقاء النفوس إلى أعلى الدرجات كما هو مطلوب منهم.. بل إن النيران المشتعلة في أنحاء المعمورة قاطبة لا يسلم منها أحد وذلك لفقدان الاعتقاد الصحيح والإيمان الثابت والعمل بالعلم الإلهي الذي جاء به القرآن الكريم ناسخا ما قبله..جامعا لشتات العقول وتمزيق النفوس وتبذير الأموال في مذهب قائم على الوحدة والتوحيد على هدى وبصيرة...

فالمتسائل المندهش أمام تضارب الأقوال والأفعال في هذا العصر الذي نعيش فيه يجد خللا في التفكير يكون هو السبب في هذا التناقض والتضارب...

إن الغرب يتبجح بالتقدم ولا يسلم من أشكال الظلم وأنواع الفتن وسفك الدماء... خصوصا عندما يتبجح بأنه أرقى الأمم غافلا عن البؤس المعنوي والشعور بالشقاوة والانحلال الخلقي والتفكك الاجتماعي.. فيأتي الملاحظ ويسأل لماذا أرقى الناس أشقاهم.. وهم في صراع مع أنفسهم ومع غيرهم في مجابهات مستمرة بين المرء ونفسه وبين مذهب وآخر بل بين أحزاب تعتنق نفس المذهب...
هذا الخلل منبثق من تفكير بسيط ولا يقر به احد نظرا للسراب الشبه العلمي الذي يسمى اليوم بالإيديولوجيات .. وهو نوع من أنواع الجهل يتستر بزبد الذي يذهب جفاء وتلعب به الأهواء والأمزجة الفاسدة والطغيان وحب الشهوات...
بل انه لا مانع أن نسمي الأشياء بأسمائها ونقول عن هذا الخلل انه جهل مركب .. ومما يزيد الطين بلة هو أن شعوبنا تقلد الغرب تقليدا أعمى على يد فئة جاهلة تتبع خطوات أصحاب الجهل المركب فيصدق عليها قول القائل أنها تنقاد لنوع ثالث من الجهل يمكن أن نطلق عليه : الجهل المكعب..طبعا إن الصراع صلب الوجود لأنه ليس من الممكن ولا من المشاهد أن تكون في الدنيا حركة غير مسبوقة بفكرة أو اعتقاد أو التزام بمذهب سواء على المستوى الفردي أو الجماعي...
فالصراع سنة الحياة وصلب الوجود وذلك لاستمرار الحركة والحياة على لساس نوع معين من أنواع المعرفة.. وكما انه لا جدال في القوانين العلمية التطبيقية التكنولوجية من حيث نجاحها ونتائجها.. فانه أيضا لا جدال في أن حياة الوجود عموما لا بد لها من قوانين تضمن لها النجاح في الدنيا والآخرة .. كما تضمن لها سعادة النفوس وبهجة القلوب وفرحة الصغير والكبير.. والارتقاء إلى الدرجات العليا طمعا في الانتساب إلى زمرة المقربين في أعلى عليين في دائرة الإشراق النفسي والنفحات الربانية المشار إليها في الآية الكريمة :

(( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون )).

وبناء عليه فان الصراع المؤلم لا يقوم إلا على أساس الحجب الظلمانية والابتعاد عن المستويات النورانية.. وبعبارة ابسط وأوضح نقول إن الصراع يبتدئ بفقدان العلم الصحيح الرباني أو بنقصانه أو بتحريف الكلم عن مواضعه على يد الطغاة من الكهنة والأحبار والقادة المتسلطين بعد إسناد الأمر إلى غير أهله كما جاء في الحديث الشريف :

" إذا اسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " .

ويمكن أن نتصور الساعة على خمسة أصناف:
1. الساعة الفردية .. كما جاء في الأثر.. (( إذا مات المرء قامت قيامته )) .
2. الساعة الجزئية.. وهي ساعة حكم قائم بعيد عن الصراط المستقيم.. الحكمة فيه تنبيه الغافلين لحمل الأمانة من جديد بعد التقصير فيها..
3. الساعة الصغرى.. وهي ذهاب حضارة معينة لتحل محلها حضارة جديدة أسلم منها علما وسلوكا..
4. الساعة الوسطى.. وهي ذهاب دورة بشرية كاملة انتشر فيها الفساد وصب عليها ربط سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد.. وهذا ما نشاهده في القرن العشرين.. الذي انتشر فيه الضلال فتوحد فيه بدلا من إن يتوحد في العلم والنور على صراط مستقيم..
5. الساعة الكبرى أو العظمى.. وهي يوم البعث للحساب والعقاب..

يتضح مما سبق أن الصراع هو مجابهة بين الحق والباطل والخير والشر والجمال والقبح والصواب والخطأ.. في عالم يسير على نظام رباني محكم وسنن ثابتة لن تجد لها تبديلا ، وان السبب في هذا الصراع هو الابتعاد عن الحق المبين والانحراف مع طغيان الأهواء والشهوات عند كثير من الناس كالمترفــــــين والمبذريــــــــن وغيرهم.
كل هذا مجتمع في كلمة وهي بلغة العصر " ازدراء القانون " وبلغة الدين عصيان الشريعة ، لكن الحكمة في هذا الصراع هو انه وسيلة التدافع بين طرفين موجب وسالب قصد الإصلاح والمنفعة كما جاء في الآية الكريمة:

(( ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض )).

وفي الآية الثانية:

(( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع ومساجد )) الآية..

فالقرآن الكريم أمتن مرجع لإدراك مدلول الصراع القائم بين البشر كمجابهة بين عقول ونفوس تنطلق دائما وأبدا من فكرتها الخاصة بها ومعتقداتها التي تقوم عليها حياتها الفردية والجماعية، والغاية من هذا التدافع وقاعدته الأساسية هو حفظ التوازن بين الإفراط والتفريط دفاعا عن الاستقرار اللازم لاستمرار الوجود وإحقاق الحق وإزهاق الباطل تحت رعاية الله وعنايته بمخلوقاته.
بل إن من يمعن النظر في ساعة تفكر، يجد هذا الصراع ممتدا على الكون بأسره كمواجهة بين سائر الكائنات من جهة ، وبين المرء ونفسه من جهة أخرى ، وبين فئة وأخرى من جهة ثالثة.
وأهدافه هو الابتلاء بالكدح والكد والاجتهاد ثم الجهاد والصبر والمثابرة والتواصي بالحق.
إن قصة قـــــابيـــل وهــــــابيـــل تذكرنا بأن الله هدى الإنسان النجدين إما شاكرا وإما كفورا كعاملين لحركة الصراع المحافظ على الوجود ، وإن الأهواء والشهوات من قبيل الأشياء السهلة البسيطة التي لا تتطلب مجهودا إراديا قويا بل ما هي إلا حركة اندفاعية سلبية تطغى من حين لآخر على الثبات والتعقل ، وتغلب سلطان العقل على الهوى يتطلب مجهودا كبيرا وجهادا عنيفا ضد الهواجس النفسية والميول القبيحة من شح وحرام أو جاه أو تسلط واستعلاء غاشم وعنصرية جاهلة وما إلى ذلك ، مما يقود الإنسان إلى الخسران ولا ينقده من هذا الخسران إلا العمل بالأركان الأربعة:

أولا: الإيمان الراسخ وهو روح الحكمة.

ثانيا: الأعمال الصالحة وهي روح الفرد والمجتمع.

ثالثا: التواصي بالحق وهو روح التضامن والطاعة للشرع والقانون.

رابعا: التواصي بالصبر وهو روح الشخصية المتينة العالم بضعف الإنسان وصعوبة رقابة النفس على النفس ومفاجئة ظروف الزمان وشدائد الأيام التي لا تأتي إلا بغتة والناس لا يشعرون، وهذا ما جاء في سورة ((العصر)) في القرآن الكريم.

ولكن في نفس الوقت يتساءل الإنسان عن حكمة الله في صراع البشر بعضهم مع بعض، فيجد بجانب الابتلاء المذكور والمحافظة على التوازن عوامل أخرى كلها واضحة ، غايتها التعارف لا التناكر ، والتكامل لا التدمير عن طريق الاختلاف والتباين ، منكم من يظن أن الاختلاف مجابهة وعراك ويغفل عن كون العقل لا ينتبه إلا في دائرة الاختلاف ، وهذا واضح في الآية الكريمة:

(( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )).

فلو كان الصراع تناكر لعم الجهل بخصائص الشعوب وخصائص الأشياء بل إن الوحدة لا تتم عند البشر إلا بالتضامن في دائرة الاختلاف.. وهذا مفصل في علم النفس فيما يتعلق بالوظيفة والوعي والانتباه واليقظة ومعرفة الأشياء.
ولقد مر ذكر الخلل بين تضارب الأقوال والأفعال وانه يمكن في الغفلة والجهل بالعلم الصحيح والعرفان الرباني الذي ينير القلوب حتى تستنير العقول لان الربط بين القلب والعقل من الضروريات الحتمية التي قلما تشاهد في الفلسفات والمذاهب ولكنها واضحة في القران الكريم كما جاء في الآية الكريمة :

(( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها )).

هذا الربط هو الجامع لشتات الإنسان وهو العلاج والترياق لرفع الخلل القائم بين الأقوال والأفعال.. وكما قيل قديما على لسان أفلاطون اليوناني انه لا يقدم على الشر إلا جاهل بالخير .. ولو ينتشر العلم على عقول الناس لرأيت الوحدة في الاختلاف هي الظاهرة الكبرى للوجود الإنساني.
وليس هذا بالغريب ، فان مجابهة الأجناد معناها تعارض الحق والباطل والخير والشر والإحسان والسوء في ميدان الحياة العلمية والعملية معا ، بل ما احتد هذا الصراع بين الصواب والخطأ إلا ليميز الله الخبيث من الطيب.
لكن كل هذا يحتاج إلى طريقة مثلى تجمع شتات الجسم والنفس والعقل والروح في صورة موحدة ضمن عقيدة شاملة تجمع بين السماء والأرض والمعنى والمبنى ، فالعقل كما سلف ذكره شرط التكليف أساسه أداء الأمانة وحمل الرسالة بمعاونة الوحي والهداية ، والقلب السليم الذي هو عضو الإيمان والعلم الرباني حتى نلقى الله بقلب سليم.
وأما النفس فإنها موضع الإهداء والطغيان وبوجه اخص التحريف لقلب الأفكار وقلب الأوضاع معا. فقد أصبح من المعترف به أن الوحي الإلهي كان مقبولا بالنظرة التي خلقت في أحسن تقويم بكيفية تلقائية لا جدال فيها كما يتقبل الصبيان الأطهار ابتسامة أمهاتهم ، فكانت الرسالة الدينية دائما وأبدا إطلاقا وبدون استثناء مبنية على التوحيد.
وما دخلتها الوثنية إلا بعد طغيان الكهنة والأحبار والمشعوذين والمتسلطين بعد أن يصيروا لعبة الأهواء من وجهة السيطرة ومن وجهة الاستغلال ، وهذا ما يشاهد في تاريخ الديانات في سائر بقاع الأرض قاطبة حتى تعددت الآلهة من جهة وانتشرت الخصومات والصراعات بين أفراد القبيلة نفسها وبينها وبين عشائر شعوب أجنبية عنها.
وتاريخ الأديان يعلمنا أن الصراعات مهما كان نوعها مسبوقة بفكرة يتواجه بها الخصوم ، إما هداية أمام ضلال وإما طغيان وظلم يحارب ظلما آخر بحسب الآية الكريمة:

(( ولنولي بعض الضالين بعضا بما كانوا يكسبون )) .

ثم يأتي دور الاستغلال والتحكم في أفراد العشيرة وفي ممتلكاتهم إما على شكل قرابين أو هدايا أو اغتصاب نفسي ، وما قيل عن النزعات المحرفة ينطبق على المذاهب السياسية المعاصرة ، فما الأحزاب في عمق الأمور إلا نوع من القبائل القديمة التي تتطاحن بعضها مع بعض ، وجل أعضائها قاصرون على إدراك شامل لما يدعونه من مذاهب ، ضف إلى ذلك الأفراد والجماعات المحتكرة للحكم فإنها وان ادعت محاربة الإرهاب كما أوضحه علم النفس الاجتماعي فإنها سرعان ما تتولى هذا الإرهاب بنفسها وتحتكره لتصبح الطاغية الذي ينشر الرعب في قلوب الأبرياء بحسب ما يشاهد في الاستبداد الفردي والاستبداد الجماعي بواسطة حزب من الأحزاب الديكتاتورية ، كما توضح ذلك جليا في أيام النازية من جهة وما يسمى بديكتاتورية البروليتاريا من جهة أخرى.. مع ما يتبع ذلك من هجرة العقول وفرار الناس من الجحيم الجديد باسم الحرية والتقدم.. فلقد قيل في الثورة الفرنسية مثلا: " ما أكثر الدماء التي سفكت باسمك أيتها الحرية" ولكن أسوأ عامل في هذا الفسوق ومعناه اشتقاقا الانحراف عن جادة الطريق هو التحريف الذي أشرنا إليه لأنه ينبثق من العصيان ومن طغيان الأهواء على النفس ويؤدي إلى خيانة الأمانة التي حملها الإنسان بعد أن أشفقت السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، والآية الكريمة تصل بالأمور إلى نهايتها عن سبب هذا التحريف وهذا الإخلال بالأمانة هو الظلم والجهل من طرف الإنسان فيقول القران الكريم (( انه كان ظلــــوما جهــولا)) وعلى هذا لا يبقى إشكال في تعريف الصراع القائم بين البشر انه محض مجابهة بين الطاعة والعصيان.

***** يتبع إن شاء الله*****