المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا .. للمتكبرين الجدد (2)



عجبي
05-09-2003, 04:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الطاعة أصبحت متداولة على ألسن الناس وهي أثقل من الجبال على كاهل المأمور بها، ولا أدل على ذلك من التدريب العسكري يصنع الجند لأن إعطاء الأوامر لا يقوم على أساس متين إلا إذا مر قائد الجيش بأصعب مراحل الطاعة وإلا يصير الأمر سهل والشخصية الآمرة ضعيفة تأمر الناس بالبر وتنسى نفسها.

ومن جهة أخرى لا يتصور الاستقرار وتضييق الخناق على الصراعات إلا باحترام القوانين والشرائع ، والشرط الوحيد الذي يمكن الناس من احترام القوانين والشرائع ويعلو بهم إلى مستويات النهضة الرفيعة هو أولا وقبل كل شيء طاعة الحق .

وعلى العكس من ذلك كما مر ذكره ، ان الانحطاط والتدهور عند الأمم لا يتجلى بأكمل وجه إلا في نقيضة أو رذيلة واحدة وهي ازدراء القانون الوضعي أو عصيان الشرائع الربانية .

وهذا الفسوق أي الخروج عن جادة الطريق مآله الضلال الذي يفرق فيه الإنسان على علم منه لان الحلال بين والحرام بين والإنسان مأمور أن يستفتي قلبه .

ولقد منح الله سبحانه وتعالى وظيفة الاختيار واستعمال العقل وقاية من هذا الضلال لأن الأهواء لا تلعب إلا بوعي من صاحبها الذي ينحرف معها حتى يتعودها فلا يستطيع بعد ذلك تحررا منها ولا فرارا .. وأساس هذا الضلال هو الفسوق كما سلف ذكره ، وخصائص هذا الفسوق صريحة في الآية الكريمة :

(( وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون )).

فالعصيان يقود إلى التحريف وهذا التحريف يقود إلى الإفساد وهذا الإفساد ينذر بساعة صاحبه .. على الأشكال الخمسة المذكورة أعلاه .
ولكن هذا التدهور والانحطاط يكون مسبوقا بالفتن داخل البلاد وبالحرب خارجها حتى تتمزق وحدة الأمة داخليا ، فتضعف واجهتها المدنية وتستنزف واجهتها الخارجية أي العسكرية فتنهار قدرتها الدفاعية والمالية بعد انهيار قدرتها الأخلاقية .. وهذا أسوأ وجه من وجوه الصراعات القائمة بين البشر.
ولقد أوضحت الآية الكريمة أن منبع البلاء هو نقض المواثيق بين الخالق والمخلوق وإغفال العهود تنكرا للفطرة السليمة التي خلقت في أحسن تقويم كما مر ذكره.
ومعنى هذا أن الصراعات الخارجية والفتن الداخلية تتأصل من الإخلال بحمل الأمانة ، أي عصيان العلم الرباني ، المضمونة في رسالة أسلمت وجهها لله محسومة بالوحي الذي لا يدخل الخطأ من بين يديه ولا من خلفه مطابقة تمام المطابقة لطهارة النفس البشرية كما خلقها الله.
فالغاية من الأمانة هي التقرب إلى الله بالمعرفة فيصبح الإنسان عارفا بالله وبالعلم حتى يعصم عقله من الخطأ وبإسلام الوجه للحق المتجلي في الرسالة حتى لا يشعر بأنه يترك سدى أما الرسالة في عمومها فإنها تتلخص في شمول هداية بعقيدة وشريعة كما يجمع شمل الإنسان بربط النشاط الروحاني بالنشاط الجسماني ، والغاية من العقيدة والشريعة إسعاد البشر في حدود الزمن ودائرة الخلود وما هذه السعادة إلا إشراق الروح بنور الحق علما وحكمة ووجودا..إذا أحكمنا النظر في الإنسان من سائر وجوهه فإننا نجده مفطورا على حمله رسالة ما وأداء أمانة ما.. فالنشاط الإنساني مبني على أربعة أركان :
- مرسل رسالة
- رسول رسالة
- مضمون رسالة
- مرسل إليه

غير أن الإنسان تواق إلى المثل الأعلى وبعد شرع النظر في الرسالات كاملة نجدها تنقسم إلى قسمين: قسم ربـــــاني وقسم شيطــاني..
فالقسم الرباني يدعون بعباد الرحمن. والقسم الشيطاني يدعون بأدعياء الشيطان..
خصائص القسم الأول.. مرسل الرسالة.. محمود بسائر المحامد على الإطلاق ولا يتصور هذا عقلا وهذا فعلا في حق مخلوق.
فإذن هذا المثل الأعلى لا يليق إلا بحسب الآية الكريمة:

(( ولله المثل الأعلى ))

أما رسول الرسالة فانه وقد توفرت فيه شروط الأهلية لهذه الرسالة التي جاءت من أعلى عليين .. وأدخلت في نفسه.. طهارة الملائكة قيدها.. فكان معصوما من الخطأ ومن معجزته أن هذا الوحي الذي نزل عليه اخبره انه أيضا سيكون معصوما من الناس كما تقول الآية الكريمة:

(( والله يعصمك من الناس ))

فتوفاه الله ناجيا من عدوان الطغاة.
أما مضمون الرسالة فانه منبثق من سر الأسرار وهو الخالق سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيء علمه. فلا يتصوره عقلا ونقلا دخول الباطل والخطأ إليها.ولا إمكان التحريف لتعاليمها :

(( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))

وهذا الشرط متوفر على وجه الأرض بكاملها في كتاب واحد يحفظه الخالق، وهذه المعجزة الثانية بعد معجزة عصمة النبي من الخطأ ومن الناس.
والمرسل إليه أمة لا تصل إليها الرسالة اعتباطا بدون قيد ولا شرط كما يدعي "شعب الله المختار" ! ولكنها مشروطة بتأكيد وشدة بتوفر عناصر ثلاثة:
أساسها هي جذور شجرة الكون البشرية وهو الإيـــمان لان البحث عن الحق يفترض دائما مسلمات أولية كما في الرياضيات ونظريات أولية كما في الكيمياء،أو فرض أولي في الفيزياء. والإيمان هو الفرض الأولي في انطلاق النشاط الروحاني. كما أن المعتقدات هي الغرض الأول في انطلاق الحركة الخلقية والسلوكية وهذا تابع لطبيعة الفكر البشري والشطر الثاني هو العمل بما تعارفت عليه العقول السليمة والفطرة الطاهرة بعد أن سقاها الوحي الإلهي وما تفارقت عليه هذه العقول يسمى عن طريق الاشتقاق نفسه " المعروف " .
والشرط الثالث هو اجتناب كل ما من شانه أن تنفر منه القلوب وتتنكر له العقول السليمة وتمجه الأذواق الرقيقة ويسمى بحسب الاشتقاق أيضا " المنكر " .
فكل مرسل إليه لا تتوفر فيه هذه الشروط الثلاثة معرض لان يكون طرفا في مواجهة عدوانية منبعها ظلم النفس وظلم الغير ..

***** يتبع بإذن الله *****