Kubaj
04-10-2003, 06:05 AM
مأزق سياسي في الصف الثالث الإبتدائي
يلج إلى الصف في تمام السابعة صباحاً من كل يومٍ متأبطاً كتابين للقراءة ودفتراً أزرقاً للمتابعة ورصد أعمال السنة، يرسم على شفتيه ابتسامةً عبثيةً لا معنى لها، لكنها ابتسامة على أية حالٍ، تضيف إلى وجهه الأسمر الحزين تعبيراً إنسانياً نبيلاً، هكذا حدثته نفسه الأمارة بالسوء .
المعلم : صباح الخير يا شطار .
التلاميذ في صوتٍ واحدٍ : صباح الخير يا أستاذ .
المعلم : سنتحدث في هذا اليوم عن موضوع إنشاءٍ جديدٍ يتعلق بجوانب حياتكم المستقبلية إن شاء الله تعالى، ومادة الإنشاء يا أولادي من المواد المهمة للغاية، حيث تساعد التلميذ منكم على نقل أفكاره الصامتة ورؤاه التخيلية إلى واقع حياته المعاصرة، وذلك عبر صفصفة الكلمات، وزخرفة القول بلسانٍ عربيٍ مبين، أحد منكم فهم هذه الجملتين؟؟
ترمقه عيون الأطفال في صمتٍ وفضولٍ ماخلا تلميذ واحد يرفع يده اليمنى في حماسٍ شديدٍ، أشار إليه المعلم في حماسٍ لا يقل عن حماس ذلك التلميذ : نعم يا خالد، قال خالد : أستاذ أبي الحمام، لم يستطع المعلم أن يخفي خيبة أمله وامتعاضه الشديد وهو يشير إلى خالدٍ بيديه أن اخرج
أكملالمعلم قائلاً : أبوضح لكم أكثر، هب أن إنساناً ....... لا ما يصلح، هؤلاء لا يفهمون الفصحى، طيب الحين يا شطار إذا كان الواحد منكم جالس في بيته أو في فصله الدراسي مو ممكن يتخيل أنه لما يكبر ويصير رجال بشنباتٍ ولحيةٍ بيشتغل طبيب أو ضابط أو طيار أو مهندس أو مذيع؟
التلاميذ بأصواتهم المختلفة : نعم نعم صحيح يا أستاذ .
المعلم : جميل جداً، هذا هو المطلوب منكم، أطلقوا العنان لخيالاتكم ورؤاكم المستقبلية، تحدثوا عنها بقوةٍ أمام الجميع، لا تخجلوا من أحلامكم، ويوم الثلاثاء إن شاء الله أريد أن أرى إنجازاتكم حول هذا الفرض المدرسي المقرر عليكم، بقي أن تعرفوا أن عنوان هذا الموضوع هو ( تحدث عن المهنة التي ترغب في ممارستها مستقبلاً ) ولكن قبل ذلك، يجب على الجميع في هذا الصف أن يقوموا بالحديث مشافهةً عن المهن أو الوظائف التي يتمنون مزاولتها في المستقبل إن شاء الله أمام زملائهم، حتى ننمي فيكم حب الخطابة وجودة الإلقاء وكسر الحاجز النفسي للحديث، قم يا أحمد وتحدث عن أمنيتك حول مهنة المستقبل .
يخرج أحمد من مكان جلوسه في الصف الثاني ويستقبل إخوانه بوجهه في خجلٍ، تتزاحم الأفكار وتتضارب الخواطر في رأسه الصغير، وبشيءٍ من الخجل والاضطراب والتردد يقول بلغته الركيكة العامية : بكرة إذا كبرت أبصير دكتور علشان أساعد الناس وأدقهم إبرة، وأسوي لهم عمليات جراحية، وأكشف عليهم بالسماعة وأسمع ضربات قلوبهم، يقاطعه المعلم : هذه مهنة إنسانية نبيلة يا إبني، ولكن هناك مشكلةً يا أحمد !!
أحمد : وش هي المشكلة يا أستاذ ؟
المعلم : لا بد من مجموعٍ كبير في المرحلة الثانوية إضافةً إلى الواسطة .
يقاطعه أحمد : وماهي الواسطة يا أستاذ ؟
المعلم : الواسطة عبارة عن نفقٍ أو جسرٍ معلقٍ تعبر من خلاله إلى الضفة الأخرى بعد أن تبيع ذمتك ودينك وبقايا كرامتك أمام الكلاب وأبناء الكلاب من حثالة المجتمع، بمعنى أن غالبية الأحلام تتبخر عند أبواب الكلية، وإذا ما حدث وعبرت بوابة الكلية المخيفة، فهناك عقبة أخرى بعد التخرج، تتمثل في البحث عن عملٍ ملائمٍ ومناسب، وهات يا واسطات وشفاعات وحب كتوف وخشوم ولعق أحذيةٍ لأجل القبول ومزاولة العمل داخل مستشفىً حكوميٍ بمهنة طبيبٍ عام .
أحمد : لم أفهم يا أستاذ .
المعلم : يقول لنفسه جعلك ما تفهم، اجلس يا إبني، شاطر .
يشير المعلم إلى تلميذٍ آخر، أنت يا سعود، ينهض سعود من فوق مقعده الخشبي في صعوبةٍ شديدةٍ حيث يعاني من البدانة المفرطة، فيقول له المعلم عبٌر في مكانك يا سعود لا تتكلف في القدوم إلى هنا .
سعود : أخواني الطلاب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما أكبر سأصبح ضابطاً في الجيش والشرطة والطيران، يقاطعه المعلم : اختر قطاعاً عسكرياً واحداً، الدعوة ماهي سلطة .
سعود : عندما أكبر سأصبح ضابطاً عسكرياً في الشرطة، وأركب الدورية وأشغل السفتي وأطارد الحرامية واللصوص، وأحمي وطني وأهلي وجيراني من الأعداء الحرامية ....
يقاطعه المعلم : ولكن يا سعود، كلية الشرطة تحتاج إلى واسطةٍ شديدةٍ للغاية، يجب أن تكون ابن مسؤولٍ كبيرٍ في الدولة، أو ابن أمير فوجٍ من الأفواج الهلامية التي يعج بها هذا الوطن البائس، سعود يفتح فمه صامتاً، والمعلم يردف حديثه : ثم إن لياقتك البدنية يا إبني وصلت إلى حالةٍ حرجةٍ من السمنة والترهل واكتناز اللحم والشحم، مع أن زمان الطفرة ولى، لكنني أعتقد أن الفضل كل الفضل لعلب المشروبات الغازية وأكياس الشيبسي، اجلس يا إبني شاطر .
سعود : ولكن يا أستاذ !
المعلم : اجلس يا سعود وقم يا مدحت أخبرنا عن أحلامك وطموحاتك .
مدحت : أيوة يا أستاز، أنا إن شاء الله بكرة لما أبقى راجل حبقى وكيل نيابة آد الدنيا، وبعد سنتين حبقى مستشار وبعدين آضي في المحكمة العليا بالجيزة، وبص أنا حأوول لحضرتك حاجة بعد كده إن شاء الله، الريس بتعنا الله يخليه حيحطني وزير للعدل ويمكن رئيس وزراء، آه ماهو علشان بابا عضو في المؤتمر الوطني بدرجةٍ عالية، وابن عمي عاطف بيعرف .....
المعلم : طيب طيب شاطر، اجلس مكانك .
مدحت : بس أنا ماخلصتش يا أستاز !
المعلم : تعال يا نايف عند السبورة وقم بالتعبير عن أحلامك المستقبلية واجلس يا مدحت وإلا صفعتك على قفاك .
نايف يبتسم في نشاطٍ : عندما أكبر إن شاء الله وأصبح رجلاً سأكون معلماً أربي الأجيال وأضرب الطلاب اللاعابين، المعلم : أجلس يا ثور مكانك، قال تربي الأجيال .
المعلم : قم يا تركي واقفاً حتى أراك وعبر في مكانك عن مستقبلك .
تركي : في المستقبل سأكبر وأصبح وكيل وزارةٍ، المعلم يقاطعه فوراً : وكيل الوزارة لا يعيين إلا بأمرٍ من الملك يا تركي .
تركي : أبوي خوي عند الأمير ..............
المعلم : طيب طيب اجلس .
أحد التلاميذ يرفع يده اليمنى عالياً وهو يقول : أستاذ لو سمحت لو تكرمت !
المعلم : وش فيه يا سلمان ؟
سلمان : ألا ترى أيها الأستاذ أنك وأدت أحلامنا في مهدها ؟
المعلم : وأدت، ومهدها، من فين تعلمت هذه الكلمات يا ولد ؟
سلمان : والدي عضو في المجمع اللغوي في القاهرة، وهو يحرص أشد الحرص على أن يتحدث معنا باللغة العربية الفصحى للحفاظ على السليقة العربية الخالصة داخل المنزل .
المعلم : الله الله، أقول يا سلمان
سلمان : نعم يا أستاذ .
المعلم : اجلس يا ..............
سلمان : الشتم ممنوع من قبل معالي الوزير .
المعلم : رح عند معالي الوزير واشتكيني .
المعلم : أيها التلاميذ النجباء : يا من رزأتم في مستقبلكم، ليس من حقكم أن تنعموا بأحلامكم، لأن أحلامكم ليست ملكاً لكم، أحلامكم تخضع للتفتيش والتدقيق والتمحيص ومن ثم المصادرة من قبل مقص الرقيب، أيها التلاميذ النجباء : عندما كنا صغاراً كنا نقرأ في كتاب المطالعة ( قال حسن حصان حصان - فيل، طبل، بوق ) كنا نحفظ : يا إخوتي جاء المطر، هيا اهربوا تحت الشجر، واستنشقوا عطر الزهر، وكنا نشدو بصاح الديك فوق السور، كوكو كوكو بان النور، اصحوا اصحوا يا أطفال، كانت أحلامنا جميلة للغاية، كنا نحلم بالأزهار والأشجار والأطيار، كنا نعاني من الطفرة في أحلامنا، كان المستقبل مشرقاً لإننا كنا صغاراً أبرياء .
ودارت عجلة الزمن بسرعةٍ مخيفةٍ يا أولادي، فكبرنا ثم كبرنا وكبرت أحلامنا وآمالنا، فأصبحنا نحلم بفاتورةٍ مخفضةٍ للطاقة الكهربائية، نحلم بالخلاص من سداد أقساط السيارة والفرن والتكييف والمكواة والثلاجة، بعودة الخط الهاتفي المفصول منذ أشهرٍ لقلة ذات اليد، نحلم بمقابلة الطبيب فيمستشفىً حكوميٍ بعد موعدٍ يمتد إلى شرهين أو ثلاثةٍ بدلاً من تسعة أشهرٍ أو سنةٍ، بالهدوء والأمن المفقود، نحلم بالحرية، نعم نحلم بالحرية، أليس من حقنا أن نحلم بالحرية ؟ نحلم بجيفةٍ كانت تسمى سابقاً كرامة، نحلم بالشرف، بضميرٍ مستيقظٍ، برقبةٍ ممدودةٍ إلى أعلى بمنتهى العزة والسؤدد لا تنالها صفعات الظالم، نحلم بالعدالة، نحلم بالنصر الذي قرأناه في كتب التأريخ والذي يمثل للبعض منا أسطورةً خرافيةً لن تتحقق لكثرة الهزائم المتلاحقة لولا إيماننا العميق بالله .
هذه هي أحلامنا نحن الكبار .
ران صمت ثقيل على الصف، قطعه المعلم قائلاً في حزمٍ : والآن أيها القرود الصغار سيكون موضوع الإنشاء القادم ( عن أسبوع الشجرة ) بدلاً من موضوع ( تحدث عن المهنة التي ترغب في ممارستها مستقبلاً ) قم يا سامي وتحدث عن الشجرة ........
سامي : الشجرة هي .............................. ودار الزمان
_____
منقول
للكاتب أنيس هتشكوك في الساحات العربية
يلج إلى الصف في تمام السابعة صباحاً من كل يومٍ متأبطاً كتابين للقراءة ودفتراً أزرقاً للمتابعة ورصد أعمال السنة، يرسم على شفتيه ابتسامةً عبثيةً لا معنى لها، لكنها ابتسامة على أية حالٍ، تضيف إلى وجهه الأسمر الحزين تعبيراً إنسانياً نبيلاً، هكذا حدثته نفسه الأمارة بالسوء .
المعلم : صباح الخير يا شطار .
التلاميذ في صوتٍ واحدٍ : صباح الخير يا أستاذ .
المعلم : سنتحدث في هذا اليوم عن موضوع إنشاءٍ جديدٍ يتعلق بجوانب حياتكم المستقبلية إن شاء الله تعالى، ومادة الإنشاء يا أولادي من المواد المهمة للغاية، حيث تساعد التلميذ منكم على نقل أفكاره الصامتة ورؤاه التخيلية إلى واقع حياته المعاصرة، وذلك عبر صفصفة الكلمات، وزخرفة القول بلسانٍ عربيٍ مبين، أحد منكم فهم هذه الجملتين؟؟
ترمقه عيون الأطفال في صمتٍ وفضولٍ ماخلا تلميذ واحد يرفع يده اليمنى في حماسٍ شديدٍ، أشار إليه المعلم في حماسٍ لا يقل عن حماس ذلك التلميذ : نعم يا خالد، قال خالد : أستاذ أبي الحمام، لم يستطع المعلم أن يخفي خيبة أمله وامتعاضه الشديد وهو يشير إلى خالدٍ بيديه أن اخرج
أكملالمعلم قائلاً : أبوضح لكم أكثر، هب أن إنساناً ....... لا ما يصلح، هؤلاء لا يفهمون الفصحى، طيب الحين يا شطار إذا كان الواحد منكم جالس في بيته أو في فصله الدراسي مو ممكن يتخيل أنه لما يكبر ويصير رجال بشنباتٍ ولحيةٍ بيشتغل طبيب أو ضابط أو طيار أو مهندس أو مذيع؟
التلاميذ بأصواتهم المختلفة : نعم نعم صحيح يا أستاذ .
المعلم : جميل جداً، هذا هو المطلوب منكم، أطلقوا العنان لخيالاتكم ورؤاكم المستقبلية، تحدثوا عنها بقوةٍ أمام الجميع، لا تخجلوا من أحلامكم، ويوم الثلاثاء إن شاء الله أريد أن أرى إنجازاتكم حول هذا الفرض المدرسي المقرر عليكم، بقي أن تعرفوا أن عنوان هذا الموضوع هو ( تحدث عن المهنة التي ترغب في ممارستها مستقبلاً ) ولكن قبل ذلك، يجب على الجميع في هذا الصف أن يقوموا بالحديث مشافهةً عن المهن أو الوظائف التي يتمنون مزاولتها في المستقبل إن شاء الله أمام زملائهم، حتى ننمي فيكم حب الخطابة وجودة الإلقاء وكسر الحاجز النفسي للحديث، قم يا أحمد وتحدث عن أمنيتك حول مهنة المستقبل .
يخرج أحمد من مكان جلوسه في الصف الثاني ويستقبل إخوانه بوجهه في خجلٍ، تتزاحم الأفكار وتتضارب الخواطر في رأسه الصغير، وبشيءٍ من الخجل والاضطراب والتردد يقول بلغته الركيكة العامية : بكرة إذا كبرت أبصير دكتور علشان أساعد الناس وأدقهم إبرة، وأسوي لهم عمليات جراحية، وأكشف عليهم بالسماعة وأسمع ضربات قلوبهم، يقاطعه المعلم : هذه مهنة إنسانية نبيلة يا إبني، ولكن هناك مشكلةً يا أحمد !!
أحمد : وش هي المشكلة يا أستاذ ؟
المعلم : لا بد من مجموعٍ كبير في المرحلة الثانوية إضافةً إلى الواسطة .
يقاطعه أحمد : وماهي الواسطة يا أستاذ ؟
المعلم : الواسطة عبارة عن نفقٍ أو جسرٍ معلقٍ تعبر من خلاله إلى الضفة الأخرى بعد أن تبيع ذمتك ودينك وبقايا كرامتك أمام الكلاب وأبناء الكلاب من حثالة المجتمع، بمعنى أن غالبية الأحلام تتبخر عند أبواب الكلية، وإذا ما حدث وعبرت بوابة الكلية المخيفة، فهناك عقبة أخرى بعد التخرج، تتمثل في البحث عن عملٍ ملائمٍ ومناسب، وهات يا واسطات وشفاعات وحب كتوف وخشوم ولعق أحذيةٍ لأجل القبول ومزاولة العمل داخل مستشفىً حكوميٍ بمهنة طبيبٍ عام .
أحمد : لم أفهم يا أستاذ .
المعلم : يقول لنفسه جعلك ما تفهم، اجلس يا إبني، شاطر .
يشير المعلم إلى تلميذٍ آخر، أنت يا سعود، ينهض سعود من فوق مقعده الخشبي في صعوبةٍ شديدةٍ حيث يعاني من البدانة المفرطة، فيقول له المعلم عبٌر في مكانك يا سعود لا تتكلف في القدوم إلى هنا .
سعود : أخواني الطلاب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما أكبر سأصبح ضابطاً في الجيش والشرطة والطيران، يقاطعه المعلم : اختر قطاعاً عسكرياً واحداً، الدعوة ماهي سلطة .
سعود : عندما أكبر سأصبح ضابطاً عسكرياً في الشرطة، وأركب الدورية وأشغل السفتي وأطارد الحرامية واللصوص، وأحمي وطني وأهلي وجيراني من الأعداء الحرامية ....
يقاطعه المعلم : ولكن يا سعود، كلية الشرطة تحتاج إلى واسطةٍ شديدةٍ للغاية، يجب أن تكون ابن مسؤولٍ كبيرٍ في الدولة، أو ابن أمير فوجٍ من الأفواج الهلامية التي يعج بها هذا الوطن البائس، سعود يفتح فمه صامتاً، والمعلم يردف حديثه : ثم إن لياقتك البدنية يا إبني وصلت إلى حالةٍ حرجةٍ من السمنة والترهل واكتناز اللحم والشحم، مع أن زمان الطفرة ولى، لكنني أعتقد أن الفضل كل الفضل لعلب المشروبات الغازية وأكياس الشيبسي، اجلس يا إبني شاطر .
سعود : ولكن يا أستاذ !
المعلم : اجلس يا سعود وقم يا مدحت أخبرنا عن أحلامك وطموحاتك .
مدحت : أيوة يا أستاز، أنا إن شاء الله بكرة لما أبقى راجل حبقى وكيل نيابة آد الدنيا، وبعد سنتين حبقى مستشار وبعدين آضي في المحكمة العليا بالجيزة، وبص أنا حأوول لحضرتك حاجة بعد كده إن شاء الله، الريس بتعنا الله يخليه حيحطني وزير للعدل ويمكن رئيس وزراء، آه ماهو علشان بابا عضو في المؤتمر الوطني بدرجةٍ عالية، وابن عمي عاطف بيعرف .....
المعلم : طيب طيب شاطر، اجلس مكانك .
مدحت : بس أنا ماخلصتش يا أستاز !
المعلم : تعال يا نايف عند السبورة وقم بالتعبير عن أحلامك المستقبلية واجلس يا مدحت وإلا صفعتك على قفاك .
نايف يبتسم في نشاطٍ : عندما أكبر إن شاء الله وأصبح رجلاً سأكون معلماً أربي الأجيال وأضرب الطلاب اللاعابين، المعلم : أجلس يا ثور مكانك، قال تربي الأجيال .
المعلم : قم يا تركي واقفاً حتى أراك وعبر في مكانك عن مستقبلك .
تركي : في المستقبل سأكبر وأصبح وكيل وزارةٍ، المعلم يقاطعه فوراً : وكيل الوزارة لا يعيين إلا بأمرٍ من الملك يا تركي .
تركي : أبوي خوي عند الأمير ..............
المعلم : طيب طيب اجلس .
أحد التلاميذ يرفع يده اليمنى عالياً وهو يقول : أستاذ لو سمحت لو تكرمت !
المعلم : وش فيه يا سلمان ؟
سلمان : ألا ترى أيها الأستاذ أنك وأدت أحلامنا في مهدها ؟
المعلم : وأدت، ومهدها، من فين تعلمت هذه الكلمات يا ولد ؟
سلمان : والدي عضو في المجمع اللغوي في القاهرة، وهو يحرص أشد الحرص على أن يتحدث معنا باللغة العربية الفصحى للحفاظ على السليقة العربية الخالصة داخل المنزل .
المعلم : الله الله، أقول يا سلمان
سلمان : نعم يا أستاذ .
المعلم : اجلس يا ..............
سلمان : الشتم ممنوع من قبل معالي الوزير .
المعلم : رح عند معالي الوزير واشتكيني .
المعلم : أيها التلاميذ النجباء : يا من رزأتم في مستقبلكم، ليس من حقكم أن تنعموا بأحلامكم، لأن أحلامكم ليست ملكاً لكم، أحلامكم تخضع للتفتيش والتدقيق والتمحيص ومن ثم المصادرة من قبل مقص الرقيب، أيها التلاميذ النجباء : عندما كنا صغاراً كنا نقرأ في كتاب المطالعة ( قال حسن حصان حصان - فيل، طبل، بوق ) كنا نحفظ : يا إخوتي جاء المطر، هيا اهربوا تحت الشجر، واستنشقوا عطر الزهر، وكنا نشدو بصاح الديك فوق السور، كوكو كوكو بان النور، اصحوا اصحوا يا أطفال، كانت أحلامنا جميلة للغاية، كنا نحلم بالأزهار والأشجار والأطيار، كنا نعاني من الطفرة في أحلامنا، كان المستقبل مشرقاً لإننا كنا صغاراً أبرياء .
ودارت عجلة الزمن بسرعةٍ مخيفةٍ يا أولادي، فكبرنا ثم كبرنا وكبرت أحلامنا وآمالنا، فأصبحنا نحلم بفاتورةٍ مخفضةٍ للطاقة الكهربائية، نحلم بالخلاص من سداد أقساط السيارة والفرن والتكييف والمكواة والثلاجة، بعودة الخط الهاتفي المفصول منذ أشهرٍ لقلة ذات اليد، نحلم بمقابلة الطبيب فيمستشفىً حكوميٍ بعد موعدٍ يمتد إلى شرهين أو ثلاثةٍ بدلاً من تسعة أشهرٍ أو سنةٍ، بالهدوء والأمن المفقود، نحلم بالحرية، نعم نحلم بالحرية، أليس من حقنا أن نحلم بالحرية ؟ نحلم بجيفةٍ كانت تسمى سابقاً كرامة، نحلم بالشرف، بضميرٍ مستيقظٍ، برقبةٍ ممدودةٍ إلى أعلى بمنتهى العزة والسؤدد لا تنالها صفعات الظالم، نحلم بالعدالة، نحلم بالنصر الذي قرأناه في كتب التأريخ والذي يمثل للبعض منا أسطورةً خرافيةً لن تتحقق لكثرة الهزائم المتلاحقة لولا إيماننا العميق بالله .
هذه هي أحلامنا نحن الكبار .
ران صمت ثقيل على الصف، قطعه المعلم قائلاً في حزمٍ : والآن أيها القرود الصغار سيكون موضوع الإنشاء القادم ( عن أسبوع الشجرة ) بدلاً من موضوع ( تحدث عن المهنة التي ترغب في ممارستها مستقبلاً ) قم يا سامي وتحدث عن الشجرة ........
سامي : الشجرة هي .............................. ودار الزمان
_____
منقول
للكاتب أنيس هتشكوك في الساحات العربية