المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في رثاء الابن محمد..سامحني يابني



قلم دبلوماسي
08-10-2003, 03:18 PM
في رثاء الابن محمد..سامحني يابني
أحمد المغلوث--> الأب
اسم الابن -> محمد المغلوث

عمره لم يتجاوز الخامسة عشرة قامته الصغيرة بدأت تطول تبدو براءته في ملا محه الجميلة.. وفي يده الصغيرة التي تقبض على جواله بحنان وهو يخطو نحو باب المرسم حاملا (ترمس) الشاي ..
قال وهو يضع الشاي بجانبي أن شاء الله يعجبك.. انا اللي سويته لك قالها وهو يبتسم بحب واضاف.. ابوي تحب اساعدك في شيء.. خدمات . بس لاتنسى يا بو عبد الله كل شيء بحقه !! احسست بأنه يخفي شيئاً ما في عينيه ! تمنيت لحظتها وانا اتطلع الى ملامحه ان اسبر اعماقه واكتشف هذا الشيء الغامض !!.. يحلو لي دوما حضوره الى المرسم ويشدني اليه اكثر من بين اخوته.. مواهبه الإبداعية في الرسم والتصميم وحتى تمكنه من الكمبيوتر والتعامل مع الانترنت.. كنت لا اتردد أن اطلب منه مساعدتي في بعض الأعمال الكمبيوترية العاجلة !!فجأة قال: قبل أن أروح تامرني بخدمه؟ اجبته اذا احتجت شيء كلمتك.. خرج بعد أن قبل رأسي ويده تعبث بخصلات شعره الحريرية.. ومنذ تلك اللحظة لم اشاهده بعدها إلا وهو ممدد على سرير الإسعاف والدم ينزف من انفه ويده اليمنى المهروسة ملفوفة بالشاش.. يالله.. يالله رددتها اكثر من مرة وانا اهيم في عوالم الادعية والرجاء والتوسل بأن يلطف به الله والأطباء من حولى يحاولون التخفيف عني ومواساتي بكلماتهم المحبة الصادقة وانا ألمح في عيون بعضهم مدى صعوبة حالته.. وخطورة تاخير بتر يده وضرورة أن اتخذ القرار في الحال.. دموع محرقة انسابت على خدي.. دموع صامت
ه ولانني ماتعودت يوما السخاء بهذا الكم من الدموع.. اللهم إلا في حالات نادرة وعندما تأخذ الجراح كما يقولون منا مأخذا فإننا نبكي ونحن لانستطيع حجب دموعنا فهي لحظتها كالشمس اذا اخفينا اشعتها عنا فحرارتها تصلنا ولحظتها نكون كالأموات او كما يقول الشاعر الدكتور حسن فتح الباب:
لاتنظر الدمع في الاحداق.. الدمع ترسب في الأعماق والموتى لايبكون والموتى لايشكون !!. وعادة عندما نبكي فأننا لانبكي الانفوسنا.. نفوسنا الحزينه المتعبة الضعيفة.. لانه مامن احد يبكي مآسيها معنا.. وكم آلمتني لحظتها نظرات الناس المشفقة والمواسية ولسان حالهم يقول ويردد معي لاحول لنا ولاقوة إلا بالله.. نعم لا الأطباء ولا احد قادر لحظتها على انقاذ (محمد) إلا الله.. فاستسلمت وصليت واستخرت ووقعت بعدها الاذن ببتر اليد.. وكأنني انتزع جزءاً من جسدي تصور كيف يكون شعورك لحظتها وأنت تتخذ مثل هذا القرارالصعب والمؤلم.. تبا للانسان مااضعفه.. انه يقف عاجزا في الكثير من الحالات لايستطيع فعل شيء إزاءها وبالتالي يدرك حجم ضعفة وقلة حيلته امام ارادة الله !! سبحانه وما اعلى شأنه.. وعندما كنت ازوره وهو تحت رحمة الله في العناية المركزه كنت اشاهد العديد من الأهل و المعارف والأصدقاء وهم ينتحبون بعضهم مثلي ينتحب في صمت والبعض الآخر تختنق عبراتهم مع نشيجهم.. وبكت امه كثيرا ولكن بكاؤها اختلف عن بكاء الآخرين . انها على الفراش منهاره تتمزق ألما وترتعد في عينيها احمرار وعلى شفتيها جفاف وعلى محياها ظلال الصدمه وهول الفجيعة.. ما ارهب الساعات الت
ي قضتها طوال الأيام وهو ممدد تحت اجهزة الانعاش.. والاتصالات العديدة والزيارات الكثيرة من الجميع اهل، معارف اصدقاء، ناس لانعرفهم ، ناس جزاهم الله عنا خير الجزاء كان لوقفتهم معنا في مصابنا لمسة حب ومشاركة وايثار.. كم هو رائع مجتمعنا.. و كم هو طيب وحبيب كانت لمواساتهم و بعدها تعازيهم عظيم الأثر في التخفيف من هول الموت الذي اختطف محمد اوسط الأبناء او كما قال الشاعر القديم:
بكاؤكما يجدي وإن كان لايشفي
فجودا فقد أودى شبيهكما عندي
توخى حمام الموت اوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته
وانست من افعاله اية الرشد
نعم يامحمد اختارك الموت وانت في بداية خطواتك نحو الفتوة والشباب وأنت تحلم بمستقبل باسم.. و لاتعلم ان عمرك قصير كعمر الزهور فلا بطاقة الأحوال التي تريد ان استخرجها لك حصلت عليها.. ولا الشهادة العليا التي كنت تتطلع اليها يوما ما.. فقط حصلت الآن على شهادة وفاة إثر حادث أليم !! حادث اصابك في مقتل.. وحرمك من الحياة وحرمنا منك ومن مواهبك وقدراتك فلا حول ولاقوة إلا بالله.. وكحلم جميل بددته يقظة وكفكرة رائعة من مخيلة مبدع وكنسمة عذبة هربت في الأفق وضاعت في السماء.. هكذا كنت يامحمد وهكذا تواريت انت عنا وعن هذه الدنيا الفانية .
بالأمس كنت تشرق امامي بابتسامتك العذبة وكلماتك الهامسة الساخرة بالأمس كنت تعلمني الكثير الكثير من عوالم الكمبيوتر التي اجهل بعضها.. كنت بنظراتك المحبة وايماءاتك تدفعني الى التطلع اليك ومشاهدتك وانت تتفنن في التصميم والرسم وكنت اهمس في اذنك سوف تكون افضل من شقيقك فيصل في الرسم والتصميم !! ومازلت اذكر يامحمد اجابتك على سؤالي لماذا اختيارك لاسم خيال لموقعك في الانترنت.. فأجبتني وأنت تبتسم كل شيء في الدنيا خيال حتى الحياة خيال !! بالأمس وما اروعه وانت بيننا كنت انشودة شبابية في كل يوم . انشودة بين اخوتك وبين محبيك من اصدقائك الكثر.. انشودة فتية على كل شفه.. وامنية لنا جميعا.. وواحة يبحث عنها محبيك !! آه يامحمد كم هو الفراق صعب ومميت بالأمس ونحن نتلقى العزاء ويذكر البعض محاسنك ويعدد مزاياك قال احد اصدقاؤك انه سألك عن اختيارك للون الترابي لموقعك فأجبته لان التراب هو الأصل فنحن من تراب والى التراب هكذا اجبته ترى هل كنت تعلم ياحبيبي بمصيرك السريع والمؤلم والفظيع بعدها بأيام اصبحت تحت التراب اللون الذي احببت !! وهل كنت تعلم ان الشاي الذي عملته لوالدك في ذلك الصباح الباكر كان آخر شاي تعمله لوالدك الذي احبك ما اروعك و
انت ترسل لي رسائلك الجوالية التي تحمل طلباتك وتعليقاتك ما اجملك وانت تحسن وضع غترتك وعقالك الصغير ايام الأعياد والمناسبات.. ما ابهاك وانت عائد من المسجد . والآمال والطموحات كانت تتلألأ في وجهك.. هذا كان بالأمس اما اليوم فقد هرب منا القمر وضاعت من اجواء بيتنا ابتساماتك وصدى كلماتك وتاهت عن سطح بيتنا النجوم.. اليوم خرست زقزقة العصافير التي كانت تحط على شجرة النخيل وباتت الشجرة جافة.. رسوماتك وكلماتك عدت اليها اليوم . لاسترجع مافيها من وهج وبساطة وجمال.. وريقات بللتها بالدموع . حروفك الصغيرة وخطوطك الرائعة كم احببتها . اتذكر كم مضى علينا من وقت ونحن نعمل معا.. اتذكر اول (اميل) اكتبه تحت اشرافك كان لشقيقك عبد الله الذي احبك حتى العظم.. آه لو رأيت كيف اجتمع هذا العدد الكبير من الناس الذين حضروا جنازتك وهم يشاركوننا فجيعتنا فيك . آه لو رأيت الناس وهي تتسابق لتعزيتنا فيك ياحبيبي..
والآن يابني سامحني وانت الآن تنام غرير العين بمشيئة الله.. بعيدا عنا سامحني يابني انني لم انشر رسوماتك في معرض ولاحتى في جريدة خوفا من ان يقول البعض: (أن والده يرسم له) وكما قال البعض انني كنت اكتب لشقيقك عبد الله فالبعض لايؤمن بالموهبة والقدرة !!
.. سامحني اذا كنت قد حرمتك يوما من اشياء تحبها لم احققها لك وامور كثيرة كنت تسعى للحصول عليها لم تتح لي الظروف توفيرها لك ولاخوتك.. سامحني ياحبيبي انني لم استطع انقاذك لحظة وقوع الحادث فالأحساء مثل بقية المدن لاتوجد فيها طائرة اسعاف سريعة تباشر الحوادث.. وسامحني يابني انني لم استطع أن امنع صغار السن من اصدقائك من قيادة السيارات.. فالحوادث المميتة التي يسببها كل يوم العشرات من امثالهم باتت علامة ممجوجة في مجتمعنا.. وسامحني يابني انني لم استطع حتى معاتبة صديقك الصغير الذي قاد السيارة بسرعة جنونية فكان الحادث المميت فعرفنا الاجتماعي وتقاليدنا جعلتني عاجزا عن ذلك.. وماذا ينفع العتاب عندما يذهب الأحباب !! وسامحني يابني اننا في هذا الضياع المروري وتوفر السيارات لكل من هب ودب حتى الذي في فمه مصاصة بامكان والديه شراء سيارة له سوف يستمر مسلسل الحوادث في بلادنا الحبيبة . وسوف يستمر الموت والفجيعة.. وسوف يبرر اهل السائق المتسبب في الحادث او ذاك (لم يكن يقصد) وبعدها سوف نبلع الدموع ونحتضن الفجيعة بين الضلوع ونخفي انكساراتنا وموتنا الصامت عن عيون الآخرين !! كل يوم ماذا نحصد ؟ المزيد من الإهمال واللا مسؤولية.. كل هنيهة .
كل ساعة حادث هنا وحادث هناك وفتش بعدها عن اللامبالاه . يطاردنا الموت يابني عبر الطرقات والشوارع السيئة التنفيذ فحفرة هنا وانحناءة غير مستقيمة هناك تفاجىء السائق لينحرف عنها او يتفاداها فيقع حادث غالبا قد يكون مميتا في بعض الأحوال.. سامحني يابني إن واقع شوارعنا خاصة في الأحساء لا يسر احدا حتى الشارع الذي امام منزلنا المتواضع والمزدان بالبثور والقشور والذي شبهته رحمك الله يوما بلوحة تجريدية ممجوجة وطلبت مني ساخرا أن ارسم كاريكاتوريا ساخرا عن واقعة المزري.. سامحني يابني انني عاجز عن الكتابة ومهما اوتيت من قدرة فأنا لا استطيع اليوم ان اكتب عنك ما اريد فالكلمات تخنقها العبرات وتمتزج معانيها بالنشيج.. انت تعرفني يابني للكتابة عندى مزاج ولا احب الكلمة إلا عفوية صادقة لتدخل القلب بدون أذن ! سامحني يابني فمصابي فيك كبير كبير.. لانني لن اراك بعد الآن وأنت تحتضن كتبك المدرسية.. اوتمازح اخوتك.. لن اراك الآن وأنت تمارس هوايتك الانترنيتية ولاحتى مداعبة شقيقك الصغير مصعب وتشاركه اللعب في الألعاب الكمبيوترية الساحره.. لن اراك الآن وانت عائد من المسجد انني الآن اشفق على نفسي.. ولكنى سوف اذكرك مع كل الأشياء الجميلة التى احب
بت... وسوف ابكيك لاننى انسان واردد سبحانك ياربى اعطيت وأخذت والحمدلله على كل شيء {إنا لله وإنا إلية راجعون} ..`