المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستعمار الجديد



سعيد الشهري
26-10-2003, 08:20 PM
الاستعمار الجديد
الحلقة الأولى

إن ضربات الحادي عشر من سبتمبر والتي أجهزت على جزءاً كبيراً من الاقتصاد الأمريكي، جعلت الصقور الأمريكية تتخبط في سياسات مرتبكة، فأعلنت الحرب على الإرهاب، وقبل ذلك أعلن بوش بدء الحرب الصليبية، وهذا يدل على أن الحقد الصليبي الأعمى ضد الإسلام لا يزال كما هو في تلك النفوس ، فالصليبيين السابقين كانوا يستغفلون الشعوب ويقولون إن قبر المسيح عيسى (عليه الصلاة والسلام) في خطر فهبت شعوب أوروبا وجيوشها في حربٍ ضد المسلمين واحتل بيت المقدس إلى أن حرره القائد الكردي المسلم صلاح الدين الأيوبي، ثم لما تناحر المسلمون حينما قالت بريطانيا يا معشر العرب قرآنكم عربي، ورسولكم عربي ، وترضون أن يحكمكم الأتراك، فثار الحمقى العرب على إخوانهم المسلمين الأتراك ولا ننسى التدخل الكافر مع العرب ضد المسلمين الأتراك، فماذ كانت النتيجة، ضاعت الدولة الإسلامية الموحدة، وضاعت الخلافة، ودخل اليهود بيت المقدس وإلى الآن لم يخرجوا من الديار المقدسة أرض فلسطين.

لقد أثرت تلك الضربات في الفكر الأمريكي ، وأصبح الساسة الأمريكيين، يخططون كيف ينتقمون من المسلمين، فأعلنت أمريكا الحرب على أفغانستان، وقلبت الحكم ذا الطابع الإسلامي، وراحت تطالب بقادة طالبان ، وغيرهم من المجاهدين.

ولكن هل ذلك فعلاً هو الهدف الرئيسي وراء تلك الحملة ضد افغانستان وبعدها العراق؟
في الحقيقة إن ما تقوم به أمريكا هو جزء من العولمة التي تتمحور في ثلاثة عناوين هي:
أولاً عسكرة العولمة أي دخول مرحلة العنف والحروب.
وثانيها تبلور مرحلة جديدة من الاستعمار الإمبريالي وهو الاستعمار الجماعي.
وثالثها هيمنة الولايات المتحدة على العالم.
وهذه العناوين ليست جديدة أي لم توجد فقط بعد تلك الضربات الموجعة لاقتصاد أمريكا ولكن هي أهداف يمكن القول عنها بأنها قديمة جديدة.
قال د. سمير أمين رئيس منتدى العالم الثالث ومدير معهد الأمم المتحدة للتخطيط والتنمية سابقاً (1) ” أن هذه العناوين قديمة جديدة، وليست وليدة أحداث 11 سبتمبر 2001، كما أن هذه العناوين تطرح تساؤلات صعبة مثل: هل يمكن للعسكرة أن تنجح بمعنى هل يمكن لها أن تصل إلى مواقف سياسية تتيح فرض العولمة الاقتصادية على الجميع أم أنها ظاهرة تؤكد على تفاقم التناقضات لدرجة أن العولمة الاقتصادية نفسها أن لم يكن مستحيلا نجاحها فهي على الأقل تواجه صعوبات شديدة جدا؟ كذلك بالنسبة للاستعمار الجماعي لنا أن نتساءل هل هذا الشكل الجديد من الاستعمار هو سمة جديدة ثابتة في المستقبل أم أنها هي الأخرى مجرد ظاهرة مليئة بالتناقضات، ولابد أن تنتهي بشكل أو بآخر؟! ولنا أن نتساءل أيضا عن الهيمنة الأمريكية ـ التي رأى أنها قد بدأت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ـ هل هذه الهيمنة دخلت مرحلة التعمق والتوسع والتكريس أم أنها تمر بمرحلة أزمة، أو ربما مرحلة انهيار في المستقبل المنظور؟! "
إن القرن الماضي كان مليئاً بالحروب فكانت الحرب على أفغانستان من الإتحاد السوفيتي البائد، وكانت حرب الخليج ضد العراق، وحروب يوغسلافيا الصرب ضد المسلمين والكروات، والحرب الدائرة الآن ضد أفغانستان والتي ممكن تسميتها بحرب آسيا الوسطى لأنها ليست تستهدف طالبان أو بن لادن.
عندما رأت أمريكا صعوبة فرض شروط العولمة الاقتصادية والوصفة الليبرالية المزعومة تحركت سياسياً وعسكرياً في حملة صليبية جديدة. يقول د. سمير أمين :" ويمكن أن يقال في هذا الإطار أن اليد المخفية للسوق لم تستطع أن تفعل فعلها دون مزيد من استخدام الكف العسكري الظاهر صحيح أن الجانب السياسي في بعض الأحيان لم يتخذ شكل العنف العسكري بالضرورة لكن حصل في العديد من المراحل أن تحول العنف السياسي إلى عنف عسكري مباشر ونحن نتحدث هنا عن العولمة الليبرالية الجديدة التي تصاحب وصفة الليبرالية بشكل عام أي بمعنى تحرير الأسواق من خلال إلغاء الشكل التقليدي الذي يأخذ في اعتباره المصالح الاجتماعية على حساب مصالح رأس المال، مثل مصالح الطبقات العاملة أو الفلاحين أو الطبقة المتوسطة في مقابل مصالح رأس المال المهيمنة ومجموعة المكونات المعروفة للجميع.. ومن خلال الخطاب السائد للعولمة الليبرالية الجديدة سنلاحظ أنها تركز على أن تنفيذ الوصفة الليبرالية سينتج عنها ازدهار اقتصادي، إن لم يكن للجميع فعلى الأقل لمن يستطيع أن يتكيف مع الظروف الجديدة وبالتالي يستطيع أن يستفيد من توسيع الأسواق وتحقيق معدلات نمو مرتفعة في التجارة وغيرها وان هذه الوصفة تستطيع أن تخلق الظروف الملائمة لحلول سليمة للمشاكل الأساسية وان تفتح مجالا للبرلة المجتمعات ومزيدا من الحريات الفردية، ومزيدا من التعددية السياسية إلى آخره"(2).
إذاً لا نستغرب هنا تلك التضحيات وزج الجيش الأمريكي في حروب ضد جيوش رسمية، أو حتى تخوض ضد حرب عصابات، وحروب مدن يروح المئات من جيشها وهي تتكتم على الإفصاح عن عدد ضحاياها كي لا تثور ثائرة الرأي العام الأمريكي فيطالب بسحب قواتها كما حدث في الصومال، ولكن تسعى إلى مصالحها الخاصة كما يحدث الآن في العراق.
”إن الوصفة الليبرالية الجديدة أحدثت ركوداً في الاقتصاد بمعنى انه لو نظرنا إلى معدلات النمو في العقود الماضية عليها سنجد أن معدلات النمو انخفضت إلى نصف ما كانت عليه من متوسط عالمي وكذلك معدلات الاستثمار في توسيع وتعميق المنظومات الإنتاجية مثل بناء مصانع وطرق وفنادق وغيرها، انخفضت هي الأخرى الى معدل نصف ما كانت عليه في المراحل السابقة وبالطبع كان هناك استثناء، أو ما يبدو انه استثناء، مثل شرق اسيا والصين، وبداية الصين ليست بلداً صغيراً كما اننا سنجد انها لم تنفذ الوصفة الليبرالية المزعومة، أما كوريا الجنوبية واليابان فهما أيضا لم ينفذا الوصفة الليبرالية بالرغم من انهما لم يعترفا بذلك صراحة، كما سنجد انهما عندما دخلا مرحلة تنفيذ الوصفة كان معدل النمو عندها ينخفض(3)".
إن الظاهرة المستغربة والتي لم تحدث في أمريكا من قبل هي انتقال رؤوس الأموال على صعيد عالمي إلى الولايات المتحدة وهو اولا انتقال فائض رؤوس اموال هذه الدول الغنية مثل اوروبا واليابان ثم البلاد النفطية ثم الدول الفقيرة أيضا، الكل دفع حسب طاقته رؤوس أموال لتمويل هذه المعجزة الأمريكية، وبالتالي هي معجزة قائمة على امتصاص فائض الأموال في العالم وعلى عجز متزايد في ميزان المدفوعات الخارجية وبالتالي أيضا لا يمكن اعتبار هذه المعجزة نتيجة الوصفة الليبرالية ولا يمكن تعميمها على المجتمع الدولي كله ولو حتى في المناطق الأخرى المتقدمة مثل اليابان وأوروبا لذلك هذه المعجزة طفيلية وغير دائمة لأنه قد يكون هناك رد فعل للآخرين يتوقف بموجبه تمويل الاقتصاد الأمريكي بهذه الطريقة.
بتلك الطريقة سيزداد أهل الفقر فقراً لأن تلك الوصفة الليبرالية أدت إلى الركود العالمي مما خلف التفاوت في الدخول بين الأفراد في أرجاء المعمورة، وكذلك سيزداد التفكك الاجتماعي حتى في الدول الغنية، ولذلك ستتولد الفوضى في تلك الدول، حينها سيحتاج الأمر إلى التدخل العسكري فيتم بهذه الطريقة عسكرة العولمة.
النقطة الثانية وهي الاستعمار الجماعي :
كانت الإمبراطوريات الكبرى منفردة بأجزاء من الدول فبريطانيا كانت لها أجزاء كبيرة من دول العالم، وكذلك أسبانيا، وفرنسا،وبلجيكا ، فكانت تسيطر على مناطقها، ثم تحررت الشعوب وانقضت تلك الحقبة من عصور الإمبرياليات(Imperialism) (الاستعمار) ثم نهضت الدول في تسليح نفسها في التسعينات ، ونهضت في اقتصادها، وعلى رأسها أمريكا وأوروبا، أما أمريكا فبسقوط الإتحاد السوفييتي البائد أصبحت وكأنها تريد فرض نفسها كشرطي يحاسب هذا ويدعم هذا المحتل، وينصب فلاناً في الحكم، ويخلع ذاك، وهذه هي الغطرسة في أوجها.
يقول د. سمير أمين :" في خطاب لأحدى الشركات المتعدية الجنسية نلاحظ قولهم انه إذا أردت أن تكون ناجحا فيجب أن تعمل في إطار سوق يسع 600 مليون نسمة ومعنى ذلك أن أي شركة كبرى متعدية الجنسية لابد أن يكون لها وجود يكاد يكون عالميا لكي تكون قادرة على منافسة الآخرين ،هذا التطور حدث دون أن ندرك ذلك في منتصف الستينيات من القرن الماضي في مرحلة ازدهار الرأسمالية العالمية بأشكال العولمة السابقة وفي إطار اختلال التوازن بين الشمال والجنوب وبالتالي أنتجت ظروفاً جديدة بأن هناك مصالح لرأس المال المهيمن سواء كان أمريكياً أو أوروبياً أو يابانياً لإدارة الأسواق العالمية ومن هنا نشأت وصفة الليبرالية الجديدة، ثم العسكرة التي تحمي وتخدم هذه المصالح"(4).
لقد ظهر لأمريكا بأن المعسكر الاستعماري لابد وأن له قائد، فأوروبا ليست دولة واحدة، واليابان ليست دولة عسكرية، إذاً لم يعد في الساحة إلا هي، خصوصاً حينما أصبح العالم بقطب واحد ألا وهو أمريكا، لكن رغم كل تلك العنجهية ، والتبجح بقوة الاستخبارات الأمريكية ، أثبتت ضربات الحادي عشر بأن أمريكا لم تكن في منأى عن الأخطار وهذا يدل على أن هناك ثغور في تلك القوة.
إن أمريكا قد خططت قبل الحادي عشر بكثير على النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى في جمهوريات الإتحاد السوفيتي البائد، ومن تلك الخطط السيطرة على نفط بحر قزوين، وليس كما يذاع بأنها مطاردة فلول طالبان، أو بن لادن، وإن كانت هدفاً ثانوياً.
تريد أمريكا الضغط على روسيا والصين والهند كي تحول دون التقارب العسكري والسياسي والاقتصادي الذي كاد أن يكون واقعاً خطيراً قد يعوض الخلل في التقاطب الدولي، فزجت أمريكا بجحافلها، في أفغانستان، ولكن هل معنى هذا أنها أحرزت نصراً، أو أن جنودها مستقرين في تلك الدول ، لا والله إنهم في شقاء وسيدرك المجتمع الأمريكي أن تلك السياسات الظالمة لأمة الإسلام أكلت شبابها وأغرقتهم في أوحال المعارك.










(1) صحيفة البيان - 2001
(2) صحيفة البيان-2001
(3) صحيفة البيان-2001
(4) صحيفة البيان-2001

( الزعيم )
27-10-2003, 03:25 AM
مشكور اخوي سعيد على الموضوع
كان بإمكانك كتابة الموضوع في القسم الاسلامي او السياسي:)
تحياتي لك اخوي ,,