تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية تفجيرات بغداد ومعانيها



aseer_plastine
28-10-2003, 11:59 PM
عبد الباري عطوان
فرحة الرئيس الامريكي جورج بوش وبعض حلفائه من العراقيين والعرب بـ الانتصار الكبير في العراق لم تعمر طويلا، فقد بات المتحدثون العسكريون الامريكيون غير قادرين علي تقديم ارقام دقيقة حول عدد القتلي والجرحي الامريكيين، الذين يسقطون يوميا بفعل عمليات المقاومة المتصاعدة.
بغداد لم تعد اكثر امانا، قطعا، بعد اسقاط النظام الديكتاتوري، ولم تعد اكثر ديمقراطية ايضا، كما ان الحلم الامريكي بتحويلها الي نموذج للديمقراطية في المنطقة تحاول محاكاته الدول الاخري تحول الي كابوس مزعج، وعنوان رعب، ونذير شؤم لانظمة عربية متأمركة كانت تعتقد، وما زالت، انها راسخة مخلدة محصنة من اي تغيير.
بول ولفوفيتز مهندس العدوان علي العراق ذهب الي بغداد من اجل زف البشائر الي الكونغرس باستقرار العراق، وامانه بعد عودته من زيارته، ليفاجأ بالصواريخ وقنابل المورتر تقض مضجعه، وتسقط في شرفة غرفته في فندق الرشيد المحصن، مقر القوات الامريكية.
انها المقاومة التي لم يتوقعها الرئيس بوش، ولم يحسب لها اي حساب دونالد رامسفيلد وزير دفاعه، ولم تخطر في بال مستشاري الادارة من العراقيين من الدكاترة امثال احمد الجلبي وكنعان مكية وفؤاد عجمي، او بطاركة مجلس الحكم الانتقالي ووزرائهم وحملة مباخرهم.
وولفوفيتز نجا هذه المرة من محاولة القتل التي استهدفته باعجوبة، ولعل في ذلك حكمة الهية، حتي يري فشل سياساته، وانقلاب سحره علي نفسه وادارته، ويعود الي واشنطن مكسور الجناح ذليلا يتجرع مرارة الفشل وخيبة الامل.
تفجيرات بغداد رسالة الي الادارة الامريكية، والي كل الذين طبلوا وهللوا للاحتلال، وتبجحوا في وصفهم للغزو بأنه تحرير، ورقصوا علي اشلاء العراقيين الابرياء التي طحنت عظامهم القنابل والصواريخ الامريكية العملاقة، بعد ان نجوا من مجزرة الحصار التي استمرت ثلاثة عشر عاما.
الرسالة موجهة ايضا الي الدول المانحة التي تجمعت في مدريد، وتبارت فـــي رصد المليارات لرهن العراق، وتكريس احتلاله، ومضاعفة ديونه، والاستيلاء علي ثرواته. فالاعمار يحتاج الي استقرار، ومنفذو مشاريعه يحتاجون الي الامن والامان وطيب الاقامة في فنادق من خمس نجوم، وهذا امر شبه مستحيل.
الاحتلال اعاد للعراق مواخير الدعارة، وبعض الحريات التعبيرية من خلال صحف عاد معظم اصحابها ورؤساء تحريرها، علي ظهور الدبابات الامريكية. اما ابناء الوطن الذين عانوا من الديكتاتورية والقمع وظلم الحصار فيتسولون لقمة الخبز، ومساحة تعبير محدودة في اجهزة اعلام الاحتلال.
ليس مهما من يقف خلف الانفجارات الاخيرة، ولكن المهم هو من حول العراق الي ساحة فوضي، وارض معارك، ونقطة استقطاب لكل الجماعات المتطرفة في العالم الاسلامي، ابتداء من تنظيم القاعدة، ومرورا بانصار الاسلام وانتهاء بفلول النظام.
لماذا يستغرب المتحدثون الامريكيون وجود عناصر تابعة للقاعدة في العراق، بل ولماذا يستغربون ان ينخرط رجالات النظام السابق في حركة المقاومة، فهل كانوا يتوقعون ان يستقبلهم هؤلاء بالزهور والرياحين؟ ثم لماذا يستغرب الامريكيون وجود مقاتلين سوريين ومصريين وسعوديين وفلسطينيين ويمنيين في العراق، ينفذون عمليات ضد قواتهم، فاذا كان هؤلاء وهم العرب والمسلمون غرباء في العراق المسلم العربي، فماذا نقول عن الامريكيين والبولنديين والدنماركيين والبريطانيين والاسبان، وماذا يفعل هؤلاء في بلد علي بعد آلاف الاميال من بلدانهم الاصلية؟!
العدوان علي العراق كان استكبارا، ودون اي وازع قانوني او اخلاقي، وما بني علي باطل لا يمكن ان يدوم ويكتب له النجاح.
الولايات المتحدة هي التي غزت العراق وتحدت الادارة الدولية بأسرها، ولذلك عليها ان تتحمل وحدها نتائج هذا الغزو كاملة دون مشاركة من احد. فالطائرات والصواريخ الامريكية هي التي دمرت العراق، وهي التي حطمت بناه التحتية، وهي التي فككت مؤسساته، وحولت الملايين من ابنائه الي طوابير البطالة والجوع، ولذلك عليها، كقوة احتلال، ان تدفع ثمن اخطائها، وان تعيد بناء ما دمرته من اموال مواطنيها، دون اي مساهمة خارجية.
اما الكويت التي كانت منطلق العدوان، واعلامها الذي كان الناطق باسمه، فعليها ان تدفع ثمن هذا الموقف الشاذ اللااخلاقي، واللااسلامي، فها هي تستعد لالغاء التعويضات، وتدفع للعراق بعد ان كانت تأخذ منه، وتحرم ابناءه من لقمة العيش وتشدد الحصار الخانق عليه.
الكويت التي تلقت ثمانية عشر مليار دولار كتعويضات من العراق علي مدي السنوات العشر الماضية، تقبل صاغرة، وبأمر من الحاكم الامريكي، اسقاط هذه التعويضات، والدفع صاغرة ايضا لاعادة اعمار بلد شاركت في تدميره.