المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية اخطر من فيتنام



aseer_plastine
04-11-2003, 12:28 PM
2003/11/03

عبد الباري عطوان

كان دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي في ذروة الانكسار وهو يواجه اسئلة الصحافيين الشرسة يوم امس للتعقيب علي عملية المقاومة العراقية التي اسفرت عن اسقاط طائرة عمودية من طراز شينوك المصفحة المضادة للصواريخ، وقتل خمسة عشر جنديا علي متنها.
وجه رامسفيلد كان ممتقعا يعكس هزيمة مبكرة، وقلقا واضحا من مستقبل دموي ينتظر قوات بلاده في العراق، بسبب سياساته الحمقاء المتهورة، واستشارات مجموعة من الليكوديين العرب واليهود العاملين في وزارته اسما، وفي خدمة الدولة العبرية فعلا.
رامسفيلد اعترف، وفي تواضع غير معروف عنه، ان الوضع صعب وخطير في العراق وتنبأ انه سيأخذ وقتا قبل ان يتحسن ، ولكنه لم يحدد هذا الوقت المطلوب، ولم يقل كيف سيتم التحسن، لانه ببساطة لا يعرف، ونشك انه سيعرف في المستقبل القريب.
الخط البياني للمقاومة يؤكد انها في تصاعد، كما ونوعا، وان خلفها عقولا تخطط، وخبرات عسكرية عالية تتولي عملية التنفيذ بدقة متناهية. وهي علي اي حال ليست مقاومة عشوائية، ولا تستهدف العراقيين، مثلما يحاول بعض المغرضين القول.
هجمات اليومين الماضيين التي استهدفت القوات الامريكية وطائراتها وقوافلها المدرعة، واوقعت اكثر من عشرين قتيلا امريكيا، تثبت ان هناك نوعين من المقاومة، الاول عراقي وطني يقاوم الاحتلال ويريد التسريع بتحرير بلاده منه، والثاني مدسوس تقف خلفه جهات مشبوهة، وتستهدف هجماته العراقيين لاعطاء انطباع خاطئ عن المقاومة، وتنفير العراقيين والعرب منها.
الادلة تتزايد يوما بعد يوم علي ان القوات الامريكية لا تسيطر علي العاصمة العراقية بغداد، بعد ان ثبت عمليا انها عاجزة عن السيطرة خارجها، رغم مرور ستة اشهر علي هزيمة النظام السابق، واستسلام قواته، ودخول بغداد باقل قدر ممكن من الخسائر.
الامريكيون دخلوا مصيدة بات من الصعب عليهم الخروج منها، فهم لا يستطيعون هزيمة العدو الذي يحاربهم بشراسة، ولا يقدرون علي جذب الاموال والقوات الاجنبية لمشاركتهم في الخسائر المادية والبشرية، وباتوا عاجزين تماما عن حماية انفسهم او حماية السكان الذين يحتلونهم.
الرئيس بوش المسكون بالعراق، ويعتقد ان الله اختاره لهذه المهمة الصليبية ، بات غارقا في طين العراق حتي ركبتيه، وبعد دخول ثقافة العمليات الاستشهادية الي العراق، والنجاح في اسقاط طائرتين عموديتين في اقل من ثلاثة ايام، وتجاوز ارقام خسائر العمليات الفدائية مثيلاتها في حرب الاسابيع الثلاثة الاولي التي ادت الي احتلال البلاد، سيجد الرئيس بوش نفسه قد غرق في وحول العراق حتي اذنيه.
صقور الادارة الامريكية من المحافظين الجدد كسبوا الحرب التقليدية علي العراق، ولكنهم لم يكسبوا قلوب العراقيين وعقولهم، او الجزء الاكبر منهم، ونحن هنا لا نتحدث عن المؤلفة قلوبهم الذين عادوا الي العراق علي ظهور الدبابات الامريكية، وقطعا سيخسر هؤلاء الحرب التقليدية الاستنزافية، مثلما سيخسرون الاعلام السلاح الابرز في هذه الحرب.
ان معدلات الموت الحالية في صفوف الجنود الامريكيين بدأت تحطم كل يوم ارقاما قياسية جديدة، وتحدث اثرها في اجهزة الاعلام، واذا وضعنا في اعتبارنا ان الانتخابات الرئاسية الامريكية باتت علي بعد اثني عشر شهرا فقط، فان علينا ان نتوقع المأزق الذي يعيشه الرئيس بوش واركان ادارته هذه الايام وهم يتابعون التقارير الحقيقية لحجم الخسائر البشرية والمادية الامريكية في العراق.
ربما يجادل البعض بأنه من السابق لاوانه المقارنة بين فيتنام و العراق ، لان الفارق كبير بين المأزق الامريكي في البلدين، وهذا صحيح، ولكن ما هو صحيح ايضا ان التدخل العسكري الامريكي كان خطأ كارثيا في الحالين، ولهذا جاء الثمن باهظا في نهاية المطاف.
في فيتنام كانت هناك مقاومة منتشرة في كل انحاء البلاد، تدعمها قوي اشتراكية عظمي مثل الصين والاتحاد السوفييتي، وتمدها بكل اسباب القتال من اسلحة وقنابل واموال وخبرات واعلام.
في العراق مقاومة تنحصر في قطاع واحد، ولكنها تنتشر ببطء، ولا تجد الدعم من الجيران، بل اغلاق الحدود، والارتجاف رعبا من العقاب الامريكي. كما تقابل باعلام عربي متخاذل مشكك في معظم الاحيان.
ومع ذلك فان الوضع في العــراق اخطـــر علي امريكا وقواتها من نظيره الفيتنامي، ففـــي العـــراق اكثر من خمســــين مليون قطعة سلاح، ومليون طن من الذخائر (ارقام امريكية موثقة)، وفــــوق هذا وذاك حدود مفتوحة (رغما عن الحكومات) امام كل انسان مسلم محبط من القهر والظلم الامريكيين ويريد التعبير عنهما في ميدان المعارك قتالا حتي الشهادة.
الادارة الامريكية الحالية خططت (مثلما قالت) لجعل العراق نموذجا للديمقراطية، ونقطة اشعاع للحريات تنتقل عدواها الي دول الجوار المهيمن عليها من قبل انظمة دكتاتورية فاسدة، ولكن نتائج هذا التخطيط العبقري (والفضل للجلبي وشركاه) جاءت دولة فاشلة، مفتوحة الحدود، وقاعدة للمقاومة والتطرف بكل اشكاله وألوانه، تتربع علي اغني منطقة بالنفط والثروات المعدنية في العالم بأسره.
هنيئا للرئيس بوش علي هذه الرؤية السياسية غير المسبوقة، وشكرا لمستشاريه الذين حققوا للشيخ اسامة بن لادن حلمه التاريخي في جر امريكا ومحاربتها علي ارضه، ارض العرب والمسلمين، بدلا من ان يحاربها علي ارضها وعلي بعد عشرة آلاف كيلومتر