المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية وضع فلسطيني مقلق جدا



aseer_plastine
05-11-2003, 01:11 PM
وضع فلسطيني مقلق جدا
2003/11/05


عبد الباري عطوان

متابعة الوضع الرسمي الفلسطيني، والسلطة ورجالها علي وجه التحديد، وتصرفات المستوزرين فيها وحولها، تصيب المرء بالقرف والغثيان الشديد. ففي الوقت الذي تواجه فيه الدولة العبرية مآزق علي الاصعدة كافة، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وامنيا، وتصوت غالبية الاوروبيين بانها تشكل اكبر تهديد للسلام العالمي، ينشغل اهل السلطة في خلافات وصراعات حول الصغائر، ويطعنون بعضهم بعضا في الظهر، والخصر، والقلب، بحيث اصبح تشكيل وزارة، وتعيين وزير للداخلية هو القضية المركزية العربية الاولي!
الانقسامات الاسرائيلية المتفاقمة، وتصاعد الاتهامات لارييل شارون بالفشل في تحقيق السلام مع الامن، وعجزه وحكومته عن انهاء المقاومة، وانحدار سمعة اسرائيل الي الحضيض، وتنامي المقاومة في العراق في مقابل انخفاض اسهم ادارة الرئيس جورج بوش، كلها عوامل تحتم موقفا فلسطينيا موحدا، وانضباطا سياسيا ووطنيا محكما، ولكن ما يحدث هو العكس تماما، اجتهادات خاطئة، وتنابذ بالالقاب، وغابة من النميمة، وشلل كامل في التفكير والاداء معا.
عام كامل والشغل الشاغل للنخبة السياسية الفلسطينية هو أزمة وزارة الداخلية، وكأن هذه الوزارة ستشرف علي امن الامبراطورية الرومانية وشؤونها الداخلية، وضبط حدودها المترامية. فتارة يعلن الاتفاق حول حل هذه المعضلة، وتارة اخري يقال ان الاتفاق انهار بعد مشادات بين الرئيس ورئيس وزرائه. اسماء تترشح، واخري تسحب، وثالثة للحلول الوسط، وشارون يستمر في بناء السور، والتجول بعواصم العالم لحشد الدعم والتأييد لسياساته الارهابية، وللتحريض ضد سورية وايران والمنظمات الفلسطينية.
مجموعة من الكهنة في اللجنة المركزية لحركة فتح ، معظمهم انتهي عمرهم الافتراضي، وينشغلون بامراضهم الشخصية والتنظيمية، ناهيك عن العضوية، اكثر من انشغالهم بالقضية الفلسطينية، ويتنافسون علي المناصب، ومناطق النفوذ بينما الشعب الفلسطيني يواجه الجوع والاذلال اليومي علي الحواجز، والاستشهاد قصفا بالطائرات من مختلف الانواع والاشكال!
السيد احمد قريع يستعجل تشكيل حكومة موسعة، ليس من اجل انقاذ الشعب الفلسطيني من ازماته المعيشية المتفاقمة، وانما من اجل التفاوض مع شارون في العلن، بعد ان تفاوض معه في السر، فالرجل لا يطيب له العيش الا اذا عقد مفاوضات سرية في الدهاليز المظلمة، وكأنه مدمن مفاوضات.
شارون يترنح من شدة الفشل، ويواجه عاصفة من الانتقادات والازمات الداخلية، فرئيس هيئة اركان جيشه يتمرد عليه ويهاجمه وسياساته علنا، والشرطة تستدعيه للتحقيق بتجاوزات مالية، ومهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا يفجر قنابل حول سيطرة اليهود علي القرار العالمي، والغالبية الساحقة من الاوروبيين تري ان اسرائيل منبع الارهاب، ويهود يساريون يتظاهرون ضد السياسات الاسرائيلية التي تحرض علي مشاعر نازية جديدة ضد اليهود كيهود. والشخص الوحيد الذي لا يري كل هذه الاشياء هو السيد قريع، ويهرول بحماس من اجل القاء عجلة انقاذ الي شارون، واعادة تسويقه الي العالم كرجل سلام.
مآزق شارون هذه، بل ومآزق اليهودية العالمية الراهنة لا تعود الي دبلوماسية قريع وامثاله، ولا الي عبقرية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وانما الي الانتفاضة، وعمليات المقاومة، ودماء الشهداء التي غسلت عار اتفاقات اوسلو، واجتهادات السياسيين الفلسطينيين الكارثية.
السيد قريع يريد وزيرا قويا للداخلية، تتوحد كل الاجهزة الامنية تحت جناحيه، ويملك صلاحيات كاملة لضبط السلاح غير الشرعي ووضع حد لحال الفوضي في الاراضي المحتلة. فهو يريد ان يتفاوض مع شارون من موقع قوة.
السلاح غير الشرعي الذي يريد ابو علاء ضبطه ومصادرته هو سلاح المقاومة وحركاتها الاسلامية خاصة، اما حال الفوضي الامنية التي يريد وضع حد لها، فهي الانتفاضة والهجمات التي يشنها رجالها علي المستوطنات الاسرائيلية.
فلا السيد قريع، ولا الرئيس عرفات يريدان الاعتراف بان مصدر الفوضي الامنية الحقيقية، والفساد الاخلاقي، هم قادة بعض اجهزة الشرطة والامن الذين يفرضون الخوات علي الشعب، وينتهكون الاعراض، وينهبون المال العام، ويفاقمون من معاناة الشعب المغلوب علي امره. والسيدان عرفات وقريع يعرفان هؤلاء جيدا ويتستران عليهم، ويوفران لهم الغطاء الوطني للأسف.
لا نفهم لماذا يكون الاصلاح الفلسطيني هو ذلك الذي يصب في مصلحة حماية المستوطنين اليهود، وتوفير الامن لشوارع تل ابيب وحيفا والخضيرة. لماذا لا يكون هناك اصلاح يطهر الاجهزة الامنية من الفساد والفاسدين، ويجعلها في خدمة الشعب فعلا لا لارهاب هذا الشعب؟
اذا صدقنا ما يتناقله الرواة حول نجاح سلام فياض وزير المالية في وضع حد لحال الفوضي السابقة في الهدر المالي، واعادة ترتيب البيت المالي الفلسطيني علي اسس حديثة، فلماذا لا تكون هناك محاكم جيدة، وتعليم جيد، وصحة جيدة، لماذا لم ينجح هاني الحسن ومحمد دحلان، وحكم بلعاوي ونصر يوسف، وياسر عرفات نفسه باعادة ترتيب البيت الامني، واقتلاع العفن المعشش داخله؟
فالشعب الفلسطيني الذي انجب سلام فياض يستطيع ان ينجب اكفاء آخرين قادرين علي ادارة اوضاعه بطريقة حديثة تخفف من اعبائه، وتجعله يبعث بابنائه الي العمليات الاستشهادية وهو مطمئن ان دماء هؤلاء لن تذهب هدرا.
حكومة مصغرة، لا.. حكومة موسعة.. لا، غيرنا رأينا نريدها حكومة طوارئ ولمدة شهر، تسأل لماذا هذه الحكومة وعلي اي اساس؟ يقولون لك ارجع الي النظام الاساسي، ومتي كان هذا النظام هو الحكم، يجيبون بان العيب في جهلك وعدم درايتك!
ماذا فعلت حكومة الطوارئ في شهرها الاول، ولماذا لم تستمر اكثر ما دامت هي حاجة ضرورية، ولماذا العودة الي الحكومة الموسعة؟ لا احد يملك الاجابة.
يقولون لك لا بد من تشكيل حكومة موسعة حتي لا يحدث فراغ سياسي، وتسأل ومتي كان هناك امتلاء سياسي ، وماذا سيحدث لو حدث هذا الفراغ السياسي: هل ستتوقف الارض عن الدوران، وهل سيعقد مجلس الامن الدولي جلسة طارئة لمناقشة هذا الحدث الخطير؟!
وضع فلسطيني مأساوي بكل المقاييس، ورموز سياسية مهترئة، وقيادة لا تستحق هذا الشعب البطل المجاهد. وسلطة صدقت الكذبة التي اطلقتها حول السيادة والوزارة والامن.
الارض محتلة، والسور العنصري يتمرد بسرعة، والمستوطنات غير الشرعية تتحول الي شرعية، والشرعية تتوسع بحيث تصبح مدنا، ورئيس الوزراء يحتاج الي اذن من جندي اسرائيلي قبل مغادرة بيته، ورئيس السلطة لا يستطيع اصلا التقدم بضع خطوات خارج مكتبه، ومع ذلك يختلفون ويتقاتلون ويتشاتمون حول توزيع المناصب والوزارات وكأنهم قوة عظمي!
رؤساء وزراء اسرائيل تغيروا عدة مرات، تشكلت وزارات، وسقطت اخري. وجرت انتخابات تلو الانتخابات وظهرت احزاب جديدة وانقرضت اخري قديمة، بينما الوجوه الفلسطينية نفسها، ياسر عرفات، احمد قريع، محمود عباس، هاني الحسن، حكم بلعاوي، رجال لكل العصور والازمان والازمات!
نرجوكم استريحوا.. تقاعدوا.. حلوا هذه السلطة، واتركوا هذا الشعب يتدبر امره، ويواجه الاحتلال بوسائله الخاصة. فالفوضي افضل من حال العجز الراهنة، لان الخاسر الاكبر منها هو اسرائيل وشارونها. فهذه سلطة تشرع الاحتلال، وتعفيه من مسؤولياته، وتوفر عليه عبئا بشريا وماليا كبيرا.