المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهيمنة الأمريكية



سعيد الشهري
08-11-2003, 03:04 PM
الهيمنة الأمريكية
الهيمنة الأمريكية

عندما تتزايد الغطرسة مع القوة التي جعلتها متغطرسة، فإنه يزداد اختلاف السلوك المتنامي مع تلك الغطرسة إلى درجة أنها قد تسبب أضراراً على صاحب ذلك السلوك بمثل انعكاسها على ضحاياه أو أكثر من ذلك ، قال جارثون إش مدير مركز الدراسات الأوربية في جامعة أكسفورد، معقباً على السلوك الحربي للولايات المتحدة الأمريكية: " إن الدور الأمريكي كان ولا يزال جزءاً من المشكلة ، لا جزءاً من الحل، لأن حجم القوة التي تملكها الولايات المتحدة قد وصل إلى حد بات ليس من صالح أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها ، والسبب هو أن إغراءات الإنفراد بالقوة مدمرة دائماً(1).
وهو ليس الوحيد من المفكرين الأمريكيين الذين حذروا من عاقبة هذا الوضع الذي للأسف يجد من يدافع وينافح عنه، فقد حذرالكاتب وليام باف في مقالة عنوانها "احترسوا من التفسيرات الأمريكية من الآراء التي يروج لها على نطاق واسع لتسويغ انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على شئون العالم(2)

وقال روبرت كاجان من مؤسسة كرنيجي سنة 1996م : أن الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم جديرة بالمحافظة عليها بفعالية ، لأن أي تقليص للنفوذ الأمريكي سوف يتيح فرصة للآخرين ليلعبوا أدواراً أكبر في صياغة شكل العالم بما يتلاءم مع احتياجاتهم. وكذلك شاطرهم الكثيرون ومنهم الصحفي وليام كريستول الى الترويج لهذه المقولة مدعين أن الهيمنة الأمريكية لا تحقق المصالح الأمريكية فحسب إنما تحقق مصالح العالم بأسره، وأصحاب هذا التيار لا يكتفون بقسر مصالح العالم كله على التماشي مع مصالح الولايات المتحدة ، وإنما يروجون كذلك لمتعة قبول العالم طوعاً بالعبودية الأبدية للولايات المتحدة.

ولقد أعترف فرنسي فوكوياما(3) بالهوة الكبيرة التي انبثقت من غطرسة القوة والهيمنة الأمريكية في العلاقة الأمريكية الأوربية ، والشكاوى والانتقادات التي من ضمنها : خروج الولايات المتحدة عن ( اتفاقية كيوتو) المتعلقة بارتفاع درجات حرارة المناخ العالمي ، وكذلك انسحابها من الاتفاقية المضادة للصواريخ البالستية، مع سعيها في نفس الوقت إلى بناء الدرع الصاروخي، وأيضاً معارضة واشنطن لحظر استخدام الألغام الأرضية واعتراضها على اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية ، وكذلك معارضتها للمحكمة الجزائية الدولية.
وفي نظر الأوربيين ما خلا بريطانيا ، واستراليا،أن أبرز شاهد على أحادية الولايات المتحدة يتضح بما فعلته في العراق، وهو الذي أقلق الأوروبيين حيث يريدون بناء نظام عالمي يقوم على القواعد الدولية والقوانين، في الوقت الذي تفزعهم فيه إدارة بوش بإعلانها عن مبدأ الضربة الوقائية ضد الإرهابيين أو الدول التي ترعى الإرهاب، علما بأن هذا المبدأ يكاد يكون ذا غايات وأهداف مفتوحة افتراضا.
ونحن نعلم كيف تسمي أمريكا المسلمين إرهابيين ، بينما تسمي السفاح شارون رجل سلام، نعرف تلك المزاجية جيداً. وفي ذات الوقت تسمي المناضلين عن اوطانهم كالفلسطينيين ، واللبنانيين إرهابيين، ولقد أنذرت الولايات المتحدة بأنها سوف تلاحق إرهابيين في ستين أو سبعين دولة.
لقد نبه المفكر اليهودي الأمريكي نعوم تشومسكي إلى أن الصياغة الأمريكية للعلاقة مع العالم قد تمت منذ الحرب العالمية الثانية على يد الدبلوماسي اليهودي جورج كينان، الذي حدد هذه العلاقة بضرورة المحافظة على واقع أن للولايات المتحدة 6،3% من سكان العالم ، وحوالي 50% من ثرواته.
أرأيتم أيها الإخوة كيفية الخطط لمستقبل الهيمنة الأمريكية كفانا الله شرها، وبتحقيق ذلك يجب الابتعاد عن الأحلام والعواطف والكف عن شعارات تنادي بحقوق الإنسان ورفع المستوى المعيشي للأفراد والتحول إلى الديموقراطية، كما قال اليهودي كينان:" لن يكون بعيداً اليوم الذي نضطر فيه للتعامل بمنطق القوة بعيداً عن رفع الشعارات...".(4) . إن مثل هذا التفكير هو الذي يجعل أمريكا تخوض حروباً وقائية ، أو إجهاضية في أي مكان في العالم تعتقد انه قد يشكل موئلاً أو مخبأ أو ممراً لخطر ما ربما يستهدف الولايات المتحدة.
إن الإقدام إلى هذا المستوى من الحرص على المصالح الأمريكية يهدد مصير العالم بأسره، ويعيده إلى شريعة الغاب فاحتلال دولة ما بحجج واهية لتنفيذ مصالحها إنما يمثل التعدي على القانون الدولي ، وعدم احترام للشرعية الدولية ولا لقرارات الأمم المتحدة التي وجدت لمنع الكوارث والحروب، وذلك يعد تجديداً لعصر طغيان الإمبراطورية الرومانية واستعبادها للأمم.
وتلك الحرب الوقائية ليست من صنع الأمريكيين فحسب بل سبقهم إلى ذلك الصهاينة اليهود، حيث كانوا يبادرون إلى الهجوم على الدول العربية بحجة استباق هجوم عربي، أو حتى بإجهاض مشروع تنموي عربي، مثل محاولة العرب الاستفادة من مياه روافد نهر الأردن، والذي تعاملت الأوساط العربية معه قبل أربعين سنة بكل غوغائية، بالتصريحات بضرورة الاستفادة من مياههم للتنمية الزراعية، بينما صمتت عندما شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية وبرية مكثفة لتدمير منشآت مشروعات المياه العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربي آنذاك، ومن تلك الحجج أنها احتلت القوات الإسرائيلية في حرب حزيران(يونيو) 1967 بقية فلسطين وسيناء المصرية ومرتفعات الجولان بحجة أنها تتوقع هجمات عربية منها . ولا تزال الأمة العربية تدفع ثمن الهزيمة في تلك الحروب، بالرغم من كذب الادعاءات الإسرائيلية، لكن تم فرض الواقع الأليم وللأسف. ورضخ العالم كله تقريباً لمنطق المنتصر، وقال موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بأن خطة اجتياح الدول العربية المحيطة بفلسطين من قبل الجيش الإسرائيلي كانت موضوعة منذ سنوات طويلة. وكانت قواتهم متدربة لذلك ولم يكترث أحداً لتلك المقالة. وكذلك لم يكترث أحداً لما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أب إيبان في مجلة فورين افيرز الأمريكية حيث قال :" لن يكون مستغرباً أن يطالبنا العرب بعد سنوات قليلة بالعودة إلى خطوط العام 1966 أو 1967 ، مثلما يطالبوننا اليوم بالعودة إلى خطوط التقسيم لسنة 1947، لكن الزمن لا يعود للخلف". وكانت تلك المقالة تعبرعن دراسة للتخطيط الصهيوني حيث استحلت القوات الصهيونية في عام 1967 اراض عربية جديده.

لقد كانت ذرائع الصهاينة بالاندفاع لتلك الحروب الوقائية بأنها تخشى العمليات الفدائية من أرض الوطن، أو من خارجه، متجاهلة أن ذلك حق مشروع للدفاع عن الوطن من أيدي المحتلين، أو حصول أي دولة عربية ما على سلاح جديد، رغم أن الترسانة الإسرائيلية كانت دائماً تستقبل أفتك الأسلحة المتطورة من أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، مما جعله متفوقة على تسليح كل الدول العربية.

إن إسرائيل تملك الأسلحة النووية والكيماوية لسنوات طويلة، وفي المقابل فإن الغرب لا يرضى بتملك الدول العربية لذلك كما أدعت الولايات المتحدة حينما غزت العراق وإلى الآن لم يجدوا شيئاً كما أوضح المفتش بليكس بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق. فكانت إسرائيل تقيم الهجمات تلوا الهجمات والمجازر تلوا المجازر بحجة استتاب أمنها.

بنفس الأسلوب تقوم الولايات المتحدة اليوم بحروب وقائية قد تشمل العالم الإسلامي كله، مما يؤدي إلى تحولاً شديداً في العلاقات الدولية وتنتشر الفوضى، والتناحر بين أفراد المجتمع الواحد كما يحدث في الصومال، وأفغانستان، وغيرها من الحروب الأهلية التي تقضي على مقدرات الأمة المسلمة.

في آب (أغسطس) 2002م حرض كيسنجر في مقالة بعنوان " الطريق إلى القدس يمر ببغداد" على أهمية خوض المعارك الأمريكية لفرض نظام جديد في العراق يسهم في توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، وينضم للذين تعهدوا بقمع كل من يطالب بالعودة إلى فلسطين.



قال كيسنجر أثناء توليه منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في 1975 " إن الإرهاب هو سلاحنا الحقيقي للحفاظ على مصالحنا، وإن القتل مبرر في عرفنا، فالتخريب مبرر لدينا، والمؤامرات مشروعة عندنا، وإذاً ما المشكلة ما دام كل شيء مبرراً (5).

لا يتردد أي مسؤول أمريكي في التصريح علناً بأن ضمان أمن إسرائيل وتفوقها على العرب جميعاً هو الركن الرئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية وما ينبثق عنها من حروب ونشاطات عسكرية أو أمنية أو سياسية أو اقتصادية، وليست أمريكا وحدها التي تهتم بشؤون الصهاينة بل إن الغرب بأسره يلتزم ويتبنى مصلحة إسرائيل والتي هي أساس سياسة أمريكا الخارجية وعلاقاته الدولية.
فعلى سبيل المثال لم تتعاون دول الإتحاد الأوروبي مع إيران إلا بشرط الاعتراف بإسرائيل وهذا والله من الإجحاف والظلم العالمي، فكيف يراد من دولة من دول العالم الإسلامي ترى القتل والبطش في إخواننا الفلسطينيين بأن تعترف بهذا الاحتلال السافر ،ولكن ايران رفضت هذا العرض.

لقد اتهمنا العالم الغربي بالتخلف والوحشية والإرهاب حينما قاطعنا إسرائيل اقتصاديا، ولكن أمريكا لم توصف بذلك حين حاصرت العراق وقتلت بذلك الحصار مليون وسبعمائة طفل عراقي، لذلك لا نستغرب إذا شنت أمريكا حرباً وقائية بزعمها على أي دولة عربية أو إسلامية لا تريد إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ، أو حتى لا توافق على أن تزود إسرائيل بالنفط.

إن اعتبار المملكة العربية السعودية إسرائيل عدوٌ محتل ومطالبتها بإقامة الدولة الفلسطينية قد أغاض اللوبي الصهيوني في الكونغرس، فقد قدم لوران ميوراويك تقريراً إلى مجلس السياسات واتخاذ القرارات في الولايات المتحدة، حيث دعا إلى مصادرة الأموال السعودية الحكومية والخاصة في الولايات المتحدة واحتلال حقول النفط السعودية مالم تتوقف التصريحات والبيانات المعادية لإسرائيل في وسائل الإعلام السعودية، سبحان الله أين حقوق الإنسان التي يدعونها، وحرية الرأي الذي يتشدقون به ، يريدون من دولة إسلامية فيها أقدس بقعة على الأرض أن لا تعتبر إسرائيل عدواً كالسرطان ينهش في جسد هذه الأمة المريضة عجل الله بفرجها .كما لا ننسى الحملة التي طالبت فيها بعض العناصر الأمريكية حيث بلغت حد إقامة دعوى قضائية لمطالبة السعودية بالآف المليارات تعويضاً عن هجمات ديسمبر. وهذا أنموذج عن الحجج التي ممكن استخدامه لشن حروباً وقائية مستقبلاً.
وفي الختام أقول إن الولايات المتحدة قد سيطر عليها اللوبي اليهودي في أروقة الكونغرس فهي تنفذ ما يمليه اولئك اليهود مما حدا بأحد القادة الصهاينة بالقول: " مثلما كان القرن التاسع عشر بريطانياً ، والقرن العشرون أمريكياً ، فسيكون القرن الحادي والعشرون إسرائيلياً.

(1) نييورك تايمز 9-4-2002.
(2) الإتحاد أبوظبي 10-8-2002.
(3)صاحب نظرية انتهاء العالم والتي أعلنت فشلها منذ انطلاقها.
(4) نعوم تشومسكي ، ماذا يريد العم سام؟ترجمة عادل المعلم ، دار الشروق، القاهرة.
(5) الإتحاد 10-9-2002.